الفصل السابع والعشرون الفخ

(٢٧)


"الفخ"



لم يستطع النوم طوال الليل، وكان عمه لا يفارق باب غرفته ويطمئن عليه طول الوقت ..

استيقظ يزن وهو يشعر بألم في جسده وخمول رهيب، ولكنه تحامل على نفسه وخرج من البيت ..

وهو بالطريق حمل هاتفه وهاتف يارا التي اجابته قائلة :
_ صباح الخير .

اجابها يزن بهدوء :
_ صباح الخير، يارا هل بإمكاننا أن نلتقي الآن ؟

صمتت لبرهة ثم قالت له :
_ أنا الآن في الجريدة، ولكن أستطيع أن أغادر لمدة ساعة واحدة فقط لا أكثر، هل هذا الوقت يناسبك ؟

اجابها يزن بابتسامة واسعة :
_ نعم يناسبني جدا .

أجابته قائلة :
_ إذا سألتقيك في نفس المكان الذي كنا به آخر مرة .

أسرع يزن قائلا :
_ بالطبع اذهبي إلى هناك وأنا سألحق بك، أراكِ قريبا .

أغلق الهاتف وهو يشعر بسعادة، زاد من سرعة سيارته متوجها إليها بتلهف، كان يصعد الدرج وبداخله شعوران متناقضان ..

ما بين الفرحة والحزن، النصر والهزيمة، الرغبة والرفض، ولكنه بالنهاية وجد نفسه أمام باب البيت ..

طرق الباب وانتظر دقيقتين لم يفتح له أحد، عاد وطرق الباب ليأتيه صوت من خلفه يقول :
_ من الطارق ؟

خشي أن تسمع صوته فتهرب منه، غير من نبرة صوته وقال:
_ أنا موظف شركة الغاز، أريد رؤية العداد من فضلك .

انتظرت بعض الوقت وفتحت له الباب وهي تقول :
_ تفضل العداد خلف الباب مباشرة .

دخل يزن إلى داخل البيت ونبضات قلبه تتسارع، ما أن دخل حتى وجدها شقة عادية متوسطة نظيفة..

تفوح منها رائحة المسك الأبيض، والذي كانت لا تفارق أنفه وهو في حضن والدته ..

اغلق الباب خلفه ووقف ينتظر ظهورها، وعندما لاحظت هي طول وقفته قالت :
_ هل انتهيت ؟

تنهد يزن وقال :
_ أنا يزن، وأريد أن أتحدث معك بعض الوقت، إذا سمحت لي .

وصله صوت شهقة خفيفة من هالة وهي تقف خلف الستار يحجبها عنه، بينما عاد هو وقال :
_ لن أخذ من وقتك كثيرا، فقط بضع دقائق .

خرج صوتها متحشرجا وهي تقول :
_ من فضلك غادر الآن .

اقترب من الستار وقال :
_ من فضلك فقط بضع دقائق، ألا أستحقها ؟

صرخت به قائلة بحدة :
_ قلت لك غادر الآن، ولا تخبر أحد أنك أتيت لي، أو إنك تعرف من أنا من الأساس .

حاولت استجماع قوتها وقالت :
_ لقد رميتك ولا أريدك، فلتفهم ذلك جيدا .

رفع يزن حاجبيه بصدمة وقال :
_ هل تعي ما تقوليه ؟

أجابته قائلة :
_ نعم ولا أريد أن أراك مجددا، امسحني من حياتك بأكملها ولا تخبر أحد بمكاني .


استندت على الحائط خلفها وقالت :
_ عش حياتك كما تريد، أنا ميتة بالنسبة لك وسأظل كذلك، من فضلك غادر الآن .

لم يشعر بنفسه وهو يحمل تلك المزهرية الموضوعة على الطاولة وقذفها في الأرض وقال بغضب :

_ انا لم أتي الى هنا لأتسول حنانك او لأخذ شيئا لا استحقه، أعرف جيدا انك لا تستحقين ان تكوني أما لي .

ثم مرر كفه على وجهه وقال :
_ ولكن جئت إلى هنا لأتأكد من قلبك الصخري وانعدام المشاعر لديك .

ثم تطلع لصورة يارا التي أمامه وقال :
_ نعم سأتركك ولن اعرفك مجددا، ولكن لن أترك أختي، فهي تخصني، يجب ان تعرفين ذلك جيدا .

قالت له بنبرة متحشرجة :
_ يارا ليست أختك، لقد تزوجت والدها بعد وفاة أمها، أنا مجرد زوجة أبيها، وأنا من ربيتها .

ضحك ضحكة عالية وقال :
_ أشعر أنني أقف بجوار مثال للرحمة والتعاطف، استطعت ان تربي فتاة يتيمة أمها توفت .

ثم حرك ذراعيه بهيستيرية وقال :
_ ولكن بمنتهى السهولة القيتِ بي بكامل ذراعك، وكأنني لم أكن في بطنك تسعة شهور وأخذتني في حضنك أربع سنوات .

قالت له بجمود :
_ هل انتهيت فلتغادر ولتمحي اسمي واسم بنتي من حياتك الى الأبد، أنا لا أريد أن أراك، أنا أكرهك هل تسمعني ؟

ضرب الباب الذي بجواره وهو يقول بصراخ :
_ بل انا الذي يكرهك، ولن أتركك، سأنتقم منك اشد انتقام، يا هالة .

ثم فتح باب الشقة وخرج مسرعا وهو يركض على الدرج، ولأول مرة منذ سنوات تسقط دموعه رغما عنه ..

بطء من سرعة ركضه وجلس على الدرج وهو يحاول استجماع أنفاسه اللاهثة نتيجة بكاءه الشديد وقال في نفسه :
_ اليوم فقط اصبحت يتيم .


كان حسام يتحرك ببطء وهو يرتدي مئزرا طويلا باللون الاسود، ويضع على رأسه قبعة سوداء كبيرة، ويرتدي نظارة شمسية سوداء ويتلفت حوله بذعر ..

شعر بقبضة على كتفيه من الخلف فقفز مفزوعا وقال :
_ أنا لا شأن لي بما يحدث .

ضحك معز وهو يطالعه من أسفله إلا أعلاه وقال :
_ ما الذي فعلته بنفسك ؟

اقترب منه حسام وقال بهمس :
_ إنني أخفي شخصيتي خلف هذه الملابس؛ كي لا يعرفني القاتل .

كتم معز ضحكته وقال :
_ ولماذا ترتدي كل هذه الملابس ؟ الجو حار للغاية .

أجابه حسام قائلا :
_ نعم أعرف، ولكني أحتمل الحرارة ولا أحتمل القتل .

قال له معز بضيق :
_ و تلك النظارة التي ترتديها لن تجعلك ترى أي شيء، نحن الساعة التاسعة مساء .

خلع حسام النظارة عن عينيه وقال :
_ ها هي النظارة، هل هناك حجة أخرى ؟

اجابه معز قائلا بحرص :
_ لا ولكن كل ما أرجوه منك هو أن تصور البيت من تلك الجهات جميعها بكاميرة الفيديو .

ثم رفع سبابته بوجهه وقال :
_ ويجب أن تختفي تماما، و ألا يلاحظك أي شخص، و آلا تتحرك من مكانك مهما حدث .

تطلع معز حوله بتفكير و قال :
_ فقط التقط أكبر كمية من الصور الفوتوغرافية، ودع الكاميرا في هذا المكان تصور كل شيء مقطع مصور .

أومأ حسام برأسه وقال :
_ لا تقلق لقد أحضرت أحدث الكاميرات الخاصة بي، وستكون الصور على أعلى جودة .

ربت معز على كتفه وقال :
_ اثق بك، هل أخبرت يارا بهذا الشأن .

أجابه حسام و قال :
_ نعم أخبرتها، ولكنها رفضت أن تأتي لأنها لن تخفي عن يزن شيء؛ فقررت عدم المجيد كي لا تصبح جزءا من تلك العملية .

رفع معز عيناه بملل وقال :
_ عملية! أسميتها عملية ؟! عامة ستقف مكانك وتفعل ما قلته بالتفصيل ولا تتحرك مهما حدث .

أدى حسام التحية العسكرية وقال :
_ حسنا يا سيدي لا تقلق .

تحرك معز مبتعدا وقال :
_ خالد هل كل شيء كما طلبته منك .

التفت خالد ناحيته وقال :
_ نعم لا تقلق .

سحب معز نفسا طويلا وحمل هاتفه وضغط زر الاتصال وانتظر لدقيقة كاملة مرت عليه دهر ..

حتى أتاه صوت يزن يقول :
_ ماذا تريد مني أيها البلاء .

اسرع معز قائلا :
_ لماذا تتعامل معي بهذه الطريقة ؟ أنا اطمئن عليك .

قال له يزن بجدية :
_ أنت تعرف أنني في حالة نفسية لا تقوى على مناقشة أي أحد، من فضلك اتركني وشأني .

صمت لبرهة و تابع قائلا :
_ فقط ليوم واحد، أريد أن أبقى في البيت، والا أرى أي شخص .

اجابه معز قائلا بهدوء :
_ وأنا لا أريد أن أراك، فقط سأخبرك بما توصلت إليه أنا و وسام .

سأله يزن بنبرة ثابتة :
_ وما هو الشيء الذي توصلتم إليه ؟

قال له معز بتركيز :
_ أنت كنت أشرت على تحرك جثة ملك، وأشرت أن الطلقة لم تطلق في الاتجاه التي وضعت الجثة به .

كان يزن ينصت فتابع معز قائلا :
_ ونحن بحثنا في الاتجاهين وغفلنا عن شيء هام للغاية .

سأله يزن بفضول :
_ و ما هو هذا الشيء الذي غفلنا عنه نحن ؟

_ أن الطلقة عندما خرجت كان البيت مظلم ونحن رأينا ذلك من الخارج، أي أن القاتل قد أصابها والبيت به إضاءة خافتة .

أسرع يزن قائلا ببديهية :
_ لذلك فإن الطلقة اختفت في مكان لم يستطيع القاتل نفسه، ولم نستطيع نحن العثور عليها، حتى بعد التفتيش الدقيق .

جلس يزن منتصبا وقال :
_ وما هو هذا المكان بعد تخمينكم ؟!

اجابه معز بابتسامة خافتة :
_ الأريكة، كان إلى جوارها أريكة ممتلئة بالوسائد، وهذه الاريكة باللون الأسود .

ضيق يزن عينيه وقال :
_ و إن اخترقت الطلقة تلك الأريكة لن تظهر، إلا بعد تفتيش دقيق للغاية، ونحن عندما بحثنا لم ندقق لأنها كانت عكس إتجاه الجثة .

تابع معز قائلا :
_ إذا فالطلقة تستقر في الأريكة، ونحن سنتحرك بعد ساعة إلى بيت ملك، بعد أخذ الإذن بالدخول إليه مرة أخرى .

قال له يزن بعملية :
_ بالطبع لأنه قد وضع عليه الشمع الأحمر، وسنجدها إن شاء الله .

أنزل يزن ساقيه عن الفراش وقال بعزم :
_ سأنتظرك بالأسفل، عندما تدخل إلى "الكومباوند" فقط هاتفني .

ابتسم معز بانتصار وقال :
_ بالطبع سأهاتفك، والآن أمامنا ساعة كي نأخذ التصريح، الى اللقاء يا صديقي .

أغلق يزن الهاتف ووقف مسرعا وارتدى سترته وهبط الدرج مسرعا وقد نسي ما فعلته به أمه ..

لاحظه عمه فسأله بفضول :
_ ماذا هناك لماذا تبدو متوترا .

قال له يزن بفرحة :
_ لقد اكتشف معز و وسام مكان الطلقة التي قتلت بها ملك وينتظرون الإذن بدخول البيت .

عدل من هندامه وتابع قائلا :
_ وبعد ساعة سيأتون إلى هنا وسنجدها وسنوقع بهذا القاتل أخيرا و سيكون عبرة لمن يعتبر .

قال له تميم بابتسامة خافتة :
_ الحمد لله، هل ستذهب أم ستنتظرهم ؟

قال له يزن ببديهية :
_ لا بالطبع سأنتظر هنا، فأنا لا حق لي بالدخول أيضا، عندما يأتون ومعهم التصريح سندخل جميعا .

قال له تميم بهدوء:
_ حسنا وفقكم الله، أنتم فريق متميز و تعبتم الفترة السابقة، لذلك ستنجحون و أنا أثق بكم جميعا .

قال له يزن بملامح جامدة :
_ أنا سأخرج إلى الحديقة لأشعل سيجارة، ربما تعينني على الصبر والانتظار حتى قدومهم .

اقترب تميم منه محركا كرسيه و قال :
_ يزن ماذا بك ؟ ولماذا حالتك النفسية منهارة بهذا الشكل ؟ هل هناك شيئا ما تخفيه عني يا حبيبي ؟

السحب يزن نفسا طويلا وقال بضيق :
_ عمي من فضلك، أنا أريد أن أبقى بمفردي، وعندما تنتهي تلك القضية ستطول جلستنا .

ثم التفت ناحيته و تعمق في عينيه وقال بقوة :
_ فأنا لدي الكثير والكثير لأتحدث به معك .

ربت تميم على ذراعه وقال بحنو :
_ كما تريد يا ابني، وأنا سأنتظر تلك اللحظة التي ستأتي وتتحدث معي بها .

ثم أدار مقعده المتحرك وسار به ناحية غرفته، دخلها وأغلق وراءه الباب ..

تنهد يزن بأسى وقال :
_ أعرف إنك قد ضحيت كثيرا من أجلي، ولكن أن تخفي عني حقيقة عدم موت والدتي، ذلك الذي لن اسامحك عنه .

ثم خرج إلى الحديقة وأشعل سيجارته ووقف ينفث دخانها في الهواء وهو ينتظر أن يهاتفه معز ..


كانت يارا تقطع الغرفة ذهابا وإيابا، إلى أن أجابها حسام في مقطع صوتي مسجل وقال :
_ أنتِ ماذا تريدين مني .

ردت عليه بمقطع آخر :
_ اخبرني بما يحدث عندك، ولماذا أصر معز على حضورك هذا وبماذا ستساعدهم ؟!

عاد وسجل لها مقطع صوتي وقال :
_ إنني هنا أقف أمام بيت السيدة التي قتلت على يد "السيكوباتي"، وطلب مني الضابط معز أن التقط جميع الصور الممكنة .

ثم أرسل مقطعا آخر يقول به :
_ وأن أضع كاميرا؛ لأصور كل شيء سيحدث، والذي لا اعرف أنا ما هو ظ

ضيقت يارا عينيها وقالت :
_ اذا فتلك مكيدة وفخ سيوقعون به هذا القاتل .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي