الفصل السادس عشر المعز المذل

(١٦)


"المعز المذل"



غمست أنفها في شعراتها وقالت :
_ أنا لم يعد لي أي شخص غيرك، من فضلك يا أمي سامحيني .

ولكن هالة كانت في عالم آخر، وهو هل سيعرفها يزن ؟ هل سيتذكرها ؟ هل ستضعه في دائرة الخطر ؟

كانت تغلق عيناها بقوة وكأنها تجبر عقلها أن يتوقف عن التفكير، بينما كانت أذناها لا تستمع إلى نحيب يارا وبكائها من الأساس ..

فما يشغل بالها كان أكبر بكثير من غضبها من يارا .

كان معز يقود سيارته بسرعة جنونية، وكأنه يريد أن يموت قبل تلك المواجهة الصعبة والمخزية ..

نعم يعرف أن والده شخصا ليس بريء، وأنه متعدد العلاقات النسائية، ولكن أن يكون قريبا من ضحية يحقق في قضيتها وربما يكون متهما بقتلها أيضا ..

هذا ما أصابه بالجنون، منذ فترة طويلة ووالده يمثل عبئا عليهم، دائما ما يعود في المساء ثملا ورائحته كريهة، والجميع يعرف أنه على علاقة بعشرات من النساء ..

حتى والدته لم تعد تكترث لما يفعله، وكأنها تحيا معه لمجرد رعاية معز وفقط ..

ما أن وصل معز تحت بيته، حتى أخرج هاتفه وضغط رقم والده الذي اجابه قائلا بنبره مكسورة :
_ مرحبا يا معز .

قال له معز مباشرة :
_ أين أنت ؟

اجابه والده قائلا :
_ أنا بالبيت .

ابتسم معز بسخرية وقال :
_ نعم، بالتأكيد ستكون اليوم في البيت، أنا بالأسفل و سأصعد إليك حالا .

صعد معز الدرج وهو يركض، وعندما دخل إلى البيت وجد والدته بانتظاره وتطالع التلفاز بهدوء ..

و التي ما أن رأته حتى وقفت وقالت له :
_ حمدا لله على سلامتك يا ابني، هل أحضر لك طعام العشاء ؟

انحنى معز وقبل جبهتها ثم قال وهو يجذبها من ذراعها :
_ لا، بل أريدك أن تدخلي إلى غرفتك وتغلقين عليك الباب .

تعجبت والدته وسالته بتعجب :
_ ولما ؟ أنا لا أريد النوم الآن .

قال لها معز بترفق :
_ لا شيء، مجرد صدام جديد بيني وبين أبي، ولا أريدك أن تسمعي عنه شيئا .

تنهدت السيدة بأسى وقالت :
_ من المؤكد أن هناك فضيحة جديدة قد سببها لك .

التفتت واحتضنت وجهه بكفيها وقالت :
_ عامة أنا لن أجادلك وأنت في تلك الحالة، وسأدخل إلى الغرفة .

انتظر معز حتى اطمئن أنها دخلت إلى الغرفة وأغلقتها عليها، ثم توجه ناحية غرفة والده وفتح الباب ودخل مباشرة ..

وجده يجلس أمام حاسوبه و الذي عندما رآى معز أغلقه على الفور، توجه معز ناحية الحاسوب وفتحه ..

فوجده يطالع خبر وفاة ملك في أحد المواقع؛ فحمل معز الحاسوب وألقاه بطول ذراعه إلى آخر الغرفة ..

بينما صرخ به والده وقال :
_ هل أنت مجنون ؟! ماذا تفعل ؟

تمسك معز برأسه وصرخ قائلا بهيستيرية :
_ هل أنت نادم على ما فعلت بها ؟

ووقف والده وقال بعدم فهم :
_ فعلت ماذا و بمن ؟ أنا لا أفهمك !

ضحك معز ضحكة عالية وقال وهو يطالعه بغضب :
_ حبيبة قلبك و عشيقتك، هل أنت من قتلتها يا أبي ؟

ابتلع والده ريقه وقال بذعر :
_ عن ماذا تتحدث ؟ أي ملك ؟! أنا لا أعرف أحدا بهذا الاسم .

ضرب معز المكتب بيده وقال :
_ كفاك كذبا، لقد ترك القاتل قرص مدمج به مقطع مصور لها وهي مع أحد روادها، وهذا الشخص كان أنت .

اتسعت عيني والده وقال بصدمة :
_ ماذا ؟! مقطع مصور لي ولها .

أومأ معز برأسه وهدر بعصبية :
_ نعم، لقد كنتما في علاقة كاملة، وأنت كنت بدون ملابس، كيف فعلت ذلك ؟ لهذا الحد وصلت بك الدناءة والحقارة ؟

نكس والده رأسه بخزي بينما تابع معز :
_ إنها في عمري تقريبا، ولا تناسبك .

تمسك والده بذراعيه وقال :
_ لقد أحببتها بجنون ولطالما طلبت منها أن نتزوج، ولكنها رفضت ، كنت أغار عليها وأموت كل يوم وأنا أعرف أنها مع أشخاص غيري .

أزاح معز يده عنه، وكأنه يخشى أن يتسخ وقال :
_ وكيف تعرفت عليها ؟

أجابه والده بحزن :
_ تعرفت عليها في أحد الحفلات الخاصة التي يقيمها صديق لي في بيته، منذ أن رأيتها و أنا احببتها، بل عشقتها بجنون .

طالع صورتها التي على شاشة الحاسوب الملقى على الأرض وتابع بحزن وعيون تملؤها الدموع :

_ مرحها وجمالها، ضحكتها التي تذيب أعصابي، حاولت التودد إليها كثيرا وأغريتها بالمال حتى وافقت أن أذهب إلي بيتها، في البداية تعرفنا على بعضنا وبعد ذلك تطور الأمر وأقمنا علاقة سويا .

ثم تنهد بأسى وتابع :
_ ومنذ ذلك الوقت و أنا عقلي وكياني وقلبي و كل شيء في تركته معها، حاولت كثيرا أن أثنيها عما تفعله، ولكنها لم تستمع إلي .

أغمض معز عينيه وهو يقبض كفه بقوة وقال :
_ وهل أنت من قتلتها ؟

صرخ به والده وقال بخوف :
_ أنا لم أقتلها، لقد غادرت اليوم وهي ما زالت على قيد الحياة، نعم حصل بيننا شجار وقمت بضربها ولكن لم اقتلها .

اتسعت عيني معز وقال بصدمة :
_ هل كنت اليوم هناك ؟

أومأ والده برأسه وقال :
_ نعم كنت هناك، ومن المؤكد الجميع سيعرف، لأني عند خروجي موظفين الأمن أعطوني بطاقتي كما أخذوها مني عند دخولي .

ضرب معز رأسه وقال بهيستيرية :
_ من المؤكد التقرير سيصل الصباح، ماذا أفعل الآن ؟ لقد عشت عمري بأكمله وأنا أرفض أن أعترف من الأساس أنك والدي .

اغمض عينيه وتابع بألم :
_ و الآن سيفتضح أمري أمام الجميع، ماذا فعلت لك كي يكون هذا مصيري، كي أكون من أقل الأشخاص أمام أصدقائي وأمام زملائي في العمل .

تطلع به وسأله بحزن :
_ لماذا يا أبي لماذا ؟!

تمسك والده بذراعه وقال بتوسل :
_ أرجوك حاول أن تخفي أنني كنت ذلك اليوم عندها، قسما بربي لم أقتلها، لقد ضربتها فقط لانها رفضت أن نتزوج بي .

بكى بنحيب وقال :
_ و ربي لم أقتلها لأنني أعشقها .

تنهد معز بأسى وقال :
_ أعرف أنك لم تقتلها، و أعرف أن هذا الشخص القاتل استغل وجودك هناك كي يلصق بك أنت التهمة، ويعرف أنني سأرى هذا الفيديو .

لمعت عينيه بوميض شيطاني وقال :
_ يعرف أنك والدي، إنه لا يتلاعب بنا وفقط، إنه شيطان يتحكم بكل شيء .

ثم ابتعد عن والده وهو يقول :
_ أنا لن أساعدك، وسأحتمل ذلك الخزي الذي سيصيبني بسببك، و أتمنى أن تلتصق التهمة بأكملها بك؛ كي أرتاح منك إلى الأبد .

ثم توقف مكانه وقال :
_ فأنا لا أريد رؤيتك مجددا، من فضلك أحزم كل شيء خاص بك في هذا البيت وغادر، أو سنتركه نحن لك، يكفي .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي