الفصل الحادي والعشرون شبح غائب

الفصل الحادي والعشرون شبح غائب

أطبق بقوة على جسدها الضئيل بين ذراعيه ثُمَّ دنا بالقرب من أُذنها هامسًا بخفيف:
- أشتقت إليكِ يا شرقيتي الحسناء
أستشعرت أنفاسه وتعلقت ذراعيها حول عُنقه تطالعه بنظرات عاشقة
مال هو على وجنتها يطبع قُبلةُ شغوفة وأخرى بين ثنايا عُنقها، دغدغت أوصالها وايقظت حواسها
ابتعدت عنه برفق وهي مازالت غير مُصدقة وجوده
أنفتح الباب فجأة وطلت والدتها منه قائلة:
- سيرو هيا لتناول الطعام
نظرت سيرين حولها في تيه أين أختفى "سادم"
اقتربت منها والدتها بقلق:
- ماذا بكِ يا حبيبتي؟ لما تدورين حول نفسك
ثم اردفت قائلة وهي تطالعها ببسمة حانية:
- لابد أنك أشتقتي لغرفتك، كل شيء بها كما تركتيه أنتِ
نفضت رأسها بشرود وهي تتسأل داخلها هل كان معها حقًا تشعر به وتلامسه وحدثته أم أنها تتوهم وجوده
سارت ک المُغيبة بجانب والدتها وجلست أمام المنضدة المُستديرة التي تقبع في بهو منزلهم ووضعت كفيها أعلى وجنتيها تنظر للفراغ بشرود
وضعت والدتها الطعام وهتف قائلة عندما أستمعت لطُرقات أعلى باب الشقة:
- ها والدكِ قد عاد
ذهبت هدى تفتح الباب وتستقبل زوجها بصوت خافت:
- منصور ابنتك ليست بخير
نظر لها بقلق وقال بلهفة:
- ماذا بها روح فؤادي؟
لوت ثغرها في حزن وقالت:
- ليست على ما يرام ، أنظر بنفسك
أنهت كلماتها وهي تُشير إلى حيث تجلس "سيرين" تقدم منصور بخطوات هادئة ثم مسد على ظهر ابنته لتنتفض بفذع عاد يربت على كتفها:
- لا تفزعي حبيبتي أنا والدك
جلس بالمقعد المجاور لها وقال:
- هيا تناولي طعامك يبدو على وجههك الإرهاق ثُمَّ أخلدي للنوم وغدًا لنا حديث خاص معًا
ليس لديها شهية على تناول الطعام فقط امسكت بالملعقة وظلت تعبث بصحنها ووالديها ينظرون لها بحزن عميق ، فبعدما أشرقت شمسهم وانقشع الظلام وحلت شمس النهار بعودة صغيرتهم يجدونها بتلك الحالة الحزينة الشاردة.
نهضت عن مقعدها وقالت بصوت مُنكسر:
- سأذهب إلى غرفتي أُريد النوم
همت بأن تسير ولكن أستوقفها صوت والدها قائلا بحنان:
- أين قُبلة والدك
عادت خطوتها للخلف ثم انحنت أمامه تُطبع قبلة رقيقة أعلى وجنته وفعلت مثلها مع والدتها وسارت إلى حيث غرفتها وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح لعل "سادم" يعود إليها ولن يزعجهم أحد
اراحت جسدها أعلى الفراش وظلت تنتظر قدومته إلى أن اغمضت جفنيها على أمل اللقاء داخل أحلامها فهي لا تعلم هل كانت تحلم بوجوده حقًا ام تتوهم ذلك ..
أما عن والديها بالخارج.
هتفت هدى لزوجها بقلق:
- لابد وأن يفحصها الحكيم، ابنتنا ليست بخير
-حسنًا ساتدبر الأمر، دعيها تنام بأريحية وعندما تستيقظ سوف أتحدث معها
**
داخل منزل "ماري"
لم تستطع النوم ظلت ساهرة داخل غرفتها جالسة على فراشها تضم ركبتيها إلى صدرها وعينيها تلمعان بوميض براق مثل الوهج المُشتعل وتهز جسدها بتوتر تشعر بحكة طفيفة، لمست بكفيها ذراعها لتجد جلدها الالمس الناعم به خشونه نظرت لذراعها في قلق لتنتفض من مكانها كأنها أُصيبت بماس كهربائى عندما وجدت نمو الشعر يزداد في صورة ملحوظة نهضت تنزع ثيابها أمام المرآة تطالع جسدها بتفحص لتجد جسدها بأكمله يطفو شعر أسود كثيف ولون جسدها يميل للون الرمادي
شهقت بصدمة وارتدت ملابسها ثانيًا وأخفت ذراعيها حيث ارتدت منامة ذات أكمام طويلة ولم يظهر من جسدها شيء عاري
جحظت عينيها تُطالع إنعاكس صورتها داخل المرآة لتجد بؤبؤة عينيها تحولت من لونهما الاخضر إلى وهج مُشتعل من نار
ركضت بذعر ترتمي داخل فراشها وهي ترتجف ببرودة شديدة ودثرت نفسها بالغطاء وهي تهمس بصوت خافت:
- لا ... لا ... هل مازلت اللعنة تحاوطني ؟
لا لا لا
ظلت ترفض الفكرة وحاولت أن تغمض عينيها بإجبار ولكن جافها النوم

طرق والدها الباب في ذلك الوقت عندما رأ أضاءة غرفتها علم بأنها لازالت مُستيقظه، وولج لداخل قائلا:
- طبيبتي الماهرة أود التحدث معكِ
نهضت من مرقدها وجلست بالفراش قالت بصوت مضطرب:
- أنا أيضًا اود أخبارك بشئ فيلسوفي العظيم
جلس والدها على حافة الفراش وقال بود:
- هيا حبيبتي أخبريني ما الأمر أعلم بأن لديكِ أحاديث كثيرة وأنا اود سماعها
نظرت له بعينين حمرويتين يخالطهما صفار ظن بأنها أثر البكاء
رفع أنامله يلامس وجنتها بحنان:
- هل كنتِ تبكين حبيبتي؟ لما عينيك كالجمر المُشتعل ؟
عانقت والدها بقوة وأُغرقت عينيها الدموع وقالت بصوت مكلوم:
- ابنتك أصابها لعنة وتحولت لمُستذئبة في الليالي القمرية
أبعدها عن أحضانه وطالعها بعدم فهم ظن بأن حرارتها مُرتفعة وتهلوس، لذلك رفع اناملة يتحسس جبينها
هزت راسها نافية وقالت:
- أقص عليكِ الحقيقة أبي، هذا ما حدث لي بالفعل وبدأت تسرد له منذ أن ألتقت بجونجان إلى أن قابلت ماكسر وانتهى بها الحال عند مقتل جونجان وتحررت اللعنة ولكن يبدو أن لعنتها لازالت مُستمرة
ونزعت سترة المنامة وراءته ما تخفيه خلف ملابسها وتحول لون عينيها
ثم همست بحزن:
- باقي يومين على الثلاث ليالي القمرية أبي وأنا خائفة
جذبها بقوة داخل أحضانه وانسابت دموعه وشعر بالعجز فماذا يفعل من أجل ابنته وسلامتها وسلامة عائلته.
طمئنها رغم قلقه الشديد ولكنها ابنته وبحاجة لدعمه وهو ليس عليه فعل شئ إلا أن ينتظر أكتمال القمر ولكنه لا يجازف بسلامة عائلته سوف يأخذها لمنزلهم القديم المهجور وسيظل جانبها يشاهد بنفسه ما سوف يحدث .
ربت على جسدها بحنو فقد كانت ترتجف وتبكي وتهمس بخوف:
- لا أُريد أعادة التجربة القاسية مرة أخرى أبي... ولا أُريد أن أاذي أحد من أخوتي أو أي شخص يؤذى بسببي ارجوك أبي أجد لي حلًا
- حسنًا صغيرتي سنجد حلًا لا تقلقي، الآن يجب أن تغمضي عينيك وأنا جانبك لا تخافي صغيرتي سنجد حلًا بأذن الرب.
لم يتركها ظل بجوارها إلى أن ذهبت في النوم تركها برفق واغلق أضاءة غرفتها ثم ذهب إلى غرفة مكتبه وظل واقفًا أمام المكتبة الخاصة به الذي جمع بها كل كُتب التاريخ والجغرافيا والحضارات القديمة المختلفة وعلم النفس والفلسفة فقد كانت تضم مجموعة من الفلاسفة والمفكرين والمثقفين من الغرب وبحثًا عن الكُتب التي تحدثت عن الاساطير لعله يجد ثغرة تصله لفك اللعنة التي أصابت ابنته
وبالفعل وجد مبتغاه كتابُ مُترجم عن أسطورة المُستذئبين ، ارتدى نظارته الطبية وجلس خلف مكتبه يفتح اولى صفحات الكتاب ويقراءهُ بعناية شديدة يصوب اهتمامه عليه ليجد مخرجًا لما تُعاني منه أ
ابنته..
استوقفته السطور الأولى في مُقدمة الكتاب وقراءها بصوت عالِ لعله يُذكر نفسه
" المستذئب قد يصبح مستذئباً بثلاث حالات وهم قد يكون مستذئب بالوراثة أي عائلته وأجداده مستذئبين بالفطرة فيصبح المولود أيضا مستذئب كاهله والحالة الثانية يكون من العضة أي المستذئب يعض البشري فيصبح مستذئب أو قد تكون لعنه من آلهه أو سحر ألقى عليه وكانت تقول الأساطير بانه لايخرج عن هذه الثلاث حالات"
شرد وتذكر ابنته عندما اخبرته بأنها تم عضها بالفعل وامتزجت دمائها بدماء المُستذئبين.
ورُبط القمر الكامل بالمستذئب عرضياً لما يرمز له القمر من قوة غير طبيعية عند القدماء وقدرته على دفع البشر نحو الجنون وحيث يرتبط الإنسان بالوحش بشكل سحري

وبحثًا داخل الكتاب عن علاج لهذهِ الحالات
لكي تقضي على تلك الأسطورة الخارقة للطبيعة يجب طعنهم بسكين من الفضة
أو إطلاق النار عليهم برصاصة من فضة في القلب
وعندما يموت المُستذئب يعود الإنسان لطبيعته الاولى.
ولكنه لم يقدر على فعل ذلك فلن يسامح نفسه إذا أصاب ابنته، ماذا سيفعل لو فقدت حياتها هي أيضًا لن يتحمل خسارتها فيكفي ما مرت له ولكن سيحاول الذهاب للأطباء وإيجاد حلا طبيبًا يخلصهما من تلك اللعنة ..
**
داخل منزل الجد محمود.
كانت داخل غرفتها شاردة في ذكريات طفولتها التي سببت لها أن تكون بتلك الشخصية الضعيفة التي هي عليها الآن، لم تختار شيء دائما تُجبر على ارتداء ملابس مُعينة، لن تنتقي بذوقها الخاص أبسط حقوقها سُلبت منها، كنت ترتدي الملابس القديمة الخاصة ببنات عمها وهن يرتدون الثياب الجديدة وإذا قررت أن تتحدث مع جدها كانت زوجة عمها تعنفها وتحبسها بالغرفة وتمنع عنها الطعام ريثما تعود لصمتها ولن تُخبر جدها بما تفعله لها السيدة "شريفة" سيدة المنزل وهي المرغومة على أمرها.
زرفت دموعها وهي تتذكر ذكري نجاحها وكيف أصرت زوجة عمها على عدم أكمال دراستها وأنها تريد أن تزوجها لاي شاب يطرق بابهم لكي تتخلص منها ومن عبئها.
هزت ثقتها بنفسها عندما أخبرتها بأنها ستظل خادمة بالمنزل وتكف عن الدراسه
كل الذكريات التي مرت بها داخل هذا المنزل أليمة وقاسية على طفلة بعمرها حتى عندما أصبحت شابة في الحاد والعشرون من عمرها لم تتذكر طفلة سعيدة قضتها بهذا المنزل ، تود أن يأتي عزيز ويُخلصها من ذاك السجن اللعين فهي تختنق من وجودها داخله.
في ذلك الوقت كان عزيز أسفل البناية التي تقطن بها معشوقته ويدور حولها يُريد أن يراها ويتحدث معها ويزف لها موافقة والده على ارتباطه بها وينظر لأعلى فيجد شرفة ويجد بجانبها نافذة مُغلقة أيقنت بفطنته بأنهم داخل هذا المنزل لن يعطوها الغرفة التي يوجد بها شُرفة ومن المؤكد أن النافذة المُغلقة خاصة بغرفة محبوبته ، لذلك تجرأ وانحنى بجذعه يلتقط حصى ثم ألقاها بكل قوتها لترطم بالنافذة وكرر فعلته تلك ثلاث مرات .
انتابها القلق اثر ذلك الصوت الذي يهز نافذتها واقتربت منه تفتحه ببطء شديد ثم نظرت بالاسفل عن مصدر ذلك الصوت لتشهق بصدمة ولكنها مُحببه لقلبها ولمعت عينيها عندما التقت ب فارسها التي كانت تتمنى أن ينتشلها من هذا السجن
همس بصوت خافت ولكن قرأت شفتاه التي تتحرك
-باحبك.
انفرجت اساريرها بسعادة ورفعت كفها تشير إليه
ليرفع هو كفه ولكن يشار إليها بأن تلتقى به وتترك المنزل الان
هزت راسها نافية بخوف من أن يراها احد، لكنه أصر على تلبية رغبته وأنه سينتظرها ولن يتحرك من أسفل نافذتها إلا عندما يراها ويخبرها لما جاء في هذا الوقت المُتأخر من الليل
هزت راسها بايماءة طفيفة وأغلقت النافذة ثم سارت تغادر غرفتها على أطراف أصابعها ونظرت بارجاء الشقة لتجد السكون يعم بالشقة فاكملت سيرها ببطء وغادرت المنزل بعد أن سحبت المُفتاح وقبض بقوة عليه ثم أغلقت الباب خلفها برفق لكي لا يصدر صوتًا وينكشف أمرها.
هبطت الدرج في عجالة وغادرت مدخل البناية ثم وقفت أمامها وأشارت إليه أن يأتي
سار بخطوات مُسرعة ودلف بها مدخل البناية لكي لا يراهما أحد ثم ثبتها عند الحائط وظل هو محاوطها بذراعيه وقال بهمس:
- أشتقت إليكِ نيروزي ولا أطيق الانتظار
تبسمت برقة وقالت:
- لم استطع النوم كُنت أفكر بك
رفع حاجبيه بمشاكسة ودنا منها هامسًا بصوت عذب :
- أذا أنت أيضًا لا تتحملي العيش بدون حبيبك أليس كذلك
ضحكت برقة واومت بالايجاب قائلة بغمزة:
- أليس كذلك..
قرص وجنتها بخفه وقال :
- شقية .. لذيذة ... وأريد التهامك
ثم أستطرد قائلا:
- جئت لاخبرك بحديثي مع والدي وسوف نزور جدك غدًا لطلب يديكِ
توردت وجنتيها بحمرة طفيفة تليق بنضارة بشرتها وقالت هامسة:
- حقًا ..،!
- بالطبع يا معشوقتي، لم أتحمل فراقكِ عني ولو يوم واحد وسوف اُحرركِ من هذا السجن لتصبحي ملكة قلبي داخل قصركِ بين أضلُعي، لا خوف بعد اليوم ... فقط سعادة ثم سعادة ثم سعادة
مالت على وجنته تقبلها بنعومة ثم ابتعد عنه وهمت بصعود الدرج ، امسك برسغها واوقفها ثم مال عليها يقبل جبينها وقال بحب:
- تصبحين على خير يا سندريلا قلبي
ركضت مُسرعة تصعد الدرج ثم فتحت الباب برفق وحذر ومن ثم دلفت مهرولة داخل غرفتها لتدور حول نفسها بفرحة تدغدغ أوصالها مشاعر جميلة تجعلها تُحلق في السماء مثل الطير الذي يُغرد وينطلق في سرب
لحظات من السعادة تستحقها.. الكلمة قادرة على تحويل مسار أنسان من الحزن والعبس إلى السعادة والفرح ..
حين تُحُب تملك الدنيا ومن عليها؛ حين تُحُب تُصبح شخصاً آخر كُلّ ما فيك يبتسم ويشدو، يرسم ويُغني ويعزف أجمل الألحان، إن المرء حين يُحُب يصبح من أسياد قومه والضحكة لا تفارقه..
**

فتحت "سيرين" عينيها عندما شعرت بيد تسير على أنحاء جسدها تطلعت حولها بريبة فلم تجد شيء اغمضت عينيها ثانيًا لتشعر تلك المرة يد تهزها برفق من كتفها، جحظت مقلتيها وانتفضت من نومتها لتجد"سادم"
جالسًا على حافة الفراش يبتسم لها ويطالعها بنظرات عاشق ولهان
بادلته الابتسامة ثم رفعت كفيها تتحسس جسده لكي تتأكد من وجوده وقالت بعيون باكية:
- سادم انت حقًا موجود أمامي أم أنِ مازالت نائمة وأراك داخل حُلمي
ضحك بخفة ورفع اناملة يلامس وجنتها يداعبها برقة :
- أنتِ مُستيقظة يا شرقيتي الفاتنة، وها أنا أمامكِ الآن
- لم أصدق عيناي "سادم"
- تطلعي لي فقط سيرو
ظلت تحدق داخل مقلتية التي تحول لونهما للون الاحمر القاني وعينيها تلمعان ببريق قوي، أخرج من حدقتيه شُعاع ذهبي يخترق مقلتيها فلم تقدر أبعاد انظارها عنه، ثم دنا منها يميل على أذنها يردد داخلها بصوت أشبه بفحيح الأفاعي:
-هبي لي نفسك.... هبي لي روحك ... سيري على نهجي... حققي ما لم أستطع تحقيقه... أخضعي لقانون الحُب الأبدي... تحرري من قيودك ... أتركِ لي سعادتك .... سوف أمنحكِ كل شيء تستحقينه ..
القوة، السيطرة والسُلطة والنفوذ .... عيشي لي فقط ... اتبعيني يا سيرين ... أتبعيني يا حبيبتي..
هيا أنهضي معي .... لا تخافي ضعي يدكِ بيدي ولا تخافي ....
هبي لي حياتك .. هبي لي عمرك القادم .. سوف أمنحكِ كل شيء
مالت رأسها وأسبلت جفونها ولم تعد قادرة على الحراك فقدت جميع حواسها لاماً عن سعادة الحب.

***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي