الفصل الرابع والعشرون أستدعاء دهمان

الفصل الرابع والعشرون أستدعاء دهمان

داخل منزل نيروز تُقام التجهيزات من أجل الخُطبة والجميع مُنشغل على قدم وساق
وبدء المدعوين من العائلتين في التوافد والعروس بغرفتها تتزين وترتدي ثوب سماوي يعكس جمال رماديتها الساحرة مُتنساق على قوامها الممشوق به بعض الورد الصغيرة مصفف بعناية على صدرها، تركت خصلاتها البنية المائلة للذهبية بتمويج ينساب خلف ظهرها بعشوائية ووضعت القليل من مساحيق التجميل والقت نظرة أخيرة على مظهرها بالمرآة تتأكد من أنتهاء لساتها الأخيرة.

بالخارج تصدح أصوات الزغاريد بالشقة وصوت المذياع يصدح بصخب على نغمات خاصة بهذه المُناسبة السعيدة، وشريفه تحمل بين يديها صينية الشربات وتُقدمها للحضور والابتسامة تعلو ثغرها فرحًا بخطبة نيروز
وأنهالت عليهم المُباركات وجلس الجد بجانب والد عزيز يتحدث معه عن أمور الزفاف اما "عزيز" فعيناه تجوب بارجاء المنزل بحثًا عن نصفه الآخر، نصف ساعدته فلن تكمل سعادته إلا بوجودها وقُربها منه، مقلتيه تتلهف لعناق حدقتيها الساحرتين.

واذا هي تغادر الغرفة بطلتها البهية التي تخطف الأبصار بجمالها الأخذ، أستقام واقفًا وكاد ان يهم لاستقبالها ولكن توقف مكانه بسبب نظرات والده وجب عليه أن يتريس وينتظر هو قدومها بوله خطفت قلبه.
سارت على أستحياء بجانب عمها إلى أن أجلسها بجانب "عزيز" حبس أنفاسه وهو يطالعها بنظرات عاشقه، ود لو اخفاها داخل قلبه بعيدًا عن العيون المُتلصصة لهم، ود لو خطفها وهربًا بها لمكان بعيد لا يوجد به سواهم هم فقط...


تبسم لها ومال بالقرب من أذنها هامسًا بعشق:
-جميلة وشهية وأُريد تذوقكِ الآن
توردت وجنتيها بحمرة قانية، امسك بكفها ليلبسها خاتم الخُطبة وهي البسه المحبس الفضي
وتعالت أصوات الزغاريد تصدح داخل الشقة واقترب الجد يبارك لها ويُقبلها بحنان وجلس بجوارها لتلتقط لهم العديد من الصور التذكارية لكي تُخلد الذكرى السعيدة بهذه الصور..

ظل عزيز جالسًا جوارها من حين لآخر يُمطرها بكلمات من الغزل والعشق والهيام الذي يكنه لهذه المخلوقة التي سُرقت لُب قلبه.
وهي تبتسم بسعادة وتنظر له تخبره أيضًا بمدا عشقه الساكن بقلبها وقد عوضها الله به بعد سنين عجاف.
تهللت اساريره عندما افصحت نيروز عن عشقها وتخلت عن خوفها خجلها وبدت تسترد ثقتها بنفسها وتُعيد تأهيل شخصيتها دون رهبة أو خوف وإجبار من أحد، ستفعل ما يحلو لها وما تراه صائب وتتخلى عن شخصيتها السذاجة السلبية وتتحرر من قيود الماضي اللعين..

**
لم تقدر على الذهاب لخطبة صديقتها فقد كانت مُنشغله بما يتحدث عنه والدها تُريد أختراق ذاكرتهم لتعلم الحقيقة الخفية عنها.
ولكن تلك المرة تكون الدخان تبسمت تنتظر رؤية "سادم" ولكن أرتجف قلبها عندما وجدت المارد"دهمان" بمنظره المُخيف ورداءه الأسود وسقط القنسلوة عن رأسها لتظهر قرونه الحمرويتين، تلك هي المرة الثانية التي تراءه ولكن أرتجفت أوصلها وتخبطت قدميها ببعضهم لم تُصدق وجوده معها داخل غرفتها.
همست بصوت مُرتجف مهزوز:
- أنت.. ولكن كيف؟!
ضحك بأعلى طبقات صوته وجعل البيت يهتز على أثر ضحكاته

دلف والديها لغرفتها بقلق عندما شعرُ بأهتزاز المنزل ولكن تفاجئ من وجود الشيطان دهمان فهو يعرفه وارتدت هدى للخلف لم تُصدق عينيها ما تراه الأن، وجه مُخطفًا بملامح باهتة وعينين ليست بمكانهن الصحيح مسخ، شيطان ملعون من نسل الابالسة.

هتف بصوت فحيح قوي جعل أجسادهم ترتجف :
- لقد وهب والدكِ روحك لي منذ أن كُنتِ في أحشاء والدكِ لم تخرجي لدنيا بعد
وقف منصور في مقابلة وقال بحزن:
- خذ حياتي وأُترك ابنتي
عاد يضحك بصخب ليهتز كل شيء حوله وقال:
- وماذا أفعل بك وانت على مشارف الموت ولكن ابنتك لديها وهبت لي حياتها هي أيضًا، تمتلك من القوة ما تجعلني أملك العالم أسري والهالة الذهبية المُحصنة بها خاصة بنسل الابالسة، لذلك هي لم تَعُد ابنتك، هي ملك لي وسوف أسترد روحها في ليلة أكتمال القمر الثالثة

نظر لسرين الواقفة بعدم تصديق ما يحدث أمامها وما يتحدثون عنه.
-ستكونين خاضعة تلك الليلة لاوامري وستكون حياتك ملك لي
تكوم في دُخان كثيف ثُمَّ أختنفى
جلست على الفراش بوهن ونظرت لوالديها قائلة بتسأل:
-يجب أن أفهم كل شيء، عن أي هبة يتحدث عنها "دهمان"؟
نكس والدها راسه بين كفيه وجلست والدتها لم تستطع الوقوف على قدميها.

تحدث منصور بحسرة:
- قبل والدتك حملت هدى كثيرًا وعند موعد المخاض يختنق الطفل ويولد متوفي، إلى أن حملت بكِ مرت الايام والشهور علينا بخوف شديد من خسارة الطفل القادم وعندما أقترب موعد المخاض ذهبنًا لدجالة في بلدة أخرى يذاع عن بركاتها في الضواحي، لم نتردد توجهنا إليها وسردنا عليها ما يحدث معنًا.

فلاش باك.
امسك منصور بيد زوجته ودلف لداخل الغرفة التي توجد داخلها العرافة "سمردان" الجالسة أرضًا برداءها الأسود وملامح وجهها المتجعدة يظهر كبر عمرها وشعرها الاشعس الذي يكسوه البياض، تنظر بحدقتيها السوداء الفاحم وتنثر حبات البخور على المشعلة الموقدة بجمرات النار لينبعث دخانًا من بين الجمرات، لم تتحدث فقط أشارت بكفها لكي يجلسوا أمامها
ساعد منصور زوجته على الجلوس بسبب كبر حجم بطنها كان الأمر صعبًا عليها وجلس بجانبها لتتكئ زوجته عليه.

هتفت بصوتها الغليظ أشبه بصوت الرجال:
- ما الأمر؟
هتفت هدى بصوت مُرتجف أثر رهبتها من هذه السيدة:
-هذا طفلي الثالث عشر، حملت قبله اثنا عشر مرة وفي كل مرة عند ألم المخاض تتعثر الولادة ويختنق الطفل ويولد متوفي لا روح فيه، أخبرنا إحدى الجيران بمنطقتنا ان نأتي إليكِ وسنجد مطلبنًا

حكت خصلاتها البيضاء وقالت :
- حسنًا سوف أخبركِ بما يجب عليكِ فعله لسلامة الطفل ولكن لا وأُريد مالا أُريد الاساور الذهبية التي تحتضن معصم يديكِ الجميلة
لم تتردد هدى في نزع الاساور واعطتها لمنصور الذي قدمهم إلى العرافة
عادت تهتف بغلظة صوتها وقالت وهي تنظر لمنصور:
- بعد ثلاث ليالي سياتي زوجتك ألم المخاض خذها واذهب بمكان خاوي تمامًا من العمار وعند هطول الأمطار أستدعي "دهمان" هذا المارد سيحفظ لك طفلك القادم وعندما يكمل طفلك عامه الأول احضره معك لي وسوف أُحصنه بالهالة الذهبية لا تخاف بعد ذلك طفلك سيعيش عمرًا مديدً

هتف منصور بتسأل :
- وكيف أستدعي دهمان هذا؟
- احفظ ما أُردده عليك ولا تنسى تلك الكلمات تضعها حلقة في أُذنيك
" أيها المارد الأعظم، دهمان العظيم، جن الابالسة والملاعين، أحضر لكي أهبك روح طفلي، فهو في حمايتك منذ الآن"

سوف تردد تلك الكلمات إلى أن تنشق الأرض ويُخرج المارد من الطين وتجف الأرض حينها ويتهيء لك في دخان كثيف فلا تخف وأثبت مكانك وسوف يتم العهد بينكم، هيا خذ زوجتك وأرحل ولن تأتي إلا وعمر طفلك عام.

انهض زوجته وسارُ سويا مغادرين منزل العرافة عائدين إلى بلدتهم، وطوال تلك الليالي لم يغمض لهم جفن ساهرين مُترقبين القادم

وعند الليلة الثالثة شعرت هدى بألم المخاض وعلى صوت صراخها، سحبها منصور برفق وطلب منها التحمل إلى أن ذهبُ إلى المكان المنشود وفي تلك اللحظة هطلت الأمطار فظل منصور يردد الكلمات التي أخبرتها عنهما العرافة "سمردان" إلى أن أنشقت الأرض وخرج منها دخان كثيف تهيئ في صورته الأخيرة وظهر المارد "دهمان" بملامحه المخيفة الذي ارتد على اثارها منصور للخلف وكاد ان يسقط أرضًا ولكن صرخات زوجته جعلتنا يتلاشى خوفه ويطالبه بأن يحفظ طفله.

قال دهمان بصوته الغليظ:
- ما مطلبك؟
قال منصور بصوت مُهتز:
- تحفظ لي طفلي وزوجتي
-ستهب لي حياة طفلك القادم
قال منصور دون تردد:
- أهب لك حياة طفلي
-لن تستطيع أن تنقض العهد بعد تلك اللحظه، ستلد زوجتك الأن طفلة جميلة وسوف أعود بعد أعوام لأخذ روحها لكي اعيش حياة أطول
قهقه ضاحكًا بصوت جلي واختفى في لحظة وبالفعل تمت الولادة وأنجبت هدى طفلة جميلة أسمتها "سيرين"
ومعناه الزهرة عند الاغريق..

عودة للوقت الحالي..
هتف منصور قائلا:
- من يومها ولم أرا دهمان ولم أستدعيه ثانيًا وكلما كبرتي نسيت تمامًا أمر العهد وعندما أصبح عمرك عام ذهبت بكِ بالفعل إلى العرافة وعندما رأتك فعلت لكِ تحصين بهالة ذهبية ولا أعلم بأن تلك الهالة تحفظ عمرك فقط لكي يعود دهمان ويسترد روحك

صرخت رافضة التصديق وقالت:
- كيف تفعل ذلك من يهب الحياة ومن يسلبها منا هو الله، الله سبحانه وتعالى، كيف يا والدي تستعين بالدجل لانقاظ روحي وسلامتي أنا وأمي كيف؟
الموت والحياة بيد الله تعالى، ما فعلته هو ضد أرادة الله، ولن يستطيع دهمان هذا أو غيره أن يأخذ روحي لان روحي ملك لخالقي لله الواحد الأحد


- قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) سورة آل عمران
قال الله تعالى في سورة المؤمنون: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}

**
في إيطاليا تم أستدعاء ماكسر من قبل الشرطة الفيدرالية وذهب على الفور ليقص عليه المُحقق ما حدث ل "ماري" ولازالت لعنة الساحرة تلاحقها حزن على ما حدث لها وطلب من المُحقق مساعدته في أستخراج هويته سريعًا لكي يذهب إليها وعندما غادر مخبر الشرطة ذهب إلى الغابة بحثًا عن تلك النبة فهو يعرف أوراقها وعندما وصلا لهناك تذكر كل ما دار من أحداث على أرض تلك غابة "الأشباح" الغابة الملعونة
وجد الشجرة وقطف أوراقها ثم وضعهم داخل حقيبة جلدية وعاد إلى المُحقق الذي اخرج له بطاقة هوية لكي يسافر بها إلى المملكة المصرية واقله المُحقق بنفسه إلى المطار وجلس "ماكسر" ينتظر الإعلان عن إقلاع طائرته.

ظل داخل المطار قرابة الثلاث ساعات وعندما تم الإعلان عن التوجه للطائرة ركضًا مُسرعًا يستقل بمقعده داخلها وهو جالس بجانب النافذة يتطلع للسُحب والسماء ويتنهد بأشتياق لمحبوبته الرقيقة "ماري" ذات القلب الأبيض كنقاء بشرتها وهمس صوتها ونعومة جسدها، كيف لملاك رقيق كهذا تظل تلك اللعنة مُحاصرتها وتعيش داخل جسد الذئبة؟ هذا ليس عدلًا بهذه الملاك الجميل فقد أسطونت قلبه وأصبح مكانها في القلب هو القلب كُله..

مقلتيه الزيتونتي تلمع بأشتياق تتلهف رؤية محبوبته ومعشوقته، بعد عدة ساعات من تحليق الطائرة هبطت الأراضي المصرية وعندما ترجل من الطائرة وجد ضابط مصري في استقباله بعدما ابلغتهم الشرطة الفيدرالية بموعد وصوله وذهب به على الفور حيث العنوان المنشود المنزل المهجور الخاص بعائلة "ماري"
التقي ماكسر بوالدها داخل ذلك المنزل وكانت ماري ساكنة دون حراك يبدو عليها الاعياء بسبب عدم تناولها للحوم البشر، لذلك قبلت بضعف قوتها ريثما تمر تلك الليالي القمرية.

وفي أخر ليلة قبل بذوغ الفجر دلف ماكسر مُهرولا إليها انسابت دموعه وهو يتحسس فروتها، ثم اخرج الحقيبة الجلدية ليغلي الوريقات التي قطفها من النبة السامة وعاد إليها يمسح على جسدها بأكمله من الاناء الذي غلي به الوريقات الذي بدت في تحول لون جلدها الرمادي لاحمر قاني واغمضت ماري مقلتيها الحمرويتين وهذا بفعل السُم الموجود داخل النبتة وسيظل جلدها في التغير لحين انقشاع ظلام الليل وعند إسدال الشمس أشعتها سوف تعود ماري فتاة كما كانت وتنتهي تلك اللعنة للأبد.

ظل ماكسر حزينًا بجوارها يُمسد على جسدها بحنو ولا يعي بتلك الساعات التي قضاهما بجوارها، في حين كان والدها يتابعه عن بعد وعلم بمدا حُب هذا الشاب لابنته، يبدو أن ابنته محظوظة بحبيب مثله ورفاق مثل صديقتيها نيروز وسيرين..

هكذا هوالحُب الحقيقيّ هو شعورٌ مختلف عن أيّ شعور؛ فهو شعور بالأمان، والاحتواء، والسّعادة، والتوازن العاطفي. وهو من أجمل ما قد يمر به أي شخص، وينعكس أثره بشكل إيجابي عليه، وعلى تعاملهُ مع من حولّه

الحب قوّة، ومعين على تحمل وطأة الواقع على القلوب. الحب سعادة، حتّى وإن كان حلماً.
الحب الحقيقي، هو أن ترمي لهم بطوق النجاة في لحظة الغرق، وتبني لهم جسر الأمان في لحظات الخوف، وتمنحهم ثوبك في لحظات العري كي تسترهم، تم لا تنتظر المقابل! .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي