الفصل الرابع والثلاثون لعنة الماضي

الفصل الرابع والثلاثون لعنة الماضي

بعدما أخبرها والدها بما فعله صغيرها "عزيز" شلت الصدمة حواسها، ونكست وجهها ارضًا تشعر بالخزي فهي المُقصرة في حق صغيرها، تركت له الحرية الكاملة وهو في ذلك السن الحرج، لم يكن عليه رقيب ولا رادع تصرفاته الهوجاء الصبيانية الطائشة ولم تكن على دراية بأنه من الممكن تعريض حياته للخطر إلى هذا الحد وكل ذلك بسبب لُعبة تحدي بينه هو ورفاقه وما اصاب "سادم" نتيجة تلك اللعبة التي قلبت حياتهم جميعًا..

رفعت وجهها وهتف بصوت عالٍ مُنفعل صارخة بمناداة صغيرها "عزيز"
اهتزت ارجاء الفيلا على صراخها الحاد وانتفض جسد الصغير وهب واقفًا عندما استمع لمُنادة والدته، علم بأنها تُسطر لنهاية السر الذي اباح به جده، تركت غرفته بخطوات مُضطربة يُقدم ساق ويُأخر الأخرى، وجبينه يتصبب بالعرق، وقف على مقربة من والدته التي طالعته بعيون ثاقبة من راسه إلى اخمض قدميه ثم نهض من جلستها تقف في مُقابلة وهي تقول بأسى:
- ماذا فعلت لك "عزيز" لكي تتصرف بحماقة دون أن تعلم عواقب فعلتك؟

من المُقصر يا تُرا فيما اودت إليه الأمور؟ تركتك تفعل كل ما يحلو لك، اعطتك الحرية الكاملة وانا واثقة بك، لماذا خذلتني لهذا الحد، سولت لك نفسك انت واصدقاءك بفعل تحدي كاد ان يؤدي إلى خسارة أرواحكم وانتم تظنون انها مُجدد لعبة

تنهدت بحزن عميق ثم قالت باسف:
-هيا اسرع وبدل ثيابك لكي نذهب إلى "سادم" لتقص على والدته كل ما حدث فهي لم تعلم حتى الآن ما سبب إصابة "سادم" وانا سوف اهاتفها واخبرها بقدومنا.

أؤمى بخفه وغادر على الفور صاعدًا إلى حيث غرفته وهو يحدث نفسه بصوت غاضب ليستمع له شقيقه الأكبر "كارم" ما يبتر به من كلمات ولحق به ليعلم ما الخطب..

دلف كارم خلفه وهو يتسأل بفضول عن سبب حالته:
-ماذا بك عزيز أراك تُحدث نفسك؟

نظر له شقيقه ثم قص عليه ما فعله قبل أيام هو وبعض أصدقائه ومن بينهما "سادم" في لعبة التحدي الذي يتحدث عنها الجميع الان ويمارسونها الكبار والصغار وسبب حالة سادم هو خروجه من اللعبة دون إذن تشارلي ولذلك أصابته اللعنة، كل ذلك تحت أنظار "كارم" الصادمة فهو لم يتوقع ذلك على الإطلاق، وقرر أن يذهب معهم لمواساة "سيران" فهو على علم مُسبق بعودتها عن طريق الصُحف و اللقاءات التي أُجريت قبل عودتها ووسائل التواصل التي تحكي عن نجاحاتها وبطولاتها وخبر عودتها لموطنها فجر اليوم..

**
داخل منزل "سيران"

لم تستطيع "ريم" النوم بعدما هاتفتها صديقتها واخبرتها بخبر قدومهم لزيارة سادم والاطمئنان على سلامته تفاجئت بالاخير تخبرها أيضًا بعودة "سيران" واخبرتها بانهم تركوا المشفى لكي يتلقى سادم علاجه بالمنزل وبعد ذلك اغلقت الهاتف ونهضت من فراشها تستعد لاستقبال صديقتها وخطيب ابنتها.


وانتقت ريم ملابس مُلائمة وبعد ذلك غادرت غرفتها وتوجهت لغرفة صغيرها تتفقد وضعه وتخبر ابنتها بقدوم كارم ووالدته، طرقت الباب ودلفت مُسرعة لتجد الارتباك على تقاسيم وجه ابنتها تبادلت النظرات بينها وبين "لا اي" ثم تسألت عن حالة سادم لياتي الرد التي اعتادت عليه

تنهدت بحزن ثم قالت:
-"سيران" استعدي لاستقبال "جميلة" و"كارم" فهم على وصول
ضيقت سيران حجبيها وعقدت جبينها ثم بترت جملتها دون تردد:
-لا يعنيني وجودهم في شيء هي صديقتك
هتفت ريم مُندهشة:
- ماذا قولتِ؟ كيف لا يعنيكِ وجود خطيبك ووالدته؟!
رفعت كتفيها بلا مبالاة ثم بترت قائلة:
-لقد فسخت خطبتي وأنا في روما ولا أريد مُقابلة أحد وسادم أيضا بحالة صحية لا تستدعي برؤيته وعليهم تفهم الأمر.

قبل أن تبدي والدتها اعتراضها على خبر فسخ خطبتها أتت الخادمة تخبرها بقدوم الضيوف وعليها الآن إن تذهب لتستقبلهم وهي لازالت مصدومة بما قالته ابنتها ولم تعد تفهم ما يحدث لعائلتها..

زفرت "سيران" أنفاسها بضيق ثم تطلعت إلى "لاواي" قائلة:
-كيف سنحرر روح "تشارلي"التي اقتحمت جسد شقيقي؟
قال مطمئن لها:
- سأنهي الأمر لا تقلقي

نظرت داخل مقلتيه بقوة ولكن عجز لسانها عن البوح وعن التسألات التي بخلدها وهو على علم بها لذلك استخدم قوته على أن تتلاشى جميع التسألاوات المُحيرة لعقلها وجعلها فقط تثق به وتنظر له نظرات إعجاب.

أما عن الوضع بالأسفل..

استقبلتهم "ريم" بترحاب رغم توترها بذاك الخبر الذي جعلها تُصعق بعدم تصديق كيف لابنتها ان تُترك خطيبها الذي تكن له كل مشاعر الحب والغرام فقد كانت مُتيمة ب "كارم" منذ الصغر وكبر الحب معها كيف لها أن تتخلى عنه ببساطة؟ لابد وان حدث لهم شيئًا أثناء تلك السفرة ولا احد يفصح عنها، قررت إلا تُظهر عدم معرفتها بذلك وجلست تتحدث معهم بهدوء إلى أن نهض كارم عن مقعده وهو يتسأل عن "سيران" ورغبته في رؤيتها ورؤية "سادم"

ونهض عزيز هو الآخر عن مقعده ولكن أشارت له والدته بأن يجلس ثانيًا ويدع "كارم" وحده هو من يصعد لغرفة سادم لعله يتحدث مع سيران ولكن تفاجئ الجميع بالطبيب الذي عاد مع سيران من إيطاليا وهو يمكث معهم الان بالمنزل وسوف يتولى رعاية سادم وعلاجه إلى هذا الحد اشتعلت مقلتي كارم بالغضب وقص عليها ما سبب حالة سادم وما أصابه إلا لعنة روح مُعذبة إصابة جسده أثناء تحدي مع أصدقائه.
ارتجف قلب"ريم" وطالعت صديقتها بعينان زائغة ثم رددت هامسة"هذه لعنة الماضي" هي من أصابته.

**
وفي الأعلى يحاول "لاواي" التحدث مع روح تشارلي يتسأل ماذا يُريد من جسد الصغير عليه أن يُغادر جسده الآن ولكن يجيبه تشارلي بالرفض.

خرج صوته بفحيح وهمس مُبهم لا يفهمه أحد وأشار بكفه لكي تقف "سيران" مكانها منعها من الاقتراب وصم أُذنيها لكي لا تستمع له كأنه فعل بها تنويم مغناطيسي واسبلت عينيها تمامًا منما جعله يقترب من جسد "سادم" المُمدد على الفراش بسكون تام ودنا منه يهمس بأذنه قائلا بغلظة وصوت هسهسة :
-ماذا تُريد "تشارلي" من جسد الصغير؟

حدثه تشارلي بلغته الخاصة الذي لا يفهمها سواهم وفتح سادم مقلتية تطالع لاواي بحدقتين كجمرتين مُشتعلتين :
-لن أُحرر جسده ولن ادعى يهنئ بالعيش وانا اتعذب وحدي
-ولكن لا ذنب له فهو لازال طفلا صغيرًا لم يدرك التعامل معك

-وقع الاختيار عليه وانتهى الأمر
مع اصرار "لاواي" على تحرير جسد "سادم" من تلك الروح الشريرة الذي تُريد أنهاء حياته، استعان بقوته الخفية وقرر استخدام تعويذة الخلاص وكان يهم بالبدء في طقوسه لولا قدوم "ريم" فجأة.


دلفت ريم الغرفة بذعر وركضت إلى فراش صغيرها جذبته بقوة داخل صدرها ودموعها تنسال على وجنتيها بغرازة وتهتف بخوف :
-لا... ابني لا دهمان أرجوك لا ذنب له بالماضي.

التف الجميع حول ريم ينظرون لها بدهشة وغرابة ولكن صديقتها على علم بلعنة الماضي وانتابها الحزن على ما أصاب صديقتها وابنها أما "لاواي" عندما ذكرت ريم أسم والده فصوب أنظاره الحادة عليها وتخلل داخل عقلها ليعلم سبب معرفتها بوالده "دهمان" والآخرين يطالعونها بعدم فهم.

أصبحت الرؤية واضحة تمامًا لدى "لاواي" وتذكر والده وأمر التميمة المُحصنة وتلك الفتاة الصغيرة التي وهبته روحها واختفت فجأة عن الوجود لأنها مُحصنة بهالة ذهبية صعب اختراقها.

تبسم لاواي داخله بعدما علم بكل الحقائق وزواجه من سيران سيجعله هو المُتربع على عرش مملكة الجان وسوف يتخلص من والده للأبد فقد اقترب موعد رحيله لذلك يُريد القلادة التي هي تميتة الحظ بالنسبة له وهو الذي سيقف في مواجهة والده لابعادة عن معشوقته البشرية وعائلتها..

لم يفهم ما تتفوه به ريم ونظرت بلهفة لابنتها قائلة بتسال:
-"سيران" أين القلادة؟
حدقت بها سيران ورفعت القلادة عن عُنقها تشهرها أمام أنظار والدتها ونظرات كل من حولها المُبهمة
ثم اقتربت من والدتها وجلس على طرف الفراش تهمس بحنو:
-ما الأمر لما كل هذا الذعر؟ أعدك بأن "سادم" سيمر هذه الوعكة الصحية

ضمت صغيرها بقوة وشددت عليه ودموعها تنساب بغزارة قائلة بصوت مكلوم:
-يا ليتها وعكة وتمر حقًا ولكنها لعنة الماضي التي لا مفر منه، لعنة المارد مازالت تحوم حول عائلتي وستجعلني أخسر صغيري
قالت سيران بتسأل:
- وما هي تلك اللعنة؟ ما الآمر الجلي الذي تُخفيه عنًا يا أمي؟

قالت ريم دون خوف أو تردد وعادت بالذاكرة لاعوام مضت ومر عليها ما يقرُب القرن
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي