الفصل الحادي عشرمثلث الأصدقاء

الفصل الحادي عشر" مثلث الأصدقاء"



بعد ثلاث ليالي قضاهم أعلى قمة الجبل، يقطعون طريقهم للوصول للمدينة والبعد عن تلك الغابة المشئومة، قادتهم أقدامهم على مشارف البلدته، تنفس "عزيز" الصعداء
ثم اوقف سيارة أجرى لتقلهم إلى الفندق الذي اعتاد المكوث به كلما أتا إلى "إيطاليا"

وعندما ترجلا من السيارة أمام الفندق، أعطى السائق بعض النقود ثم امسك بكف "نيروز" ليدلفون سويا داخل البهو الفسيح، تقدم هو بخطواته تحدث الانجليزية مع عامل الإستقبال ثم دون بياناته وصعد النازل معهم يصطحبهم إلى حيث غرفتهم.

تسمرت نيروز مكانها أمام باب الغرفة، علم عزيز ما يدور بخلدها، شكر النازل وتركه يذهب ثم دنا منها قائلا بصوت حاني:
- أعلم أنكِ ترفضين ذلك الوضع وهذا حقك، لستُ جديرًا بثقتك
قاطعته وهي تهز راسها نافية:
-لا لم اقصد ذلك ولكن الوضع غير لائق عزيز، لم اعتاد بعد

تبسم لها بحنان وقال مطمئنا أياها:
- حبيبتي ثقي بي لن أقترب منك، اعلم أنكِ تخجلين مني، ولكن كل ما بالأمر فقدنا كل شيء على متن الطائرة ولحُسن الحظ ان الحزام كان بحوذتي وإلا فقدت نقودي أيضا، الليل نرتاح من عناء ما مررنا به بطريق الجبل وفي الصباح سنذهب لشراء بعض الملابس خاصتنا

ثم نذهب للسفارة نخبرهم بما حدث لركاب الطائرة ولم ينجو منها سوانا ونحاول البحث عن ماري ونيروز
عندما ذكر صديقتيها انهمرت دموعها وقالت بصوت حزين:
-لا أعلم ماذا أصابهم ولما تفرقنا بهذا الوضع المؤزر
جذبها برفق من معصمها لتدلف داخل الغرفة وهو يهمس بحنو:
-هيا كفى عن هطل الدموع تلك وأذهبي لتستحمي ثم تخلدين للنوم، غدا يومًا طويل ينتظرنا
أنصاغت له وولجت داخل الغرفة ثم دلفت المرحاض الملحق بالغرفة لتزيل عن جسدها تعب وارهاق كل ما مرت به الليالي الماضية..

بعدما غادرت المرحاض وجده نائم أعلى الاريكة، اقتربت منه برفق ثم مررت اناملها على خصلاته السوداء وهي تبتسم لوجهه النائم فقد كان طوال الليالي الماضية لم يذق طعم النوم ولا الراحة وكان يدعها تنام في امان وهو ساهرًا حارسًا لها لم تخف وهو جانبها غدقها بمشاعر لم تذقها من قبل.

همست بصوتها الخافت مرددة :
"يكفيني من الحب أنني التقيت رجلاً مثلك يطمئن روحي ببسمة من وجهه وكلمة من قلبه
يسري الأمان بعروقي بدلاً من الدم حين أكون قربك أنت
معك وحدك عرفت معنى أمان الروح وطمأنينة الفؤاد
**
عندما اسدل الليل ستائره، نهضت "سيرين" من فراشها تلهث أنفاسها متزايدة ونبضات قلبها تخفق بشده في فزع ورعب أحتاج جسدها وجعلها تدور ب بؤبؤة عينيها داخل الغرفة بهلع، فقد راودها حلمًا مفزعًا، لا ليس بحلم وحسب وأنما هو كابوساً مُروع ، أبتعلت ريقها بصعوبه عندما أيقنت أنها كانت داخل حلم واستيقظت منه

تركت الفراش بانفاس مضطربة، وسارت بخطوات مرتجفة تقف خلف النافذة تتطلع من زجاجها للخارج حيث عكمة الليل الكاحل ونظرت لسماء لترا النجوم المُضية و لازال القمر متربعا على عرش سمائه.

بعث داخلها شعور من الهدوء والسكينة سرت بقلبها، استجمعت شتاتها وهدات من روعها ثم شعرت بالجوع ،قررت أن تغادر الغرفة بهدوء.

سارت على حافية القدمين على أطراف أصابعها لكي لا يشعر بها ذلك الطبيب الغامض ، وبحثت بعينيها بارجاء الشقة تبحث عن المطبخ ، تم ولجت إليه وفتحت البراد تنظر داخله بدقة ، وقعت عيناها على قطعة جُبن اخرجتها وبحثت عن الخبز وعندما وجدته جلست أعلى المقعد والتقطت سكين دهنت قطعة من الجُبن بالخبز وقضمة بتلذذ

ولكن سرعان ما برقت عينيها وتوقفت عن تناول طعامها عندما شعرت بحركة مُريبة خلفها
دارت وجهها ببطء شديد لتخرج صرخاتها عندما وجدت "سادم " هو من خلفها

كركر ضاحكاً على هيئتها بخصلات شعرها الهائجة بشعوائية وحدقتيها التي تنظر بهن في حجوظ وفاها وتبعاد شفتيها المنتكزتين في صدمة
تنمى له معه كاميرا ليلتقط لها تلك الصورة
سرعان ما هدأت ثورة فزعها واستردت أنفاسها وعادت تجلس ثانياً مكانها قائلة بغيظ:
- اللعنة
لم يفهم حديثها بالعربية فرفع حاجبية وقال بتسأل:
- ماذا قولتي
- تبا لك

ثم حاولت رسم ابتسامتها وقالت بكذب:
- لم أقل شيء سواء أنك أفزعتني ليس إلا
أؤمى برأسه وجلس بالمقعد بالمقابل لها وهو يقول:
- لا داعي لكل هذا الخوف، تعلمين بأنكِ لست وحدك بالشقة ، أنسيتِ أنها شقتي
- أعلم ولكن لم اتوقع قدومك الآن
ثم استرسلت قائلة:

- اعتذر منك شعرت بالجوع واتيت للبحث عن طعام
- لا عليكِ ، ولكن لا يوجد طعام كافي لانِ اتناول طعامي ام بالمشفى أو بالخارج
وجدها بنفس ملابسها لم تبدلها فقال:
- سوف أقرضكِ مبلغًا من المال لاشراء ملابس خاصة بكِ
نظرت لثيابها بضيق وتأفاف ثم أخرجت تنهيدة عميقة وهمست بحزن:
- فقدنا كل شيء

نهض عن مقعده وأشار إليها بأن تنتظره ريثما يعود إليها ،ظلت تنظر له إلى أن توارى عن رؤيتها لتعود تهمس داخلها :
- ماذا به ؟ ألم يكلف خاطره ويجلس معِ قليلا لكي اقرأ افكاره لما يحاول حجبها عني ؟

عاد بعد لحظات وهو يعطيها قميصًا أبيضًا خاص به :
- أرتدي هذا وابدلي ثيابك تلك ،ضعيها داخل المغسلة وغدا لا تأتي المشفى ريثما إجلب لكِ ثياب تليق بكِ
شكرته بأمتنان على ما يقدمه لها وشردت قليلا تشعر بالندم أنها اتخذت فكرة خاطئة عن شخصيته الفجة وحديثه الغاضب، يبدو أنه جاد فقط بعمله ولكن يمتلك قلبًا طيبًا رقيقًا يشعر بالآخرين

أخرجت تنهيدة حالمة وهي شاردة بملامحه الوسيمة الجذابة
ابتسم هو بخفة عندما وجد منها نظرات الإعجاب فهمس قائلا وهو يقترب من وجهها :
- ما رأيك في قضاء الليلة بأحضاني الدافئة ؟ سوف أنسيكِ كل ما حدث لكِ

فاقت من شرودها على صوته الهامس بمكر وخبث ورمقتة بنظرات غاضبة والتقطت القميص بغضب وسارت مغادرة بخطوات واسعة تركض لغرفتها تحتمي داخلها من هذا الشاب اللعين

اوصدت الباب خلفها بالمفتاح وقالت بغضب:
- ماذا يراني هذا الوقح؟ تبا لك ، وتبا لليوم الذي اتخذت فيه قرار السفر، وتبا لكل شيء ولتلك المشعوذة الملعونة ، تبًا للجميع ..
أما عن سادم فازدادت ابتسامته عندما راء ملامحها الغاضبة وقرر العبث معها ..
**
زفرت بضيق ثم ابدلت ثيابها وارتدت قميصه مجبرة على ذلك وحاولت أن تعود للنوم ثانيًا ، دثرت نفسها داخل الفراش وعينيها تنظران لسقف الغرفة تشرد بخيالها لعدة أعوام مضت عندما التحقت بكلية الطب وتعرفت على الفتيات "نيروز" الهادئة الصامتة طوال الوقت ، و "ماري" المرحة العفوية كانت دائما تخلق بينهما حالة من البهجة والسرور وهي ثالثتهم المشاكسة كثيرة الجدل والتسأل ، مثلث صداقة متكاملة ، من بيئات مختلفة جمعهن الحرم الجامعي وترابطت علاقتهن القوية.

انفرجت اساريرها لتلك الذكرى الجميلة التي جعلتهن أصدقاء ، نجحو في احتواء "نيروز" التي كانت منطوية على حالها لا تشعر إلا بالحزن فقط ..
"الصداقة كلمة تحمل معاني عدة، أجملها التضحية من أجل الآخر، التحرر من الانطوائية، والاندماج مع الآخر"
أقسمت على لم شملهن ثانيًا، ولن تغادر البلدة إلا وهن معها، سيعودان لحياتهن كما السابق.

( الصداقة هي الوردة الوحيدة التي لا أشواك لها. الصداقة لا تذوب مثلما يذوب الثلج. الصداقة حلماً وكيان يسكن الوجدان. الصداقة هي الوجه الآخر غير البراق للحب، ولكنه الوجه الذي لا يصدأ)
"منقول"
**
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي