الفصل السادس والثلاثون الوهم

الفصل السادس والثلاثون الوهم

الوهم هو حقيقة في عقل صاحبه، والحقيقة هي وهم اتفق محموعة من الناس في لحظة ما على صحته.
بعدما اختلى "لاواي" بنفسه أخرج القلادة وفتحها بكل سهولة ويُسر؛ وجد بداخلها حجر كريمًا باللون الأحمر القاني على هيئة نجمة سداسية تُستخدم في الطلاسم ولكن ليس بداخلها ترياق الحياة الأبدية لذلك ضحك بأعلى طبقات صوته وعلم بأن هذا المسمى بأكسير الحياة لم يكن سوا وهم ووالده أيضًا أنساق ورا ذلك الوهم.

ولكن النجمة هذه تُرمز لشيء قبل أن يعود غلقها أخرج النجمة من داخل القلادة ووضعها داخل سترته وقرر أن يأخذها ثانيًا إلى "سيران" و والدتها ليعلمهم بأن القلادة فارغة ولا يوجد أي أسر لمشروب الترياق.
عاد أدراجه ثانيًا لغرفة "سادم" طرق بابها ثم ولج لداخل وهو يشهر القلادة أمام أعينهم وقال بنبرة صوت جادة:
-القلادة مجوفة من الداخل ولم يكن بها شيئًا
التقطها ريم بلهفة وظلت تحدق بها ثم همست قائلة بعدم تصديق:
-كيف...؟

ضحكت سيران وقالت:
-لا يوجد شيء على وجه الأرض يجعلنا نحيا حياة أبداية يا أمي، الموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالى وهو وحده المتحكم في أعمارنا وأنفاسنا وأقدرانًا وكل شيء خاص بنا

ثم استطردت قائلة بهدوء:
-كل ذلك مُجرد أساطير تُحكى لنا ليس لها صحة بالواقع
وقف "لاواي" يحدجها بنظراته الغامضة وقبض قبضة بقوة لا يُريد أن يثور غاضبًا عليها ويواجهها بحقيقيته لكي يثبت لها وجوده، ولكنه تراجع بالنهاية وكظم غيظه.

عادت ريم حزينة فاقدة الأمل في نجاة صغيرها من اللعنة التي أصابت جسده ولكن عندما وجدها "لاواي" بهذا الوضع المُحزن أشفق عليها وربت على كتفها قائلا بثبات وأصرار على مُعالجته وأن تدع الأمر له :
-أعدك بأنني لدي قدرة على تحرير "روح تشارلي" من جسد "سادم"

رمقته "سيران" بنظرة صادمة وهتفت قائلة بتسأل:
-هل أنت طبيبًا حقًا يا "لاواي"؟ وما هو التخصص الذي تُمارسه؟
نظر لوالدتها وجعلها تتجمد مكانها وحجب الرؤية عنها وأصم أُذنيها لكي لا ترا وتسمع ما يتحدث به
تقلصت المسافة بينهما عندما دنا منها وأمسك بساعديها يجعلها تطالعه وهمس بصوت خافت أمام وجهها قائلا:

-لست طبيبًا ولست بساحر وكل ما بالأمر إن جني ولدي قدرة خفية على مُعالجة شقيقك ولن يستطيع أحد على وجه الكون بأكمله أن يُحرر روح تشارلي من جسده غيري.
تبسمت له وظنت بأنه يمزح وقالت باسمة:
-أنت تهذئ لاواي
قال بجدية:
-ولما اهذئ سيران؟ كيف أجعلك تُصدقين ما أقوله لكِ؟
حسنًا سيران سأجعلكِ ترين كل شيء فقط تمسكي بيدي
أنصاعت وراءه غير مدركة فعلتها وتحول الدخان في لمح البصر وهو ممسك بها يطير بها إلى عشيرته لكي يجعلها تُصدقه وبعد ذلك سيجعلها تنسى كل ما رأته فهو قادرًا على أن يبدل أفكارها في غمضة عين
ذهب بها إلى مملكة الجان وجعلها ترأ ملك جن الأبالسة "دهمان الأعظم" والده وهو على عرش مملكته والخدم حوله من الجن والابالسه الملاعين.

فقد كان الملك دهمان جالسًا على عرشه داخل مملكته الفسيحة التي مثل القصور التي نراءها داخل الأساطير والنيران مُشتعلة حوله من كل جانب، وبجانب العرش يقف جان على طرفه الأيمن واخر على الطرف الايسر مُلبين أوامره أجسادهم ضخام البنية بملامح غليظة مخيفة ويبرز من أعلى جبينهم القرون الحمراء المُدببة ولم يستر أجسادهم سوا القطعة السفلية، عندما تنظرون إليهم تقشعر الأبدان من هول ما ترا.

ارتجف جسدها وهي ممسكة بساعده وجحظت عيناها غير مصدقة للواقع التي تراءه الآن، علم بخوفها وارتجافها بين ذراعيه همس بصوت خافت ليجعلها تهدأ وتثق به فلا أحد يستطيع إذائها

خارت قواها وفقدت وعيها بأحضانه عاد ثانيًا في لمح البصر ووضعها بفراشها داخل غرفتها فعندما تفتح مقلتيها وتعلم بأنها داخل غرفتها ستظن بأنها ما رأته كان مُجرد حلما وهما من نسيج خيالها ليس إلا.
طالعها "لاواي" بصمت تام قبل أن يدنوا منها ويجعلها تسترد وعيها ولكنه وضع كفه على جبينها يُمسد عليها بلمسات خفيفة لكي تنسى حديثه وما رأته أمام أعينها.

بعد لحظات فتحت مقلتيها بوهن وهي تنظر حولها تتفقد نفسها أين توجد، شعرت بالسكينة والهدوء عندما وجدت نفسها داخل غرفتها و" لاواي" جالسا بجوارها يبتسم لها وهو يهمس بقلق :
-كيف حالك الآن؟ لابد أن تستريحي فيبدو عليكِ التعب والإرهاق

قالت سيران بتسأل :
-ماذا حدث؟
-لقد خارت قواكِ فجأة وفقدتي وعيك وجلبتك غرفتك لكي لا تشعر والدتكِ بذلك، يكفي ما تشعر به الآن
اعتدلت عن الفراش وحاولت النهوض وهي تقول :
-سادم كيف وضعه الان؟

-لا تقلقي هو بخير وسوف نتخلص من الروح الشريرة ليلا أعدك بذلك
غاصت بغابات الزيتون خاصته، تشعر بالدفئ كلما تعانقت اعينهما معًا في نظرات تلاحمية، تبسمت له بخجل وفرت هاربة بخطوات واسعة لكي تعود لغرفة شقيقها وهو لحق بها.
**
اما عن "تميم" استقل سيارته وكان في طريق العودة إلى الفيلا بعدما هاتفة والدته واخبرته بحالة شقيقه الأكبر، منما جعله يشعر بالقلق وترك عمله وقرر الذهاب إليهم مسرعًا.

قاد سيارته بسرعته الجنونية وعندما وصلا للإشارة أوقف سيارته لحظات ريثما تفتح الإشارة وأثناء ذلك وجد الفتاة أمامه على جانب الطريق واقفة تتحدث مع شخصًا ما يبدو انهم يتجادلا وصوتها عالِ والشاب يحاول لمس ساعدها وجذبها اليه بالقوة

ترجل تميم مسرعًا وسار بخطواته الواسعة يقترب منهما ويتحدث بصوت جلي:
-ماذا يحدث هنا؟
رفعت مقلتيها تنظر له وهتفت مستنجدة به:
-ساعدني ارجوك هذا الشاب الوقح يُريد الذهاب معه داخل سيارته ولن يدعني وشأني

رمقه تميم بنظرات غاضبة وقال بصوت حاد وهو يمسك بتلبيب قميصه:
- ما شانك انت بها؟ هل تعرفها لتطلب منها طلب كهذا؟ الفتاة رفضت عرضك لما لا تتركها وشأنها؟ أغرب عن وجهي الآن وإلا اخذتك للشرطة ايها الوضيع
زفر الشاب بضيق وغادر المكان بخوف بعدما هدده تميم.

في ذلك الوقت فتحت الإشارة وسيارتة تقف حاجزًا بالطريق وأصوات الضوضاء الصادرة من السيارات جعله يتأفف بضجر ونظر لها قائلا :
- اريد التحدث معكِ؟
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت وهي تضع كفها بخضرها وهي تهمس بأستهزاء مبطن:
-حقًا..

قال بتعالي وهو يشير إليها بسخرية:
-لا ليس ما يدور بخلدك المريض، كل ما في الأمر جدي يريدك ووالدتي اوصتني بأن ابحث عنكِ من أجل جدي، وبالفعل بحثت عنك امس بنفس المكان ولكن لم اعثر عليكِ وظهرتي أمامي اليوم صدفة وتذكرت امر جدي وحديث أمي تريدك، هل تقبلي ان تأتي معي
عادت ترتيب خصلاتها السوداء خلف أذنها وقالت بتوتر:
-هل انت صادق حقًا في حديثك
ازدادت أصوات السيارات منما جعله يجذبها من رسغها وهو يقول:
-هيا لا وقت للمتارهات وسط الطريق
جذبها خلفه وفتح لها باب السيارة وهي تصرخ قائلة:
-الورود..

استقل مكانه ونظر لها قبل أن ينطلق بسيارته وقال :
-لا تصرخي هكذا، سادفع لك ثمنهم
بتر كلماته ثم انطلق يقود سيارته بسرعة فائقة وهي تنزوي على حالها بجانب النافذة تخاف ان يصطدم بها اذا رفعت صوتها وثرثرت، فهي تخاف تهوره وجنونه ولكن عقلها لا يكف عن التخيلات.

ماذا سيحدث لها هل هي مخطوفة من قبله واخبرها عن جده ووالدته للايقاع بها فهذا هو الطعم لاصطياد ضحيته.
وأثناء شرودها وافكارها المتخبطة توقفت السيارة فجأة، تطلعت حولها بترقب لتجد نفسها داخل حديقة واسعة وعندما سمعت صوته يأمرها بالترجل من داخل سيارته خطت بقدميها أرضا وهي تتطلع بانبهار من الأزهار والأشجار العملاقة المحاطة بأسوار الفيلا

سار تميم بخطواته الواسعة ورمقها قائلا:
- هيا اتبعيني
تسمرت مكانها خوفا منه ولكنه سبقها للداخل وعندما ولج لداخل الفيلا لم يجدها خلفه زفر بضيق ووجد والدته في مقابلته :
- اصعد لغرفة كارم وتحدث معه فمنذ عودته وهو رافضًا للحديث وحبيس لغرفته
هز رأسه بالايجاب؛
-حسنًا أمي وهم في خطواته مبتعدًا عنها ولكن توقف فجأة عندما تذكر فتاة الورد فنظر لوالدته وقال:
- جلبت معي الفتاة التي طلبها جدي

قالت والدته بلهفة:
-بائعة الورد
-أجل وهي بالحديقة الآن، يبدو أنها خائفة مني
أبتسم بخفة ثم اكمل طريقه في صعود الدرج ثم توجها إلى غرفة شقيقه
وسارت "جميلة" تغادر الفيلا لتجد الفتاة تنظر حولها بقلق، ولكن عندما اقتربت منها جميلة أبتسمت لها الفتاة بارتياح وتنفست الصعداء بعدما أطمئن قلبها بأن الشاب كان صادق معها.

تبسمت لها جميلة أيضا بود ودنت منها ترحب بها وهي تتسأل عن أسمها:
- ما أسمك؟
-زينة
-اتفضلي يا زينة، والدي منذ أن راءكِ وهو يريدك ودائما يتسأل عنكِ، حمد لله أن "تميم" وجدك، هيا معي اريد التحدث معك بأمر هام

رافقتها داخل الفيلا وبعد أن جلست معها قصت عليها عرضها بالعمل داخل الفيلا ولكن عملها يقتصر على مراعاة والدها فقط الاهتمام بموعد الدواء والجلوس معه بالحديقة والتفتل معه خارج الفيلا وكل شيء خاص به تكون مرافقة له وتظل جواره واذا تطلب الامر المبيت فلا مانع لها بذلك، تريد إقامة كاملة من أجل راحة والدها.

صمتت "زينة" تفكر في ذاك العرض وقبل ان تعطي موافقتها قالت:
- هذا عرض جيد ولكن عليَّ أن أتحدث مع والدتي واخبرها بالتخلي عن قطف الأزهار وبيعها وان عملي سيستغرق ساعات أطول

-حسنًا "زينة" وانا انتظر ردك ولكن لا تتأخري بالرد، ما رأيك في رؤية والدتي وتناول طعام الغذاء معًا
-لا مانع أن أرا الجد "عزيز" ولكن لا داعي لشيء اخر
هز جميلة رأسها رافضة لحديثها وقالت بود:
- لن اسمح لكِ بالرفض، وجهكِ الجميل هذا يشعرني بالتفائل ولذلك والدي تمسك بكِ

نهضت عن مقعدها ومدت كفها لزينه وهي تقول:
- هيا لنصعد إلى غرفة والدي لكي تري فرحته بنفسك عند رؤيتك
سارت معها وهي تتشابك بيدهم في ألفة منها ومحبة ثم طرقت باب غرفة والدها ودلفت قائلة بحب:
- ما رأيك في هذه المفاجأة والدي العزيز؟

كان جالسًا على الاريكة يتصفح الجرائد وعندما استمع لصوت أبنته وضعها جانبًا وتطلع بعينين ضيقة أثر كبر عمره وعندما طل النظر وهو يدقق في هذه الفتاة الجميلة التي أمامه أبتسم بسعادة وقال :
- مرحبًا يا صغيرتي، أين ورد الجوري؟

اقتربت منه تصافحه بحب وجلست جواره على الاريكة وهي تتثامر معه بالحديث وبادلها هو الآخر وكأنه يعلمها منذ زمن بعيد.
ضحكت جميلة وغادرت الغرفة بهدوء لتترك لهم حرية الحديث، فهي تعلم بأن الفتاة ستقبل بعرضها بعدما وجدت بينهما تلك الألفة..
**
اما عن الغرفة الخاصة ب "كارم"
جلس "تميم" أمامه يحاول فهم سبب حالته تلك
-ما سبب كل هذا الحزن؟ ألم تخبرني سابقًا أنك مُجبر على الخطبة لكي تهرب من ضغط والدتك الزائد ولم تكن ل "سيران" أي مشاعر وكل ما كان يجمع بينكم صداقة طفولة ليس إلا، ما حدث لكل هذا التغير الجذري ولما حزين بهذا الشكل؟ يجب عليك أن تحتفل لقد تحررت من قيود الخطبة وتحكم والدتك أيضًا وستفعل ما يحلو لك دون تدخل من احد

هتف غاضبًا:
- أصمت "تميم" أنت لم تفهم شيء
رفع حاجبيه مندهشًا من نبرة شقيقه ثم قال متسألا:
- حسنًا وأنا هنا لكي افهمك، هيا أنصت لك جيدًا
- وقعت بحُبها وانتهى الأمر، قلبي هذا الذي يخفق بصدري يعشقها ولا يُريد غيرها

ضحك تميم على شقيقه وقال غير مصدقًا :
- انت تمزح.. تتوهم ذلك، هذا وهم كارم عندما بعدت عنك شعرت بأنك تحبها وتعشقها هكذا فجأة، يبدو أنك تتوهم يا شقيقي
-لا لم اتوهم هذا حب حقيقي
قال باستهزاء:
- حسنا كم مرة أخبرتها بأنك تُحبها وتعشقها لهذا الحد؟ ماذا فعلت لها لتُثبت لها حبك؟ هيا أخبرني
الحب يا شقيقي أفعال وليست أقوال فقط، مواقف صادقة، تقارب واحتواء، مشاركة في كافة تفاصيل الطرف الآخر، علاقة مبنية على التكامل لا يوجد بها نُقصان، ترابط، تلاحم، لا يوجد طرف مضحي وطرف ضحية لا علاقة مترابطة قوية لا تتزحزح ولا تعصف بها الرياح العتية هكذا هو الحب ودفئ المشاعر

ثم استطرد قائلا:
- لكنك لم تعطي "سيران" هذا الحب، كنت دائما تهرب من قيودها عندما تريدك ان تكون جانبها في أمر ما، كنت الطرف الذي يتحجج ويتهرب من العلاقة، وحتى عندما اقتربت منك فتاة أخرى لم تصدها، إذا كان قلبك حقا ليس بداخله الا سيران ما كنت ضعفت ولو اغوتك أجمل فتاة بالعالم، انت تتوهم الحب، هيا حرر نفسك من هذا الوهم وعود كما كنت كارم، عش الحياة بحرية وافعل كل ما تتمناه وعندما يدق قلبك ستتغير حياتك بأكملها ثق بحديثي

- انت لم تفهم شيء عن الحب وكيف تنصحني وانت حياتك ضائعة بائسة
كركر ضاحكا ثم قال:
- عندما تأتي من تخطف قلبي من بين ضلوعه أعدك بأن اكون شخصًا أخر وينتهي عصر الضياع التشتت الذي اعيشه.
- ما رأيك في سهرة خاصة بالمساءً
هز رأسه نافيًا:

-لا أريد سهراتك دعني وشأني
ترك غرفة شقيقة وسار بالرواق ليستمع لصوت ضحكات رنانة تأتي من غرفة جده، اقترب بخطواته حيث هناك ثم دار مقبض الباب وفتحه برفق وطل من خلفه ليجد الفتاة جالسة بجواره جده تشاطرة الحديث والضحك وهي تلعب لعبة الشطرنج المفضلة لديه هو وجده ولم يشاركه غيره، لاحت شبح ابتسامة أعلى ثغره وقال متوعدًا لها بعدما علم ما تنوي والدته فعله، لابد وانها تريد أن ترافق جده دائما، رفع حاجبه وقال هامسًا لنفسه بتلذذ :
- سوف أنال منك يا بائعة الورد..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي