الفصل الثاني عشر الماريونيت

الفصل الثاني عشر " الماريونيت"

تحركها كدمية الماريونيت هي وحدها التي تمسك بخيوط اللعبة، تتقازف بها هنا وهناك، أرقت مضجعها، جعلتها تنظر للخواء بشرود.

بعدما استيقظت من نومها المتقطع أثر الكوابيس التي تلاحقها، وذلك الطبيب الغامض وفقدانها لصديقتها "ماري" ولا تعلم أين هي الآن، حية ام توفاها الله والأخرى "نيروز" لم تقلق عليها بقدر خوفها على أن تفقد ماري، فهي علمت بعشق "عزيز" لها ولن يتركها وحدها، كما شعرت باحتياج نيروز له، تنهدت بضيق وهي تتمنا ان يتنهي ذلك الكابوس.

غادرت الغرفة بخطوات حذره، تبحث بمقلتيها عن وجود ذلك الوقح فهي تبغضه منذ حديثه معها بالأمس
تنفست الصعداء عندما وجدت ورقة مثبته على البراد، قرأت محتواها
"ذهبت لعملي بالمشفى، ظلي اليوم بالمنزل وعند عودتي ساجلب لكِ ثياب خاصة"

ابتسمت بهدوء وقالت بحيرة من أمر ذلك الغامض:
- شخص غريب الأطوار
صنعت لها كوب من الشاي وقررت أن تجلس بشرفة المنزل ترتشف كوب الشاي بهدوء وهي تتطلع لتلك المدينة الساحرة، لطالما حلمت بالتفتل بين شوارعها
وكانت تحلم بزيارة" فنسيا" التي تقع في شمال إيطاليا، وهي جزيرة خلابة، بها بحيرة مائية، تشتهر بأجوائها الرومانسية، وشوارعها العتيقة، التي تشهد على حضارة المدينة.

طالعت الأفق بهيام شاردة بتلك الأجواء الساحرة والرقص مع فتى أحلامها تحت ضوء القمر الساطعة على معزوفة بيتهوفن رومانسية حالمة

بعد الانتهاء من ارتشاف كوب الشاي، شعرت ببردوة الطقس تسري باوصالها؛ فنهضت عن مقعدها وهي تحمل الكوب بيدها وغادرت الشرفة ولجت لداخل الشقة واغلقت الشرفة ثم سارت بخطوات واسعة متوجهة إلى المطبخ وضعت الكوب الفارغ أعلى المنضدة ثم قررت التفتل بالشقة، ساقها فضولها لمعرفة الطبيب الغامض

بدأت بغرفته وجلت داخلها لتتسع بؤبؤة عينيها وهي ترا الغرفة مطلية باللون الأسود، سارت بخطواتها الواثقة
تتجول داخل غرفته التي تحتوي على اثاث مطلي أيضا بالاسود، حيث يقبع الفراش بمنتصف الغرفة والكومود من كل جانب وتوجد منضدة زينه على جانب الغرفة وفي الجهة الأخرى خزانة الملابس خاصته، وكرسي هزاز بجانب الفراش مثل الارجوحة.

قادتها قدميها لتفتح خزانته لتجد ثيابه المعلقة بانظباط ولا يوجد إلا لونين فقط "الأبيض والأسود"
هذان اللونين عادت تغلقها وهي تهتف بدهشة:
- يبدو أنه شخص كئيب لما كل هذا السواد الكاتم، يبدو أن حياته لم يدخلها الألوان بعد

جلست باسترخاء على المقعد ثم اغمضت عينيها لتستشعر جمال اللحظة وهي تدفع المقعد برفق ولكن فتحت عينيها بفزع عندما استمعت لصوت أرتطام قوي يأتي من خلف النافذة
نهضت مسرعة تتفقد ماذا حدث، رفعت الستار لتجحظ عينيها بصدمة عندما وجدت الخُفاش سمندر أمامها
فتحت النافذة لتجده وقف على كتفها ودنا راسه منها يهزها برفق
رأت الشيء المتدلي من عنقه، نزعته بيد ترتجف ليفر سمندر طائرًا بسرعة البرق، قلبته بين راحتيها ثم أخرجت الزجاجة الصغيرة ووجدت ورقة مطوية فتحتها لتقرا المكتوب داخلها

(ضعي محتويات هذه القنينة داخل مشروب الطبيب، ولا تنسى وعدك لي، انتظر قدومكما اليوم)

فتحت غطاء الزجاجة ثم قربته لتشتم رائحة كريهة شعرتها بالاشمئزاز والنفور، اغلقتها ثانيا وهي تردد داخلها قائلة بحيرة؛
- أمن المعقول أن تلك الزجاجة تحتوي على سُم، ثم هزت راسها نافية ولسان حالها يقول
- لا.. لا هي لازالت بحاجته ولن تقتله ولكن أين علم سمندر بوجودي هنا؟

خبطت جبينها بتذكر وهمست بضيق:
-ماذا دهاكِ سيرين، نسيتي أن جونجان ساحرة وتتبع خطوات الشياطين فهي تابعة لجن الابالسة "المارد دهمان"
جال بخاطرها الان ان تترك تلك الغرفة وتذهب إلى حيث الغرفة المُغلقة لترا ما بداخلها فضولها يسوقها لمعرفة ماذا يوجد خلف الأبواب المُغلقة ورغم تحذيره من عدم الاقتراب إلا انها لن تستطيع منع نفسها من معرفة الحقائق المختبة.
وقفت أمام الباب المُغلق عازمة الأمر على فتحه بحماس وفضول يقتُلها..
**
أستيقظ "عزيز" من نومتها الغير مريحة وهو يحرك عنقه يمنًا ويسرًا ثم وقعت عيناه على الملاك البريء النائم بالفراش ، استقام واقفا وسار بخطوات بطيئة لكي لا يُقظها ويستغل غفلتها وينظر لها دون أن يرا خجلها الزائد منه؛ جلس أمام فراشها على ركبتيه يتطلع لها بنظرات محب ودفئ ود لو خبئها داخل صدره وأبعدها عن الجميع .

أبتسم لملامحها الهادئة ورفع أنامله يتخلله داخل خصلاتها الشقراء بنعومة ، ثم رفع غرتها المتساقطة على صفيحة وجهها التي حجبت عنه رؤيتها داعب وجنتها بانامله برقة والإبتسامة لازالت تنير ملامحه
وجد تعقيدة جبينها قد انفكت يبدو أنها تشعر بملمسه وبعث لها الامان حتى وهي داخل أحلامها الوردية

شعر بتحرك جفنيها علم بأنها على وشك الايقاظ، رفع كفه مبتعد عن مداعبة وجهها واكتفى فقط بالتطلع إليها بنظرات عاشق ولهان
ثواني معدودة وانفرجت جفونها لتجده مبحلق لها بهيام
توردت وجنتيها بحمرة الخجل القاني ، همس عزيز قائلا:
- صباح الخير سندريلا قلبي

ابتسمت له ثم اعتدلت جالسة وهي تردد في استحياء :
- صباح الخير"عزيز"
رفع سبابته يداعب أنفها الصغير بمشاكسة وهو يقول بعشق جارف:
- لا أعلم بأن أسمي بهذا الروعة والجمال إلا عندما خرج من بين شفتيكِ الكريزتين هذين
بادلته نظرات العشق الذي سكن به قلبها دون أن تشعر وقالت بصوت هامس خجلاً:
-عزيز أنت أصبحت الآن ملاذي الوحيد ولن اتحمل الحياة دونك

انفرجت اساريره ونهض يجلس بجوارها وضمها لصدره بقوة وقال بصوته الحاني الذي يدغدغ به أوصالها بين أحضانه الدافئة:
- أعشقكِ "نيروزي" حد الجنون، عزيز مُتيم بكِ عشقًا
ليتني أستطيع أن أمحو كل ما يحزنك وأسكنك داخل حدود قلبي لا أحد ينظر لكِ غيري ولا تبتسمي إلا لي ونسرق لحظات من السعادة التي حُرمنا منها ..

لطالما كان الأمان واحد من أكثر المشاعر الجميلة التي يحسُّ فيها الإنسان، فكيف إذا لو ترافق هذا الأمان مع الحب؟!.. لا شكّ أنه سيخلق مزيجاً رائعا في قلب الإنسان من الطمأنينة والراحة والسلام.

ابتعد عنها برفق ثم طبع قُبلة حانية أعلى خصلاتها وقال بحنو:
- هيا انعشي جسدك بالماء لنغادر الغرفة ونتناول طعام الإفطار بالخارج لبدء يومنًا السعيد معًا

**
داخل المشفى الخاصة بـ سادم ، شعر بالملل فقرر العودة لمنزله لمشاكسته تلك الجنية التي دخلت على حياته فجأة ، وقبل أن يعود للمنزل أراد أن يبتاع لها الثياب الذي يريدها أن ترتديها وسوف ينتقي على ذؤقه الخاص..

قاد سيارته متوجهًا لمتجر خاص للملابس الإيطالية وأحدث صحية في عالم الموضة كما أن الفتيات الايطاليات تميزون بطابع مختلف من الثياب الجذابة الساحرة ، تلفت لهن الأنظار

عندما وصلا المتجر وترجل من سيارته ودلف بحثًا عن مطلبه لتاتي فتاة رقيقة تتحدث معه بنعومة ، تركها وجذب انتابهه ثوب أحمر قصير مجسم على المانيكان من الأعلى وعند الخصر ينزل باتساع يصل طوله إلى أعلى الركبة بقليل ،محاط بحزام جلدي رفيع من اللون الأسود، أشار إليه وهو ينظر للفتاة قائلا بصوت حاد:
- ضبي لي هذا

اندهشت الفتاة من ذوقه وقالت :
- أحسنت الاختيار سيدي ،ذؤق رائع
أجابها بثقة وغرور:
- أعلم أنِ أمتلك ذؤقًا رائعًا

ابتسم بخفة وعاد يرمق الثياب التي يرتدوهن المانيكان ويدور بينهما بحثا عن مبتغاه وكلما وقعت عيناه على ثوب جذاب يضعه ضمن قائمة المشتريات، فهو يتفنن انتقاء الثوب بعناية ودقة تصميم ويريد رؤية الفتاة الشرقية الحسناء بذلك المظهر المُفضل لديه
وبعد الانتهاء أعطى الفتاة النقود وحمل الحقائب وغادر المتجر ثم استقل سيارته ووضع الحقائب بالمقعد الخلفي وجلس هو خلف عجلة القيادة وانطلق في طريقة إلي حيث منزله

وفي غضون نصف ساعة كان يترجل من سيارته أمام البناية التي يقطن بها وحمل الأغراض بين يديه وولج لداخل البناية ثم صعد إلى شقته وعندما وصل لباب الشقة دس كفه داخل جيب بنطاله يخرج ميدالية المفاتيح خاصته ثم وضعها بالمزلاج ودلف داخل الشقة ليجدها جالسة أعلى مائدة الطعام وتضع كفيها أسفل وجنتيها تنظر للخواء بعدما فشلت في محاولاتها لفتح باب تلك الغرفة المُغلقة..

وضع الحقائب أمامها على الطاولة ثم هتف بتسأل:
- ماذا بكِ ؟
كانت تشتعل غضبًا بسبب فضولها في معرفة ما يخفية هذا الغامض بتلك الغرفة، راودتها أفكار عدة ولن يهدأ لها بالًا إلا عندما تعلم الحقيقة الكاملة
تصنعت الابتسامة وقالت بهدوء :
- لا شيء سواء أننِ أشعر بالملل
رد قائلا:
- حسنًا سوف نتناول الطعام بالخارج ،ثم أشار إلى الحقائب قائلا:
- هيا أرتدي ثيابك لقد أحضرت لكِ أنواع مختلفة من الثياب أتمنى أن يعجبك ذوقي
شردت بحديثه اللبق معها وقالت داخلها :
- ماذا دهاه ؟ يتحدث معي بكل هذه اللباقة والله هذا الشخص سوف يجعلني أفقد صوابي حتماً

طرقع بأصابعه أمام وجهها الشارد :
- ها أين ذهبتِ؟ هيا أسرعي
وجدت هذا عرضًا لائق لتتقرب منه وتسبل أغاورها لتعلم كل ما يجول بخاطره وما يفكر به
نهضت منصاغة لحديثه والتقطت الحقائب لتعود إلى غرفتها ولكن استوقفها قائلا بنظرات ماكرة:
- سيرو الأحمر يليق بكِ

ولجت لغرفتها مسرعة دون أن تعطية رد واوصدت الباب خلفها بقوة ثم ألقت الحقائب بغضب وسارت بخطوات غاضبة تشق غرفتها ثم وقفت أمام المرآة تطالع انعكاس صورتها داخلها وهي تقول :
-ماذا يراني هذا الأحمق ؟تأفأفت بضجر والتقطت القنينة التي كانت تضعها أسفل وسادتها ونظرت لها بفرحة عارمة ثم قالت:
- حلال عليه ما تفعله"جونجان" به

عادت تلتقطت الحقائب ثم أخرجت ما داخلها وقررت ارتداء الثوب الأحمر لانه حقًا أعجبها تصميمه فهي الفتاة التي طالما حلمت بارتداء ثياب كهذا والسفر والتجول في رحلات حول العالم؛ تمنت لو كانت طائر الحسون يغرد ويرفرف بجناحي الملونة ذات الألوان الزاهية والخلابة وتحلق في الفضاء الشاسع

فهي تشعر دائما بأنها ينقصها شيء بسبب فقر عائلتها وكانت هذه السفرة طوق نجاة لتحرر من قيود الفقر والعوذ
زفرت تنهيدة عميقة وشرعت في أرتداء ملابسها وعندما انتهت وقفت في حيرة أمام المرآة هل ستترك خصلاتها البنية خلف ظهرها بهوجاء ام سترفعها على هيئة كعكة بمنتصف راسها

بالنهاية قررت ترك شعرها منسدلا على ظهرها وتركت خصلة متمردة تنساب على جانب وجهها الأيمن منما زاد من سحر جمالها .
غادرت الغرفة بخطوات واثقة وهي تنتعل ذاك الحذاء الأسود المتميز بسيوره المتشابكة ويصل إلى قبل ركبتيها.

كلما اقتربت خطواتها المتهادة في مشيتها ، كلما ترقب هو قدومها بانظار متلهفة لرؤيتها بذلك الثوب
طالعها من قدميها ورفع عيناه يجوب بنظراته على جسدها الممشوق إلى أن أستقرت مقلتيه الزرقاء على ملامح وجهها الشرقي الجميل

هتف بداخله يحدث نفسه :
- براقة ولامعة مثل الماس
استمعت لحديثه مع النفس وابتسمت بسعادة لا لغزله إنما لأنها تعلم الان بما يدور داخل خلده
تصنع هو عدم الابداء باعجابه ونظر لساعة يده قائلا:
- هل أنتِ مستعدة للمغادرة الآن ؟

هزت راسها نافية وقالت بصوت هادئ:
- ليس بمزاج يُدع للخروج، ما رأيك في تناول الطعام هُنا
زفر بضيق وقال ببرود:
- ليس هُنا طعام ، ما رأيك أنتِ في تناول البيتزا الايطالية اللذيذة
جر ريقها فهي حقا تضور جوعًا ، قبضت بقوة على القنينة لتخفيها بيدها وسارت تقترب منه قائلة بثبات :
- حسنًا موافقة


بعد مرور ساعة كان يدلف بإحدى المطاعم الشهيرة بالعاصمة ودلفوا للداخل سويا ، جذب لها مقعدها لتجلس عليه ثم جلس هو بالمقعد المقابل لها
وعندما انا النادل أخبره بأنه يريد البيتزا ومشروب الكحول
وبعد لحظات قدم لهما الطعام وسكب لهم المشروب داخل كأس كل منهما ولكن "سيرين"
تفاجئت بذلك المشروب وقررت أشغال "سادم" لكي تسكب الزجاجة داخل كأسه التي تحتوي على التعويذة السحرية التي أرسلتها جونجان
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي