الفصل الحادي عشر سبق صحفي

(١١)



"سبق صحفي"




ثم صمت لبرهة وقال :
_ ولكن الغريب أن الجميع قد أكل من الكعك وهي مسممة وسم شديد الخطورة لمادة تستخدم في صبغات الشعر.

ابتسم يزن بسخرية وقال له :
_ ولما لم يصيبهم السم بالموت؟ وقد اصاب سعيد فقط ؟!

عاد وسام بظهره إلى ظهر كرسيه وقال :
_ لأن الشاي كان به مضاد للسم، ولأن القاتل يعرف جيدا أن هذا الرجل لا يحتسي الشيء .

ثم ابتسم بانتصار وأردف :
_ لذلك قد أخذ الأربع رجال مضاد السم، بينما لم يتناوله القتيل، لذلك مات .

تطلع معز بيزن ثم عاد إلى وسام وقال :
_ بماذا تهذي ؟! هذا معناه أن الخادم هو القاتل !

حرك وسام كتفيه وقال :
_ ربما، ولكن السم قد وضع في الكعك قبل إحضاره بفترة كافية، وقد اتضح ذلك من تفاعل السم البطيء في المعدة .

كان معز سيسأله ولكنه أسرع وأجاب :
_ لأنه قد اختلط بدهون كريمة الزبدة المحشوة منها الكعكة، لذلك الخادم ليس له شأن .

تطلع وسام بيزن وتابع قائلا :
_ من المؤكد أن عمك هو المتهم الرئيسي أمامنا يا يزن .

اغمض يزن عينيه وقال :
_ الأمر يبدو غير مفهوم، من فضلك رتب لي الأحداث بدقة أكبر .

استند وسام بذراعيه على مكتبه وقال :
_ "لقد وضع السم في الكعك، وقد أخذ عمك الكعكة وذهب بها إلى بيت سعيد، والذي لم يكن يعرف أنه سيدعوهم من الأساس ..

لذلك لم يكن امام عمك الوقت الكافي لتسميم الكعكة أو التخطيط لذلك، ولكن هذا ما حدث، كيف ؟ أنا لا أعرف هذه مهمتكم..

بعدما قُدم الكعك لهم عن طريق الخادم، وضع في الشاي مضل مضاد لهذا السم، لا أعرف هل هو من الخادم أم من القاتل أم من عمك نفسه ..

هذا وإن كان هو القاتل، ولكن هذا ما حدث، احتسى الأربع رجال الشاي؛ فتوقف عمل السم بجسدهم، ولكن القتيل لم يحتسى الشاي لذلك تسمم " .

قاطعه معز وقال :
_ وعلبة السجائر !

فكر وسام قليلا واجابه قائلا :
_ نفس الشيء، لقد تسلل السم عن طريق الورقة الصفراء إلى اللفائف .

ثم تطلع بيزن بإشفاق وتابع :
_ من المؤكد أن من كان يمسك هذه الورقة الصفراء، قد لامس العلبة لذلك انتقل السم اليها وإلى يد عمك يا يزن أيضا .

ابتسم وسام وهو يطالع حيرتهما ثم قال :
_ الغريب أن جثة القتيل لم يكن على يدها أي سم، وهذا معناه أن السجائر لم تكن هي أداة القتل.

ثم عاد وتطلع بيزن وقال :
_ وأنها تلوثت بالسم من يد عمك يا يزن، وربما هو من وضع الورقة الصفراء بالعلبة أيضا.

صرخ يزن قائلا بحدة قاطعة :
_ لا، هذا ليس صحيح، عمي قعيد لا يتحرك؛ فكيف بإمكانه قتل كل هؤلاء والتمثيل بجثث البعض منهم أيضا.

وقف وقال بهيستيرية :
_ هناك خطا ما، أو أننا ننساك إلى مخطط شديد الذكاء.

اجابه وسام بعملية :
_ هذا ما وجدناه وأنتم وتحرياتكم هي ما ستثبت إن كان عمك هو القاتل فعلا أم أنه بريء.

ثم قال بحذر من ردة فعله :
_ التقرير سيكون أمامك خلال ساعتين من الآن؛ لتتمكن من إصدار أمر بالقبض عليه إن كنت تعتقد أنه هو.

سار يزن في الغرفة بدون هدى، ثم خرج مسرعا منها ومعز يركض وراءه وهو يقول :
_ يزن انتظر يجب أن نفكر جيدا فيما يحدث.

التفت يزن إليه وقال بحدة :
_ فيما أفكر؟! في طريقة للقبض على عمي، وأنا أعرف جيدا أنه بريء من هذه التهمة.

تمسك معز بذراعيه وقال :
_ انفعالك هذا سيزيد الأمر سوءا، نحن نحتاج الى كل ذرة من عقلنا؛ كي نستطيع كشف هذا المخطط.

لاحظ لينه وهدوءه فتابع براحة :
_ من فضلك اهدأ.

هدأ يزن قليلا وقال :
_ حسنا، أنا أريد أن أبقى بمفردي بعض الوقت، وسأتبعك إلى مركز الشرطة.

أومأ معز برأسه وقال بتفهم :
_ معك حق، سأنتظرك هناك وسأخبر اللواء بكل المستجدات الجديدة.

تركه يزن وخرج وهو لا يعرف إلى أين يذهب؟ أو ماذا يفعل؟! صعد سيارته وسار بها بلا هدى ولا وجهة..

ودون أن يشعر وجد نفسه أمام قبر والده، هذا المكان الوحيد الذي يعيده إلى براءته وطفولته، ولذكريات كثيرة ولت..


في نهاية اليوم وقف معز أمام بيت يزن، ضغط زر الجرس؛ ففتحت له عزيزة التي ابتسمت بود..

ثم قالت :
_ اهلا بك يا معز، تفضل يا حبيبي.

ثم تطلعت خلفه لكل رجال الشرطة الذين يطالعونها بعملية، فعادت إليه وقالت بقلق :
_ ماذا هناك؟! هل قُتل شخص آخر بالمكان؟!

اسرع معز وقال لها :
_ لا، أين هو سيادة اللواء تميم؟!

أشارت إلى الداخل وقالت بتلعثم :
_ إنه في الحديقة الخلفية، بجلس على المسبح، هل تريد أن أخبره انك هنا.

اومأ معز برأسه وقال :
_ نعم أخبريه أنني أريد رؤيته، أعتقد أنه ينتظرني.

دخلت مهرولة لتجد تميم يندفع بكرسيه من الخارج إلى داخل البيت ويقول:
_ ماذا هناك؟!

قالت له بتلعثم :
_ إن معز صديق يزن يريد أن يقابلك، ولكنه ليس بمفرده معه الكثير من رجال الشرطة.

ابتسم تمام وقال بتفهم :
_ وأنا مستعد، من فضلك أحضري لي سترتي من الداخل.

دخلت إلى الغرفة وأخرجت هاتفها من جيب عباءتها واتصلت بيزن الذي أجابها قائلا :
_ نعم يا خالة.

قالت له بذعر :
_ لقد أتت الشرطة للقبض على عمك، هل أنت على علم بهذا الأمر؟! ا

أجابها يزن بصوت حزين :
_ نعم أعرف، وأنا من أرسلتهم، لا تقلقي مجرد تحقيق وسيعود معي إلى البيت، ولن أعود إلى البيت من دونه.

تنهدت بأسى وقالت :
_ حسنا، سأبقى على اتصال معك، عندما اهاتفك من فضلك اجبني.

اغلقت الهاتف وفتحت الخزانة وأخرجت منها السترة، وناولت تميم إياها، بينما حرك هو كرسي ناحية باب البيت..

ووقف أمام معز وقال بثبات وثقة :
_ أنا جاهز.

انتبهوا جميعا على موسيقى صاخبة تأتي من بيت ملك، فقالت عزيزة بغضب:
_ هذه الحمقاء عديمة التقدير، منذ نصف ساعة وهي على هذا الحال من الاغاني.

امتعض وجه معز وقال :
_ لا اعتبار لأن جارها قد توفي بالأمس؟!

توقفت الموسيقى فقال معز :
_ وكأنها سمعتنا.

أعاد تميم هاتفه في جيبه وقال بسخرية :
_ صديقك لا يجيب اتصالي.

حك معز ذقنه بيده وقال :
_ قدر موقفه، إنه بحالة نفسية سيئة، هيا بنا.

أشار لهم معز بيده، وساعده في الهبوط من مكانه المخصص، وحمله بعض رجال الشرطة ووضعوه في السيارة..

تحرك معز به إلى مركز الشرطة، فاقترب سعد سائقه الخاص من عزيزة وقال :
_ إلا أين يأخذون سيادة اللواء؟!

_ لا أعرف.

تركته ودلفت للبيت وهر تواري دمعاتها حزنا على ما يحدث مع تميم، والتي لولا مساعداته لها لما أمنت حياة هادئة لابنتها ولها
..

كانت يارا تحاول بكل الطرق الوصول إلى يزن، ولكن دون فائدة، فبقيت واقفة أمام مركز الشرطة..

حتى وجدت معز يقف بسيارته، ويترجل منها هو ورجاله، ووجدته يساعد تميم والذي قد رأته مسبقا أثناء التحقيقات في بيت سعيد..

مالت على حسام وقالت بهمس خافت :
_ التقط الصور فورا، ولكن لا تجعل أحد يشعر بك.

وبالفعل التقط حسام الكثير من الصور إلى تميم، الذي دلف معهم إلى المركز..

بينما تطلعت يارا بحسام وقالت :
_ أعتقد أن هذه الصور ستفيدنا كثيرا، إن كان هو القاتل؛ فسيكون سبق صحفي.

ثم لمغت عيناها بانتشاء وقالت :
_ وهذا السبق سيضعنا على طريق نجاح لم نكن نتوقعه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي