الفصل الرابع منطق السيكوباتي

(٤)


منطق السيكوباتي



ذكر التقرير أنها جثة لطفل حوالي 10 سنين من عمره، طوله 110 سم، قمحي اللون نحيف، شعره بني..

يوجد كدمات في أنحاء الجسد، ويوجد آثار جيرية في الجبهة، تم قطع ساقيه وذراعيه بمنشار كهربائي وهو على قيد الحياة..

نزيف داخلي حاد أدى للوفاة وبأخذ عينات من الاحشاء ، أثبتت أن الطفل قد أكل شيئا به مادة مخدرة..

عقد يزن ذراعيه أمام صدره وسأله بفضول:
_ وهل المادة المخدرة التي اكتشفته، هي نفسها التي عثرت عليا في الجثة السابقة؟!

أكد وسام حديثه قائلا:
_ نعم، هي نفس المادة.

استند معز على الحائط الذي بجواره وقال:
_ وهل الاثار الجيرية التي وجدتها على جبهته، مطابقة أيضا لما سبق.

أومأ وسام برأسه وقال:
_ نعم نفس كل شيء، نفس القاتل بنفس وحشيته بنفس المادة المخدرة وكل شيء، حتى اننا عثرنا على قطع من جلد الجثة السابقة في أظافر هذا الطفل.

توقف لثانيتين وتابع:
_ كما يفعل في كل مرة، وكأنه يؤكد ويثبت التهمة عليه.

ابتسم معز وقال:
_ انه يترك لنا قرصا مدمج عليه كل ما فعله مع الضحية قبل قتلها، لن يحتاج أن يفعل كل هذا ليثبت التهمة عليه.

غطى وسام الجثة وقال:
_ ما لا افهمه في هذه القضية، هو لماذا يصف نفسه بالعادل؟! يعلم أنه قاتل ويعلم أنه كما نقول نحن باللغة الدارجة "سفاح" فلماذا يصف نفسه بالعادل؟ وأي عدل الذي يمارسه في تشويه جثة طفل بهذا الشكل؟

اسرع معز قائلا :
_ انه يختار ضحاياه بعناية، لقد ترك لنا في القرص المدمج كيف كان يقتل هذا الطفل الحيوانات بمنتهى اللاشعور، وبمنطق هذا السيكوباتي، إنه يقتله قبل أن يصبح مثله!

رفع وسام كيساً بلاستيكي محكم الغلق به تلك الورقة الصفراء التي يتركها القاتل وقال بتعجب:

_ كل ما أريد أن اعرفه، من أين عثر على تلك الأوراق؟! هذه الأوراق قديمة للغاية، فكيف بقيت بهذا الشكل السليم؟

أجابه يزن بتعقل:
_ يبدو أنه من هواة الاحتفاظ بالأشياء القديمة، لا وقد حافظ عليها واعتني بها أيضا.

ترك وسام الورقة وسأل يزن بفضول:
_ أنا أشعر أنه في خصومة كبيرة معك أنت يا يزن، ألا تشعر بذلك؟

التفت يزن ناحيته برأسه وقال بتعجب:
_ لماذا تقول هذا؟ وما سبب استنتاجك؟!

خلع وسام نظارته الطبية وقال:
_ لأنه يختار المكان الذي تعيش فيه في بيت سيادة اللواء عمك، ويفعل به كل تلك الجرائم .

هز يزن رأسه بيأس وقال:
_ نعم معك حق، هذا المكان مؤمن بالكاميرات في كل سنتيمتر، غير أنه لا يدخل ولا يخرج أحد إليه إلا بعد التفتيش.

تنهد بحزن وتابع قائلا:
_ ومع ذلك لا نعرف كيف تخرج الجثث من "الكومباوند" ،أو كيف تخرج الضحية منه ربما يتم قتلها بالخارج.

قال معز ببديهية:
_ شخص مثل هذا يحسب حساب لكل شيء، ويبدو أنه يفعل جرائمه تلك منذ فترة طويلة ومتمرس.

دون وسم بعض المعلومات ،وتابع حديث معز قائلا :
_ نعم، لأنه يثق بنفسه ثقة غريبة، والأغرب أنه لا يشعر بأي تردد قبل أن يمثل بالجثث ، أو بضحاياه بهذا الشكل.

اعتدل يزن في وقفته وقال:
_ حسنا سنأخذ التقرير ونعود إلى مركز الشرطة.

حمل معز التقرير وتبع يزن الذي خرج وهو يقول بضيق:
_ الأمور تزداد تعقيد، ولا أعرف ماذا سنقول للقادة.

حرك معز كتفيه وقال:
_ نحن لم نقصر في شيء، وفعلنا كل ما بوسعنا، وبالقريب سنقبض عليه وسينال جزاؤه.

اقتربت يارا منهما وقالت بشغف:
_ ماذا حدث بالداخل؟ وما هو التقرير التشريحي النهائي للجثة؟

رفع يزن عينيه بملل وقال على مضض:
_ هذا شأن لا يخصك من الأساس.

اسرعت ووقفت أمامه معترضة طريقه وقالت:
_ إذا لماذا أتيت بي إلى هنا إن لم يكن يخصني ؟ من فضلك اعطيني ولو بعض معلومات.

وقف يزن أمامها وقال ببرود وهو يتعمق في عينيها البنية:
_لا شيء جديد، الطفل تم قتله وتم تقطيع ساقيه وقدميه ، وهناك الكثير من الكدمات في جسده.

لاحظ تماديه في نظراته التي تلتهمها، فتنحنح قائلا:
_ ويبدو أنه قد عُذب قبل أن يمارس هذا المريض طقوسه عليه، ولا نعرف شيء آخر، القاتل ذكي ومحترف ، ولا يترك أي أثر خلفه.

جمعت يارا شعراتها المنسابة على ظهرها وقالت:
_ يجب أن تتحرى الدقة قليلا، من المؤكد ستعثرون على شيء يدينه، لا يوجد مجرم كامل كما تدعون.

ثم ابتسمت بخبث وقالت:
_ أم أنكم تبررون فشلكم بأنه لا يترك شيئا خلفه ؟

جز يزن على أسنانه وهو يطالعها بشراسة، ثم التفت ناحية معز وقال:

_ لا أريد أن آراها أمامي مرة آخرى، وإلا لا أعرف كيف سينتهي بنا الحال.

ثم مضى إلى الامام ودفعها بكتفه؛ فارتدت للوراء خطوتين وقالت :
_ هذه المعاملة لا تليق بي ، وستراني بوجهك في كل مكان أنا أؤدي عملي .

التفتت لمعز وقالت:
_ لماذا يعاملني بهذا الشكل؟!

ابتسم ابتسامة صفراء وقال:
_ لا شيء ، فقط نعتي ضابط شرطة بأنه فاشل، وتريدين منه أن يعاملك بلطف! سيطري على لسانك هذا وإلا سيقطعه لك .

ومضى هو الآخر في طريقه، وقد اصطدم كتفه بكتفيها؛ فارتدت أيضا خطوتين وراءها وهي تقول:

_ لا ، هذا يكفي أنا صحفية وعندي حقوق ويجب أن تعاملوني باحترام أكثر، لن اسكت على هذه المعاملة.

دخل يزن إلى مكتبه فتبعه المجند قائلا:
_ سيدي والد ووالدة الطفل بالخارج كما أمرت.

جلس يزن على مكتبه وقال بعملية:
_ أريد رؤيتهم حالا.

أدى المجند التحية العسكرية وخرج، وبعد قليل دخلت السيدة تنتحب بحزن وبجوارها رجل يساعدها على السير ..

وهو الآخر يبكي وفي حالة يرسى لها، أشار لهما يزن أن يجلسا أمامه، وبالفعل جلسا؛ فأسرعت السيدة قائلة:

_ من فضلك يا سيدي الضابط ، أنا أريد أن أخذ بحق ابني ، لا تتركوا هذا القذر مهما حدث.

هدأها يزن قائلا:
_ لا تقلقي، لن نتركه ولكن سنسالكما بعض الاسئلة ، وبناء عليها ربما تساعدونا في كشفه.

قال والد الطفل بحماس:
_ سنجيب على كل شيء ستسالنا عنه .

سأله يزن بعملية وهو يشير للكاتب بمباشرة تدوين ما سيقال:
_ ما المدة التي اختفى بها كريم؟

اجابته الأم :
_ منذ يومين في الصباح.

_ وكيف كان آخر لقاء لكما معه؟

اجابت والدة الطفل قائلة :
_ لقد تناول فطوره، وطلب مني أن يخرج ويلعب أمام البيت بدراجته الهوائية، وأنا اتابعه دائما وأنا أجلس بحديقة البيت.

كففت عبراتها وقالت بحزن:
_ ولكن ذلك اليوم جاءني اتصال هاتفي من اختي؛ فاضطررت إلى الدخول داخل البيت، وكنت أعلم أنه لن يبتعد، فهو لم يبتعد من قبل.

عادت للبكاء مرة آخرى وأردفت:
_ وعندما خرجت لم أجده، بحثت عنه في كل مكان ولم أجده، وآخر شيء سجلته أقرب كاميرا أنه قد ركض خلف قطة ناحية البيت من الخلف.

تابع الأب قائلا:
_ وهناك يقع مرفق السيارات، وبعدها لم يتم تسجيل أي لقطة لدخول شخص أو خروجه وجميع الكاميرات المجاورة لم تسجل أي شيء آخر.

قالت الأم بهيستيرية:
_ وكأن شبحاً ما خطفه، وقتله بهذا الشكل الوحشي.

حك يزن ذقنه وقال بتعجب:
_ وهل هو من الاطفال الذين يتحدثون مع الغرباء ويذهبون معهم؟!

اسرع الاب قائلا:
_ لا، إنه لا يحب التعامل كثيرا مع الاشخاص الغرباء.

حرك يزن كتفيه وقال بحيرة :
_ يبدو أنه تعامل مع أحدهم، بل وأخذ منه شيئا وأكله ، وهذا ما سهل مهمة الخاطف في أن يحمله وهو مخدر تماما.

اجابه الاب ببديهية:
_ اذا فهذا الشخص مقرب لنا ويعرفه، وإلا لما فعل ذلك.

عاد يزن وسألهما:
_ هل لديكما أشخاص بينكم وبينهم عداوة أو تشتبهون بأمرهم ؟

حرك الاثنان رأسهم وقالا في نفس الوقت :
_ لا يوجد لدينا أعداء .

بينما قالت الأم:
_ نحن محبوبون في المكان بأكمله ، وسيادتك تعرف ذلك كثيرا بحكم الجيرة بيننا.

أوما يزن برأسه وسألهما :
_ هل لاحظتما على كريم من قبل أي سلوك عدواني من ناحية أي حيوان أو طفل آخر ؟

اجابته والدته:
_ نعم، لقد قتل عصفورا أمامي ذات مرة، وعاقبته ووعدني أنه لن يفعل ذلك مرة أخرى، ولكن لماذا تسأل هذا السؤال؟!

اجابها يزن مسرعا :
_ لا شيء، مجرد سؤال تقليدي نسأله دائما .

سأله والد الطفل :
_ هل تعتقد أن القاتل من داخل قريتنا ؟ أم أنه شخص من الخارج ويستطيع الدخول والخروج بهذه السهولة؟

ثم صمت لبرهة وتابع قائلا:
_ حتى أنه استطاع الخروج ومعه طفل ، ولم يلاحظه هذا الكم الهائل من موظفي الأمن والكاميرات!

عاد يزن بظهره إلى المقعد وقال:
_ هذا ما سنعرفه مع تقدم التحقيقات، والآن بإمكانكم الذهاب إلى المشرحة وأخذ جثة كريم لدفنها.

دخلت الام في حالة شديدة من البكاء الهيستري والكلمات الغير مفهومة من نحيبها؛ فوقف الوالد وضم رأسها في صدره وقال:
_ يكفي ، سنأخذ له حقه لا تقلقي.

مسد يزن جبهته من الألم وهو يتابع بكاء الرجل وزوجته بحسرة على طفلهما، والنار بداخله تأكله وتدفعه دفع في أن يكشف هذا المجرم في أسرع وقت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي