الفصل التاسع خبايا وأسرار

الفصل التاسع "خبايا وأسرار"

قيل قديما إن الأرواح خلقت قبل الأجسام، وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم بداية الخلق، وبقَدر ما يعلو منسوب الحُبِّ في القلب، بقدر ما تمتزج الأرواح ويفهم كل صاحب صاحِبَه، والعكس صحيح، فتعارف الأرواح يقع بحسب ما تضمره القلوب من حب وكراهة، ووفق الطباع التي جبلت عليها الأنفس من خير وشر، فالطيب من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره.

شعر عزيز بعدم ثقتها في نفسها وخوفها من القادم ، أراد أن يبدل ذاك الخوف الذي أحتاج جسدها وجعلها تبعد أنظارها عنه في توتر .
دنا منها وقال هامسًا بصوت حاني:
- "نيروز" لماذا أنتِ مترددة في الإفصاح عن ما تشعرين به اتجاهي ؟

هزت راسها بتوتر وطفت الحمرة وجنتيها
- هيا "نيروز" لا تصمتي هكذا اريد سماع صوتكِ
تنهد بضيق ثم عاد يردد قائلا:
- أعلم بأن مشاعري منساقة إليكِ وهذا ما أردت قوله دون أخفاء أو تزيف، "نيروز" اريد أن أشارككِ كل ما تمرين به وما مررتي في حياتك، أريد أن نصبح شخصًا واحد ليس أثنان
ثم أستطرد قائلا:
- حسنًا سوف أشرككِ حياتي أولاً ، هل أنتِ مستعدة لسماعي ؟
هزت راسها بالايجاب

استرسل "عزيز"حديثه قائلا:
-منذ أن كُنت طفل صغير ووالدي دائما يوبخني ويتهمني بالفشل، كُنت حينها أبتسم ولم أكترث للأمر وكأنه لا يعنيني في شيء ولكن كلما كبرت عام يزداد الضغط النفسي وأصبحت أُعاني من عدم ثقتي بنفسي ، قررت أن أوجه مصيري ولن استسلم ومن وقتها واتخذت عهدًا على نفسي بأن أصبح شاب ناجح طموح متفوق أجعله يفتخر بي وقبل كل هذا أكون فخور بنفسي وبنجاحي، أجتهد وكان لدي حافز امامي على إكمال طريقي والمثابرة ونجحت بتفوق ولكن لم أجد بعين والدي الفرحة التي كنت منتظرها؛

طمس فرحتي ولكنني لم أيأس ، التحقت بكلية الطيران وكنت سعيدًا بما أنجزته لا يهم رؤية والدي فخور بي أم لا ولكن كل ما يهم أن أكون شاب جدير بالثقة بنفسي وذاتي
عندما واجهه أبي كان رده أنه يُحبني أكثر من نفسه وكان يتمنى لي حياة أفضل من حياته وان أحصل على كل شيء هو لم يحصل عليه ، حينها فقط طلبت منه أن يعانقني بحب ولا يخفي علي مشاعره وصارحته أني كنت حزين بسبب بعده عني وتقليله الدائم من شأني

ولم يحاول أن يكون صديق لي ، تركني وحدي اتخبط من هنا لهناك ولكن رده كان مُقنع بالنسبة لي ، فجميع الآباء يُحبون ابنائهم ولكن بدرجات مختلفة وبعضهم لن يجدون التعبير عن ذلك ، يظنون أنها مشاعر ضعف ، لا يعلمون بأننا في أمس الحاجة لضمة قوية تشعرنا بوجودهم في ظهورنا ، ابي الان تغيرت نظرته لي وللحياة بأكملها ، دائما يغدقني بحنانه وتسالاته واهتماماته بي والان يفكر بأن يزوجني

أبتسم بحب وعاد يقول وهو يرسل إليها غمزة من عينيه اليسرى:
- ولكن وقع قلبي اختياره عليكِ، عندما نعود سوف نتم مراسم الزواج
ولن ادعكِ تترددين بعد الآن ، أعلم بأنِ شاب وسيم وكابتن طيار ذا مستقبل باهر ، ولكن لابد والخروج من هُنا

هيا نيروز أفتحي لي قلبك، لم تقصي كل ما بداخلك، أنا أشعر بكِ حبيبتي وأرجو أن نتقاسم الأحزان وكل ما في أستطاعتي أن أبدل ذاك الحزن لفرح فقط ، أرسم على وجهكِ الجميل هذا أرق إبتسامة ودعِ الماضي خلف ظهرنا لا نريده أن يسرق فرحتنا بالحاضر الذي نعيشه

أمطرها بكلماته العذبة التي رقت قلبها وأنسابت دمعتها فهي لم تجد أحد قريب منها مثل ذلك الشاب ، دخل حياتها فجأة وزلزل حصون قلبها الصغير الذي كان رافضًا لممارسة العشق، ليس لديها ثقة كافية لتخوض تجربة كهذا، تخشى أن تنجرح قلبها وهي لن تتحمل جراح فوق جراحها فيكفي معاناتها وما مرت به مع عائلتها التي تنظر لها على أنها مهمشة ليس لها وجود، ساخطين عليها وعلى جمالها الأخذ والمبهر للعيون

طال شرودها فنهض عزيز يمد يده ليلتقط كفها بين راحته ثم ابتسم لها بسمة ساحرة وقال:
- دعي لي نفسك ، أغمضي عينيكي الجميلتين ثم افردي ذراعيكي مثل الطير

انصاغت وراء كلماته ونفذتها دون تردد
قال بصوت هامس بجانب أذنها:
- دوري حول نفسك نيروز بسعادة وأنسي كل شيء لا تفكري إلا ب نيروز فقط
دارت حول نفسها عدة مرات والإبتسامة تعلو ثغرها المنتكز وتتسع بفرحة وسعادة، كأنها حقًا طائر يحلق في سماء الأفق، يرفرف بجناحيه ويغرد ينشد أعذب الألحان.
"السعادة أن تجد شخصاً يشبه روحك كثيراً، ابتسم وتغنى بالسعادة، وإن كنت لا تملك شيئاً فالحزن يقصف من أعمارنا"

**
انتابها الشعور بالضيق والحنق من حديثة الفج معها ولكن جاهدت في أخفاء ما تكنه داخل صدرها، وقررت تجاهل حديثه وقالت بلامبالاة:

-القاتل مريض نفسي وأعتقد أنه يعاني من الشخصية السادية لذلك يلحق أذى جسدي وتعذيب على ضحيته، ويتلذذ بقهر الضحية وسلب عفتها دون أن ترمش عينيه، يتاخذ أبشع وسائل التعذيب والعنف والترهيب وعرضها لقهر لكي يصل إلى متعته ولذته، وكل ذلك يحدث عن طريق تعذيب الاخرين

وتلك هي السادية الاجرامية التي تؤدي للقتل.
"والسادية تعني الحصول على المتعة من خلال ألم ومعاناة الأخرين سواء كان ذلك نفسيا أو بدنيا أو جنسيًا"
لوى ثغره بضجر وقال :
- مُذهل... ثم هتف بسخرية:
-وهذا الوشم لم يخبركِ بذاك المجرم السادي من وجهة نظرك العبقرية؟
-بالتأكيد ذلك له تفسير منطقي وأعدك سأجد حل لغز القاتل وضحاياه، لابد بوجود شيء مشترك في هؤلاء الفتيات
هتف غاضبًا :
- لستِ جهة تحقيق، من الأفضل أن تتعلمي منِ في صمت لم أطلب منكِ أبداء رأي
عاد يتابع فحص جثمان الفتاة بصمت جليدي ومن حين لآخر يرمقها بنظرات مبهمة
جعلها ترتاب قرب ذاك الشخص الغامض بالنسبة إليها
**
غمرها"عزيز" بمشاعر لا تُصف، مشاعر دغدغدت بأوصالها وتسللت لقلبها دون عناء ، أمطرها بكلماته عذبة عزفت على ألحان قلبها النقي البرئ ، حلقت بسعادة في ساحة السماء الواسعة ، كأنها القمر المُضيء بين النجوم الملتفة حولها في سرب.
شعور بالأمان طاف ملامحها وسكن روحها وهي تنظر له تريد منه المزيد
باغت عينيه التي تحاصرها بحب وشوق ولهفة وهمس بالقرب من وجها قائلا بحنو:

- تخلي عن خوفك "محبوبتي" ثم أشار بسبابته إلى حيث قلبها الساكن بين ضلوعها ثم أستطرد حديثه:
- هذا من حقه أن يفرح ويعيش لا أن يُجرح وينكسر خاطره، هذا ملك لي ولن أجعل الحزن يسكنه بعد اليوم
تبسمت بفرحة وهزت راسها بايماءة خجلة ، سحبها من كفيها وجلس على الجبل ثم أجلسها بجواره ولن يحرر كفيها من راحتيه ورفع حاجبيه بمشاكسة قائلا:
- هيا تغزلي بي، إلا أستحق أن تتغزل بي أجمل فتيات الدنيا

انفرجت اساريرها على ذلك الاطراء ولكنه صادق في كلماته وإحساسه فهو يراها حقا أجمل وأنقى فتاة التقى بها ولا يجد لها مثيل ولم يجذبه جمالها فقط بلا من جذبه لقلبه شعورها بعدم الأمان والاستقرار ، دموعها ورهابها داخل الطائرة هو من جعله يتطلع لها ويشرد بحالها ، لم يتحمل دموعها وحزنها الطاغي على رقة ملامحها.

زفرت تنهيدة عميقة وقالت بهدوء:
- أعلم بأن ثقتي بنفسي منعدمة، لم أختر شيء بحياتي منذ ولادتي وأنا أُجبر فقط على تنفيذ رغبات من حولي، عندما أتيت لدنيا، فارقتها والدتي وتركني والدي أيضا في حادث سير ، أنقلبت حياة طفلة صغيرة لا حول لها ولا قوة من أمرها، سخطت جدتي عليَّ ونعتني نذير شوم على ولدها وزوجته، لم أجد الحنان إلا بين أحضان جدي، هو لازال داعمي وسندي، لا أعلم إذا لم يكن جدي بجواري ماذا كنت سأفعل بحياتي وأين يصلني قدري بين عائلة كهذا، زوجة عمي وعمي مجبر على تحملي فقط من أجل جدي، حتى فتيات عمي القريبات من عمري لم يكن بيننا ود ولا ألفة ولا توجد محبة بيننا على الاطلاق

قاطعها بمرح:
- هن ساحرات شريرات وأنتِ ملاك جميل يلفت الأنظار إليه ، أنتِ وردة جورية وسط الأشواك وأنا الذي سيخلصكِ من بين هؤلاء الأشرار ، لا تخافين نيروزي أنا بجوارك وسأظل بجوارك لآخر أنفاسي.

وما الحب إلا لمن اختارنا في وسط الزحام.
لمن جعلنا إستثناءًا
لمن تمسك بأيدينا في الوقت الذي أفلتها الجميع
لمن كان سندًا لنا في عثرات الطريق
لمن شاركنا تيهنا ورُشدنا
لمن كان لنا في وقت الضيق ملاذًا ومسكنًا
لمن شدد على أيدينا كُلما أوشكنا على السقوط
لمن تقبلنا بنقصنًا وأحبنا بعيوبنًا
لمن جعلنا نُحب أنفُسنا من حبه لنا
لمن رأ الجمال فينا حتى ونحن في اسوأ الظروف
لمن تحمل مزاجيتنا المتقلبة، وشاركنا مشاكلنا وأحزاننا التافهة أحياناً
لمن كان لنا في وسط العتمة نورًا
وأنار دروب حياتنا
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي