الفصل الثالث عشر نجاح بطعم الخسارة

(١٣)



"نجاح بطعم الخسارة"




انتبهت عزيزة على أصوات سيارات الشرطة؛ ففتحت باب البيت وخرجت مسرعة..

وجدت معز ورفاقه يترجلون من سيارتهم؛ فاقتربت من معز وقالت وهي ترتعد :
_ ها هو البيت الذي اقصده .

ثم ناولته القطة وهي تقول :
_ وها هي القطة، أنا احتفظت بها هنا، أترى آثار تلك الدماء عليها، ولم أجد بها أي جرح سببه هذا النزيف .

أومأ معز برأسه متفهما وأشار إلى رجاله ان يطوقون البيت، وينتشروا تحت أنظار جميع الجيران المذعورة ..

سألها معز بعملية جادة :
_ خالتي، هل رأيت أي شخص يدخل أو يخرج إلى البيت اليوم ؟

قالت وهي تفرك كفيها ببعضيهما بتوتر :
_ لا لم أرى أي أحد قد زارها اليوم .

عاد وسألها بفضول :
_ ومتى آخر مره شعرت بها أو رأيتها اليوم ؟

اجابته ببديهية وببعض الهدوء :
_ عندما كنت أنت هنا، وأخذت معك سيادة اللواء، حينها كانت الموسيقى الصاخبة تندفع من بيتها كما كنت ترى .

ثم لوت فمها وقالت بضيق :
_ ويبدو أنها استمعت إلى حديثنا؛ فأغلقتها من فورها، وكأنها انتبهت لأننا نحيا وسط الكثير من الجنازات لأموات .

أومأ معز برأسه بتفهم وتقدم ناحية البيت، وأخذ يطرق الباب بقوة، ولكن لا اجابة قد أتته ..

التفت ناحية عزيزة وسألها بتعجب :
_ هل يعيش معها أحد بهذا البيت ؟

امتعض وجه عزيزة وقالت بنفور :
_ لا، لأنها غير معروفة الأهل والفصل .
_ ولا حتى خادم أو خادمة ؟!

زفرت بضيق وقالت :
_ أيضا لا، ولكن الذين يدخلون أكثر من الذين يخرجون، وكلهم رجال أغراب لا نعرفهم .

تركها معز والتف حول البيت، وجد باب المطبخ مفتوح كما قالت، فدخل منه وتجول به قليلا ..

ثم دخل إلى بهو البيت الواسع، والذي تناثرت فيه قطرات الدماء التي خلفتها القطة عند حركتها وفرارها ..

تتبع هذه الآثار، حتى وجد ملك ملقاة على الأرض مقتولة ودمائها تحيطها وتبدو معذبة وملابسها ممزقة ..

حاوطه رجالة يطالعون القتيلة بصدمة، بينما انتشروا بكامل البيت يبحثون عن أحد به ..

أخرج معز الهاتف من جيب بنطاله ووضعه على أذنه وهو يطالعها بنظرات مشدوهة ومصدومة ..

صمت قليلا ثم أجاب هاتفه قائلا بنبرة عميقة :
_ يزن، كما توقعنا، لقد قتلت السيدة ملك في بيتها، ويبدو أن عمك بريء .

سحب نفسا طويلا وهو يقترب من الجثة ويحمل تلك الورقة الصفراء التي يتركها "السيكوباتي" بجملته المشهورة ..

(قد تروني قاتل أو سفاح، ولكن هذا عدل السيكوباتي)

طبق الورقة بيده وقال بهدوء مصطنع :
_ أعتقد أن هذه القضية ستبرئه مما هو فيه، وإلا كيف قتلها وهو كان معنا ؟! لا تتأخر علي .

كانت ابتسامته واسعة وكبيرة، وكأنه يشعر بسعادة العالم كله في قلبه، رغم أن بالجهة المقابلة ينتظره جثة أحدهم ..

ولكنه تقدم ناحية المتحري وقال بتلهف :
_ سيدي، لقد قتلت ضحية أخرى في "الكومباوند" عندنا، ويبدو أنها قتلت منذ قليل .

انتبه الجميع لما يقوله بصدمة، بينما تابع يزن قائلا :
_ و عمي تميم عندكم منذ الصباح، لذلك أعتقد أننا نترك القاتل الحقيقي يكمل مخططه ونحقق مع الشخص البريء .

تمسك تميم بكف يده وقال باندهاش :
_ هل قُتلت ملك ؟! كيف حدث هذا لقد كانت على قيد الحياة عند خروجنا جميعنا من البيت .

التفت تميم ناحية المحرر وقال :
_ لقد استمعنا إلى الموسيقى التي كانت تديرها، والتي أوقفتها مع صوت سيارات الشرطة .

عاد ليزن قائلا بصدمة :
_ إذا كيف حدث ذلك ؟

حرك يزن كتفيه بتسليم وقال :
_ هذا ما حدث، لقد قتلت وسأنتقل من فوري إلى هناك وسأخبر وسام أن يتبعني لرفع البصمات والأدلة .

وقف المتحري وقال بعملية قاسية :
_ حتى ولو معك حق، سيبقى عمك هنا حتى نستطيع ربط الأحداث ببعضها .

رفع يزن عينيه بملل وقال بانفعال :
_ لماذا ؟ القاتل طليق ونحن هنا نحقق مع شخص بريء بأنه هو، أين العدل ؟

انتبهوا على طرقات بباب الغرفة، تلاها دخول زميله في العمل مراد الذي قال :
_ يزن هناك أمر ما حدث .

سأله يزن بفضول مختلط بالترقب الحذر :
_ ماذا هناك أيضا ؟

دخل مراد وسار خطوتين ناحيته ثم رفع الهاتف أمام وجهه وقال :
_ تطلع لهذا المقال .

أخذ يزن الهاتف وقد اتسعت عينيه و هو يقبض كفه إلا أن ابيضت مفاصله ..

بينما تابع مراد قائلا :
_ الصحفية التي ترعاها نشرت صور عمك في جريدتها على أنه القاتل، والصور تنتشر كالنار في الهشيم .

اتسعت عينيه أكثر وقال من بين اسنانه بشراسه :
_ تلك المرة أنا لن أرحمها، ولن يغفر لها أي شيء .

ثم التفت إلى عمه الحزين وقال :
_ أنا اعتذر منك، لم استطع حمايتك بالقدر الكافي، من فضلك سامحني .

مرر تميم كفه على وجهه وقال بخزي :
_ كيف سأقابل الناس، وكيف سأعود إلى عملي في الجمعية، ودار الأيتام ماذا ساقول للاطفال ؟

رفع وجهه ناحية يزن وقال بتيه :
_ كيف سأخبرهم أنني بريء، وأنني مظلوم، وهل سيصدقني أحد من الأساس ؟

صك يزن على أسنانه وقال بشراسة :
_ لا تقلق، سيخرج اعتذار في جميع الجرائد والمواقع التي نشرت الخبر، وسأقاضي تلك الصحفية .

ثم شعر بوخزة في قلبه وهو يقول :
_ حتى لو لزم الأمر بأن اضعها في السجن .


كان الجميع يتطلع إلى صور تميم التي انتشرت بتعجب ! كيف لهذا الرجل الذي يقضي سنوات عمره في مساعدة الفقراء والمساكين أن يكون قاتل و سفاح ..

و لا يوجد بقلبه ذرة رحمة، تفاوتت نظرات التعجب والصدمة بين الكل، إلا هي التي تطلعت للصورة بذعر ..

لطمت على صدرها وقالت بفزع :
_ ماذا فعلتِ يا يارا ؟ إلي هذا الحد وصل جنونك .

اسرعت وارتدت ملابسها وخرجت مهرولة من البيت تتعثر في طرف عباءتها الطويل، بينما كان يزن يقود السيارة وهو يضرب مقوده بيده ..

أغمض عينيه للحظات هو يقول :
_ لن ارحمك هذه المرة يا يارا، ستدفعين الثمن غاليا وسيدفعه قلبي معك .

كانت يارا تجلس على مكتبها وتتصفح مواقع الإنترنت التي نقلت الخبر عنها، وهي تبتسم بسعادة وفرحة ..

حتى وجدت أمنية تدخل عليها الغرفة وتقول بملامح باهتة :
_ ما هذه الابتسامة العريضة التي على وجهك ؟

تجاهلتها يارا فتابعت بضيق :
_ أنت لم تكتشفي شيء، لقد قبضت عليه الشرطة وأنت نقلت الخبر و فقط .

وضعت يارا سوقا فوق الأخرى وقالت لها بغرور :
_ هذا ليس شأنك، أعرف أنك تموتين من الغيظ بداخلك، لأن جميع المواقع تتحدث عني .

جلست أمنية على مكتبها وهي تبتسم بسخرية وقالت :
_ ما فعلته أنتِ جنون، ما زلت مبتدئة للأسف، وأنا أبشرك بأنك ستمرين اليوم بأسوء يوم في حياتك .

تطلعت يارا أمامها وقالت بهدوء :
_ هذا في أحلامك فقط يا خبيرة أنتِ .

انتبها على دخول الساعي وهو يقول :
_ آنسة يارا، هناك سيدة ما تنتظرك في الخارج .

ضيقت يارا ما بين عينيها وقالت بتعجب :
_ سيدة ! من تكون يا ترى ؟ ألم تخبرك باسمها على الأقل ؟

هز رأسه نافيا وقال :
_ لا لم تخبرني بشيء، ولكنها طلبت مقابلتك شخصيا و بسرعة .

وقفت يارا وسارت ناحيته وهي تقول :
_ حسنا سآتي معك، أرني أين هي تلك السيدة الغريبة .

وبالفعل خرجت معه وسارت بالرواق الطويل، حتى اكتشفت بنهايته أن من تسأل عنها هي هالة ..

اقتربت منها بفرحة وهي تقول :
_ أمي أنت هنا ! كيف خرجتِ من البيت ؟ وكيف عرفتِ الطريق إلى هنا ؟

تمسكت هالة بذراعيها وقالت بغضب :
_ ما الذي تفعلينه أيتها المجنونة ؟!

سألتها يارا بقلق :
_ ماذا هناك ؟ ولماذا أتيتِ إلى هنا ؟ هل الأمر هم لهذه الدرجة ؟!

اجابتها هالة وهي تتطلع حولها بخوف :
_ يجب أن تعودي معي إلى البيت حالا، بل يجب أن نترك البيت بأكمله ونغادر .

وضعت يارا كفيها حول وجه أمها وقالت :
_ إهدأي يا أمي، أريدك أن تخبريني ما الأمر ؟ أعرف أن حالتك الصحية لا تتحمل هذا الذعر الذي أراه في عينيك .

هدأت هالة قليلا وقالت :
_ هل تعرفين من هو الشخص الذي نشرت صورته على إنه القاتل يا يارا ؟

ابتعدت يارا خطوه للخلف وقالت لها بتعجب :
_ وهل تعرفينه أنتِ ؟

صمتت هاله لدقيقة ثم قالت لها :
_ نعم أعرفه، إنه لواء سابق بالشرطة، ورجل معروف للغاية والجميع يشهد له بالصلاح .

ثم ابتلعت ريقها وتابعت بتوتر :
_ وأنت تضعين نفسك في موقف ستدفعين ثمنه غاليا .

ابتسمت يارا بسخرية واجابتها بهدوء :
_ لا تقلقي، أنا أعرف أنه القاتل ومتأكدة من ذلك .

جلست هالة على أقرب مقعد وقالت على مضض :
_ كيف عرفت أنه القاتل ؟ وفرضا أنه هو هل تعرفين ماذا سيفعل بك ؟

طالعتها يارا بقلق فتابعت بوهن :
_ سيقتلك، لن يتركك تحيي دقيقة واحدة آخرى على وجه الأرض وسيحرق قلبي عليكِ .

جلست يارا إلى جوارها وقالت بهدوء :
_ لا تقلقي من شيء، لقد تم القبض عليه فكيف سيؤذيني ؟!

مررت هالة كفها على وجهها تمسح حبات العرق التي تجمعت وقالت :
_ يارا لم يعد لدي في هذه الدنيا سواكِ أنتِ، لماذا لا تقدرين خوفي و قلقي عليكِ .

همت يارا لترد عليها ولكنها تابعت :
_ اتركي هذا العمل، وسأفتح لك مشروعا، بنقود والدك وبالنقود التي تركها لي أنا لا أريدها، ولكن اتركي هذا العمل من فضلك .

تمسكت يارا بكفيها وقالت بحنو :
_ أمي إهدئي أنا بخير، ولن أدع شيئا يمسني أو يمسك .

ثم سحبت نفسا طويلا وقالت :
_ وإن كان كما تقولين حياتي في خطر، فالأعمار بيد الله .

وقفت هالة وهي تقول بيأس :
_ أنتِ لا تعرفين إلى أي هاوية تلقين بها نفسك، أنا سأعود إلى البيت، ولكن يجب ان تعرفي شيئا واحد .

رفعت سبابتها بوجهها وقالت :
_ أنا لست موافقة على عملك هذا، ولا على ما تفعليه كله، ولن أتحدث معك مرة أخرى .

تهدل وجه يارا بحزن فتابعت هالة :
_ إلا إذا تركتي كل هذا وعدتي إلى رشدك وتعقلك يا ابنتي .

تركتها والتفت مغادرة فصاحت فيها يارا :
_ أمي انتظري من فضلك يجب أن نتناقش .

ولكن هالة لم تكن ترى أمامها، كانت تندفع بقوة وعقلها يأخذها إلى آلاف المناطق المظلمة ..

حتى اصطدمت بشخص دون أن تدري؛ فرفعت وجهها ناحيته وقالت :
_ أنا آسفة، لم أراك يا … .

بترت كلماتها وهي تتطلع بيزن الذي قال لها :
_ لا تقلقي، أنا من اصطدمت بك، وأنا من سيعتذر، عذرا منك سيدتي .

رفعت هالة طرف حجابها على وجهها وسارت مبتعد عنه وهي تقول :
_ حماك الله يا ابني .

بعد أن ابتعدت، توقف يزن مكانه ثم التفت ناحيتها يطالعها بتعجب وهو يعصر عقله ويقول :
_ أين رأيت تلك السيدة .

ضيق عينيه وقال :
_ أشعر أنني أعرفها، بل والتقيت بها، ولكن ملامحها قد تغيرت مع مرور الزمن .

ثم عاد ودخل إلى الجريدة وهو يقول بحيرة :
_ من هذه السيدة ؟! ولماذا يدق قلبي بهذا الشكل ؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي