الفصل الرابع مشاعر مضطربة

الفصل الرابع
"مشاعر مضطربة"

انتفض قلب "سيرين" عندما شاهدت ذلك أمام اعينها وكأنها كانت حاضرة تلك اللعنة، نفضت دماغها بفزع وجلست حائرة في أمرها
اما عن جونجان كانت تختلس لها النظرات بشر ثم هتفت متسألة:
-أين صديقتك الثرثارة والطيار؟
هزت رأسها بعدم علم ولم تستطع التفوه بشيء بعد كل ما رأته داخل عقلها

ولكن تذكرت امر "ماري" التي اختفت فجأة فخرج صوتها مرتجف تتسأل عنها بقلق وخوف من أن يكون قد أصابها ذئب ولم يصلون إليها:
-كُنا نتفقد غياب ماري، إلا تعلمين أينما ذهبت ونحن هُنا محاصرين بغابة الذئاب
أشاحت وجهها مبتعدة عنها فقد عاد الفتيل يشتعل داخل قلبها ثانيًا فقد خسرت التعويذة التي جاهدة كثيرًا من أجلها ولكن لا تهتم لأمر الفتاة فقالت بصوت غليظ:
-لابد وانها وقعت فريسة الذئاب عندما أشتموا رائحتها

كانت تدلف الكوخ بذلك الوقت وعندما استمعت لحديث جونجان القاسي عند فقد صديقتهم، خرج صوت بكاءها وصدرت منها صرخة قويّة مزقت أحشاء السكون:
-أه يا ماري اكلتكِ الذئاب المتوحشة يا رفيقتي
-كفى صراخك هذا لا اريد ان اسمع صوت ثم اردفت قائلة بحدة:
-أخبرتكم بأن تظلون داخل الكوخ هذا امان لكم ولن تستمعون لحديثي، هذه هي نتيجة أفعالكم الحمقاء
وضعت نيروز كفيها تلثم فاهها وعينيها تزرف الدمع على حالهم ذلك

تبادلت سيرين النظرات بينهما وجحظت عينيها بصدمة عندما علمت ما يراود صديقتها من خوف وضعف وعندما دققت النظر لذلك الشاب "عزيز" علمت بأنه يشفق على حالة نيروز ويطالعها بحنان غير معهود
وضعت سيرين كفيها علئ أذنيها لكي تمنعهما من سماع أفكارهم ونكست بمقلتيها أرضا لكي لا ترأ شي يفقدها عقلها، فهي لم تدرك ماذا يحدث لها في هذة الغابة الملعونة

* *
داخل الكوخ الخاص ب"ماكسر"
ظل يدور حول الفتاة وهي وفاقدة الوعي ولكي تظل بأمان ظل يلعق جسدها بلعابه لكي لا يشتم احد رائحتها وعندما راء جراح قدميها النازفة ورسغيها أثر مقاومتها من الخلاص من الذئب الذي هاجمها برزت انيابه الحادة وزمجر بغضب وغرس مخالبه يجرح بها قدمه ثم يقطر دمائه ليمتزج بدماء الفتاة

وبعد أن انتهى انبطح بجسدة وظل يتطلع لها بحزن كما انها ذكرته بصغيرته تيا واغمض عيناه بوهن وحزن ليفيق بعد لحظات على صراخ الفتاة
هبّت مذعورة وارتعدت أوصالها عندما وجدت نفسها بمكان واحد مع هذا الذئب، انكمشت داخل الكوخ وهي تهتف بخوف وهلع تطلب المساعدة
-ساعدوني...

لم يستطع أن يتحدث معها بلغتها لكي تفهمه وظل مكانه دون حراك لكي لا يفزعها ويرهبها ولكن كانت عيناه تطلعها باشفاق وحنان على ما تمر به الآن في وجوده

عندما هم "ماكسر" الاقتراب منها، وضعت يدها على فمها لتكتم الصرخة التي أحسست أنّها ستنطلق.
وكأن لسانها عُقل وقلبها قد ذاب،كما أصبحت ساقيها غير قادرتين على حملها وسَرَتْ في جسدها رعشة من الخوف والهلع الذي يقترب منها رويدًا رويد
شعر بمدا خوفها فتسمر مكانه ونظر أرضا لكي يحاول ان يخبرها بأنه لن يؤذيها فهو لم يؤذي بشرًا من قبل حتى بعدما إصابته اللعنة كان وحده يتغذى على الحيوانات البرية ورفض التهام لحوم البشر وهو قادر على فعل ذلك.

ولكن خرج صوت عواء قوي من خارج الكوخ
سمعت صوتا مرعبا فاضطربت وأخذت ترتجف من شدّة الخوف وجمدت عروقها فلم تستطع الهرب او الصياح وطلب الاستغاثة
ذعرت ممّا سمعت، وعلا وجهها الشحوب واصفر لونها وقالت في صوت مضطرب :
-انها النهاية

اغمضت عينيها بقوة وتمسكت بقلادتها التي تضم داخلها صورة السيدة العذراء "مريم" وقبضت بقوة عليها كأنها تحتمي بها وتريد أن تنسى رهبتها بأنها ستموت تلك الموتة البشعة ويلتهمها الذئاب

ركض ماكسر مبتعدًا عن الكوخ ليعلم ما سبب تلك الضجة التي احدثتها الذئاب من عواء متصاعد وترك الفتاة في حالة يُرثى لها..

وجد مجموعة من الذئاب ملتفون حول ذئب ينازع الموت بانفاس لاهثة
منما اشتدّ فزع المستذئبين فقد كانوا مهدّدين بحدوث بكارثة من المشعوذة"جونجان" لا يسلمون من أذاها، كانوا يظنون بأنها فعلت ذلك في الذئب الذي ينزف من صدره بشدة، اقترب ماكسر يتفقده بعدما علم بأنه نفسه الذئب الذي هاجمه من قبل لتخليص الفتاة منه ولكن لم يصيبه بهذا الحد.

عوا عواء مفزع ليبتعد من حوله الذئاب ثم دنا ينحني بقدميه يشتم الذئب الطريح دون حراك ومرمغ رأسه بصدر الذئب ليكشف عن إصابة صدره ليتبين له بأنه مطعون بخنجرًا من فضة بقلبه وهو الآن يزرف أنفاسه الأخيرة، لأن رصاص الفضة واى ألة حادة مصنوعة او مطليه بالفضة تقتل الذئاب، علم ماكسر وقتها بأنه قُتل ولكن من الذي فعلها؟ هل حقا جونجان هي من فعلت ذلك ام شخصًا اخر من خارج الغابة؟

**
داخل المشرحة بعدما أعطى جهة التحقيق تقريره عاد إلى الجثة ثانيًا وبعد أن تأكد من بأن لا أحد يراءه ولا يشعر به، أوصد الباب خلفه بالمفتاح لكي لا يسمح لاحد باقتحام المشرحة وأظهار ما يفعله في الخفاء.
فقد أختار الطب وتخصص التشريح لانه لديه قدرة على فهم لغة الجسد وهذا ما جعله مهووسًا بالترشيح لمعرفة كل الحقائق العلمية من أعضاء الجثة من قلبها وعقلها الذي توقف تمامًا عن أشارته وهذا جعل منه يتقن عمله ويكرث له حياته وداخل منزله لديه معمل خاص لتجاربه العلمية.

تنفس "سادم" الصعداء ثم اقترب من جسد الفتاة وكشف الغطاء عنها وحملها بين ذراعيه ليضعها داخل مغطس المرحاض الذي وضع به مادة معينة يخفى بها أي أثر لبصماته عليها فهو يعلم بأن تلك الفتاة ليست كغيرها فوالدتها سيطالب حتمًا بإعادة تشريحها ولن يكتفى بتقريره

وبعد مرور خمسة عشر دقيقة حملها وجفف جسدها ووضعها داخل إحدى ثلاجات المشرحة ثم بدل معطفه الأبيض المبتل وغادر المكان بهدوء حذر.
غادر سادم المشفى بعدما متوجهًا إلى منزله، وعندما ولج لداخل شقته ذهب أولا لغرفته المنعزله عن باقي المنزل .

غرفة خصصها كمرسم عندما يعود من عمله يقضي طوال وقته داخل تلك الغرفة التي يقسمها إلى نصفين.
في الجهة اليمنى لا يوجد سوا لوحات فنية رائعة من رسماته، وفي الجهة اليسرى من الغرفة الواح زجاجية مصفوفة على الحائط ووضع اعلاها عدة صناديق من الزجاج الشفاف وبداخل كل منهما قلب بشري يضعه داخل محلول لكي لا يتحلل قبل أن ينتهي من تجاربه.

تقدم بخطواته لحيث المرسم ورفع الغطاء عن اللوحة التي كان يرسمها بالامس وأمسك بالفرشاة وغمسها داخل اللوح الخشبي الخاص بمزج الألوان وبدء في إكمال رسمته والابتسامة تزين ثغره وبعدما انتهى من الرسمة نقش أسفل اللوحة حرف (f)

**
بعدما فتحت عينيها ببطء تفاجئت من عدم وجود الذئب فتلاشى خوفها قليلاً وحاولت زفر أنفاسها بهدوء ثم جاهدة في النهوض من مكانها وبعدما استقامت في وقفتها وجدت الذئب قد عاد إليها ثانيًا
جف حلقها وزاد الادرنالين داخل جسدها
منما زادت عدد نبضات قلبها وعدم انتظامها، التعرق المفرط و رجفة في اليدين و القدمين وزيادة سرعة تنفسها خوفاً من القادم ، انهمرت دموعها كالشلال

شعر ماكسر برجفتها وخوفها منه وعندما رأ دموعها انسابت دموعه هو أيضا ورفع قدمية الاماميتين يضمهما ببعضهما يشهرهما إليها بتوسل ورجاء كأنه يطلب منها الاعتذار

كفت ماري عن البكاء عندما شاهدته على هذا النحو ، إذا هو لن يؤذيها ، تبسمت على فعلته ودنت منه بخطوات مضطربة مسدت بكفها الصغير الذي يرتجف من هول اللحظة على ظهره برفق وحذر
كأنها فهمته وشعرت بحزنه كما هو شعر بحزنها ، فالذئاب أوفياء بعضهم يمتلك قلوب كقلوب البشر، يشعرون دون الحاجة للغة حديث تجمع بينهما ،ومنهم من هو أوفى وأنقى من جنس بني أدم، فبعض الاناس قلوبهم كالحجارة او أشد قسوة.

اما عن الذئاب لديهم القدرة علي تمييز المشاعر، والتعاطف ينتج عنه فهم ومحاكاة لتعبيرات الوجه بينهم.
"هناك مقبرةٌ دفنت فيها نصف مشاعر البشر"

**
داخل كوخ المشعوذة
ظلت جونجان تترقب الفتيات بنظرات ثاقبة تريد أن تعلم من الفتاة التي تحدث عنها المارد"دهمان"
لم يهدأ لها بال فنهضت مسرعة تستخدم قوتها الخفية على معرفة الحقيقة وجلست تشعل النيران بغضب جامح ثم أمسكت بريشة الطاووس وغمستها بدماء الغزال التي هي محتفظة به من أجل تعاويذها الشريرة ثم نقشت الطلاسم على بعض وريقات الشجر الخاصة بالسحر الأسود وخطت أسمائهن الثلاثة ثم طوت الوريقات والقتهم لتلتهمهم النيران المستعرة ثم التقطت البلؤرة السحرية وخرج همسها بتلوي كالحرباء ثم صوبت عينيها التي تبرقان بالدماء لترا بعد لحظات الفتاة الموعودة داخل بلؤرتها

علمت حينها من تكون ودارت وجهها على الفور حيث تقبع "سيرين"
سرت قشعريرة بجسد سيرين عندما تلاقت اعينهن في صمت تام أبلغ من الحديث، طالعتها سيرين بمقلتهين البريئتين لتجد أنظارها التي اعتادت عليهن تمثل بها الشر، فلم تجد داخلهما سوا الشيطان يبرز من خلالهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي