الفصل الواحد والعشرون القاتل كلب

(٢١)


"القاتل كلب"



يجلس على مكتبه يطالع تلك الأوراق التي أمامه، وهو يحرك القلم بين أنامله بغيظ ..

ثم رفع رأسه أمام هذا الشخص الجالس أمامه وقال :
_ إن أخذوا منا تلك الصفقة أيضا سأفصلكم جميعا عن العمل، هل تسمعني يا جابر ؟

تنهد الرجل بأسى وقال :
_ يا سيد سالم، تلك الشركة التي تنافسنا مستحوذة على جميع الأعمال المستقبلية لعشرة أعوام قادمة، فكيف لنا ونحن في البداية أن نحاربها ؟

ضرب سالم المكتب بيده وقال بصياح :
_ هذا لا يخصني، أنا أدفع لكم رواتب أضعاف أضعاف من يعمل بمثل أعمالكم لكي تأتوا لي بحلول .

تحكم الرجل في انفعاله وقال بتعقل :
_ و نحن قدمنا لك أقصى الحلول الممكنة، ولا نستطيع أن نقدم حلولا أخرى .

عاده سالم إلى ظهر كرسيه وقال بنبرة قاطعة :
_ أنا كلمتي واحدة، إن لم تصبح هذه الصفقة بين يدي؛ ستتركون العمل جميعا .

وقف الرجل وقال بهدوء :
_ حسنا، نحن فعلنا ما بوسعنا، ومن المؤكد أننا سنجد عمل مريح في مكان آخر .

ثم أغلق أزرار بذلته وقال بترفع :
_ أنا من الآن أقدم استقالتي، ولن انتظر إذا كانت ستؤول الصفقة إليك أم لا .

طالعه سالم بصدمة بينما قال الرجل بابتسامة هادئة :
_ السلام عليكم، شرفت بالعمل معك .

تركه الرجل و خرج، بينما ألقى سالم القلم من يده وهو يقول :
_ غبي، لا أعرف من أين أعثر على هؤلاء الأغبياء .

رن هاتفه الجوال فوجده الخادم الخاص بوالده؛ فاجاب الهاتف وقال على مضض :
_ أنت أيها الغبي ماذا تريد مني ؟

أتاه صوت الرجل متحشرجا فقال بنفاذ صبر :
_ قلت لك ألا تهاتفني أثناء العمل، وعندما أنتهي إن وجدت وقت سأمر على أبي .

وجد الرجل يبكي ويقول كلمات متقطعة ليست مفهومة، زفر بضيق وقال له :
_ ماذا هناك ؟ أنا لا أفهم شيء مما تقول .

استجمع الرجل رباطة جأشه قال له :
_ لقد قتل سيدي، لقد قتل السيد حسان .

وقف سالم ببطء وقال له بصدمة :
_ ماذا قلت ؟ من الذي قُتل ؟

أجابه الرجل :
_ والدك، لقد قتل سيدي .

ابتلع سالم ريقه وقال بشراسة :
_ إذا كنت تمزح أنا لن أرحمك ما حييت .

أجابه الرجل بنحيب :
_أنا لا أمزح، من فضلك يا سيدي أسرع الشرطة هنا وأنا لا أعرف ماذا أفعل ؟

أغلق سالم الهاتف و ركض مسرعا و هو يخرج من مبنى شركته وعينيه تطق شرار، لا يعرف كيف قاد سيارته تلك المسافة الطويلة ..

حتى وصل إلى بوابة المكان، أوقفه الأمن فصرخ بهم قائلا :
_ افتحوا الباب حالا، أنا أريد أن أدخل .

قال كبيرهم بنبرة آمرة :
_ افتحوا له الباب، إنه السيد سالم ابن الطبيب حسان .

دخل مسرعا بسيارته لا يرى أمامه، حتى وصل إلى بيت والده المنزوي و البعيد عن الضوضاء ..

صف السيارة بمنتصف الطريق ودخل يركض إلى البيت، وعندما وجد رجال الشرطة مستنفرون؛ بات خطواته تتثاقل ..

وكأنه كان لا يصدق ما قيل له، اقترب يزن منه وقال :
_ البقاء لله يا سالم .

ابتلع سالم ريقه وقال بملامح متهدلة :
_ هل ما سمعته صحيح يا يزن ؟

أومأ يزن برأسه وقال :
_ للأسف صحيح، الكلب بيلي هجم على والدك وقتله بطريقة غريبة .

استند سالم بيده على الطاولة ليستمد منها القوة، بينما تابع يزن قائلا :

_ جميعنا نعشق بيلي، ونعرف انه لا يؤذي أحد، فكيف هجم عليه بهذا الشكل وقتله بتلك الطريقة ؟!

تطلع سالم حوله حتى وجد بيلي يجلس في الحديقة منزويا على نفسه ويبدو عليه الحزن ..

فصار ناحيته يقول :
_ سأقتله من فوري، وربي سأقتله .

ولكن يدي يزن أوقفته وهو يقبض على ذراعه وقال :
_ هناك شيء غريب فلا تتسرع، نعم أعرف أن القتل تم على يد الكلب بيلي .

استغل إنصات سالم فتابع قائلا :
_ ولكن الأمر له علاقة بسلسلة الجرائم التي تحدث هنا .

التفت سالم ناحيته وقال :
_ لقد حذرت والدي أكثر من مرة أن يغادر هذا المكان ويتركه، أو أن يأتي و يجلس معي في بيتي مع أسرتي .

سقطت دمعة من عينه وأردف قائلا :
_ لكنه كان يرفض و يصر على البقاء ببيته .

ثم وكأن تروس عقله عملت مجددا، فتوقف مكانه وسأل يزن بفضول :
_ وكيف ربطت أمر هجوم الكلب على أبي، بسلسلة الجرائم تلك ؟

رفع يزن الكيس البلاستيكي الموضع به الورقة الصفراء الخاصة بهذا القاتل وقال :
_ لقد وجدنا تلك الورقة الخاصة بالقاتل هنا في البيت .

حاول سالم أن يأخذها، ولكن يزن كان أسرع وأخفاها خلف ظهره و هو يطالعه بلوم ..

ثم تابع بهدوء :
_ نعم إنها كانت في مكان منزوي، ولكننا وجدناها ونعرف أنه السبب وراء ما حدث، خاصة وأن بيلي لا يمكنه إيذاء أي شخص .

هز سالم رأسه نافيا وقال :
_ لا، لا أعتقد أن لهذا الشخص أي دخل، إنه هذا الكلب الحقير الذي سأقتله حالا بطلقة في رأسه؛ كي تبرد ناري .

قال له يزن بتعقل :
_ من فضلك اهدأ و فكر بعقلك ولو قليلا، بيلي لا يستطيع فعل ذلك أنا متأكد أن هناك شيء ما حدث .

اقترب وسام منهما وقال :
_ لا يوجد أي شيء جنائي على الجثة، التقرير المبدئي أن الكلب انقض عليه وقتله بتلك الطريقة، هل هذا الكلب سبق له أن هاجم أي شخص ؟

قال له يزن بسرعة :
_ لا، إنه ودود للغاية و الجميع يحبه، وليس بإمكانه أن يؤذي أحد، لذلك أنا أشعر بالغرابة !

قال له وسام بتسليم :
_ حسنا سنأخذه عندنا وسأخضعه للتحاليل، ربما حُقن بأي شيء جعله مسعورا بهذا الشكل .

أكد يزن على حديثه قائلا :
_ و أنا أيضا أشعر بذلك، ولكن إن لم يكن قد حقن، فما الذي يدفعه لقتل صاحب عمره ؟!

حرك وسام كتفيه وقال :
_ لا أعرف، سنجري له بعض الفحوصات لنتأكد .

لاحظ يزن تقدم خالد منه فقال له :
_ ماذا حدث ؟ هل وجدت شيء ؟

اقترب خالد منهم وقال له :
_ هناك اتصال حدث في وقت حدوث الجريمة، أو وقت هجوم الكلب على القتيل، ولكن لأن الجهاز به آلة الرد الإلكتروني؛ فصوت المتصل يظهر أمام الجميع .

سأله يزن بتعجب :
_ و ما الجديد ؟ ربما شخصا ما أراد التواصل مع القتيل .

هز خالد رأسه وقال :
_ لا، هذا الشخص تواصل مع الكلب بيلي شخصيا .

تطلع به الجميع بصدمة، بينما قال له سالم :
_ ماذا تقصد ؟ ثم هل هناك شخص سيهاتف بيلي ؟! هل انت تعقل ما تقوله ؟

تغاضى خالد عن انفعاله وقال مخاطبا يزن :
_ إن التسجيل الصوتي به صوت إلكتروني، وليس صوت شخص، وهذا الصوت يقول هيا بيلي هيا .

تطلعوا ببعضهم ، فتابع خالد قائلا :
_ و كان ذلك نفس التوقيت الذي حدده وسام لقتل الطبيب حسان .

حك يزن مقدمة رأسه وقال :
_ هل تقصد أن القاتل قد هاتف بيلي وطلب منه أن يقتل صاحب عمره والكلب نفذ أوامره بمنتهى السهولة !

قال له خالد بعملية :
_ أنا لا أعرف، لقد نقلت لك ما وجدت في الهاتف وفقط .

سأله يزن مجددا :
_ وهل هناك اتصالات من ذلك النوع على الهاتف كثيرا ؟

قال له خالد وهو يعتدل في وقفته :
_ سنفحص الهاتف وسنرى، ولكن المكالمات الاخيرة كلها لا يوجد بها هذا الصوت .

خرج وسام عن صمته وقال :
_ ما تقوله كي يصبح منطقيا معناه أن الكلب قد تدرب على تلك الجملة كثيرا، و أن القاتل دربه عندما يقول له تلك الجملة أن يهجم بيلي على أي شخص أمامه .

ثم نزع قفازاته وقال :
_ وفي تلك الحالة كان أمامه القتيل، لذلك هجم عليه وقتله .

قال سالم بنفاذ صبر :
_ و لكن بيلي أبي يتبناه منذ طفولته، والكلب متعلق به بشكل كبير، فكيف سيقتله بتلك الطريقة التي تقولون أنها وحشية .

أسرع وسام وقال :
_ لا اعرف أنا أحاول أن أضع الأمر في نطاق منطقي فقط .

تنهد سالم مطولا ثم قال بحزن :
_ هل بإمكاني رؤية أبي ؟

أجابه يزن بإشفاق :
_ لا أنصحك، ولكن إن أردت لك هذا .

جلس سالم على أقرب أريكة وقال :
_ و أين حدثت الجريمة ؟

اجابه يزن :
_ في الحديقة الخلفية، وقد رآه أحد الجيران بعدما وصله صوت صراخ والدك، وهو من اتصل بالشرطة .

ثم رفع ورقة القاتل وتابع قائلا :
_ و عندما جاء زميلي خالد إلى هنا، وجد تلك الورقة الخاصة بذلك القاتل، لذلك لا نعرف هل هي مصادفة أم أنه بالفعل من فعل ذلك .

قال له خالد بتعقل :
_ إن كانت تلك مصادفة، فما علاقة تلك المكالمة بما حدث ؟ لا اعتقد أن الأمر هنا مجرد مصادفة كما تقول .

رفع يزن راسه و قال بنفاذ صبر و بصوت خفيض :
_ أين أنت يا معز، أنا احتاجك كثيرا معي الآن .


صعدت يارا درج بيتها وهي تصفر بسعادة، حتى وقفت أمام باب الشقة، تطالعه بإخفاق، وتذكرت والدتها و حالتها الغريبة ..

تنهدت و قالت بصوت خفيض :
_ أنا بحالة نفسية جيدو ولا أريد أي شيء أن يعكر صفو مزاجي .

دست مفتاحها بالباب وأدارته، ثم دخلت وأغلقت الباب خلفها وتوجهت ناحية المطبخ ..

لم تجد أي طعام، أسرعت و دخلت غرفة والدتها وقالت بضيق :
_ أمي الأمر زاد عن حده، أنا لا أعرف ما سبب انعزالك هذا .

لم تجيبها هالة، فأسرعت يارا قائلة بضيق :
_ إذا كنت تظنين أنني أذيت شخص بمقالاتي، فهذا الشخص قد سامحني .

جلست هالة على الفراش وقالت لها بذعر :
_ أي شخص تقصدين ؟!

دخلت يارا إلى الغرفة وقالت :
_ السيد تميم لقد سامحني ولقد أعددت له القهوة ببيته وراقت له كثيرا، وجلست معه قليلا وعدت إلى البيت .

حاولت هالة أن تستجمع قواها وقالت لها :
_ وكيف ذهبتِ إليه من الأساس ؟

اجابتها يارا ببديهية :
_ إنه عم الضابط المسئول عن التحقيق بالقضية واسمه يزن .

ثم تلفتت يارا حولها وقالت بضيق :
_ امي البيت اصبح متسخ للغاية ولا يوجد أي طعام في المطبخ، و أنا جائعة للغاية .

ثم تحسست معدتها وقالت :
_ و عندما أكل من الطعام المعد خارج البيت معدتي تؤلمني، هلا اهتممت بي قليلا من فضلك .

سألتها هالة بصدمة :
_ هل تعرفين يزن ؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي