الفصل الرابع عشر على حافة الموت

الفصل الرابع عشر على حافة الموت

انتهت رقصتهم الخاصة وكفيها لازالت ترتجف ببرودة شديدة احتاجت جسدها ،كما هو حاول أن يدغدغ أوصلها بمقطوعة من الغزل لتتخلى عن جمودها وبرودة أطرافها ، ود لو تذوق شفتيها المنتكزتين كحبات التوت البري يشتهي التهامها ويغدقها بمشاعر دافئة فهو يتفنن في السيطرة على أنثاه ويجعلها تخضع له ولكن هذه الشرقية غير .. فلم يتوقع منها كل ذاك الجمود رغم قراءة أفكارها وعلم بانجذابها واعجابها به

نجحت تلك الحسناء الشرقية بأشغال حيزاً من تفكيره لم تفعلها فتاة من قبل وهذا ما جعله يتتوق لقضاء وقتًا ممتعًا معها، يريد أن يتسلل داخلها لتقيدها بعشقه والخضوع لشخصيته الغامضة بالنسبة لها ، لا يريد أفلاتها من بين قبضةُ، هل سينجح في ذلك الأمر ؟ أما أنها فتاة ليست گ غيرها ولن ينالها إلا بأرادتها..

ابتعدت عنه مسرعةُ بعدما توقف عزف البيانو وكأنها صُعقت بمأس كهربائي انفض جسدها مبتعدًا عن الخطر، فهي كلما اقترب منها ينتاب جسدها مشاعر من الخطر تحاط بها وتعجز عن فهم ما بدواخله اتجاهها ، فهو شخصًا غير واضح وصريح وتجده غريب الأطوار فـ تارةُ يعاملها بلطف وود وتارةُ أخرى يعاملها بكل غلظةُ وجفاء ، تتقلب شخصيته في لمح البصر..

لوى ثغره في حنق وسأم، ثم سار بخطوات شامخة وگأن الأمر لا يعنيه بتاتاً في شيء ، أخرج جزامته ووضع النقود أعلى الطاولة ثم نظر لها قائلا بغموض:
- يجب أن نعود للمنزل الآن لدي عمل هام أقوم به
نهضت واقفة وسارت بجوارها في ثبات عكس ما داخلها من تخبط

غادروا سويا المطعم وسار في خطواته المعتادة يفتح لها باب سيارته بلطف :
- تفضلي سيرو
رمقته بنظرة خاطفة وشكرته بأمتنان:
- أشكرك
استقلت بمقعدها ودار هو حول السيارة ليستقل بمكانه خلف محرك السيارة ثم ادرها بخفة وأنطلق مُسرعًا في قيادته ليصل إلى منزله في غضون دقائق معدودة بسبب سرعة القيادة وخلو الطريق من الازدحام..
صفا سيارته أمام العقار وسحب ميدالية المفاتيح التي جذبت انتباه "سيرين" لها وهي شاردة في تلك الغرفة المُغلقة التي تود فتحها ومعرفة ما بها.

فتح لها باب السيارة وانتشلها من شرودها قائلا بسخرية مبطنة بسبب شرودها:
- هل ستظلين بالسيارة ؟
انتبهت له وهو يقف أمامها ، ترجلت على الفور من داخل السيارة ، اغلق هو الباب بالمفتاح وسار بكل خفة ورشاقة يلج بها داخل البناية ومن ثم صاعدو إلى الشقة المنشودة ..

دس المفتاح في عُقب باب الشقة ثم فتحه وأشار لها بأن تسبقه هي لداخل
خطت "سيرين" باقدامها داخل الشقة لتجد أنفاسها في تتصاعد تدريجيا وانتابتها حالة من الرهاب لم تشعر مثلها من قبل
عندما اغلق "سادم" الباب وولج وجدها تقف غير متزنة وتضع كفها أعلى عنقها تخرج أنفاسها في تسرع، اقترب منها متلهفًا فقد كان جسدها يترنح وكادت أن تفقد توازنها وتسقط على ظهرها ، وضع يده على ظهرها يحول بينها وبين السقوط أرضًا

ارتجف جسدها ببرودة شديدة وشحبت بشرتها البيضاء وتجمدت الدماء بعروقها ، گانها تصارع الموت واسدلت عينيها مستسلمة لذاك الاحساس إنها حتما النهاية، نهاية كل شيء ، سطرت خطوات النهاية قبل بدء البداية التي كانت تتمناها وتحلم بها

مالت راسها على صدره انتفض جسده بذعر عندما شعر بتوقف أنفاسها وتبطء نبضات قلبها، هزها بقوة بين ذراعيه ولم تفق بعد ،حملها برفق واراح جسدها على الأريكة المقتربة من المدفئة وذهب ليشعل اللهب ويضعه داخل المدفئة ليتدفق الدماء ثانيا ويضخ داخل أوردتها وظل هو ممسك بها ويمسد بحرارة كفيه على كتفيها العارية وكفه الآخر يتحسس نبضات قلبها من خلال وتينها النابض بعنقها.

تنفس الصعداء عندما وجده ينبض أسفل أطرافه، ولكنه لا يعلم ماذا أصابها لحد الرهاب فهو يعلم جيدا ما النوبة التي داهمتها الآن وهذا ما جعله يتذكر طفولته البائسة ، اين كان وكيف أصبح الآن ؟؟

شرد "سادم" لماضي أليم عندما كان طفلا صغيرًا في الخامس من عمره عندما كان نائمًا بغرفتة داخل فراشه واستيقظًا مفزعًا بمنتصف الليل على صوت صراخ والدته
نهض من فراشه وسار بخطواته الصغيرة وقبضة يديه يفرك بهما عينيه الصغيرتين بنعاس يقاومه ولكن صراخ والدته يخترق أذنيه، غادر غرفته وتوجها لغرفة والدته بقلق وخوف وانفاس مضطربة ثم تجمدت ساقيه عندما استمع لوالده بالداخل ارتجف جسده الصغير وعاد بخطوة للخلف في رهبة احتاج جسده

توسلات والدته حلت قيود قدمية الذي سمرهما بالأرض ودنا مقتربًا من باب الغرفة ثانيًا ثم حول فتح المقبض ولكن وجده مُغلق من الداخل، اتسعت بؤبؤة عينيه وتطلع من عُقب الباب لتعلوا شهقاته الصادمة عندما وجد والدته مُقيدة اليدين والقدمين بأطراف الفراش عاريًا وينهال عليها والده بالضرب المبرح وهو ينزل عليها بالسوط يضرب به جسدها لتزداد داخله النشوة والتلذذ بما يفعله ثم عندما كفت عن الصراخ، اتته رغبة بالتقرب منها

ابعد الصغير عينيه عن الباب في خوف شديد وعاد بخطوات مهرولة إلى غرفته واستقل بفراشه ثم تقوقع جسده النحيل والتقط الغطاء يغطي به كامل جسده المرتجف ودموعه تنساب على وجنتيه الصغيرتين دون توقف.
زحفت دمعة هاربة من بين أهدابه على ذكريات الماضي القاسي وطفولته التي لم يشعر بها ،تحشرجت روحُه في صدره ،كاد أن يموت.

فتحت عينيها عندما استمد جسدها البارد حرارته وتدفقت الدماء في أوصالها وصوت الحشرجة التي اخترقت أذنيها جعلتها تنتفض من أغماءها لتجد نفسها بأحضان الطبيب يضمها فقد كان ظهرها ملتصق بصدره ويديه تحاوط خصرها بتملك ، شعرت بدموعه المنهمرة على كتفها العاري وعندما استعابت الموقف وتداركت الأمر انتفضت بذعر من بين أحضانه ونظرت له بخجل ولكن هو لم يتطلع لها فقد كان في حالة يرثى لها يصارع ذكرياته الأليمة.

جف حلقها بتوتر وعادت تقترب منه بقلق تحاول معرفة ما سبب تلك الدموع والنظرات الخاوية
ولكن عندما رفع مقلتيه ليصطدم ببركتي العسل خاصتها، استقام في عجالة وترك المنزل بخطوات واسعة فلم يراه أحد بهذا الضعف ولن يسمح لأي كان رؤيته بهذا الحال، ولن يقبل بلحظات الضعف أن تهاجم حياته ثانيا وتقلبها رأسا على عقب..

بعد أن غادرت المنزل بهذه السرعة يهرب من حصار أفكارها ،عادت "سيرين" تجلس على الأريكة وهي تحدق في الفراغ بعدم فهم.
غلبها النعاس وهي شاردة في هذا الشخص غريب الأطوار

**
أشتعلت عينين" جونجان" بغضب جم لم يستطع أحد السيطرة عليه، صرخت باعلى طبقات صوتها وهي تلقي بكل ما طالته يديها بعنف ونظرات عينيها تدمي وتشتعل وتحاول استحضار تعاويذها في الخلاص منما هي فيه، تشعر بفقدان قوتها على السحر كما السابق
أمسكت بالمرآة تتطلع بها بنظرات متلصصة ثاقبة وعيناها الصفراء ناظرة بحدة لتجد الذئب ماكسر يقترب منها ويطالعها بعينين حمرويتين يخالطهما صفار عين الذئب التي يبدو عليها التيقظ والانتباه.

القت ما في يدها أرضا ونظرت له قائلة في غلظة:
- لما أتيت إلى هُنا "ماكسر" ؟!
جابت عيناه الكوخ في ترقب وتلصص لشيء ما ثم دار حول "جونجان" في سرعة ثم التقط بفمه شيئًا التقفه بين انيابه الحادة وركض في سرعة الفائقة يغادر الكوخ
منما جعلها تصرخ بصوتها الغاضب تناديه ولكنه ابتعد عنها ولم يعد إليها ..

**
جلست ماري أمام الكوخ وعينيها تنظران للسماء الصافية الزرقاء الخالية من الغمام؛ رغم الظلام الكثيف الذي طغى على المكان إلا أنها كانت تلمح لمعان النجوم التي بدت التوهج والقرب، حتى أنها ظنت لو قدرت على الوصول ومد ذراعيها لاستطعت بسهولة الإمساك ببعض من النجوم، تسلت بضوئها اللطيف المنعكس في بريق عينيها الرماديتين، ورأت نفسها تسبح بين النجوم فى ذلك الفضاء البعيد وقد صارت خفيفة فردت ذراعيها على اتساعهما، لتلامس بوجهها برودة السماء.


سمعت همهمة قريبة انتشلتها من عالم الخيال التي تعيشه تلك اللحظة ووجدت ماكسر يقترب منها وألقى في حجرها ما سلبه من كوخ الساحرة" جونجان" دون علمها
لتشهق بفزع عندما وجدت شيء صلب سقط عليها ، تطلعت له بغرابة وعادت تنظر لماكسر بعدم فهم
جذبها من طرف ثوبها لتنهض من جلستها تلك وتلحق ركضًا ليصلان إلى بركة المياه.


تعمقًا سويا داخل البركة وغطس ماكسر وهو يسكب ما في فمه داخل البركة فقد كانت محاولة منه بالخلاص من السحر الاسود الخاص بجونجان وقد سرقها من كوخها يظن بأن بعد ذلك ستنتهي لعنتهم كذئاب ويعودون إلى صورتهم الأولى ولكن فشلت محاولته ولازال يشعر بالأسى بسبب كل ما يحدث فقد سأم حياته بتلك الصورة ويريد أن يموت، وينتهي مصيره إلى هذا الحد

وكتم أنفاسه وغطس بكل جسده أسفل بركة المياه ويحاول الا يخرج أنفاسه وعواءه ولكن عيناه كانت تميض ببريق حزين وهو يودع ماري بتلك النظرة الحزينة المكلومة..

انتابها القلق على أن يغرق انهمرت دموعها وهي تصرخ منادية بأسمه "ماكسر"
- لا تفعلها "ماكسر" لا تفعلها من أجلي، لن استطيع العيش هُنا من دونك، أرجوك لا تتركني وترحل
انتفض جسده بقوة واخرج المياه التي عبت رئتيه ولم يتحمل صراخها ومناداتها فهي بحاجته وهو لن يتخلى عنها وسيحاول جاهدًا أبطال هذه اللعنة للأبد..

**

قادتها قدميها بمشاعر متخبطة إلى حيث مكتبه ، وقفت على أعتاب بابه تسترد شتاتها المبعثر في حضرته، وعندما ولجت للداخل كان "سادم" منكب على عمله يَخُطى تقريرة الطبي الخاص بمقتل الفتاة بمهارة وإتقان، وعندما اشتم رائحة عطرها الأنثوي الذي عصف بكيانه، رفع أنظاره عن الاوراق وتطلع لتلك الجنية التي سرقت لُب قلبه "سيرين"

الفتاة الرقيقة ذات الطلة الجذابة بقوامها الرشيق وهدوءها الغير معتاد
أرتسمت ابتسامته وهو يطالعها من راسها إلى أخمص قدميها ، ثم عاد بانظاره يرتكز على مقلتيها التي ينبعث من داخلهما وميض من النور ، فقد كانت تمتلك عيون واسعة وحدقتها بركة من العسل الخالص لا تليق إلا بها وحدها ، وشعرها البني المنسدل بعنفوان خلف ظهرها ، ثم هبط بزرقتيه على شفاها المنتكزة كحبات الكريز ، يريد قطفهما
فتلك الفتاة أقتحمت حصونه ولن يدعها تفلت من بين يديه.

نهض عن مقعده بهدوء وعيناه لم يسبلها عن مطالعت جمالها وأقترب منها رويدا رويد حيث أقتصرت المسافة بينهما، ثم رفع انامله يزيح تلك الخصلة المتمردة التي اخفت مقلتيها الساحرتين عن عيونه، ثم هبط باطرافه يلامس وجنتها الناعمة إلى أن توقف عند ثنايا عنقها، سرت قشعريرة طفيفة أثر لمساته

نظر لها بـ وله وعاد يعزف ثانياً من حيث توقفت اطرافه، كأنه يمتلك معزوفة ساحرة يُجيد هو وحدة فن العزف على وترها الحساس
اغمضت عينيها في عفوية لتجد أنفاسه تلاحق أنفاسها وهو يطبق على شفاها بقُبلة هوجاء جعلت كل منهما يبحر بعالمه الخاص..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي