الفصل الخامس مقايضة العهد

الفصل الخامس"مقايضة العهد"

علمت "جونجان" اذا الفتاة المنشودة وظلت طوال الليل تحدق بها، اما عن الفتيات فضمت نيروز سيرين بخوف ونامًا كل منهن بأحضان الأخرى.
تصنعت سيرين النوم من أجل بث الطمأنينه لدا صديقتها ولكن ظلت ساهرة، شاردة تفكر ما الذي أت بهن لهنا؟ وماذا تريد منهن تلك الساحرة.

شعرت بها جونجان فهمست منادية إياها :
-سيرين اريد ان اتحدث معكِ بأمر هام
رغم فزعها من قربها إلا انها نهضت من جانب صديقتها برفق ولبت رغبة جونجان، سحبتها الأخيرة من رسغها وقالت :
-سنتحدث بالخارج لكي لا نُقظ أحد

بعدما غادرتن الكوخ، جلست جونجان أمامه وجلست سيران مقابلة لها، تطلعت لها بقلق تريد أن تخترق عقلها لتعلم بماذا تنوي ولكن فهمت جونجان حقيقتها ونجحت في وضع حاجز قوي بينهما يصعب اختراقة فظنت سيرين بأنها مجرد هواجس تأتي بمخيلتها.
أزرفت دموعها وهي تقول بصوت مكلوم:
-فقدت ابنتي منذ عام، وجدتها مطعونة بخنجرًا داخل قلبها، صغيرتي لم تؤذي شخصًا على الإطلاق، فهي عاشت نسمة بريئة وغادرتني في غمضة عين، وإلى اليوم لم أجد قاتلها، أريد أن أخذ بثأرها
ثم لمعت عينيها بمكر واردفت قائلة:
- اريد مساعدتك سيرين لمعرفة القاتل

أشارت لنفسها قائلة بدهشة:
- مساعدتي أنا..!
-أجل انتِ، أعلم بانكِ تملكين من هو أقوى من السحر، انتِ لديكِ قوة خفية، وحدك قادرة على إطفاء النيران المشتعلة داخلي، اتوسل إليكِ الوقوف بجانبي، فأنا أم قلبها مكلوم، نُزع قلبي من مكانه بعدما فارقتني قطعة من روحي، دعينا نفعل مقايضة عهد، لا اريد إلا المساعدة وحسب وسوف أُلبي لكي ولصديقاتك كل سبل الراحة، ستعشون هنا بأمان وتحت رعايتي الخاصة
-كل ما أريده البحث عن ماري والخروج من هنا والذهاب إلى حيث مسكن الجامعة لاكمال دراستنا في "جامعة بافيا"، أنا حزينة على ما حدث لابنتك واذا كان في استطاعتي المساعدة فلن اتأخر
-اجل في استطاعتك وساخبركي كيف

* *
اشتد الألم باوصالها وعادت الجروح تطفو ثانيًا على أنحاء جسدها منما جعلها تتأوه بقوة، انتفض ماكسر ونظر لها بقلق وعندما وجد ملامحها شاحبة تقدم منها يلعق ذراعيها النازفة ولكن تلك المرة لم تبتعد عنه وتنتفض خوفًا منه، وبرزت انيابه وغرزها على الفور بمكان الجرح

يعلم انها ستتألم ولكن ليس لديه فعل أخر سوا عضها من أجل سلامتها فإذا ظلت على هذا الحال ستموت مثلما مات الذئب الذي هاجمها، فالقطيع لن يتركها إلا وهي جثة هامدة
اغمضت عينيها بوهن بعد فعلته وسرت رجفة باوصالها أثر تلك العضة، ركض ماكسر مغادرًا للكوخ يبحث عن ماء ليجلبه لها.

وصل للبحيرة بسرعته الفائقة ودنا من المياه تطلع لخياله بداخلها ولا يعلم ماذا عليه فعله من أجل جلب شربة ماء لتلك المسكينة التي تركها بالكوخ
ابتعد عن البحيرة وعاد إليها حزينًا وجدها على وشك الإفاقة، لمع مويض عينيه بفرحه وأصبح لونهما كزرقة المحيط.

حركت ماري ساعديها برفق ثم اعتدلت ونهضت تنظر لاثر جروحها التي أختفت ولم يعد لهما أي أثر بدهشة، ثم تطلعت لماكسر باسمة، فهو منقذها ولم تعد تخافه او ترهب منه
قبض بفمه على طرف ثوبها القصير يريد سحبها لخارج الكوخ ويركض بها إلى حيث البحيرة لتروي عطشها وتغسل جسدها

قالت بعدم فهم:
-ماذا تريد؟
ظل قابضًا بانيابه على طرف الثوب وسارت هي جانبه إلى أن ركض هو وركضت خلفه بسرعة فائقة لم تشعر بها من قبل، نظرت حولها بعدم تصديق من أين أتت بتلك السرعة التي لم تعتادها من قبل، أبتسم لحالها باعجاب وأكملت ركضها خلف الذئب إلى مكان البحيرة

دنا هو أولا وارتشف القليل من الماء بلعابه، اما عنها فهي حقًا تشعر بالعطش، اقتربت منه ووضعت كفها تغرف به غرفة ثم قربتها من فمها وشربتها
ثم ألقت نظرة على جسدها العالق به التراب ولم تتردد في إلقاء نفسها داخل البحيرة وهي تبتسم بسعادة في تلك المغامرة التي تعيشها

ظلت مقلتيه تتابعها وداخله سعيد من أجلها لو استطع الضحك لقهقه عاليًا من أجل رؤية فرحتها، تذكر بها رفيقته الراحلة وابتعد عنها قليلًا فشعوره بفقد صديقته جعله يتمزق
انهت ماري استحمامها وخرجت من البحيرة ملابسها مبتلة وملاصقة لجسدها، عندما تبه بوجودها ركض بها لمكان اخر أعلى تله مسلط عليها أشعة الشمس الحارقه لكي تجفف ثوبها

ولكن شعرت بألم حاد عندما تعرض جسدها لدفء الشمس ولا تعلم ما سبب الوخذات المتفرقة التي احتاجتها
علم حينها ماكسر ما تشعر به ماري فعاد يقبض بانيابه على ثوبها ليعود بها إلى الكوخ.
ظل جوازها مترقبًا لحلول الليل ولا يستطيع أخبرها بما هو قادم..

**
ظلت سيرين ساهرة تتقلب على جانبيها كأنها تتقلب على جمر وهي شاردة بحيث المشعوذة واليوم سوف تأخذها إلى المارد "دهمان" الذي اخبرتها عنه.
تشعر بالتخبط من ناحية تشفق على الساحرة بسبب خسارتها لابنتها ومن ناحية أخرى لديها شعور قوي بالخوف من القادم وأن تلك السيدة تمثل خطر كبير عليها هي وصديقاتها وماذا عن اختفاء ماري؟ واذا كانت وقعت ضحية للمستذئبين ونالوا من دمائها إذا أين جثتها؟
حيرة وضياع ولا تعرف ما الحل؟

استيقظت نيروز في ذلك الوقت وهي تعود لفزعها ثانيًا بعدما وجدت نفسها حقا مازالت عالقة بكوخ الساحرة الشريرة
بكت بحرقة وهي تقول:
-كنت أظن بأننا داخل كابوس مفزع وعندما استيقظت علمت بأنه واقع أليم نعيشه
هتفت سيرين بضجر:
- نيروز ارجوكِ الوضع الحالي غير محتمل، تحلي بالصمت والصبر قليلا من أجلي، حقًا عقلي لم يعد يستعب، اريد ان أصفي ذهني

نكست راسها بضعف وأستسلام وظلت صامتة ولكن مقلتيها لم تكف عن ذرف الدموع التي جعلت "عزيز" حزينًا على حالها
زفرت سيرين بضيق وغادرت الكوخ اما عن عزيز فاقترب من الفتاة الرقيقة وقرر أخراجها من حالة الحزن هذه المسيطرة عليها.

جلس بجوارها يواسيها بهدوء قائلا:
- لا تحزني صديقتك تحت ضغط نفسي، ونحن هنا عالقين بمكان لن نعرفه ونشعر بالخطر مُحاط بنا من كل جانب، كما أن غياب صديقتك الأخرى موتر الأجواء
رفعت مقلتيها الرمادية اللامعة من أثر البكاء وقالت مبتسمه بوجوده جانبها:
-أشكرك على كل ما تفعله من أجلي
ثم اردفت بحزن عميق:
- أعلم أن الجميع ينظر لي بضيق بسبب جبني هذا

تردد في أن يرفع يده ليربت على كتفها بحنو ولكن عندما وجد وجنتها مبتلة أثر انهمارها، تجرأ ومد يده برفق ربت على كتفها وهو يقول بنبرة صدق:
-لستِ وحدك نيروز أنا سأظل جانبك
تطلعت له بعيون خائفتين وجدت مراساها داخل مقلتيه البنيه، والقت بنفسها داخل أحضانه التي حاطها بدفئ مشاعره وتشبث به بقوة، علت شهقاتها تمزق نياط قلبه وظل هو يربت على ظهرها برفق

بعدما فاقت من ثورة بكاءها ابتعدت عنه بخجل وهتفت معتذرة:
-أعتذر
أبتسم بهدوء ورد قائلا:
- لا داعي للاعتذار "نيروز" ثم استطرد قائلا:
-ما رأيك بأن نتبادل الهموم
نظرت له بعدم فهم، عاد "عزيز" قائلا بحماس:
-اقصد ان نتشارك الهموم، انتِ تحكي لي عن حياتك قبل أن تأتي لهنا وأنا كذلك

أيماءة بسيطة فعلتها توافقه الرأي فهي لم تفتح قلبها من قبل لأحد، حتى صديقتيها لن يعلمان عنها شيء سوا الظاهر من حياتها فقط، لا أحد يشعر بما تكنه داخل صدرها وترفض الإفصاح عنه، لأول مرة شخص ما يطلب منها ان يشاركها حزنها وهمها، كما شعرت بالالفة والأمان وهو جانبها

عندما شعر بشرودها، عاد يردد قائلا بصوت حاني :
- هيا اخبريني لا تصمتِ هكذا
أخرجت تنهيدة عميقة من داخل صدرها وقالت بصوت خافت حزين:
-الجبن الذي أشعر به ليس من فراغ؛ فأنا ولدت يتمة الأبوين، والدي توفي وأنا في رحم أمي، ام عن امي فتوفاها الله بعد أن وضعتني، جدتي لوالدى هو الذي تكفل بي وجدتي أيضا ولكن جدتي لحقت بوالدي بعد عام من الحزن، وعمي وزوجته متولين رعايتي فهم يقطنون مع جدي بنفس المنزل الصغير

صمتت قليلا تسترد أنفاسها ثم عادت قائلة:
- لا اخفي عليك ما تفعله زوجة عمي وبناتها الاشرار، اقسم لك أننِ اعيش يوميا حكاية مثل حكايات السندريلا، مع اختلاف بسيط لم أجد الأمير الذي سيخلصني من بين براثنهم
أبتسم على ما تقوله فتلك الفتاة رغم معاناتها لديها حس فكاهي يجعلك تبتسم دون تصنع، ولجت لقلبه دون عناء منها وبلا إستاذان، مرحة وعفوية وتمتلك جمال اخذ للعيون بشعرها الأشقر ورماديتها الساحرة.

هتف عزيز بمرح:
- لابد وانهن يغارون من جمالك
هزت راسها مؤكدة وقالت بضحكة رقيقه خرجت من شفاها عصفت بلب قلبه كأنها سيمفونية
-اجل هن ساحرات شريرات مثل هذه المشعوذة التي ستقضي علينا واحدة تلو الأخرى
قهقه مجلجلا ثم قال بفضول :
- هيا اكملي حديثك أريد أن أعلم بمغامراتك مع هؤلاء الساحرات

استرسلت حديثها قائلة:
-لم أشعر يومًا احتواء العائلة، لم أجد الأمان داخل عائلتي، فقد رحل الأمان عن عالمي، أشعر فقط بالخوف في وجودهن، الغيرة تنهش بقلوبهن دائمين ناقطين عليَّ؛ يغارون من جمالي وتفوقي الدراسي، زوجة عمي كانت رافضة بالتحاقي بكلية الطب ولكن بكيت لجدي الذي أصر على إكمال دراستي، ما ذنبي بأن بناتها لا يجدون نفسهن في التعليم، هم فقط يبحثون عن الزواج
اما عن جدي فهو الشخص الوحيد الذي يشعر بوجودي ومرضى وغيابي، كنت سعيدة بسبب تلك المنحة التي ستبعدني عنهن وزوجة عمي كانت فرحة بذهابي بعيدًا لكي لا أِحمل عمي مصاريف الدراسه ولكن عندما أتت لهنا وجد النار تلاحقني وجنة زوجة عمها وبناتها ارحم بكثير بما نعيشه الان في ذلك العالم الغريب

تنهد بعمق وشعر بمدا حزنها وما تعانيه من جفاء عائلي وقسوة وعدم الأمان، وهمس داخله :
-كنت تظن بأنك منبوذ يا عزيز داخل أسرتك المصون ولكن هذة الفتاة اكثر حزنًا وأشفاقًا، حقًا من يرا بلاء الآخرين يهن عليه بلاءه..

**
سارت سيرين داخل الغابة برفقة "جونجان" تقودها إلى حيث أشجار الأشباح العملاقة لتحضر المارد "دهمان" مالك ملوك جن الابالسة الذي يساعدها منذ أن خطت قدميها داخل تلك الغابة.

ركعت جونجان على ركبتيها عندما وصلت للشجرة المنشودة الذي يخرج منها المارد برداءه الأسود الفاحم، عندما أستدعته خرج دخانًا كثيفًا يظلم الغابة بأكملها ثم يتكون أمامها بهيئته المروعة

شلت الصدمه حواس سيرين وسرت رجفة قوية بجسدها عندما طالعت هيئته المفزعة فقد كانت معالم وجهه مخفية تمامًا وصحاب قرنين سودويين كما رداء وضخامة لم تراها من قبل، رددت سيرين بخوف ورهبة وفزع داخلها تستعذ بالله من الشيطان الرجيم

سمع همسها الخافت وخرج صوته الغاضب الثائر بفحيح كريه:
-أصمتي يا فتاة
نكست جونجان راسها في ذل وخنوع وقالت :
- مالكي الأعظم أخبرني ماذا علينا أن نفعل الآن؟
جف حلق سيرين وهي تشاهده على هذا النحو، تركع أمام ذلك المارد وتتذلل له كما انها تجردة من دينها وتخلت عن كل شيء لتصبح دميمة يحركها كما يشاء، أين غاب عقلها لتتبع الشياطين، تحلت بالشجاعة وعادت للخلف تبتعد بخطواتها تريد الفرار من الغابة الملعونة وتأخذ صديقتها وتبتعد من هنا

استوقفتها "جونجان" بغضب :
-إذا كنتِ تودي تحرير صديقتك "ماري" من قبضتنا انصاغي لاوامرنا وإلا ستلقون حتفكن هنا لا محالة
تسمرت مكانها وهمست بقلة حيلة موافقة على مقايضة العهد من أجل الخروج من هنا للأبد وبعد ذلك يحدث ما يحدث

- حسنًا موافقة على الذهاب إلى الطبيب "سادم"
تهللت اساريرها وقالت :
-كل ما عليكِ فعله جلبه إلى هنا ودعي الأمر لي
قررت سيرين أن تذهب وتخبر نيروز أولا لكي تبعدها عن الغابة وتلك السيدة المشعوذة وهي تلعنها داخلها بغيظ
-تبا لكِ ولماردك هذا، لعنة الله عليكما..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي