الفصل الثالث والثلاثون روح شريرة

الفصل الثالث والثلاثون روح شريرة

عندما هبطت الطائرة بمطار القاهرة الدولي ترجلت "سيران" مُسرعة في خطواتها تنهى أجراءات خروجها سريعًا ثم ودعت المُدرب والفريق واستقلت أول سيارة أجرة من أمام المطار لتقلها إلى حيث المشفى، وفي غضون ثلاثون دقيقة كانت تترجل من السيارة أمام المشفى واعطت السائق نقوده ثم رحل وهي سارت في طريقها بخطوات واسعة مُتلهفة لداخل المشفى

وقفت أمام فتاة الإستقبال تتسأل عن غرفة شقيقها لتركض إلى المصعد استقلته وصعدت داخله إلى الطابق المنشود الذي يوجد به غرفة شقيقها
استوقفها صوته المُنادي باسمها بلكنة المؤلفة على سماعها:

- "سيران"

توقفت مكانها ودارت وجهها للخلف لتجده أمامها، رفعت حاجبيها مُندهشة قدومه وسارت بخطواتها تقترب منه وهو أيضًا يقترب بخطواته الواثقة قالت بذهول:
- "لاواي" كيف هذا؟
تبسم لها وقال مُعتذرًا:
- أعتذر عن عدم رؤيتك بالطائرة فقد كُنت بالمقعد الخلفي ولم استطيع الحديث معكِ، انتظرتك عند المُغادرة ولم أعثر عليكِ إلا عندما اوقفتي السيارة لحقت بكِ إلى هُنا
لم تُصدق أنه أمامها ولم يتخلى عن وعده لها وبالنهاية هو أمامها الآن منما جعلها تبتسم له وتمسك بيده لكي تولج به داخل غرفة شقيقها وهي تُحدثه قائلة:
- سعيدة برؤيتك" لاواي" هيا معي لترا عائلتي


طرقت باب الغرفة ووجلت لداخل وبجانبها "لاواي" الذي وقف مكانه ريثما تُصافح عائلتها أولًا
وقفت "ريم" عن مقعدها تنظر لها باشتياق أسرعت "سيران" تُعانقها بشوق جارف واستقام والدها أيضًا يقترب منها في خطواته، تركت عناق والدتها لتنجرف لأحضان والدها الحبيب الذي اشتاقت له كثيرًا
ضمها " مراد" بقوة وطبع قُبلةُ رقيقة على خُصلاتها البنية :

- مُبارك الفوز يا بطلة العالم
تذكرت "ريم" أمر البطولة وعادت تضمها إليها وتهمس بصوت حزين:
- مُبارك يا حبيبتي، لم يسعنا الحظ لنكون جوارك

- أعلم والدتي الحبيبة، ثم أبتعدت عن أحضانها ونقلت عينيها على جسد شقيقها المُمدد أمامها على الفراش دون حراك، تقدمت إليه تمسح على وجهه البريء الساكن بهدوء وانهمرت دموعها عندما وجدته لم يتطلع لها ولم يشعر بوجودها عيناه تتطلع في الخواء بشرود

دنت منه تُقبلة على وجنتيه ومسدت على خُصلاته السوداء الناعمة برفق وقالت بصوت خافت:
- أشتقت إليك يا صغيري... هيا أنهض من فراشك لتتابع أنجاز شقيقتك، إلا تخبرني بأنِ مثلك الأعلى وتود أن تكون بطل أيضا ولكن في لعب كورة القدم التي تُفضلها، هيا أنهض يا بطل وشقيقتك جانبك لن تتخلى عنك.

لم يستمع لها ولم ترف أهدابه وكأنها سراب أمامه ، تطلع والديها للشاب الذي دلف معها ولكن واقفًا بصمت تام.

قطع الصمت صوت والدها قائلا وهو يقترب منها يمحي دموعها المُتساقطة وهو يقول:
- سيتحسن بأذن الله سيمر الأمر
أومت برأسها وتذكرت أمر " لاواي" فنظرت له وقالت:
- " لاواي" هذا صديقي تعرفت عليه في "روما" وهو يعمل طبيب وسيجد علاجًا لشقيقي
صافحة" مراد" بود وفعلت "ريم" أيضا وهي تبتسم له وقالت بأمل:

- ستجد له علاجًا بالتأكيد
هز "لاواي" رأسه بالايجاب ثم اقترب من "سادم" يتفحص جسده وينظر داخل مقلتيه المفتوحتين بدقة ثم عاد يتطلع لهم قائلا بجدية:
- هل يمكنكما الانتظار بالخارج ريثما انهي فحصي ولكي لا يشعر أحد بوجودي هُنا، فأنا طبيب غريب عن المشفى.


تفهم والديها الأمر وحاوط "مراد" كتف زوجته مغادرين الغرفة، أما "سيران" فضلت أن تظل جوار شقيقها وامسكت بكفه ثم نظرت إلى"لاواي" لن استطيع تركه بعد الآن.
لاحت أبتسامة طفيفة وقال بمرح:
- حسنًا لا بأس ستكونين مُساعدتي من الآن
بأدلة البسمة برقة ثم تنهدت قائلة:
- هيا تابع فحصك.


أمسك برأس "سادم" يحركها يمينًا ويسارًا ونظر بحدة داخل مقلتية ليرا تغير لونهما جحظت عيناه بصدمة وعاد يتطلع ل " سيران" التي تُراقبه بعدم فهم ولم يحمل بيده سماعة طبيبة أو أي شيء
تنحنح "لاواي" واراح جسد "سادم" ثم طالعها بنظرات صادمة وقال بصوت خافت:
- داخل جسد شقيقك روح شريرة
-ماذا .. ؟ قالتها بصدمة
- صدقيني الأمر صعبًا للغاية، تلك الروح الشريرة تُريد أذاءه

هزت رأسها نافية وقالت بعدم تصديق:
- لا ... لا هذا عبث
- ثقي في، ثم صوب أنظاره بمقلتيها وعاد يهمس بصوت خافت:
- إلا تثقين بي؟ دعِ الأمر لي ولا تقلقي.


- أثق بك، ولكن لم أُصدق تلك التراهات، لا أؤمن بوجودهم
كظم غيظه فهو أمامها بالفعل وهي تتحدث عن عدم وجودهم
استرسل حديثه بثبات وقال:
- حسنًا .. أتركِ لي الأمر وسوف تُشاهدين بنفسك، ولكن يجب أن تكوني قوية وتتحملين القادم
- أنا قوية ولكن ليس أؤمن بالارواح الشريرة ولا الجن والعفاريت هذا خيال لا يمس للواقع بصلة
كركر ضاحكًا وهز رأسه نافيًا وحدث نفسه:
- سأجعلك تؤمنين بهم وتتزوجين منِ أيضًا وهذا وعدي لكِ يا ساحرة القلوب.


-"لاواي" ما المُضحك في كلامي؟ هل ستجد علاجًا لمرض شقيقي أم لا؟
- سأجد لا تقلقي، ثم أستطرد قائلا:
- يجب عودة " سادم" إلى غرفته بالمنزل وهذا أول طريق العلاج
- والمشفى .!؟
- المشفى لم تُقدم لشقيقك العلاج الكافي، حالته تسوء هُنا، يجب العودة إلى غرفته وسأظل جواره وأراقب تصرفاته
- حسنًا ساتحدث مع والدي وأعلمه بذلك.


بالفعل غادرت "سيران" غرفة شقيقها وجدت والديها ينظرون لها في قلق، أخبرتهم بأنها حالة نفسية فقط وعليهم العودة إلى المنزل وسيتابعه" لاواي" ويمكث معهم لمتابعة حالة " سادم"
وافقهم " مراد" الرأى وبالفعل أنهى إجراءات خروج "سادم" من المشفى وعادوا جميعهم إلى الڤيلا، حمله " لاواي" وصعد به إلى غرفة دون أن يعلمه أحد بغرفة "سادم" منما جعل " سيران" تنظر له بدهشة فكيف علم بأن تلك الغرفة حقًا خاصة بشقيقها ولكنها تلاشت الأمر في الوقت الحالي.


أراح جسده على فراشه ثم دار بعينه داخل الغرفة يجوبها بنظراته الفاحصة وشعر بوجود تلك الروح تسكن غُرفته، ولكن تسأل داخله، ماذا فعله الصغير لكي يسكن جسده الضئيل هذه الروح الشريرة التي أقسمت على إذاءه، وقعت أنظاره على سلة المهملات بها قصاقيص من الأوراق البيضاء، حدثه هاجسة بالبحث داخل تلك القصاقيص الورقية ليعلم السبب


دنا من السلة وأنحنى بجذعه ينظر داخلها وقعت عينيه على أقلام الرصاص الخشبية المُنكسرة، وورقة مكتوب داخلها نعم، لأ
لم يفهم لما كُتب ذلك فأعطى الورقة لشقيقته لعلها تفهم ما قصده شقيقها:
كانت تطالعه بدهشة وشهقت بصدمة عندما وقعت انظارها على الأقلام والورقة البيضاء وظلت تبعث داخل السلة بلهفة لتجد نصف الورقة الآخر وعاد تنظر له بتسأل هل "روح تشارلي" هي التي تسكن جسد "سادم" حقًا؟

هز رأسه موكدًا لها ذلك ولكنه سألها ؛
- أين علمتي بأنها روح "تشارلي"؟

قالت بأسف:
- الأقلام والورقة والكلمات المدونة يستخدمونها الصغار في لعبة استدعاء روح تشارلي وهذا يكون تحدي بين الصغار والشباب ولم أظن بأن عقله أوصله بأن يخوض هذه اللعبة، هذا جنون كيف لشخص بعمرة أن يفعلها وينساق وراء فضوله لهذا الحد ومع من فعلها ولما حدث له ذلك، سأجن سافقد صوابي لم استعب فعلته الحمقاء التي أودت لحالته تلك

كانت تنهار أمامه جذبها لصدره وحاوطها بذراعيه وهو يحاول تهدئتها وظل يهمس بجانب أذنها قائلا:
- لازال طفلًا ويُريد تجربة كل شيء جديد عنه، سنحل الأمر لا تقلقي وستنتهي اللعنة ونُحرر روحه من جسده لا تخافين لن أدع شقيقك يُصاب بأي أذي ثقي في..

**
توجهت "ريم" لغرفتها لكي تنعش جسدها بالماء وتبدل ثيابها التي كانت بها بالمشفى منذ تعب صغيرها وعندما انتهت توجهت إلى غرفته تطمئن عليه ولكن وجدت " سيران" و" لاواي" جانبه ويتحدثون باهتمام
عندما شعرت سيران بوجود والدتها أخفت عليها ما عرفته وطلبت منها أن تذهب لغرفتها لتستريح وهي منذ تلك اللحظة ستتولى أمر شقيقها ولن تتركه.


شعر والدتها بالارهاق فهي لم تذق طعم الراحة ولا النوم منذ أن مرض صغيرها ولذلك انصاعت لمطلب ابنتها وعادت إدراجها ثانيًا إلى غرفتها، واستقلت بالفراش ثم دثرت نفسها وخلدت على الفور لنوم عميق..
وقرر والدها " مراد" العودة إلى متابعة أعماله داخل شركته الخاصة، بعدما شعر ببعض الارتياح بعودة سيران والطبيب الذي ستولى حالة صغيره لذلك وجب عليه الذهاب لعمله..

**

أما عن الوضع داخل منزل "جميلة"
كانت قلقه على حالة ابنها الذي ثار غضبه ولا تعلم ماذا عليها أن تفعل، هل ستتركه بتلك الحالة ام وجب عليها التدخل والذهاب إلى صديقتها لمعرفة الأمر ، فقد علمت من التلفاز بعودة سيران إلى موطنها ولكن ظروفهم الان غير سامحه بالحديث عن أي شيء فيكفي ما جرا ل " سادم"


ظلت حائرة مغلوبة على أمرها ماذا تفعل من أجل سعادة كبيرها الذي أرادت له حياة سعيدة مُستقرة مع الفتاة التي تُحبه وهو أيضا لم يعترض عليها والان يُحبها وهو من أفصح عن مشاعره بنفسه دون إجبار منها.

مكست راسها بحزن وهي شاردة فيما فعلته وهل تلوم نفسها بالتدخل في حياة أبناءها ام تظل واقفة مُتفرجة على ما يفعلونه دون تدخل منها ولكن هي غير واثقة من تصرفاتهم الهوجاء.

وجدت يد والدها الحانية تُربت عليها بحنو وجلس جانبها متسألا:
- ماذا بكِ يا جميلتي
طالعته بعيون دامعة وفرحة خفية فهل حقًا يتذكرها والدها بالفعل
طال تطلعها ليسود الصمت بينهما ثم عاد "عزيز" قائلا:
- ماذا حدث لك يا جميلة ابيكِ يا قطعة مُصغرة من نيروزي
جلست على ركبتيها أمامه وعينيها تنساب بالدموع ووضعت كفها على أرجله قائلة بلهفة:
- حقًا والدي الحبيب تتذكرني ؟


احتضن وجهها بين راحتيه وقال بصوته الدافئ:
- وكيف لا اتذكر ابنتي وروح فؤادي؟ وكيف لاب أن ينسى قطعة من روحه ، أعتذر عن نسياني لبعض الاشياء ولكن قلبي لازال يشعر بكِ ويتفقدكِ يا صغيرتي مهما كبر بي العمر ستظلين القلب النابض الذي يمد جسدي ويُحيني، بعد فراق والدتكِ لم يبقى لي من الدنيا سواكِ
عانقته بقوة وتركت لدموعها العنان وترتجف بين ذراعيه وهو يشدد في ضمها لاحضانه بحنو ورفق ويهمس بصوته الحاني:
- لا تبكي يا جميلتي كل شيء سيمر أعدك بذلك


ابتعدت عنه وهي تكفكف دموعها وعادت تجلس جواره ولكنها وضعت راسها على كتفه وهو حاوطها بذراعه ، همست قائلة بحزن:
- لا أعلم كيف حدث ذلك لابنائي، هل أنا التي أخطئت في تربيتهم أم ماذا لم أعد أعلم أي شيء يا أبي ؟
كان يظن بأنها تحكي عن صغيرها " عزيز" فقال لها بهدوء:
- "عزيز" طفل صغير مُراهق لم يدرك فعلته
ابتعدت عن والدها وطالعته بدهشة وتسأل:
- " عزيز" وماذا فعل هو الآخر ؟


استرسل والدها قائلا كل ما أخبره الصغير من تحدي بينه وهو وبعض اصدقائه وما حدث ل " سادم" نتيجة لعبتهم وتحديهم استدعاء روح تشارلي كما يزعمون وتلك الروح يظنون أنها حضرت بالفعل وسكنت جسد سادم لانه لم يعتذر وغادر اللعبة دون أرادة " تشارلي"

شهقت بصدمة ووضعت كفها على فاهها لا تعلم بأنها تركت صغيرها دون رقابة منها لكي يصل به الحال لإذاء نفسه، هل اهتمت بمشاكل الكبار وكل ما يخص حياتهم ونست الاهتمام بالصغير ومشاركة كل ما يتعلق به وهو في مرحلة النضوج وبحاجة إليها..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي