الفصل الحادي والثلاثون لا تراجع ولا استسلام

الفصل الحادي والثلاثون " لا تراجع ولا استسلام"

أنهكه التَّعبُ و نال منه الإعياء فخارت قواه وثقلت حركته و أخذ يجرّ رجليه جرًا، لم يَعُد قادرًا على الحراك ولا تعلم والدته بما أصاب طفلها الذي يبلُغ من العُمر السادسة عشر في بداية مرحلة الثانوية العامة، رافضًا لتناول الطعام والشراب ورافضًا لذهابه للمدرسه وقد سأم كل شيء حتى لم يعُد يمسك بهاتفه الخاص أو يستهوي اللعب على الايباد والحاسوب، متقوقع داخل فراشه طوال اليوم وعندما يحل ظلام الليل يطالب والدته بالمكوث بغرفته، دخل في حالة نفسية سيئة ولم يعد يستطع النوم، يظل ساهرًا جاحظ العينين ينظر للفراغ بشرود ويرتجف جسده الصغير من حين لآخر.

لن تتحمل "ريم" رؤية صغيرها على تلك الحالة، هاتفة زوجها بضرورة العودة من سفره ويترك كل أعماله بطفله بحاجته الآن، وبالفعل نفذ " مراد" رغبة زوجته وانهى أعماله المُتعلقة بالخارج وعاد على وجه السُرعة، لم يكن يتوقع هو الآخر بحالة طفله أن تكون بهذا الوضع، هذا جسد الصغير وضعفت قوته وحركته وكأنه شبح، باهت ملامحه.


يومان وهو على هذا الحال لم يتناول طعامه يذعر وينتفض جسده من أي همسة تحدث جواره، أنهار تمامًا واغمض عيناه ولم يَعُد يفتحها ثانيًا.
أنهلع قلبها وصرخت صرخة مدوية تنادي زوجها ليحاول إفاقة صغيرها الذي تبدل حاله، حمله والده مُسرعًا وركض به إلى أقرب مشفى.

بدأ الطبيب في فحصه وغرز بوريده محلول مُغذي يُساعده على استرداد وعيه وعندما قصت والدته على الطبيب ما يُعاني منه طفلها من كوابيس وهواجس وشدة خوف ورهبة من كل شيء، علم بأنه ينهار ويُعاني من صدمة نفسية أثرت على وضعه الصحي وعقله ولذلك يظل شاردًا طوال الوقت، أقترح عليهم الطبيب بعرضه على طبيب مختص في الطب النفسي لمتابعة حالته النفسية.


وظلت "ريم" ماكثة بجوار طفلها داخل المشفى، حزينة على ما أصابه بين ليلة وضحاها.

عندما علمت "جميلة" بما يحدث مع صديقتها لن تستطيع أخبارها باختفاء "سيران" فيكفي حزنها على صغيرها" سادم"
وذهب " عزيز" مع والدته يتفقد وضع صديقه وهو مُيقن تمامًا أن ما يحدث لصديقه هو سبب لعبة الموت اللذين جلبوها لأنفسهم، رغم خطرها على حياتهم إلا أنهم قبلوا بالتحدي والمواجهة.


ظل ينظر لصديقه بحزن ولا يعلم بماذا عليه أن يقول.
فقد كان "سادم" بعالم أخر رافضًا للواقع الذي يعيشه ولن يشعر بمن حوله عيناه تتطلع للخواء
أغرقت مقلتيه بالدموع على ما أصاب صديقه وهو على علم بالسبب ولكن رفض الإفصاح عنه خوفًا من بطش عائلته وعائلة صديقه فظل صامتًا جالسًا تملكهُ الحُزن على رؤية صديقه بتلك الحالة.

**
في "روما" وبالتحديد عند الجزيرة الذي لا يقربها بشر
تهللت أسارير وجهه وهو يُطالعها ببسمة غزت قلبه قبل وجنتيه عندما وقفت أمامه بتحدي وقالت:
- ساخوض مُبارة اليوم ولن أتراجع عن ذلك القرار
- حسنًا وأنا معكِ
- ولكن يجب عليَّ العودة للفندق لابدال ملابسي وأخبار مُدربي بخوض البطولة ولن أتراجع ولن أستسلم بعد اليوم

فرد لها ذراعه فنظرت له بعدم فهم،طلب منها اغماض عينيها وأن تقترب منه تلامس ذراعه، فعلت ذلك كالمُغيبة منصاعه خلفه بقوة خفية تقودها لفعل ذلك، لامست كفه بأطراف أناملها وهي مغمضة العينين، أطبق "لاواي" ذراعيه عليها بأحكام وأخفاها داخله وفي لمح البصر كان داخل غُرفتها بالفندق.


فرد ذراعيه لتتحرر من داخله وهي تنظر حولها بعدم تصديق كيف أتت إلى هُنا، نظر لها نظرة حادة تخترق عقلها ويجعلها تنسى التساؤل عن سبب عودتها بهذه السُرعة وكيف فعل ذلك؟

تبسمت له ونظرت له بامتنان وقالت:
- أشكرك " لاواي" على كل ما فعلته من أجلي
- سانتظرك بالخارج ريثما تبدلين ثيابك
ترك غرفتها ووقف على أعتاب الباب، بينما "سيران" بالداخل ترتدي ملابسها الرياضية الخاصة ب الإسكِواش

وبعدما أنهت حملت حقيبتها الرياضية وغادرت الغرفة لتجد "لاواي" ينتظرها، سارت جانبه وهي تقول بصوت هادئ:
- سنذهب إلى الملعب الآن ليس لدينا وقت المبُارة ستُقام خلال ساعة من الآن

امسكها من ذراعيها على حين غفلة ولفح وجهها بانفاسه منما جعلها تغمض عينيها ليختفي بها في لمح البصر وبعد ثواني جلعها تفتح عينيها داخل الملعب الخاص بالاسكواش وهي تتطلع حولها بإنبهار ، حيث تُقام البطولة.

اختفى "لاواي" عن أنظار الجميع ولكن كانت رؤيته واضحة لها هي وحدها فقط من تستطيع رؤيته، يود مراقبتهم لكي يبعد الأذى عنها.
سارت هي بخطوات واثقة وولجت لداخل الملعب حيث كان يُتابع الكابتن تسديد "ميلا" لضربات الكورة المطاطية

اقتربت من الكابتن تصافحه وتعتذر عن غيابها اليومين الماضيين، لم يُصدق " زياد" بأنها تقف أمامه، عاتقها بفرحة عارمة وهو يقول:
- "سيران" هل أنتِ بخير؟ هل حدث لكِ مكروه؟ لقد كُنت قلقًا للغاية بسبب غيابكِ المُفاجئ، حمدًا لله على سلامتك

استشعرت القلق في نبرة صوته ولهفته بعودتها أما عن الأخيرة تتطلع لها بغيظ وحقد، أبعدت "سيران" أنظارها عنها واشاحت بوجهها للجهة الأخرى ولا تبالي بوجودها من الأساس
أعطاها "زياد" المضرب وهو يبتسم لها ويُشجعها قائلا:
- كُنت سأعلن عن عدم المُشاركة في البطولة ولكن الشباب رفضُ الأمر، الآن سعيد جدًا بعودتك يا بطلة العالم

بادلته الإبتسامة بود وأخذت منه المضرب وبدأت في التسديد بضربات قوية ولديها دافع قوي للفوز، ظلت هكذا لا تكترث سواء المضرب الذي بيدها والكورة التي أمامها توجهها أينما تشاء.

لديهم اليوم مباراة لنصف نهائي ثم المُباراة الأخيرة وهي النهائي فاليوم ستواجه خصمها من بلجيكا
وبدأت المباراة في حضور الجميع و"زياد" يطالعها بقلق من خلف اللوح الزجاجي فقد كانت داخل ملعب الإسكِواش ولا تهتم إلا بتسديد الضربات القوية الكورة المطاطية في الجُدران الأربعة.

و"لاواي" واقفًا مُستمتعًا بما تفعله محبوبته ويتطلع من حين لآخر إلى الوجوه المُحاطة بها، رأ الفرحة تعم بوجوه بعضهم وفتاة تشتعل بالغضب علم بأنها هي نفسها " ميلا" التي تجرأ الشاب على خيانته لسيران معهًا.


أما عن "ميلا" كانت تشتعل غضبًا كانت تظن بأنها ستترك لها البطولة ولن تقدر على مواجهتها ، بحثت عن هاتفها واخرجته تهاتف" كارم" وتخبره بعودة "سيران" ، اغلق "كارم" الهاتف فورًا عندما أستمع لحديث " ميلا"

ثم غادر الفُندق مُسرعًا متوجهًا إلى ملعب البطولة وهو يتنفس الصعداء فقد كان يُحمل نفسه ذنب أختفائها المُفاجئ.

**
عودة إلى القاهرة..

غادر " عزيز" المشفى بوجه عابس بسبب ما يُعانيه صديقه المُقرب "سادم"
عند عودة للمنزل ركض إلى حيث جده ليقص عليه ما حدث لصديقه أثر اللعبة وهو يشعُر بالخوف هو الآخر فهو صاحب فكرة التحدي وتجربة لعبة كهذه ولم يكن يظن بأنها خطرًا لهذا الحد.

جلس الصغير بجوار جده وقال بصوت مُهتز:
- جدي "سادم" ليس بخير على الإطلاق، كأنه شبح يُصارع الموت جدي، أرجوك جدي ساعدني ماذا أفعل لصديقي؟ هو بحاجتي الآن ولا أعلم ماذا أفعل ؟
ربت الجد عزيز على كتفه وقال:
- لا تخشى يا صغيري، حفيد "سيرين" قوي وسيواجه مثلمًا فعلت جدته بالماضي

نظر له الصغير بترقب وقال:
- وماذا فعلت جدته يا جدي؟
زفر " عزيز" أنفاسه بهدوء ولاحت إبتسامة عذبة تشق تجعيد وجهه وقال :
- كانت "سيرين" فتاة قوية لا تعرف للمُستحيل طريق، خطت الصعاب وواجهت المِحن ولن تستسلم قط.


عاد بذاكرته لما يقرب من ثمانون عامًا بعدما تزوج من معشوقته " نيروز" وأتت "سيرين" في زيارة لصديقتها ومعها صديقتها الآخرى " ماري" وقصت عليهن ما فعله والدها عند والدتها منما جعلهن مُندهشين بما حدث ورغم وفات " سادم" بيدها ظل شبحه يُطاردها وتأكد بعد فترة بأن المارد دهمان هو من يتصور في صورة حبيبها " سادم" ليرغمها على الخضوع له.

وقرر عزيز والفتيات مُساعدتها للخلاص من " المارد دهمان" ومن هُنا تدخل " ماكسر" أيضًا بالأمر ووجدوا الخلاص من دهمان بوضع خطة مُحكمة مثلمًا فعلوا مع المُشعوذة " جونجان" وتذكر ماكسر التعاويذ والسحر الأسود ولكن لن يمتلك أحد منهما على فعله وليس لديهم قوة السحر هذا، إلى أن مازل " ماكسر" مُحتفظًا بالسحر الاسود والبلؤرة السحرية الخاصة بجونجان ولكن لا يعلم كيف يستخدمها، وهذا ما جعل " سيرين" تواجه مصيرها بقلب قوي وقررت أن تُحارب " دهمان" بما هو أقوى من ذلك، عكفت على نفسها في المساجد تستمع لخُطب المشايخ وتتردد على مشيخة الأزهر الشريف، جاهدت في حفظ القرآن الكريم وعلوم الفقه والسُنه، وظلت مُحصنة نفسها وجسدها من مس الشيطان الرجيم .


وفي تلك الفترة الزمنية أختفى دهمان نهائيًا وعادت "سيرين" تكمل دراستها في الطب بجانب تعاليم الإسلام وتلاوة القرآن الكريم ودائما تُحصن نفسها من الشيطان ونسله، ومرت عليها الايام بسلام وقابلت شابًا وسيمًا في ذلك الوقت كان طبيبًا لوالدتها وتم التقارب بينهما ونمى بينهما اعجاب وتزوج منها خلال عامًا من لقاءهم بعدما صارحته بكل شيء خاص عن حياتها، وفي أول أيامهم لاقوا الكثير من العثرات والضغوط وظلت صامدة وهو بجوارها لن يكل ولن يمل من التحديات والعقابات التي واجهتهم.


ظل زوجها جانبها داعم ومُساند لها إلى أن توفي بعد عامين من الزواج وترك لها ابنة وحيدة "ريم" عاد " دهمان" الظهور أثناء فترة حدادها وحُزنها على فقدان زوجها، لازال يطلب منها تهبه روحها وروح صغيرتها .

خافت "سيرين" على طفلتها وعندما تحدثت مع الشيخ أقترح عليها الإبتعاد والذهاب بابنتها للأراضي المقدسة، وبالفعل ذهبت إلى هُناك وجلست بطهر بيقاع الأرض وفي ليلة من ليالي رمضان المبارك وهي داخل الحرم غفوت وهي مُحتضنة ابنتها وإذا بسيدة ترتدي ثيابًا بيضاء ووجهها يشع نورًا ربتت على كتفها بحنو ووضعت قلادة مُباركة داخل حجرها وقالت بصوت هامس:

- خدي هذه التمييمة المُحصنة ستخفظكِ وتحفظ نسلك بأذن من الله ولا تخافي ولا تحزني الله لا يُضيعكِ

فاقت من نومتها تبحث عن تلك السيدة فلم تجدها ووجدت القلادة موضوعة بحجرها تبسمت بسعادة وأنسابت دموع الفرحة بأن الله معها ولن يتركها فلا تخاف بعد الآن ومنذ ذلك اليوم و" سيرين" قوية لا تخشى من شيء ووهبت حياتها لمُساعدة الاناس فقد كانت طبيبة تعمل دون أجر لتنال رضى الله سبحانه وتعالى وكانت على يقين بمحبة الله لها وانتهى " دهمان" من حياتها للأبد..

همس الصغير بعدم فهم:
- لم أفهم شيئًا يا جدي
ربت على ظهره برفق وقال:
- أحفاد سيرين لن يُصيبهم الأذى بأمر الله، لن يستطع تشارلي ولا دهمان بالعثور عليهم ولن يحدث لهم مكروه إلا بإرادة الله، "قل لن يُصبينا إلا ما كتبه الله لنا"
**
في " روما"

انتهت المُباراة بفوز "سيران" بطلة مصر على " جاسكا" بطلة بلجيكا وتأهلت مصر لنهائي البطولة
ونُقلت المباراة عبر شاشات التلفاز ولكن عائلتها كانت تمكث بالمشفى بجانب شقيقها ونسوا تمامًا أمر البطولة

فقد صدقت " سيران" حلمها التي سعت من أجله وبالنهاية حصلت عليه
أت " كارم" يقترب منها يُريد احتضانها يبارك لها فوزها ولكن عندما اقترب منها واراد أن يضمها عاد هي بخطوات بسيطة للخلف ونظرت لمقلتيه بقوة تواجههما في تسأل صامت لم يتفوه لسانها بشيء ولكن عينيها تتطلع له لعلها تجد داخل حدقتيه ما يخفيه عنها ولكن كانت نظراته حانقه لم يتوقع ارتداءها للخلف ونزعت خاتم الخُطبة التي كان مُزين أصبعها البنصر ووضعة داخل راحته دون كلام


وسارت مُبتعدة وعينيها تجوب بين الحضور تبحث عن " لاواي" الذي كان مُختفي عنها هي الأخرى يُريد معرفة ردة فعلها بعد أنتهاء المُباراة.
أما كارم فقد كان واقفًا مصدومًا منما فعلته " سيران" رغم أنه كان يسعى لفك الخُطبة إلا أنه شعر بالحزن والضيق بسبب تلك الفعلة وأيقن في تلك اللحظة بأنها حقًا رأته مع صديقتها.

الآن شعر بخسارتها، لديه شعور قوي بالاحتياج لها ولكن لم يعُد ينفع الندم بعد ما فعله فهو من وضع تلك النهاية لعلاقتهم معًا خسر خسارةً لا تُعوض..

مِن المؤلم أن تشعر بأنكَ خسرت أشياء كثيرة لم يعد عمرك يسمح باسترجاعها.. وأن تلتقي بشخصًا شاطرك نفسك يومًا فتكتشف أنّ مشاغل الحياة قد غيّبتك من ذاكرته تمامًا.. أن تكون من أصحاب الأحاسيس التي لا تكذب وتتضخم بإحساس أنّ أحدهم قد يغادرك قريبًا. أن تصل يومًا إلى قناعة أنّ كلّ من مرّ بك أخذ جزءًمنك ومضى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي