الفصل السادس عشر خلف الأبواب المُغلقة

الفصل السادس عشر "خلف الأبواب المُغلقة"

ترك سادم المرسم بتعب وأغلق الباب دون أن يوصده بالمفتاح ثمَّ توجهًا لغرفته أراح بجسده أعلى الفراش دون أن يُبدل ثيابه وغاص في نوم عميق لم يستيقظ إلا في الصباح عندما تسللت أشعة الشمس الذهبية داخل غرفته الكئيبة المطلية باللون الأسود ولم يوجد بها أضاءة إلا الأشعة الدافئة التي داعبت جفونه وأرقت منامه ليفتح زرقويتيه بصعوبة أثر نومه المُتأخر.


تأفأف بضجر وهو يرمق النافذة بغضب ليتفاجئ بأن الستائر السوداء التي كانت تُحجب عنه أشعة الشمس أن تمر داخل غرفته لم تكن بوضعها الصحيح، نهض بغضب جامح فيبدو أن تلك الفتاة الدخيلة على حياته هي من سمحت بدخول غرفته في غيابه والعبث باغراضه وهذا غير مسموح به في قانونه الحازم الرادع
غادر الغرفة والشرر يتطاير من عينيه ويهتف مناديا اياها بصوته الغليظ:
-سيرين....

دلف غرفتها وهو مازال يصرخ باسمها لتنتفض من نومتها بذعر لتجده فوق رأسها وعيناه تشتعل بحمم بركانية تهدد بالانفجار، لازلت تحت دهشتها بسبب صراخه وغضبه الأعمى

تسللت لافكاره وعلمت غضبه منبعث بسبب علمه بأنها دلفت غرفته في غيابه
لم تستطع اختراق كذبة فقد داهمها بتصرفاته جذبها من ذراعيها واصبحت كالريشة بين يديه وهي جاحظة العينين تتطلع له مُندهشة من أسلوبه الفظ
عاد يصرخ بوجهها منما جعلها تغمض عينيها أثر صراخاته الحادة التي بالكاد ستمزق طبلة أُذنيها وسوف يقضي على سمعها تمامًا

وعندما أرتجفت بين يديه وأصبحت في موضع ضعف وهو الشخص الاقوى المُسيطر سال لعابه وجدها گ الكعكة الشهية أمامه يريد فقط التهامها و تذوقها وبشراهة ، أسقطها ثانيًا بالفراش وأنقض عليها يلثم وجهها بشراسة ويديه تُكبل يديها أعلى راسها على طول ذراعه ولم يكف عن فعلته المتهورة وهي تتلوي أسفله وتركله بقدميها الصغيرتين، نجحت في افلات يديها من قبضة وأبعدته عنها بكل قوتها وركلته ضربة قوية أسفله

منما جعلتهُ يتألم بقوة وهو يبتعد عنها ويرمقها بنظرات غاضبه أما هي فكانت نظراتها اكثر قوة وشراسة وخرج صوتها الغاضب قائلا:
-إلا تخجل من فعلتك الدنيئة يا طبيب العاصمة
صاح قائلا:
- وأنتِ كيف تجرؤين على اقتحام غرفتي من سمح لكِ بفعل هذا؟
ثم اردف قائلا وهو يغادر الغرفة:
- هذا كان عقابكِ على اقتحام خصوصيتي وإذا تكرر الأمر لن ادعكِ تفلتين من تحت يدي
ثمَّ غادر الغرفة والشرار يتطاير من مقلتية الزرقاء كالامواج الهائجة التي تنبئ بحدوث عاصفة رعدية قادمة.

تنفست الصعداء بعدما غادر غرفتها وشعرت بأنه شخصًا غير مُتزن فجميع تصرفاته تُثير إليه الشكوك، ولكن قررت قراءة أفكاره حتما ستعلم ما ينوي عليه فعله وما يفعله بالخفاء كما أنها قرأت بعض الأفكار التي هاجمة عقله وهو غاضب

وعليها أن تشعل غضبه لتنهدم الحواجز بينهما وتعلم كل ما بداوخله فهذا الشاب غامضًا وتريد معرفة كل ما يحتويه عقله من أفكار قبل أن يسدل الستار عليه ويتوارى خلف القناع الجليدي ذاك

نهضت "سيرين" عن فراشها وتركت الغرفة بحذر وهي تطلع حولها تتفقد وجد هذا غريب الأطوار
أمسك بها "سادم" وهي تتلصص هُنا وهُناك وكأنها مُجرم يتلصص لسرقته وهمس قائلا من خلفها :
- ماذا تفعلين أيها الشرقية الحسناء؟ تُحيكين خطةُ جديدة لسرقة المنزل. هيا ابدلي ثيابك لتاتي المشفي وسوف أاخذ بثأري منكِ داخل المشرحة

زفرت بضيق إلى أن نفرت عروق عُنقها النابضة أثر هذا الارعن ماذا يظن نفسه، قررت عدم الذهاب اليوم للمشفى وتصنعت التعب والإرهاق الذي هاجمها ليلة أمس، حيث وقفت أمامه تتصنع التوتر وقالت بصوت هامس:
- أعتذر أستاذي لن أستطيع أن أذهب معك اليوم، أعُاني من رهاب منذ أن التقيت بجثث الفتيات
تبسم بسخرية وقال بغرور:
- كما قولت تمامًا لن تتحملي العمل داخل المشرحة يا طبيبة المُستقبل

هتفت تؤيد رأيهُ :
- بالفعل قلبي لا يتحمل، ثم اردفت قائلة بترقب تنتظر ردة فعله:
- وأشكرك على كل ما قدمته من أجلي ولكن ليس لدي مأوى سوا منزلك، هل تسمح لي بأن أظل هُنا لعدة أيام فقط

نظر لساعة يده ثم هز رأسه بايماءة بسيطة وغادر المنزل في عجالة، أم هي تهللت أساريرها ودارت حول نفسها بفرحة فقد حصلت على ما تتمناه واليوم ستجد كل ما يخفيه عنها ويحاول حجبه من التسلل لمعرفة أفكاره، يبدو أنه يعلم بأنها حقا تقرأ الأفكار وتشعر به لذلك يتوارى خلف قناع جليدي.

قررت أن تنظر من عُقب الباب على داخل مرسمه اتاها فضولها لمعرفة اللوحة التي كان يرسمها بالأمس، اقترب من الغرفة بخطوات واسعة ثم انحنت بجذعه لمعرفة الحقائق المخفية داخل تلك الغُرفة وعندما لم تضح الرؤيه ركلت الباب بغضب ثم وضعت يدها على مقبضه بغيظ تتفاجئ به ينفرج الباب أمامها

، شهقت بصدمة عندما فُتح ا على مصراعيه، ولجت بدهشة والإبتسامة تعلو ثغرها لم تكن تتوقع بأنه قد نسي غلقه، تطلعت حولها بترقب وخطوات قدميها تسبقها وهي تدور بين تلك الرُسمات الغامضة فكل لوحة يوجد بها وجه فتاة جميعهن مرسومين بخيوط متمرسة باللون الأسود الفحمي ، كانت تتطلع لهن بذهول وعقلها يتسأل عن هؤلاء الفتيات من يكونون إلى أن أستوقفتها اللوحة الأخيرة لوجه الفتاة التي رأتها قبل أيام داخل المشرحة

وإلى هُنا تسمرت قدميها وشُلت حركتها ولم تعد قادرة على السير لتجوب بانظارها مرةُ أخيرةُ لتعلوا شهقاتها عندما وقعت على اللوحة التي كان يرسمها أمس لم تكن لفتاة غيرها ، وضعت كفيها تلثم فاهها بصرخة مكلومة أبتعدت بخطواتها للخلف بخوف وهلع لتصطدم بالستار الأسود الذي يفصل بين جهتين الغرفة وتجد نفسها بالجزء الثاني تعركلت قدميها وسقطت أرضًا وتجوب بعينيها بين الصناديق الزُجاجية التي تشبه الثلاجات التي تُحفظ داخلهما الموتى ويوجد بداخلهما محلول أزرق اللون ومغموس به قلوب الفتيات لم تُصدق هذا الكابوس التي تعيشه الآن.

فهي داخل منزل المُجرم الغير سوي نفسيًا الذي أُغتصب وقُتل الفتيات الصغيرات البريئات، هي داخل براثنه وفي عُقل داره، عقلها يخبرها بأن عليها الفرار الآن لإنقاذ حياتها وقلبها رافض تصديق الواقع ويتعاطف معه ويريد تفسيرًا لما فعله طبيب مثله في حق هؤلاء الفتيات.

فمنذ أن ألتقت به وهي ترا به الغموض ، تريد فك شفرته الغامضة وحل اللغز ، راودتها عدة أفكار قررت الصمود لمعرفة كل خباياه ، نهضت تترك الغرفة بخطوات متثاقلة وإعادت كل شيء كما تركه ثم توجهت لغرفتها اغلقتها خلفها وظلت تجوب بها ذهابًا وإيابًا ببطء شديد وتحاول ترتيب أفكارها في الخطوة القادمة فلابد من معرفة الحقائق الخفية ثمَّ إبلاغ الشرطة الفيدرالية عن الجاني الحقيقي حول مقتل الفتيات وأغتصابهن بقلب قاسي مُتحجر تخلى عن أدميته لفعل تلك الأفعال التي تَقَشَعر لها الأبدان ..
**
داخل الغابة
قضت جونجان طوال الليل أمام مقبرة ابنتها وعندما حل بجسدها التعب ودعتها وسارت بخطوات هزيلة أثر جسدها المُنهمك بتعب وشحوب فكلما خسرت قوتها كُلما ضُعف جسدها وهزل وأزداد من عُمرها أضعافًا

سارت إلى حيث كوخها ثم رقدت بفراشها واغمضت عيينها في أرهاق
وجدت صغيرتها مُرتدية الثوب الزهري وسلاسلها الذهبية تنطاير في هواء خلف ظهرها الصغير وتفرد كفيها لوالدتها وتهمس بصوتها الهادئ الرقيق:
- أشتقت إليكِ أمي
اقتربت منها جونجان بعدم تصديق والإبتسامة أنارت وجهها الشاحب وهتف قائلة بصوت موُلتاع:
- صغيرتي وحبيبتي أنا مُشتاقةُ لرائحة أنفاسك ولاحضانك الدافئة ، والدتك أنتهت منذ رحيلك يا روح فؤادي
وعندما وصلت إليها وقفت أمامها ترفع ذراعيها تلامس جسد الصغيرة بلهفة وشوق وتقول:
- هيا أخبريني من فعلها؟ أُقسم لكِ سأحرق الاخضر واليابس

رفعت كفها الصغير ووضعه على فاه والدتها وقالت بصوت عذب:
- لا أمي .. لا شيء يستحق بعد ... لن أعُد بحاجة لحرق الأخضر واليابس أمي....
أشتقت إليكِ وأتيت لاخذكِ معي ... هيا أمي أتبعيني
تسمرت قدميها بالأرض وقالت رافضة:
- لا لن أاتي قبل الأخذ بالثار
- لم أعدت أحتاج إلا لاحضانك أمي ... هيا
ابتعدت "تيا" عن انظارها وأختفت تمامًا
استيقظت جونجان من نومها فزعة وهي تهتف منادياة لابنها أن تظل جانبها ولن ترحل
- "تيا" ابنتي ... "تيا" لما تركتيني ورحلتي يا ابنتي
عودي لأحضان والدتك يا تؤام روحي، قلبي لم يَعُد نابضًا منذ أن فارقتيه يا روحي ..

**

بينما في ذلك الوقت عند البُحيرة
تطلع الألفا"ماكسر" بعيون ثاقبة ل "ماري"وجعلها تقرأ أفكاره ظلت هي الأخرى تتطلع له بعدم فهم وانجذبت ببؤبؤة عينيه الزيتونين الممزوجة ببريق لامع تُميزه ووجدت نفسها مُندهشة من ذلك الانجذاب الذي ينمو بينهما

وعلمت ما يدور داخل عقله الصغير ووجد نفسها تستمع لصوت عقله الباطن وهو يخبرها بأن عليهم التحرر من تلك اللعنة والخلاص من الساحرة جونجان للابد لكي تختفي لعنتها عن غابة المُستذئبين ويعود كل شيء كما السابق.
ولكن هتفت بصوت عالِ مُندهشًا:
-ولكن كيف سيتم الخلاص منها ؟
دققت النظر بمقلتيه التي تحول لونهما للأحمر القاني وعلمت أيضًا بما يجوله داخله :
- إذا فقدت قوتها ولم تعد تستخدمها سوف يقضون عليها

-جونجان تستخدم نبتةُ "خانق الذئاب" تضعها دائما على ملابسها خوفا من مُهاجمت الذئاب لها ونحن من القطيع والهجين لدينا القدرة على شم رائحتها والابتعاد عنها ، أذا لامسنًا تلك النبتةُ المسمومةُ سنموت وينتهي أمرنًا لذلك يجب علينا الخلاص من الساحرة دون أن نقترب من ملامست ثيابها ولا أعلم كيف ؟فكري معي لنجد الوسيلة في القضاء عليها وتحرير مئات البشر من لعناتها القاتلة فقد أشتقت لهيئة ماكسر السابقة

انسابت دمعة هاربة من مقلتيه وعادت للونهما الطبيعي ودفن وجهها في حجرها لترفع أناملها برقة تمسد على جسده الرمادي وهي تهمس بوعيد قائلة:

- سوف نجد طريقة في التخلص من لعنتها للابد ثق بي ماكسر
لا يعلم كيف يُخبرها بعشقه الذي نبض بقلبه وهو على هيئته تلك لقلبها النقي وجمال روحها البريئة التي تُذكره دائما برفيقته الراحلة "تيا" التي قُتلت غدر دون شفقةُ ولا رحمةُ فقد سرقها الموت منه

وتلك الجميلة الرقيقة وجد بها ضالته وملاذه في التحرر من اللعنة والعيش معها بعيدًا عن الغابة وأعين الجميع فهي أولى من سُرقت لُب قلبه.
فمن يُصدق بأن الذئاب تعشق من بشرية ويُريد أن يتحرر من قيود لعنة جوجنان ليفوز بساحرته "ماري" التي ولجت لقلبه دون عناء منها أو أستاذان ، عشقها تسلل لصدره وأحكمت ضلوعه غلقًا عليه وهذه اللعنة فقط لا يُريد الخلاص منها لعنة العشق، عشقهُ ل ماري ...
**
أما عن سادم فقد كان يشتعل من الداخل بحمم براكنيةُ لو خرجت لحرقت العالم أجمع ، لا يعلم ماذا أصابه عندما خطت تلك الفتاة الشرقية بقدميها داخل منزله ولما سيطرت على حواسه وما أصابه عندما حاول الاقتراب منها ، لم تكن بالقوة الكافية لتمنعه من أكمال رغبته في الانقضاض عليها مثلها كمثل أيّ فتاة يَسلبها عُذريتها ثم يسلب منها قلبها دون أن يرف له جفن ولا تأخذه شفقة ولا رحمة بهؤلاء البريئات..

لم يستطع التركيز بعمله وإذا بصوت طُرقات أعلى باب مكتبه أنتشله من شروده ب الشرقية الفاتنة
تطلع للقادم وهو يأذن له بالدخول:
- تفضل..
دلف "جاك" لداخل الغرفة بابتسامتهُ العريضة ثم صاح قائلا بحماس:
- كيف حالك سيدي لقد أشتقت لك
بادله سادم ببسمة طفيفة وقال:
- لما أتيت أليس لديك عُرس
أخرج من جيب سُترته دعوة الزفاف خاصته هو ومعشوقته "ريتا"

ثمَّ أعطاه إياها وقال:
- أتيت لدعوتك بشكل خاص ، الاكليل غدًا سأنتظر قدومك وقدوم الحسناء "سيرو"
ثم تطلع حوله وهتف بتسأل:
- أين هي؟
أجابه سادم بعفوية:
- تركتها بالمنزل
رفع جاك حاجبيه بدهشة وأرسل إليه غمزة ماكرة وهو يهتف بعدم تصديق:
- حقًا الفتاة أصبحت صديقة فراش لم أتوقع أن ذلك سيحدث بهذه السرعة

هز رأسه نافيًا :
- لا ليس بهذا الشكل ، هي حقًا بمنزلي ولكن لظرف خاص بها وهي ليس لديها أحد بالعاصمة
تذكر جاك عندما اخبرته بما حدث لها عندما أتت إلى هُنا وأنه فقدت كل شيء وكان مُشفق على حالتها ، فعاد يهتف قائلا :
- فعلت الصواب سيدي؛ إذا إحضرها معك الاكليل غدًا

هز رأسه بالايماء ثم صافحه جاك وغادر المشفى وعاد سادم بظهره يغوص داخل مقعده ويغمض عينيه ليبحر في عالم الذكريات الأليمة..

تذكر والدته عندما كانت تحتضر بالفراش وهو طفلا صغيرًا عاجزًا عن فعل شيء وعندما أتَ والده ركض إليه يترجاء بأن يجلب الدواء الخاص بوالدته ولكن قابله والده بوجههُ الصارم القاسي ودفعه بقوة ليبتعد من أمامه وترنح جسده الصغير وسقط أرضًا ارتطمت رأسه ببرودة الجيلاد أسفله ولكن سالت الدماء الدافئة كالنفورة مندفعة أسفل خصلاته الشقراء وفقد وعيه

لم يتذكر متى فاق ولكن يعلم أنه أسترد وعيهُ بعد خسارته لوالدته التي توفتها المنية في هذه اللحظة وتوقف به الزمن ورفض تصديق حقيقة وفاتها ومن يومهًا وهو وحيدًا شاردًا حزينًا لم يشعر به أحد ولا والده الغاضب عليه طوال الوقت وهو كان يُحمل والده ذنب خسارته لوالدته ولكن داخله فقط فلم يكن يستطيع اخبار والده بما يكنه داخل عقله وقلبه الصغير.

إلى أن جاء اليوم وعاد والده من الخارج بصحبته امرأة أخرى يعاملها بلطف وحب ويغدقها بالقُبلات الحارة أمامه ، ثم أبعده من أمامه ودلف بها لغرفة والدته التي أصبحت غرفة تلك السيدة وعلم حينها بأنها البديلة لوالدته

كان يظن بأنها ملاذهُ وسوف تكون لهُ الأم الذي حُرم منها في عمر السادسه ولكنه كان مُخطئ فلم يحصلُ منها على حُب قط عاملته أسوء معاملة من والده بمراحل، وعندما أنجبت طفلتها "تبا" تحولت حياته لجحيم وذاق كل أنواع العذاب وكلما كبرت شقيقته كانت هي القريبة لقلبه ، الحضن الدافئ له والكف الصغير الحنون الذي يمسح دمعته كل ليلة يمر بها.


وتفرقًا عندما أصبح عمره الثالثة عشر وتم ايداعه بدار أيتام وابتعد قسرًا عن صغيرته التي كانت بلسم جروحه ، كان يستمد منها القوة على تحمل كل ما يُعانيه بهذا المنزل الجاف البارد الخالي من المشاعر الصادقة ، ولكن والدتها كانت تبعدها عنه بشتى الطُرق وفقد كل شيء بفقدانه لفراشته الصغيرة التي كانت تُعطي لحياته روح وحياة ..

لا شيء أسوأ من اعتياد القسوة
فهو اعتاد قسوة "جونجان" له وهي السبب الرئيسي في تبدُل حياتهُ وقلبها رأسا على عقب.
القسوة حطّمت كلّ شيء بداخله وأصبحًا مهشمًا من الداخل خاوي تمامًا ولكنه بدأ مُتحجرًا القلب ولا يعرف لارحمة عنوان

عندما خطى بقدميه داخل إحدى دور الرعاية تقوقع على نفسه وشعر بالوحدة والفقد الحقيقي وبكى كثيرًا كأنما فقد والدته اليوم لا قبل أعوام مضت..

"ليس في العالم وسادة أنعم من حُضن الأم" شكسبير
كان طفلاً منطوي على نفسه وصامت طوال الوقت وعندما أتت عائلة لتبني وقع الإختيار عليه بسبب صمته وهدوءه ومن يومها وتبدلت حياته كليًا حتى إسمه فتلك العائلة نسبتهُ لهم وأصبح من يومها "سادم فرنك" وليس "فيبو جاكوب"


لا أحد منّا بلا ماضٍ، ولا ماضٍ بدون ذكريات مؤلمة، ولا أسوأ من ذكريات ماضي تُحاصر حاضرنا وتعرقل مستقبلنا، وبغض النظر عن طريقة تعامل كل منّا مع ماضيه، فهناك من يبقى أسيرا لتلك اللحظات المؤلمة، وهناك من يتذكرها بين الحين والآخر، وآخرون من يجاهدون سنوات للقضاء عليها، إلا أنك لابد أن تنجح في الانتصار عليها حتى تنعم بحياة سعيدة ومستقبل آمن..

داهمتهُ نوبة أختناق أثر ذكرياته الأليمة و ارتجفتُ مفاصلهُ ارتجافا
واصطكّتْ أسنانه على بعضهما بأحكام منما زاد في أختناقه وأصبح غير قادرًا على خروج أنفاسه أو على الوقوف لم يقدر على الحركةُ وأنساب جسده رعشة خوف وهلع من تكرار الماضي الذي يُلاحقه

فك أزرار قميصه عندما شحب وجهه كاد أن يفقد حياته بتلك النوبة التي أستغرقت لعدة دقائق كادت أن تودي بحياته وتكون تلك هي نهايته.
طاح جسده أرضًا بين الوعي واللاوعي دارت مقلتيه بحوله بهون ورا كل ما دار بحياته منذ أن كانت طفلا صغيرًا وجميع مراحله العمرية والدموع تنساب من مقلتيه دون توقف وكلما جاء وجه صغيرته تيا في مُخيلته تزداد دموعه وتعلو أنفاسه اللاهثة باختناق يتمنى الموت في تلك اللحظة ، تمنى أن تنقطع أنفاسه ويتوقف قلبه عن النبض ثم أسبل أهدابه ولفظ شهقاتهُ الأخيرة.

حقًا تكون نهايتهُ بهذا الشكل أم لازال يصارع الموت ويذق من نفس الكأس الذي أذاقهُ لضحاياه الفتيات الصغيرات اللاتي لا ذنب لهن إلا أنهن أوقعن فريسة لشخص مريض مثله كمثل وحوش الغابة المتوحشة التي تنقض على فريستها تلتهما دون خوف أو تردد بقلب مُتحجر وعيون متلصصة قاسية لا تعرف المشاعر مُنعدمة الإحساس بالألم لا يتغلب عليها إلا غريزة الانتقام والكراهية وحُب الألم والتلذذ بضحاياه بدم بارد كبرودة القطبين الشمالي و الجنوبي هكذا يدفعه الانتقام الخلاص منهن بغلً وقسوة
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي