الفصل الثلاثون من قتل يقتل

(٣٠)


"من قتل يقتل"



كانوا جميعا يقفون أمام شاشة التلفاز يتابعون اعترافات تميم المسجلة وهو يقول :

_ " لذلك يجب التخلص منكم جميعا، أنتم مرضى وليس أنت، أنتم من تدعون الطهر والبراءة وكلكم أخطاء وذنوب ..

جميعكم بداخله شخص مثلي، شخص "سيكوباتي" يريد أن ينفجر في وجه من يكرهه ويحطم عظامه ويأكل من لحمه ..

كي يشفي النار التي بداخله، ثم تخرجون للناس وتدعون الفضيلة و الشرف، سأقولها وأنهي بها كلماتي، أنا مثال العدالة على الأرض ..

ولا اعتقد أنني سأحاسب بأي شخص قتلته، لأنهم بالنهاية كانوا يستحقون الإعدام على يد عشماوي ..

ووقتها أيضا كان هذا هو العدل أيها المنافقون البلهاء، أنا أبغضكم جميعا " .

ثم وقف وسار ناحية الكاميرا وأغلقها وانتهى المقطع وانتهت أسطورة "السيكوباتي" .

فحك معز خلفية رأسه وقال :
_ لقد انتهى عهد "السيكوباتي"، لم يتذكر لثانية أن الله موجود، وانه هو فقط من يحاسب وهو فقط من يأخذ بحق كل مظلوم .

ثم تنهد وقال :
_ وأننا في دولة قانون، وان القانون فوق الجميع بكل المسميات، و لو أخذنا بمنطقه، سنأخذه وندفنه دون أن نحقق في من قتله، لأنه كان يستحق القتل .

بينما قال وسام بعملية :
_ ومن المؤكد قاتله يجب أن لا يعاقب، هذا إن اتخذنا منطقه أسلوبا، ولكن لو كان هو على قيد الحياة لما سمح بمنطقه أن يطبق
.

ثم تطلع معز حوله وقال بصياح :
_ أين أنت يا خالد ؟ ألم تجد تلك الغرفة بعد ؟!

أتى خالد وهو يقول :
_ لا لم أجدها، ولكني استنتج شيئا ما، ربما يكون ما بعقلي صحيح .

اقترب معز منه وقال :
_ وماذا استنتجت يا شارلوك هولمز .

عقد خالد ذراعيه أمام صدره وقال :
_ عندما بحثت في كل مكان بالبيت هنا، لم اجد شيء ولكن عندما خرجت إلى الحديقة الخلفية .

صمت لثانية ثم تابع قائلا :
_ وجدت بجوار نافذة السيد تميم باب صغير يسمح بدخول أي شخص إلى البيت المجاور لهم، وهذا البيت لا يسكنه أحد لأنه تحت الانشاء .

لمعت عيني معز وقال :
_ لذلك ربما يأخذنا إلى تلك الغرفة السرية .

اعتدل خالد في وقفته وقال :
_ خاصة وأن الباب يبدو قديم، والقفل الذي عليه يبدو جديد .

ساره معز أمامه وقال :
_ إذا ف لنذهب ونرى .

خرجوا جميعا من البيت ويارا ملت على حسام وقالت بهمس :
_ التقط الصور التي تستطيع أن تأخذها، وبأي عدد ممكن .

أومأ حسام برأسه وقال بصوت خفيض :
_ لا تقلقي، أنا لن أفوت فرصة مثل هذه .

انطلقوا عبر الحديقة الخلفية إلى ذلك الباب الصغير، الذي كسروا القفل الخاص به ودلفوا إلى داخل الجزء المعدل أن يكون حديقة لهذا البيت ..

تطلع معز إلى البيت بأكمله وقال :
_ اعتقد أنه لن يأخذ غرفة علوية، بل سيختار غرفه سفلية؛ كي لا يراه أحد أولا، وكي يسهل عليه مهمة الدخول والخروج في أمان .

بينما قال خالد وهو يتحرك :
_ وأعتقد أن هذا البيت وممراته كفيلان بأن يتخطى كل كاميرات المراقبة، وبإمكانه الذهاب إلى أي مكان محتميا به .

أسرع خالد وقال :
_ من هنا، اعتقد تلك النافذة المفتوحة ستقودنا إلى شيء ما .

رفع يزن عينيه وقال على مضض :
_ من المؤكد أننا لن ندخل من النافذة، اكسر لنا هذا الباب كي ندخل .

وبالفعل كسر خالد الباب ودخلوا منه، ومنه إلى تلك الغرفة المجاورة للتي شك بها خالد ..

وجدوا عليها قفلا لا يستطيع أحد كسره، لأن نوعه نادر، فأشار معز للجميع بأن يبتعد، واخرج مسدسه من بنطاله ..

ووقف في مسافة آمنه، وأطلق رصاصتين على هذا القفل؛ فانفتح من فوره، أزاله وفتح الباب ودفعه إلى الداخل ..

لتأتيهم رائحة تشبه رائحة القبور، لقد كانت رائحة الدم العفن، وقفوا قليلا وهم يكتمون أنوفهم من مقت الرائحة ..

بينما تحامل معز ودخل يبحث عن أي مصدر للضوء، حتى تلمست يده مفتاحا للكهرباء، ضغطه فوجد الغرفة قد أنارت ب ضوء خافت ..

بالكاد يظهر محتوياتها، وعندما دخلوا وجدوا آله التصوير، والكرسي، ووجدت ملابس كثيرة لنساء ورجال، ووجدوا دماء متناثرة في كل مكان ..

ومنشار كهربائي وسكاكين بمقاسات مختلفة، وسلاسل حديدية وحقيبة إسعافات أولية طبية ..

لفه وسام في المكان وقال :
_ إنها مشرحة بكل معنى الكلمة، نحن كنا نتعامل مع ضابط شرطة .

ثم جذبه علبة منزوية على الطاولة، فاقترب منها وحملها أمام الضوء وطال نظره بها وتفحصها جيدا ..

ثم ابتسم وقال :
_ لقد وجدت الكبسولات المسممة، ذلك السم الذي قادر أن يخدع أي شخص، بأنك لن تجده على الأطباق ولكنك ستجده في الأكل .

حرك حاجبيه وقال :
_ اعتراف بسيط مني، لقد كان ذكيا للغاية .

بدا حسام في التقاط الكثير من الصور لهذا المكان، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وصورها ..

دفعه معز إلى الخارج وقال :
_ أنت، ماذا تفعل هنا ؟

ثم رفع سبابته بوجهه وقال بحزم :
_ لا يمكنك استخدام هذه الصور إلا إذا سمحت لك، هل تفهم ؟

أومأ حسام برأسه وقال وهو يطالع شاشة الكاميرا :
_ لا تقلق، ولكن هذه فرصة لا تعوض .

قال لهم معز :
_ من فضلكم الجميع إلى الخارج، هذا مسرح جريمة ويجب ألا نلمس أو نحرك أي شيء، تفضلوا .

أصر على الجميع بالخروج، بينما تطلعت يارا حولها وقالت بتعجب :
_ أين يزن ألم يأتي معنا ؟!

وصلهم صوت عراك بين يزن وشخص ما، فاسرعوا راكضين إلى هناك .

أشار معز إلا رجاله بأن يطبقوا البيت بأكمله، وأن يبحثوا به ربما يجدون شيئا آخر ..

عادوا إلى البيت فوجدوا يزن يعارك سالم والعراك بينهم محتد، اقترب حسام ووقف بينهما ليبعد يزن عنه ..

بينما جذب معز سالم من ذراعيه وابعده وهو يقول :
_ توقفا أنتم الاثنين، ماذا يحدث هنا ؟

خرج يزن عن صمته وقال :
_ هذا الإنسان المريض جاء إلى هنا ليشمت في عمي .

اقترب معز من سالم وقال له :
_ انتظر بالخارج، ومن سمح لك بدخول هذه الغرفة ؟

قال سالم بابتسامة واسعة :
_ جئت لأراه ميتا كالكلب، كما قتل أبي، هذا هو ما يستحقه ولن أكتفي بذلك .

اخرج هاتفه وغادر الغرفة دقيقة وعاد وهو يجر الكلب بيلي خلفه، والكلب يسير بصعوبة بعد أن هزل جسده ..

صرخ فيه يزن وقال :
_ أنت ماذا تفعل ؟ لماذا أحضرت الكلب إلى هنا ؟ اخرج فورا .

أخرج سالم مسدسا من جيب سترته وقال :
_ الجميع يبتعد من أمامي .

صرخ به معز وقال :
_ أنت لا تعي عقوبة ما تفعله، أتوجه فوهة مسدس ناحية السلطات .

بادله سالم صراخه بصراخ أكبر وقال :
ابتعدوا وإلا قسما بربي سأفرغ كل طلقات المسدس بكم، ولن أرحم أحد .

أبعد معز الجميع بذراعه للخلف، بينما قرب سالم الهاتف من أذن بيلي وهو يوجهه ناحية جسد تميم ..

وما أن نطق الهاتف بجملة "هيا بيلي هيا " بصوت تميم التي كانت قد سجلت على هاتف البيت عند والده ..

وكأن تلك الكلمات كانت قادرة على بث الحياة في هذا الكلب الضعيف؛ فرفع ذيله ووقف على قائميه الأماميين ..

كرر سالم تلك الجملة بينما صرخ يزن وقال :
_ لا توقف .

لكن سالم ضغط تشغيل الجملة مرة أخرى، فنبح الكلب وانقض على جثة تميم وهاجم رقبته واخذ يقضمها و يهاجمه مرة بعد مرة ..

وكأنه ينتقم منه هو الآخر، بينما صرخت يارا بفزع؛ فجذبها يزن إلى صدره وخبئها داخله، وخبأ رأسه في شعراتها؛ كي لا يرى ذلك المنظر ..

دفعهم معز جميعا خارج الغرفة، وأخذت عزيزة تصرخ وتصرخ، بينما اقترب خالد من الخلف وكبل له سالم ..

وأخذ منه المسدس ووضع في يديه الأصفاد الحديدية، وسالم يضحك ضحكات هيستيرية عالية، بينما سقط الكلب بيلي ميتا ..

اقترب معز من سالم وضغط على ذقنه بكفه وقال :
_ هل كنت ترفع المسدس بوجهنا أيها الوقح ؟

أجابه سالم بانتشاء وسعادة :
_ الآن فقط ارتحت وأخذت بثأر أبي،

ساله معز بابتسامة ساخرة :
_ ألم تقتله أنت وأخذت بثأرك أول مرة، سواء بيدك أو بيد أحد من رجالك ؟

اجابه سالم قائلا بنظرة انهزامية :
_ لا لم اقتله أنا، وذلك أقوله لا لأبعد التهمة عني، على العكس يغلب عليا الخزي أنني لم أقدر، ولكن لم أعرف أنه قاتل أبي سوا الآن .

أشار معز برأسه لخالد أن يأخذه إلى الخارج، وبالفعل سحبه خالد للخارج وألقاه في سيارة الشرطة ..

ثم عاد إلي ردهة البيت الواسعة، وهو يسير إلى جواره هالة وعاطف أبو الطفل كريم ..

ركضت يارا ناحية هالة واحتضنتها وهي تقول :
_ أمي هناك أشياء غريبة تحدث هنا .

لفت هالة ذراعها حولها وهي تتعمق في عيني يزن وقالت :
_ لا تخشين من شيء، أنت بخير يا صغيرتي .

لم تترك عينها عيني يزن لثانية واحدة، وكان بينهما حوار طويل لا يستطيع أحد تفسيره ..

حتى قطع معز هذا الحوار وقال :
_ السيدة هالة من فضلك، عندما أتيت إلى هنا هل كان السيد تميم ما زال على قيد الحياة ؟ أم وجدتيه جثة مقتولة ؟

تنهدت هالة وقالت :
_ عندما جئت وجدت باب البيت مفتوحا، وعندما دخلت لمحت شخصا يقفز من نافذة غرفة تميم .

مسحت وجهها بيدها وتابعت :
_ لقد تعجبت من ذلك، وعندما تعمقت سيرا في الغرفة، وجدت هذا الحقير ملقى على الأرض بجوار الحائط، ويندفع الدم من رأسه .

ثم تابعت بارتباك وتوتر :
_ وكفيه وقدميه ما زالت ترتعشان، خشيت أن تلتصق التهمة بي فخرجت مسرعة؛ كي أعود إلى البيت .

ثم حركت عينيها ناحية يزن مجددا وقالت :
_ خاصة بعدما اطمأننت على يزن، فهو كان يقف بجوار البيت وتحدث في الهاتف، لكنه لم يراني .

ثم عادت لمعز وقالت :
_ هذا فقط ما رأيته و ربي شاهد أنني لا أكذب .

اقترب معز من عاطف والد كريم وقال له :
_ وأنت يا سيد عاطف، ما هي حجتك لدخول البيت ومغادرته في صمت ؟

رفع عاطف رأسه بشموخ وقال :
_ لقد أتيت إلى هنا لكي أحكي له أنكم وجدتم القاتل، أنا لم أكن اخفي عنه شيئا هذا الحقير المختل .

ثم هدأت نبرته قليلا وقال :
_ هو من كان يقول لي كيف أوجه الكاميرات؛ كي استطيع كشف المنطقة بأكملها من بيتي .

ثم ملأ الحزن وجهه وهو يقول :
_ لم أكن أعرف أنه يوجهها عكس اتجاهه هو، لكي لا نراه عندما يخطف كريم ويقتله .

ثم تابع بشراسة :
_ هذا الشخص ما حدث معه أقل مما يستحقه، لقد حرق قلوبنا جميعا باسم العدل، أي عدل، ولكن قسما بربي أنا لم أقتله .

سأله معز بفضول :
_ إذا ماذا رأيت ؟

اجابه قائلا :
_ عندما دخلت لم يكن هناك أي أحد بالبيت، ويزن يقف بالخارج، لم أرى أي شخص، وعندما تعمقت داخل البيت وذهبت إلى غرفته مباشرة، وجدته مقتولا .

اعتدل في وقفته وتابع قائلا :
_ حتى هذه اللحظة لم أكن أعرف أيضا أنه القاتل، وإلا كنت أكلته بأسناني حتى بعد ما مات .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي