الفصل السابع عشر تقرير وافي

(١٧)



"تقرير وافي"


حالة من الضياع تنتاب الجميع، والتخبط أصبح مصيبهم، هناك من يحاول أن يبرئ شخص يخصه وهو متأكد من براءته ..

وهناك من يحاول أن يحتفظ بما عرفه من معلومات؛ كي لا يظهر من هو الفاعل، وهناك من تحاول أن تتخطى قلبها الذي يخبرها بأن تذهب إليه وتعتذر ..

ليبقى عقلها مع والدتها المنكبة على نفسها وترفض الخروج من الغرفة، وهي لا تعرف سبب لهذا، فمن المؤكد أن المقال لن يجعلها في تلك الحالة التي أصبحت عليها ..

كان يسير في الرواق بخطوات متثاقلة، وهو يخشى أن يحدث ما يدور في رأسه ويدان والده وبالتبعية ستطوله الفضيحة ..

دخل في البداية إلى مكتبه، حاول أن يتطلع بالدفاتر التي أمامه، ربما ينشغل عقله قليلا، ولكنه لوجد نفسه يغلقه بملل ..

وقف مجددا وخرج من الغرفة وهو يسير ناحية غرفة يزن ليراه هل أتى أم تأخر، وبالفعل عندما دخل وجد يزن ممددا على الأريكة نائم ..

ساقه على الأرض ورأسه متهدلة، سار ناحيته واقترب منه و وخزه في ذراعه بلطف وقال :
_ يزن لماذا أنت نائم هنا ؟! استيقظ يا يزن .

فتح يزن عينيه وطالعه قليلا ثم قال :
_ كيف دخلت علي غرفتي ؟

ضحكه معز بتثاقل وقال له بمداعبة :
_ أي غرفة! أنت هنا في مكتبك في قسم الشرطة .

تطلع يزن حوله ثم جلس وهو يتثاءب ويقول :
_ صباح الخير، عذرا لم أنم سوى ساعتين .

جلس معز إلى جواره وقال :
_ ولماذا بقيت هنا بالمكتب ؟ لم تعود إلى البيت ؟! من المؤكد ظهرك سيؤلمك لا شك .

أعاد يزن شعراته إلى الخلف بيديه وهو يقول :
_ لن أعود إلى البيت إلا وعمي معي، حتى ذلك الوقت سأبقى هنا .

ربت معز على ساقه وقال بإشفاق :
_ لا تقلق، جميعنا نعرف أنه بريء ولكن إنها مجرد إجراءات وعمك ليس الوحيد الذي يتم التحقيق معه .

أخرج معز سيجارة وأشعلها ثم نفث دخانها وتابع قائلا :
_ الثلاثة رجال الآخرون الذين كانوا معه ما زالوا هنا، ويتم التحقيق معهم ونتحفظ عليهم في الحبس وعمك لا .

أومأ يزن برأسه وتطلع بساعة معصمه وقال :
_ نعم أعرف، ولكن عمي مختلف، إنه ظابط شرطة متقاعد، فكيف يشكون به من البداية ؟!

سأله معز بفضول :
_ لماذا تتطلع بساعتك ؟

وقف يزن ومد ذراعيه أمامه وحركهما يمينا ويسارا وقال :
_ انتظر وسام، لقد قال لي أنه توصل إلى أشياء خطيرة .

ثم التفت وطالع معز لثانيتين وتابع قائلا :
_ وأنه سيأتي في الصباح الباكر، لذلك أنا انتظره على نار .

وبالفعل انتبه الإثنين على دخول المجند الذي قال :
_ الطبيب وسام بالخارج يريد مقابلتك يا سيدي .

وقف معز مسرعا وهو يقول له بتلهف :
_ أدخله فورا .

خرج المجند ودخل وسام وهو يقول :
_ صباح الخير يا شباب .

جذبه يزن من ذراعه واجلسه على الكرسي الأمامي للمكتب، جلس أمامه وقال :
_ ها ماذا وجدت ؟

حرك وسام نظارته الطبية وقال له بضيق :
_ على الاقل رد الصباح .

رفع يزن عينيه بملل وقال بحدة :
_ وسام من فضلك، الأمر يتعلق بعمي؛ فلا يوجد وقتا للمزاح .

فتح وسام حقيبته الجلدية وأخرج منها ملفا ورقيا وضعه أمامه وقال :
_ لم أذهب إلى البيت أنا ومعمل التحليل بالكامل، وبقيت طوال الليل أشرح الجثة .

لاحظ نظراتهما التي تخترقه فتابع بذهول :
_ حتى توصلت الى تلك المعلومات .

حمل معز الملف وأخذ يقلب صفحاته ثم نظر إليه وقال بضيق :
_ أعطنا الملخص من فضلك، ليس لدينا وقت لنقرأ كل تلك الأوراق والتي لا نفهم منها شيئا من الاساس .

عاد وسام بظهره إلى ظهر المقعد وقال :
_ "الجثة لأنثى في العقد الثالث من عمرها، بها كدمات بلون محمر في الذراعين والأكتاف، وكدمات مسحجة غائرة تشير إلى محاولة خنق ..

سحب غائر في الرقبة قد يكون إيذاء خاتم باليد، جرح ردي محاط بكتمه مسحجة بمساحة 4 × 3 سم في منتصف الجبهة، مع ملاحظة وجود آثار لجير أو دهان أبيض..

نتيجه اصطدام رأسها بالحائط، احمرار وتورم في فروة الرأس ناتج عن حدوث جذب للشعر بقوة، سحاجات وكدمات في منطقة ما بين الفخذين ..

و تدل على وقوع مقاومة منها، سحجات طولية في الفخذين من الخلف، نتيجة سحب المجني عليها من الخلف ..

سحجات خلفية مستديرة مرتفعة حول الساقين والقدمين، نتيجة ربطها فترة طويلة بسلك بلاستيكي .

تطلع يزن بمعز وعاد إلى وسام وقال :
_ كل هذا ؟! لقد تعذبت فترة طويلة بالطبع .

بينما مرر معز كفه على وجهه وهو يقول بداخله :
_ هل فعلت بها كل هذا يا أبي ! وتخبرني أنك لن تقتلها .

اسرع وسام قائلا :
_ نعم كل هذا وأكثر، أنا لم أتكلم عن الطلقة التي دخلت في الرأس، ولكنها لم تستقر لانها دخلت وخرجت على الفور .

سأله يزن بفضول :
_ وهل سبب الوفاة بالطبع الطلقة ؟

أومأ وسام برأسه وقال :
_ نعم بالتأكيد، ولكنني لاحظت شيئا غريبا .

سأله معز بفضول :
_ وما هو هذا الشيء الغريب ؟

تطلع وسام ناحيته واجابه بتعقل :
_ إن الفترة التي حددتها بين الوفاة وبين ما قبلها وهو التعذيب، تكاد تكون ساعة كاملة .

ثم صمت لبرهة وقال :
_ لذلك لا أعرف هل القاتل بعدما عذبها حاول التحدث معها قبل قتلها ؟ أم هناك شيئا آخر حدث .

قال يزن براحة :
_ إذا فعمي بريء مما حدث، لأن عزيزة اخبرتني أنها انشغلت في المطبخ تلك الفترة التي سبقت وصول معز .

أومأ معز بأسه مؤكدا بينما تابع يزن :
_ وتلك الفترة التي حددتها أنت يا وسام وقتا للقتل، إذا فعمي لم يكن هو القاتل .

أسرع وسام قائلا :
_ حتى ولو لم تشاهده، ما حدث مع تلك السيدة يحتاج رجلا قوي البنية .

أغلق معز عينيه، ليقول يزن ببديهية:
_ من خلال كل الجرائم السابقة فهو قوي البنية فعلا، وربما هو شاب مثلنا.

وكأن معز وجد فرصة ليتنصل عن عملة والده فقال مؤكدا:
_ أنا أيضا أشعر أنه شاب، بل أنا متأكد من ذلك.

بينما تابع وسام قائلا :
_ لقد تعرضت لصدمات كهربائية شديدة أيضا .

تطلع معز بيزن و قالوا الإثنان بنفس الوقت :
_ صدمات كهربائية !

أو مأ وسام برأسه وقال بتأكيد :
_ نعم، لقد تم توصيلها بالكهرباء، هذا القاتل عذبها بشكل وحشي .

سأله معز بتوتر :
_ وربما الجثة قد ماتت بالكهرباء أو بالخنق كما ذكرت في تقريرك، وبعدما توفت هناك من قتلها برصاصة .

حرك وسام رأسه نافيا وقال :
_ "لا أعتقد أن الكهرباء بسبب الوفاة، لأن 220 فولت قادرون على أن يكونوا سببا في الوفاة في حالتين فقط ..

الأولى توتر النشاط الكهربي للقلب، والثانية هي صدمة في الجهاز العصبي، فلو ماتت بالتوتر فلن نستطيع إثبات ذلك للأسف ..

ولكن هناك أيضا كسر في عظمة "اللامي" أثناء خنقها بقوة كبيرة " .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي