الفصل التاسع والعشرون اختفاء

الفصل التاسع والعشرون
أختفاء

ظل "لاواي" يتأملها طوال الليل ومقلتيه يصوبها يخترق جسدها ويترقب كل سُكناتها وحركاتها في تقلبها أثناء نومها، فقد كانت تتقلب على جانبيها، يبدو على ملامحها عدم الارتياح وتقلصت ملامح وجهها كأنها داخل كابوس تبغضه.

ود لو بدل عبسها ذلك لسعادة وتسلل لداخل أحلامها يعلم ما الذي يُرق منامها ويقلق مضجعها.
لديه قوة خفية على معرفة ما يدور بخلدها ولكن هي الآن غافلة فلا يشعر بما تواجهه داخل كوابيسها، يتمنى إيقاظها الآن ليعرف ماذا كانت تقصد عندما أخبرته يا ليته تركها تموت ولم يُنقذها، فقد كان مُنشعل حينها بالتطلع لها بهيام وكأنها كانت غائبة عنه منذ أعوامًا وفجأة ألتقي بها.


أتاه الجني ووقف أمامه فجأة ومال على أذنه يهمس قائلا:
- الملك "دهمان" يبحث عنك وقد كلفًا جيشًا من نسل الابالسة بالعثور عليك وحضورك المملكة في التو
أنهى الجن ما جاء من أجله واختفى في لمح البصر، زفر "لاواي" أنفاسه غاضبًا ثم تحول لدُخان وتبخر تمامًا من الخيمة وترك الفتاة وحدها، ذهب ليجحم غضب والده.

بعالمهم الخاص في جوف الأرض جلس "دهمان" على عرشه، تحدث بصوته الغليظ الذي يهتز على أثره المملكة بأكملها
وقف " لاواي" أمامه في الحال ثم انحنى بجذعه في ولاء وطاعة وهو يقول برزانة:
- في السمع والطاعة يا ملكنا الأعظم
- تعلم لما طلبتك " لاواي" يجب تنفيذ الأمر لحماية النسل من الانقراض

تحجج "لاواي" قائلا:
- ولكنِ الزواج سيعطلني عن مُهمتي الكبرى، لقد أمرتني بأغواء بني أدم من الإنس والجن أن يخضعون بإرادتنا ويؤمنون بوجودنا ومنهم من اتبعنًا
- دعك من هذا ، أريد تنفيذ أوامري، لابد وأن يستمر نسل دهمان للألف الأعوام، حان دورك بالزواج لقد تزوجًا جميع أشقائك وحان دورك

قرر مُلاعبة والده بما يدور في خلده فجلس عند قدمه وقال :
- وما رأيك في خلط نسل بني دهمان بنسل بني البشر "نسيت أمر "الهالة الذهبية" وما سردته لي عن تلك المغامرة مع البشرية، جال بخاطري الآن بالزواج من بشرية وسيكون هذا الابن المُخلد لك يا ملكي العظيم
أكفهر وجهه وهو يتذكر لمحات من أعوام مضت وقال بهمس الأفاعي يجب الحصول على "التميمة المُحصنة" من نسل البشرية التي قصصت عليك حكايتها معي وبسببها وهبتني روحها ولازالت أمامك على قيد الحياة وعلى عرش مملكتي.

قال "لاواي" بتسأل:
- وما سر تلك التميمة؟
- أنها ليست تميمة عادية وحسب؛ لا هي تميمة مُخلدة وبها هالة خفية تحمي من يرتديها ولذلك حُجب عني رؤية البشرية ونسلها من بني البشر ، زرعت الأرض من مشارقها إلى مغاربها لكي أعثر على التميمة المُحصنة ولكنها مخفية تمامًا عن عيون الجن أجمع، أذا حصلت على تلك التميمة لك ما تُريد " لاواي"
أبحث عنها من أرض الكنانة ومهد الحضارة، مقطن رأس الفتاة ونسلها من الإشراف


وجدها فرصة للبُعد عن والده والاختلاء بالفتاة التي سلبت قلبه منذ النظرة الأولى وهو كان متتوق لرؤية بشرية والآن حصل على مبتغاه، فنهض من عند قدم والده وانحنى برأسه توقيرًا وتعظيمًا ثُمَّ قال:
- سوف أموج الأرض ومن عليها لأجد تلك التميمة ولن أعود المملكة إلا وهي معي، كُن مطمئن يا ملكي الأعظم

- حسنًا يا جني الصغير... لك ما شأت وعند عودتك سيُقام العُرس على الملكة "ازابيلا" ولك ما شأت إذا أردت الزواج من البشر ستحصل على وثيقة مني بذلك ولن يعترضك أحد
أنحنى يُقبل يده ثم أنصرف مُسرعًا كالريح لن يشعر به أحد ، وصلا لخيمته في طرف عين.

**
اختفى ظلام الليل واتَ نهار يوم جديد يحمل في طياته الكثير
عندما عاد " كارم" من سهرته فجرًا ذهب لغرفته ونام على الفور دون أن يبدل ثيابه وأثناء كل هذا الوقت لم يكترث بغياب "سيران".

وفي مطعم الفندق انتظر المُدرب حضورها فلم تأتي بعد وجاء موعد التدريب، حاول الاتصال بهاتفها ليجدو مُغلقًا، زفر بضيق وذهب إلى الاستقبال تحدث مع الشاب وطلب منه مهاتفة غرفة "سيران"


وبالفعل وضع سماعة الهاتف ينتظر اجابتها ولكن طال الوقت ولازال يستمع لرنين الهاتف على الطرف الآخر منما انتابه القلق، فطلب من صديقتها ميلا أن تذهب وتتفقدها،ولكن تحججت"ميلا" بأنها غاضبة بسبب تدريب أمس، تنهد بضيق وقرر أن يذهب لغرفتها والبحث عنها ويعلم ما سبب تأخيرها فليس من عادة "سيران" أن تتخلف عن موعد تدريبها .


وقف أمام باب غُرفتها وظل يطرق بابها برفق وعندما لم يأتيه ردًا ، توجهًا لغرفة "كارم" لعلها بغرفته طرق بابها هي الأخرى
نهض "كارم" من فراشه بتكاسل وهو يفرك عينيه متوجهًا لفتح باب الغرفة ليتفاجئ بالمُدرب يقف أمام غرفته يتسأل عن "سيران"
- أعتذر منك " كارم" هل " سيران" معك فهي ليست بغرفتها وظننت ربما تكون على علم بوجودها أين هي الآن؟

حك عُنقه وقال ببرود:
- لا لم أراها أمس
تركه زياد وهو يهتف بضجر:
- لا أعلم كيف تعشق هذا البغيض الذي لا يشعُر بغيابها
هبط لإدارة الفُندق لكي يبلغهم بقلقه ربما أصابها مكروه وهي بغرفتها ولم يشعُر بها أحد، لأن لم يراها أحد منذ عودتهم من ملعب الإسكِواش وبالفعل صعد معه إحدى موظفي الفندق وفتح الغرفة ، ولج "زياد" بحثًا عنها بقلق ووجد الغرفة فارغه.


مسح "زياد" على وجهه بغضب وقرر البحث عنها بكل أرجاء الفندق ولغى موعد التدريب منما أثر الشك بقلب" ميلا" وضحكت داخلها بمكر فقد نجحت مكيدتها في الخلاص منها ولكن قلق مُدربها الزائد عن الحد جعلها تعيد حياكة مُخططًا أخر .


أما عن " كارم" فلم يتحرك ساكنًا ولن ينهش القلق قلبه وكأنها لا تعنيه بصلة، ذهب إلى المرحاض ينعش جسده بالماء ثُمَّ أبدل ثيابه وانتقي قميصًا أسود وترك أول زرارين مفتوحين لتظهر صدره العريض وبنطال أسود أيضًا ومشط شعره لأعلى ثم غادر الغرفة بهدوء مُعتاد، عندما هبط لاسفل التقى بهم وتحدث شابًا من الفريق وهو يرمقه بنظرات غاضبة:


- أين كُنت؟ ما هذا البرود يا صاح؟ الفتاة مُتغيبة منذ أمس وأنت لا تهتم ولا تعلم بماذا حدث لها؟
تلاقيت أعينه بنظرات "ميلا" الساكنة مكانها دون أدنى إهتمام بما يحدث ثم تطلع للشباب قائلا:
-"سيران" ليست طفلة لكي اقلق عليها كل هذا القلق، رُبما شعرت بالملل وستعود لاحقًا


عاد "زياد" في تلك اللحظة ونظر لهم بغضب وهتف بحدة:
- كاميرات الفُندق أوضحت ترك " سيران" الفندق ليلًا وقد كانت بحالة من الحزن ولا أحد يعلم أين هي إلى تلك اللحظة، دار وجهه يتطلع لوجه كارم بحنق وقال :
- ماذا فعلت لها ليلة أمس؟

أبتلع ريقه بتوتر وقال بجمود:
- لم ألتقي بها من الأساس
غادر "زياد" المكان بضيق وهو يبحث عنها بقلب مُنفطر فمنذ أن رأَ حالتها التي تركت على أثرها الفُندق وقلبه يقرع بقوة يكاد يخرج من بين ضلوعه، فهي فتاته المُفضلة ويكن داخله مشاعر خفية لها، ود الإفصاح عنها ولكن قبل أن يُصارحها بمشاعره تفاجئ بخُطبتها من ذاك البغيض الذي يكرههُ،فهي لا تستحق إلا قلبه هو لتسكُن بين أضلعه، يا ليتها تعلم بمدا عشقه الذي طالما حاول أخفاءه ولكن ليس بيده فعل شيء، قرر البحث عنها مهمًا كلفه الأمر وإذا توصل إلى إلغاء المُشاركة بهذه البطولة .

***
أما عن الوضع بالقاهرة ..
منذ إن عاد الجد "عزيز" وهو يُريد أن يلتقي بتلك الفتاة بائعة الورد التي جلست معه وواسته وأستمعت لحديثه عن نيروز بوجه باسم.
زفرت أنفاسها بضيق كلما أقتربت من والدها تتحدث معه وهو غاضب منها ويُريد الفتاة بعينها منما جعلها تُهاتف ابنها" تميم" وتلح عليه الحضور الآن وترك عمله بشركة والده .

عاد " تميم" يهتف بضجر:
- ما شأني أنا والدتي الحبيبه بأفعال جدي
- جدك غاضب ورافض الطعام أرجوك أن تأخذه في جولة "تميم" لعله يعود في حال أحسن، منذ ذاك اليوم وهو لا يُريد إلا الفتاة التي التقى بها
زفر بضيق وقال:
- أترك عملي وأتسكع بالشوارع بحثًا عن بائعة الورد، العمل كله على عاتقي منذ غياب ولدك المصون" كارم" والدي يضعني بأعمال هامة يجب أن أكون جادًا في عملي

نظرت له خلسة وقالت:
- حقًا الأعمال على عاتقك وحدك، والدك اخبرني بأنك غير مُهتم بعمله من الأساس ولذلك طلبت منك التنزه مع جدك لانك وحدك رأيت الفتاة، لو كُنت أعرفها لذهبت بنفسي بحثًا عنها

- وما الذي تُريدنه من بائعة الورد هذه؟
- لا عليك كل ما في الأمر أن تأتي معك وخذ جدك معك لمحاولة إقناعها بأن تأتي أريد أن أعرض عليها عرضًا سيُريح الجميع
- وما هو ذاك العرض؟
- لا تهتم فقط أجلبها لي
تنهد بضيق ثم قال بنفاذ صبر:
- حسنًا

دلف " تميم" غرفة جده وساعده على ارتداء ملابسه وهو يخبره بأنه سوف يأخذه للفتاة التي يُريدها، وهذا ما جعل وجه "عزيز" مبتسمًا وسار بجواره في هدوء وتريس ، اجلسه بمقعده داخل السيارة وجلس هو خلف المقود وانطلق في طريقه بحثًا عن بائعة الورد من حيث المكان الذي وجد جده به المرة السابقة.
ولكن لا يعرف اسمها ولا جده يتذكر اسمها هو الآخر منما جعله يشعر بالحماقة وهو يغادر سيارته بحثًا عن فتاة مجهولة الهوية بالنسبة له..

**
بمنزل عائلة "سيران"
ظلت "ريم" قلقه بسبب غياب ابنتها، حاول صغيرها " سادم" أخراجها من هذا القلق ولكن لا يبدو نفعًا
وكلما حاول التودد لها يجدها تصب غضبها عليه وتطلب منه مُذاكرة دروسه وهو يزفر بضيق ويعود حبيس غرفته يجلس خلف الايباد الخاص به فهو ملاذه الوحيد، يلعب ويلهو ويقضي طوال الوقت أمامه وعندما تنفذ بطاريته يُشعل الحاسوب المحمول خاصته.
"سادم" في مرحلة حرجة، مرحلة المُراهقة أصعب مراحل يمر بها الشباب وهم بهذا العمُر .

فقط يحبس نفسه داخل غرفته ويبتعد عن العالم الخارجي، ينعزل عن الجميع ويظل قابعًا طوال الوقت خلف شاشة الهاتف او الحاسوب، لن يترك غرفته إلا بعض لحظات لسد جوعه فقط عندما يشعر بالجوع ولا يهتم بما يحدث داخل المنزل، فكل منهما بعالم أخر ، والدته مُنشغلة بمقابلة صديقتها بالنادي وهوس التسوق عبر الإنترنت وأخر صيحات الموضة والأزياء والمكياج والتجميل وكل ما يخص المرآة، وتركت صغيرها دون رقابة لذلك تطرقت إليه الأمور وقرر هو بعض أصدقائه أن يخضون تجارب عدة وفعل كل ما هو جديد ومثير لدى الشباب في تلك المرحلة.

جلس خلف شاشة الحاسوب وأصدقائة كل واحدًا خلف كاميرا الحاسوب خاصته وبدء الإقتراح فيما هو جديد عليهم من تجربة يُريدن الخوض بها، إلا وهي لعبة " تشارلي"

**
عودة إلى"روما"
داخل خيمة "لاواي" ظل مُترقبًا لحظات استيقاظها من نومتها التي رغم أنها تُروقها وتُهاجمها الكوابيس المُزعجة إلا أنها رافضة الاستيقاظ وكأنها تهرب منما تشعر به بالنوم.

شعر هو بتخبطها ونظرات عينيها الزائغة هُنا وهُناك تنظر حولها بشرود وضياع
فتحت مقلتيها الواسعتين ذات الاهداب الطويلة والكثيفة وجدته يُرمقها بنظرات مُبهمة، أستقامت على الفور وتذكرت ليلة أمس وما جرا بها ظلت صامتة
أما عنه فقد أقترب منها وجلس بجوارها على المُتكئ وقال بصوت عذب:

- صباح الخير "سيران"
همست بأقتضاب:
- صباح الخير
تطلع لمكان الجروح التي لم تختفي بعد وعاد يكرر فعلته وهو يمسح على تلك الجروح بأطراف أنامله بالمس الذي صنعه من العُشب الذي يرمم الجروح ولكن لن يستطيع ترميم جرح قلبها الذي لازال يقطر دمًا.
علم بما يدور بخلدها ونجح في أختراق حاجز عقلها وشاهدت بقوة الخفية ما الذي جعلها بتلك الحالة الحزينة الشاردة.

زفر بضيق واحكم قبضة يده بغضب على القنينة التي بيده لتتهمش داخلها ولكنها لن تؤذيه قبل أن تشعر بغضبه ابتعد عنها يخفي ما حدث معه وعيناه مصوبة اتجهاها وهي لازالت حزينة تنظر للفراغ في تيه.
انتابه الشعور بالحزن من أجل حالتها تلك ود لو ذهب لهذا الذي يُدعى خطيبها ويقتله ويتخلص من جثته ويلقيها بالبحر لتلتهمه أسماك القرش ويختفي أثره من الوجود.

أعطاها ظهره وكان يهم بمُغادرة الخيمة لكي حجب غضبه فهو عندما يغضب تشتعل مقلتيه ويتحول لونهما وتنشق قرونه من رأسه وهو لا يُريد أخافتها أو إرهابها بهيتة وهو يتحول ل جني ولكنهُ مُعذب بهواها ومُغرم بها .

استوقفته قائلة بهمس هادئ:
- هل من الممكن أن أظل هُنا ليوم أخر؟
عاد بخطواته للخلف ثم وقف أمامها وقال:
- حسنًا لا مانع في ذلك ولكن أود أن تفتحي لي قلبك وتخبريني ماذا حدث معكِ؟ أشعر بأنك حزينة وأريد مشاركتك هذا الحزن سنجد حلًا
قالت بضيق:

- أود أن اختفي عن عيون الجميع، داخلي مُحطم وأشعر بالخذلان، لقد تعرضت لخيانة لن أستحقها على يد من ظننته حبيب العُمر.
قال بصوت جاد:
- الخائن لا يستحق كل هذا الحزن الذي سكن قلبكِ وروحكِ

قاطعته قائلة:
- معك حق، لقد هان كرامتي وحُبي ودعس بقلبي أرضًا وخذلني، هو لا يستحق دموعي ولا حزني ولكني أتسأل ماذا فعلت لكي يطعنني بخنجر الغدر والخيانة
- لن يستحق قلبكِ وسيبدل الله حزنك لفرح وسعادة وسيمر الأمر، حاولي الأ تتطلعين للوراء، هيا احكي لي كل شيء عنكِ، دعينا نتشارك الحكايات.


تطلعت له بتحفظ ولكن سرعان ما تبدل ذلك عندما همس بقوته الخارقة تجعلها تقص عليه ما تشعر به وتفتح له قلبها دون تحفظ أو قيود
ليس من طبع "سيران" التودد والتقرب لأشخاص غريبين عنها، هي شخص جاد وعملي تهتم فقط بحياتها العملية، فهي منذ أن كانت طفلة صغيرة وهي تُفضل مُمارسة الإسكِواش وحققت نجاحًا باهرًا وشاركت العديد من البطولات إلى أن حصلت على لقب بطلة العالم في تلك اللُعبة..

وجدت نفسها تسترسل في حديثها وتقص عليه عن حياتها منذ نعومة أظافرها إلى أن أصبحت بطلة عالم وتمت خُطبتها من الشاب الذي اختاره قلبها، وبالنهاية لاقت الحُب بالخيانة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي