الفصل السادس والعشرون عهدًا جديدًا

الفصل السادس والعشرون عهدًا جديدًا


بعد مرور ما يُقارب القرن وقد تعدًا عدد الأعوام ثمانونًا عامًا والآن على الغابة التي لم يعُد يسكُنها إلا المارد "دهمان" ونسله من جن الأبالسة..

وعلى الجانب الآخر في القاهرة..
داخل منزل عريق به أثاث فخمة وحديثة الطُراز العصري ترتدي "سيران" ثوب نهاري ابيض اللون يمتزج داخله الوان الربيع الزاهية، في الخامسة والعشرون من عُمرها، بطلة العالم في الاسكواش، اليوم لديها بطولة في إيطاليا تُقام خلال أيام ويجب عليها السفر الآن لكي تلحق بالمُعسكر لكي يتم تدريبها لهذه البطولة.

"تمتلك "سيران"ملامح جدتها الراحلة بجمالها الهادئ الرقيق ذات الشعر البني ومقلتين بلون العسل وأهداب كثيفة طويلة تزيد من بريق حدقتيها اللامعة وشفاه مُنتكزة كحبة الكريز بصفاء وجهها الأبيض المُستدير.

سحبت" سيران"حقيبتة ملابسها خلفها ووضعت حقيبة الظهر على كتفها ثُمَّ غادرت غرفتها، لتجد والدتها أمامها قائلة:
- حان موعد رحلتك
أومت لها بالايجاب واقتربت منها تودعها بعناق حار :
-سوف أشتاق لكِ أمي الحبيبة
هتفت والدتها قائلة:
-وانا أفتقدكِ منذ تلك اللحظة
-لا تقلقي ساعود سريعًا ريثما تنتهي البطولة.


ربتت على كتفها وسار بجوارها تنادي شقيقها الأصغر "سادم" ذا العقد الثاني من عمره
-سادم سيصلك للمطار
رفضت سيرين وهي تهم بالمغادرة:
- "كارم" سيرافقني للبطولة وسيكون جانبي لا تقلقي، دعِ"سادم" يُتابع مبارة كرة القدم
-حسنًا.. عندما تصلين هاتفيني

قالت وهي تغادر المنزل:
- بالطبع عندما اصل مطار روما سأهاتفك ولكن بعد ذلك سيبدء المُعسكر ويتم سحب الهواتف واغلقها لا تقلقي والدتي الحبيبة... إلى اللقاء
تنهدت بعمق وهي ترد:
-إلى اللقاء يا صغيرتي..

**
عندما غادرت "سيران" المنزل وجدت "كارم" خطيبها يصف سيارته أمام المنزل ثُمَّ ترجلًا من السيارة ودار حولها يصافح خطيبتهُ ويفتح لها باب السيارة لكي تستقل بالمقعد المجاور له وسحب هو حقيبتها الخاصة ووضعها بالمقعد الخلفي، ثُمَّ فتح باب السيارة وأستقل بمقعده خلف المقود ينطلق في طريقه إلى مطار القاهرة الدولي، فسوف يلتقون بالمُدرب ولاعبين الإسكِواش اللذين سيُشاركون في هذه البطولة.


نظر لها "كارم" بحب وقال:
-بطلتنا مُستعد، بطولة العالم في إنتظارك
تبسمت له وقالت بثقة:
-بأذن الله ستكون من نصيبي
التقط الرومود الإلكتروني الخاص وضغظ زر تشغيل الاسطوانة الموسيقية
لتزداد إبتسامة"سيران" وهي تُدندن وتتمايل برأسها على نغمات الأغنية التي تعشقها

"لو تطلبي مني عنيه، لو تطلبي عمري كمان؛ هديكِ سنيني الجاية وهكون راضي وفرحان"

بعد غضون ثلاثون دقيقة كان يصف "كارم" سيارته بالجراج الخاص بالمطار ودلفوا سويًا لداخل المطار، ألتقت "سيران" بفريقها وظلت تتحدث مع مُدربها قليلًا إلى أن تم الإعلان عن التوجه إلى الطائرة ليستقلون بمقاعدهم، وبعد لحظات تمت إقلاع الطائرة في السماء متوجهة إلى مطار "روما" الدولي..
حيثُ تُقام بطولة العالم للإسكِواش..

**
طرقت والدته باب غرفة صغيرها ثم دلفت لتجده أمام التلفاز يُشاهد مبارة كرة القدم بحماس شديد ولا يهتم بمن دلف لغرفته، رفع عينيه لحظة عن مُشاهدة التلفاز ليجد والدته أمامه تشتعل غضبًا، عاد يتطلع لتلفاز وكأن شيئًا لم يكُن.


وضعت "ريم" كفها على خصرها ودنت منه قائلة بغضب جامح:
- "سادم" ما هذا الهراء الذي تفعله؟
أجابها ببرود دون أن يُحرك عينيه عن التطلع للمبارة:
- وما الهراء في مُشاهدة مُبارة النهائي للفريق الذي أُشجعه؟

زفرت بحنق ثم قالت:
- ألم تكن رجُل البيت بغياب والدك؟
نظر لها تلك المرةُ بأهتمام وقال بأنفعال:
- نعم رجُل البيت بغياب والدي، هو من كلفني بذلك
- إذا ماذا فعلت في غيابه، شقيقتك لديها بطولة العالم وخطيبها هو الذي اقلها بسيارته المطار وسوف يكون بجوارها هُناك أثناء فترة البطولة، إليس هذا من دورك أن تُساند شقيقتك؟ بدلا من العبس أمام شاشات التلفاز والانترنت الذي أضاع عقلك.

عاد لبروده ثانيًا وقال بهدوء:
- "كارم " أفضل داعم لها وليس لدي دورًا إلا أن أهتم بشؤون البيت ريثما يعود والدي
هزت رأسها بأسى وتركت غرفته بنفاذ صبر فهو شابًا مُستهترًا ولا يهتم بأمور أخرى سوا مُتابعة فريقه .
عاد"سادم" يكمل مُشاهدته بحماس كبير ولا يهتم بشيء أخر
صرخ بفرحة عارمة:
- جوووول ... يا له من إنتصار حافل.

**
داخل منزل أخر في أحدى الأحياء السكنية الفارهة حيث جلس الجد"عزيز" أمام التلفاز يُتابع القنوات الإخبارية وهو مُرتدي نظارته الطبية.
وأتت الخادمة تُعطيه الدواء خاصته
- دواءك سيدي

تناول منها الاقراص في صمت ثم أرتشف القليل من الماء
غادرت الخادمة لتُقابل في طريقها سيدة القصر كما يُلقبها ابنها
- اعطيتي والدي الداوء
- أجل سيدتي
- حسنًا اذهبي إلى عملك

توجهت الخادمة تُكمل خطواتها اتجاه المطبخ أما عن سيدة القصر ذهبت تتفقد حالة والدها التي دنت منه تُقبل رأسه ثم جلست بجواره:
- كيف حالك والدي؟
تطلع لها "عزيز" بشرود ثم قال مُتسألا :
- من أنتِ؟
تبسمت له وقالت:
- أنا ابنتك جميلة

لاحت ابتسامته الهادئة وهو يتذكر زوجته الراحلة ثم عاد يتطلع لها بضيق وقال:
- لا توجد سيدة جميلة إلا جميلتي أنا "نيروزي"التي سرقت لُب قلبي، أين هي الآن لما تركتني هُنا وحدي؟

أشفقت على وضع والدها الذي أصبح يُعاني مرض الزهايمر ولم يعُد يتذكر إلا زوجته ومعشوقته الراحلة"نيروز"
فهو لا يتذكر غيرهن مُثلت الصداقة ولا يحكي إلا عن الماضٍ اللذين عاشوا مُنذ أعوام مضت


بعد لحظات أتاها إتصالا هاتفيًا من "ريم" والدة "سيران" صديقتها وخطيبة ابنها الأكبر "كارم"
واستمرت المُكالمة بينهن قرابة الساعة تستمع دائما لشكوتها الخاصة بطفلها"سادم" الذي سأمت من تصرفاته ولا يعي بما يدور حوله ، و"جميلة" تُقدم لها نصائحها وخبرتها عن تربية الصبيان ولسوا كالفتيات فتربيتهم صعبة للغاية ومُرهقة وعليها التحلي بالصبر وأن تلين في التعامل معه، وبعد ذلك يتطرق الحديث بينهن عن زواج ابنائهم ولكن "سيران" مُنشغلة الآن بالبطولة ويظل الحديث قائم بينهن من موضوع لآخر وعن أحلامهم اللذين يتمنوها من زواج ابنائهم ثم تنتهي المُكالمة على وعد الذهاب للنادي ليتقابلن فهن لازال لديهن مواضيع كثيرة يجب التحدث عنها ..

**
على متن الطائرة اغمضت "سيران" عينيها بالعصبة السوداء واراحت ظهرها للخلف تود أن تذهب في نوم هادئ فهي تمل من عدد الساعات التي تقضيها بالطائرة ولذلك تُفضل النوم.

تركت "كارم" مستيقظًا يدور بعينيه في ضيق وهو يتطلع لمن حولهم من الرُكاب وجميعهم منشغلين بالحديث والتثامر والضحك وهو لا يُفضل الصمت هذا، عاد يرمقها بنظرات غيظ ويحدث نفسه قائلا:
- تَركتُ عملي من أجل أن أكون جواركِ، وأنتِ تَركتيني وحدي لكي تنامي

زفر بضيق ليجد يد تلامس كتفه من الخلف، تطلع لصاحبة الملمس الناعم الرقيق ليجدها فتاة جميلة يبدو أنها من الفريق ذاته، تطلع لعينيها الجذابة بلون أمواج البحر وغاص بهما، ليخرج صوتها الرقيق قائلة:
- هذه طباع "سيران" لن تتغير، أنا "ميلا"

مدت يدها تصافحه ليصافحه بتهذيب قائلا:
- مُهندس "كارم" سرورت بمعرفتك
ظلت تحدق به وتتفرس ملامح وجهه بجرأة فقد كان يتميز ببشرته البرونزية وشعر أسود قصير يرفعه لأعلى وعينين بلون القهوة ، ذا جبين واسع وحاجبين كثيفين ثم هبطت بعينيها لتجوب أنفه المُستقيم وشفتيه العريضة وذقنه النامية بجسم رياضي عريض المنكبين بوسامة شرقيه ذابت في ملامحه منما جعله يشعُر بأنه مرغوب به والفتيات تتهاتف عليه.

بادلها الابتسامة وظل يتطلع لها يتحدث معها عن البطولة وهو مُنجذب لجمالها الذي خطف بصره منذ الوهلة الأولى وتبادل أرقام هواتفهم، ولم يشعرون بمرور الوقت فقد تطرق الحديث بينهما لحياتهم الخاصة .

وعندما أعلنت المُضيفه عن أقتراب الهبوط ويجب عليهم الالتزام بأمكانهم وربط حزام الامان.
عاد هو لجلسته بعد أن أنهى حديثه مع هذه الفاتنة بإرسال غمزة ورفع اناملة على أذنه يخبره بأنه سوف يُهاتفها لاحقًا..

هبطت الطائرة بمطار "روما" هز كتف خطيبته بهدوء لكي يُقظها:
"سيرو" هيا أستيقظي حبيبتي لقد وصلنا مطار "روما"
أزاحت "سيران" العصبة وفتحت عينيها تطالعه بتسأل:
- حقًا وصلنا؟
أبتسم لها وهز رأسه بالايماء:
- أجل وصلنا، هيا حبيبتي أستعدي.

بعد مرور نصف ساعة كانوا يستعدون لمُغادرة المطار بالحافلة التي تنتظرهم أمام المطار لكي تقلهم إلى الفُندق ومن بعد ذلك يتوجهون إلى حيث المكان الذي سيُقام عليه بطولة العالم للإسكِواش لهذا العام..
عندما وصلا الفندق تفرقًا "كارم" عن "سيران" وكل منهما دلف لغرفة الخاصة، شعر كارم بالملل فهو لا يُفضل حبسته داخل غُرفته فقرر أن يغادرها ويتجول بشوارع العاصمة وترك "سيران" بغرفتها .
عندما ترك غرفته تفاجئ ب"ميلا" هي الأخرى تغادر غرفتها وهي بالغرفة المُقابلة لغرفته، أبتسم بود وقال:
- إلا تُشعرين بالإرهاق
هزت راسها نافية وقالت:
- لا أشعر فقط بالملل ولذلك قررت أن أذهب لتناول الطعام في مكان ما
- إذا تسمحي لي بأن أنول شرف مُرافقتكِ
تبسمت بمكر وقالت:
- بالطبع لا أُمانع

غادروا الفندق سويا، أستقلوا سيارة أجرة تقلهما إلى مطعم لتناول الطعام ويتحدثون ، أما عن "سيران" فدلفت أولا المرحاض تنعش جسدها بالماء الدافئ من عناء السفر وبعد ذلك ابدلت ثيابها وارتدت منامتها فلديها تدريب من صباح الغد ويجب عليها أن تستيقظ مُبكرًا .

وبعد ذلك دلفت لفراشها التقطت الهاتف تُحدث والدتها وتخبرها بأنها بخير وداخل الفندق وتطلب منها دعواتها من أجل خوض البطولة والحصول على لقب بطلة العالم هذا العام..
وبعد إنتهاء مكالمتها مع والدتها دثرت نفسها داخل الفراش وغط بنوم عميق..
**
جزيرة خاوية من البشر، لم يُقربها أحد قط، بسبب الاساطير التي وردت عنها، أنها لم يدخُلها بشرًا واحد منذ قرن مضى، ترك الجن " لاواي" ابن ملك الابالسة "دهمان' غاضبًا بسبب قرار والده الصارم في الزواج من جنية من عشيرته و"لاواي" لا يُحب هذه الجنية، يُريد أن يختار جنيته بنفسه، فهو راغب في إقامة حفل وينتقي الجنية التي ستخطف قلبه، يتمنى أن يعيش قصة حب مثل البشر وليس يخضع لقوانين المملكة، لذلك غادر الغابة يُريد الابتعاد عن غضب والده الآن.

قرر الإختلاء بنفسه على الجزيرة النائية يبحر داخل البحيرة واحده ولن يستطيع أحد الاقتراب منه، كان يتهيء في صورة بشري شابًا يافعًا بملامح جذابة وسيمة بجسده الضخم ولونه البرونزي اللامع بوجه وسيم يمتلك مقلتيه بلون الفيروز وشعر بني كثيف ناعم ينسدل إلى عُنقه، وأنف عريض وشفتي غليظة لديه غمزة بذقنه تزيد من وسامته..

ظل يُبحر داخل المياه وتاخذه الأمواج هُنا وهُناك تتخبط به في الاعماق حيث الشُعب المُرجانية والأسماك الملونة وسمك القرش الذي أراد مُهاجمته ولكن تغلب عليه "لاواي" بقوته الخارقة التي شقت القرش إلى نصفين وتحولت زُرقة المياه بلون الدم، ثُمَّ إبتعد عن ذلك المكان وطفى على سطح البحر.

لتاتي أليه حورية البحر التي كانت تُراقبه طفت هي الأخرى خلفه ولكن ظل ذيلها عالقًا بالمياه وتضرب به البحر لكي تظل مُحتفظة ببقاءها حية.
طالعها "لاواي" بضيق فهذه الحورية دائما ما تراقبه كلما أتَ لهُنا

زفر بضيق وقال بصوته الاشج:
- ماذا دهاكِ، كُلما أتيت إلى هُنا أجدك تُلاحقينني ؟
- لأنِ عاشقتك مولاي الملك "لاواي" حولني جنية مثلك وتزوجني

كركر "لاواي" ضاحكًا وأشار إلى نفسه قائلا في غرور:
- "لاواي" ولي عهد مملكة الجن أتزوج من سمكة، هيا أُغربي عن وجههي وإلا حولتكِ لجماد ساكن
غطست ثانيًا داخل المياه وعاد هو يضحك بصخب على جنون هذه الحورية..

**
قضيًا وقتًا مُمتعًا مع الفتاة وشعر بروحها المرحة على عكس "سيران" الجادة تمامًا
وكأنه أتتهُ فُرصة في فك خطبته من سيران فقد كأن مُجبرًا على هذه الخطبة بسبب الصداقة التي بين والدتهما والصداقة القوية بين العائلتين مُنذ قديم الأزل، عندما كبر "كارم" أرادت والدته أن تحاول إصلاح من شخصيته المتهورة وطيشة الشباب فقد كان مُتعدد العلاقات ودائم المشاكل، انتقت له سيران بشخصيتها الجادة المُتفوقة وبطلة إسكواش، وعندما علمت بمدا عشقها لكارم أرادت أن تتم الخُطبة ووافق كارم على ذلك رغمًا عنه لكي يفعل ما يحلو له دون قيود والدته وأن تتركه يفعل ما يشاء.

وجد الخلاص منها الآن عندما اتته الصيد الجديد.
لمعة فكرة داخل رأسه أراد تنفيذها دون أن ينهي الخُطبة، سيجعلها هي التي تبتعد عنه رغبتها.
ولج لغرفته على ثغره إبتسامة سمجة وفكرة شيطانيه
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي