الفصل الرابع والعشرون رؤية ضبابية

(٢٤)



"رؤية ضبابية"



استيقظت يارا على وخزا في ذراعها فتلفتت حولها وهي تقول :
_ ماذا تريدين يا أمي اليوم عطله ؟

قالت لها هالة بنبرة مرتجفة :
_ أريدك أن تجلسي حالا كي نتحدث، أنتِ طوال الوقت خارج البيت، وعندما تعودين تنامين ولا تتحدثين معي .

لملمت يارا شعراتها في عقدة وجلست على الفراش وهي تتساءل وقالت :
_ أنا معك يا أمي تفضلي، ماذا تريدين ؟

سألتها بتوجس :
_ هل التقيتِ بهذا الضابط مجددا .

اجابتها يارا على مضض :
_ نعم لقد التقيت به، أنا صحفية، وأغطي خبر هو المسؤول عن التحقيق به؛ لذلك سأقابله دائما .

بلعت هالة ريقها بتوتر وقالت :
_ وهل فقط تتحدثون في أمور العمل، أم بينكم علاقة خاصة ؟

تنهدت يارا وقالت :
_ لا شيء سوى العمل يا أمي .

هزت هالة رأسها بنفي وقالت :
_ أنت تكذبين، أنا أعرفك جيدا عندما تكذبين .

صفعت يارا ساقها وقالت بسخرية :
_ حسنا نحن متزوجان عرفيا، هل أنت مرتاحة الآن ؟!

اتسعت عيني هالة وقالت بصراخ :
_ متزوجان ؟!

جلست يارا على ركبتيها وهي تقول بضيق :
_ بالطبع لا، أمي أنا أريد أن أنام اليوم عطلتي، وأنا متعبة لذلك اتركيني من فضلك .

_ يارا هل بينكما علاقة ما ؟

هزت يارا رأسها نافية وقالت بتمهل :
_ ما بيننا هو مجرد احترام متبادل وعمل مشترك وفقط، هل هذا جيدا ؟

دفعتها هالة لترتد للخلف وقالت :
_ حسنا وأنا لا أريد حتى هذا الاحترام، من فضلك ابتعدي عنه .

تمددت يارا على فراشها مجددا وقالت :
_ حسنا، في الصباح سأبتعد عنه بإذن الله، ولكن اتركيني الآن أنام.

اقتربت منها هالة مجددا وهي تقول :
_ أي صباح ! نحن في الصباح يا أستاذة .

تطلعت يارا حولها فوجدت أشعة الشمس تدخل من النافذة، فعادت لها وقالت :
_ ولكنني أريد النوم أكثر، لذلك هذا لا يعد صباحا .

رفعت هالة عينيها بملل وقالت من بين أسنانها :
_ يارا أنا اتحدث بجدية، يجب أن تبتعدي عن هذا الشخص فورا، حبيبتي تعالي نسافر إلى أي بلد لقضاء عطلة ما .

استندت يارا برأسها على ظهر الفراش وقالت :
_ لن يسمح لي العمل بأي عطلات، أمي أنا صحفية مبتدئة؛ لذلك دعيني أكمل طريقي .

وقفت هالة وقالت بحدة :
_ لا لن تكملي أي شيء، وأنا سأُحضر كل شيء لكي نسافر، ربما نذهب إلى مطروح أو إلى أسوان .

ابتسمت يارا بسخرية وقالت :
_ ولما لا نسافر إلى السلوم أقرب، أنا أريد أن أنام هل تسمعينني، أريد أن أنام .

قذفتها والدتها بالوسادة الواقعة على الأرض وقالت :
_ نامي ولكن عندما تستيقظين سنأخذ قرار في أن نسافر من هنا وفورا .

تركت هالة الغرفة وخرجت، بينما عادت يارا وانزلقت في فراشها وهي تقول براحة :
_ وأخيرا سأنام .

انتبهت على رسالة قد وصلت لهاتفها؛ فحملته على مضض وأضاءت الشاشة، عندما وجدتها من يزن جلست مسرعة وهي تبتسم بفرحه ..

ثم فتحتها فوجدته مقطع مسجل بصوته يقول به :
_ صباح الخير، كيف حالك ؟

تنحنحت يارا حتى تجلي صوتها وضغطت زر التسجيل وهي تقول :
_ أنا بخير حال، كيف حالك أنت ؟

ارسل إليها قائلا :
_ أنا بخير ولكن صوتك يبدو غريبا، ما بك ؟

اسرعت يارا وسجلت له قائلة :
_ هذا لأني مستيقظة منذ قليل فقط .

عاد يزن وسجل لها قائلا :
_ أنا أشعر بك جيدا، وأشعر أن هناك شيئا ما يضايقك، ما رأيك أن نذهب لتناول الفطور سويا، وربما نتحدث في ذلك الأمر .

اتسعت عيني يارا بفرحة وكادت أن ترسل له الموافقة، ولكنها تعقلت وهدأت لهفتها و تحكمت في أنفاسها ..

وأرسلت إليه قائلة :
_ اليوم عطلة فليستمتع كلا منا بعطلته مع أسرته .

سجل لها يزن وهو يقول :
_ اليوم عطلة عند كل الناس، إلا ضباط الشرطة، هل ستأتين لتناول الفطور معي ؟

فكرت قليلا وعرفت أنها لن تستطيع المجادلة أكثر، وتفوت على نفسها فرصة التعرف عليه والجلوس معه ..

فأرسلت له مقطعا تقول به :
_ حسنا ابعث لي المكان والوقت وأنا سألتقي بك هناك .

بالفعل أرسل لها موقع المطعم، ثم أرسل مقطع مسجل أخير يقول به :
_ أمامك ساعة ونصف من الان، سأنتظرك لا تتأخري علي .

تنهدت يارا بشوق وقالت وهي تحتضن الهاتف :
_ أي تأخير، أنا هناك من الآن انتظرك .

ثم ألقت بجسدها على الفراش وقالت :
_ و لأول مرة سأعترف أنني أحبه كثيرا، لقد شعر بي وشعر بضيقي، يا الهي شكرا جزيلا لك .

رفعت رأسها للأعلى و قالت :
_ أكملها على خير يا ربي، واهدي أمي كي توافق على ارتباطنا ما أن يطلبه مني ذلك .

جلس معز على مكتبه وهو يفكر ويفكر ويعتصر عقله من التفكير، ربما يستطيع ربط الأحداث ببعضها ..

كي توصله إلى أي شيء يستطيع من خلاله تخمين من هو القاتل، وكيفية إيقاف سلسلة جرائمه ..

حمل ورقة جديدة وبدأ يدون بها و يقول بحيرة :
_ أول شيء كيف عدلت وضع الكاميرات المحيطة ببيت الطفل كريم؛ كي لا يرى أي شخص القاتل .

ثم ضيق عينيه وتابع قائلا :
_ وكيف كان السم في الكعك، ولم يستطع أحد العثور على السم في الأطباق .

ثم حرك رأسه بضيق وهو يقول :
_ وكيف كانت الموسيقى عند ملك تعمل وهي كانت مقتولة قبلها، و والدي كان هذا الوقت قد غادر، ومن أغلقها ؟!

سحب نفسا طويلا وقال بتعجب :
_ أكان هو القاتل ؟ أم لتلك المكالمة التي وجدتها على هاتفها من رقم مختفي هي من أغلقت الموسيقي ؟

وكأن تروس عقله كانت قد بدأت تعمل فقال بابتسامة خافتة :
_ الهاتف كان متصل بالسماعات وإذا هاتف شخص الهاتف فمن المؤكد ستتوقف الموسيقى .

صفع جبهته وقال بلوم :
_ وبالطبع ذلك ليثبت القاتل أنه كان بالوقت هذا شخص ما غير القتيلة ويبعد التهمة عنه .

ثم عاد دون بالورقة وهو يقول :
_ و تلك الرصاصة التي لم نجد مظروفها حتى الآن في بيت سعيد، وكأن الأرض انشقت وابتلعتها .

عاد بظهره لظهر كرسيه وقال :
_ و كيف روض القاتل الكلب بيلي؛ كي يهاجم صاحب عمره، دون أن يشعر وكأنه يلهو معه .

القى معز القلم وهو يقول :
_ كيف فعل كل هذا بهذا التسلسل الدقيق، أشعر أنه قريب منا للغاية، بل ويعرف كل خطوة نخطها .

عقد ذراعيه أمام صدره و قال :
_ هناك ثلاثة أشخاص مدانين أمامي الآن، وإن كان ما في عقلي حقيقة ستكون كارثة، لأنه يدلنا عليه ببطء .

ثم لمعت عينيه بانتصار وقال بمكر :
_ إذا فلنضع الطعم في السنارة وسألقيها، وأنتظر حتى تشبك واسحب بها القاتل من فوري .



كانت تجلس في المطعم وهي تتطلع حولها لهذا الخواء و الفراغ، ثم قالت في نفسها :
_ كان لابد أن أتأخر قليلا .

وضعت قبضتها تحت وجنتها وقالت :
_ ماذا سيقول عندما يأتي ويجدني أنا التي في انتظاره، أنت غبية يا يارا .

وجدت صوتا من خلفها يقول :
_ ومجنونة أيضا، هل تتحدثين مع نفسك .

شعرت يارا بالحرج الذي ارتسم على ملامحها و فركها لأصابعها وقالت :
_ لماذا تأخرت .

بينما جلس يزن أمامها ولم يجيبها، بل استمتع بالتطلع في ملامحها الرقيقة والمتوترة ..

ثم بعد أن شعر بخجلها قال :
_ صباح الخير .

اجابته بتوتر وقالت :
_ هل هناك شيئا هام لدعوتك تلك ؟

أومأ يزن برأسه وقال :
_ بالطبع أريد أن أعرف ما الشيء الذي كان يضايقك ؟

تنهدت يارا مطولا وقالت :
_ لا شيء مجرد خلاف بسيط بيني وبين أمي .

رفع يزن حاجبيه و قال :
_ أمك انها تبدو لطيفة من المؤكد أنك المخطئة، عندما رأيتها في الجريدة ذلك اليوم .

صمت لبرهة وقال ك
_ معك صورة لها .

أسرعت يارا وقالت بتأكيد :
_ نعم معي صورة لها .

فتحت محفظتها وأخرجت صورة لهالة وناولته إياها وهي تقول :
_ إنها جميلة للغاية أليس كذلك ؟

التقط يزن الصورة منها وتطلع بها وهو يدقق في ملامحها التي تراود خياله ومتأكد من أنه رآها من قبل ..

ثم ابتسم بخفوت وقال :
_ نعم انها جميلة للغاية .

ثم رفع عيناه ناحية يارا وقال :
_ ولكنها لا تشبهك مطلقا .

أومأت يارا برأسها وقالت :
_ كان شرف لي أن اشبهها، فهي جميلة شكلا و طباعا وكل شيء، هي أغلى شيء في حياتي كلها .

ثم أخرجت صورة أخرى من محفظتها وطالعتها بحب وهي تقول حانية :
_ هي اليد الوحيدة التي ربتت على كتفي ودعمتني، ولم تفكر في نفسها ولو لحظة واحدة .

ثم تنهدت بحزن وقالت :
_ و خاصة بعد وفاة والدي، بل أضاعت عمرها كله علي،و لم تتزوج أو تفكر حتى بذلك .

ثم ناولت تلك الصورة إلى يزن، كانت صورتها وهي صغيرة مع هالة ومعهما والدها ..

ما أن التقط يزن الصورة، حتى توقف حلقه عن العمل، وشرق وأخذ يسعل بشدة، حتى وقفت يارا إلى جواره وناولته كوب الماء زز

التقطه من يدها وشربه دفعة واحدة، أنزل الكوب وهو يحاول التنفس بصعوبة ..

بينما سألته يارا بقلق :
_ يزن هل أنت بخير ؟

حاول أن يستجمع أنفاسه وقال :
_ نعم نعم انا بخير .

عاد لمطالعة الصورة، نفس الملامح، نفس الابتسامة الحزينة، نفس نظرة عينه عندما يشعر بالعجز ..

تأوه بداخله وقال بخفوت :
_ أمي !
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي