الفصل الرابع عشر إدانة

(١٤)


"إدانة"




كانت يارا تسير بلا هدى، لا تعرف هل ستستطيع تحمل خصام أمها وعقابها لها، أم ستستمر في عملها مهما كان الثمن ..

هذا هو طموحها والمستقبل الذي تنشده، ولن تتراجع عنه مهما كلفها الأمر، وأي عقبات ستذللها بيدها ..

جلست يارا على أحد المقاعد وهي تقول بصوت خافت :
_ سأستطيع اقناع أمي بهدفي، ولكن أحتاج بعض الوقت لفعل ذلك بالتأكيد .

أتاها صوت من أمامها قائلا :
_ وهل تلك السيدة التي غادرت الآن وكانت تقف معك هي أمك ؟

رفعت رأسها فوجدت يزن يقف أمامها فقالت له بصدمة :
_ نعم ؟! هل تتحدث معي أنا ؟

اجابها بنبرة ثابتة ونظرات قوية :
_ نعم أتحدث معك، هل تلك السيدة هي أمك ؟!

أومأت يارا برأسها وقالت :
_ نعم هي أمي، ولكن لماذا تسأل ؟

سار خطوتين للأمام قاطعا الممر ثم عاد ووقف أمامها مرة أخرى وهو يتطلع إليها بحدة وتحفز ..

ثم قال ببرود :
_ لا شيء، فقط أريد أن ألتقط لها صورة و أنشرها في أحد المواقع وأقول أنني قد قبضت عليها في شقة تمارس أعمال منافية للآدب .

وقفت يارا ببطء وبعينين متسعتين وهي تقول بصدمة :
_ ماذا قلت ؟! هل جننت يا يزن ؟

ابتسم يزن بسخرية وقال :
_ ولما الجنون، مجرد سبب لنجاحي، أن أتهم شخص لا أعرف عنه شيء، وأنشر صورتها في كل المواقع .

تعمق في عينيها وقال :
_ كي أصبح مشهور و الجميع يتحدث عني وعن انجازي الواهي .

ضيقت يارا عينيها وقالت بتوتر من طريقته :
_ أنا لا أفهم مقصدك، ماذا تريد كن واضحا و تحدث مباشرة بما تريد .

اقترب منها حتى أصبح مقابلا لها وقال :
_ ما أريدك أن تعرفيه، أن صور عمي التي انتشرت على جميع المواقع وكتب تحتها أنه السفاح، ستدفعين ثمنها غاليا جدا .

ابتلعت يارا ريقها بتوتر وقالت :
_ عمك ؟! هذا المجرم هو عم … .

لم تستطع تكملة جملتها لأنه قاطعها قائلا بصياح عالي :
_ لا تقولي عليه مجرم، إنه أشرف منكِ ومن عشرين صحفية بلا ذمة وضمير كحالك .

بدأ الجميع يخرج من مكاتبه على صياح يزن، بينما ارتبكت يارا وقالت :
_ لماذا تصيح بي بهذا الشكل ؟

خفضت من صوتها وتابعت :
_ أنا نقلت الخبر وفقط، أنتم من قبضتم عليه وليس أنا يا حضرة الضابط .

رفع يزن سباباته في وجهها وقال بحدة :
_ هناك فرق بين القبض والتحقيق، إنه بريء وقد أُثبتت براءته الآن .

تطلعت به بصدمة بينما أردف قائلا :
_ هذا بعد أن قتل هذا "السيكوباتي" ضحية أخرى، وعمي عندنا بقسم الشرطة .

شهقت يارا بداخلها، بينما قال لها يزن بحزن :
_ كنت أعتقد أنك مختلفة، ولكنك مثلك مثل الجميع، مقابل الشهرة والمال تستطيعين بيع أي شيء، حتى ضميرك .

هزت يارا رأسها بنفي وقالت :
_ لا، أنا لست كما تقول، أنا فقط نقلت الخبر كما رأيته .

صاح بها مجددا بحدة :
_ دون أن تتحققِ من أنك ربما تؤذين شخصا، وتجعلينه أمام الجميع قاتل، ومطالب منه الآن أن يخرج ويبرئ ذمته إلى الجميع .

ثم أشاح بذراعه في وجهها وقال بتذمر :
_ وتقولين بالنهاية وبمنتهى البساطة نقلت الخبر .

تمسكت يارا برأسها وقالت :
_ لم أكن أقصد الاساءة لعمك أو لغيره يا يزن .

قبض يزن كفيه أمام وجهه وهدر بعصبية :
_ لا أريد أن أسمع اسمي منك مرة أخرى، بل ولا أريد أن أراكِ حتى .

تنهد مطولا وقال بأسى :
_ لقد كنت أكن لك بعض المشاعر، وها أنا الآن لن ولم أكره أحد بحياتي كما أكرهك الآن .

ابتعد عنها وهو يسير بخطوات ثقيلة؛ فأوقفته قائلة :
_ يزن من فضلك، اعطني فرصة لكي أشرح لك طبيعة عملي .

ابتسم يزن بصوت عال وقال :
_ هل تريدين أن تشرحين لي أنكِ ركضت خلف الشهرة ؟ أنكِ أصبتِ شخص في كرامته ويشعر بالخزي والخجل بسببك .

هدأ من نبرته وتابع قائلا :
_ ماذا ستشرحين لي، ستشرحين أنك لغيتِ قلبك وعقلك لمجرد السعي وراء الطموح !

اغمض عينيه لدقيقة ثم فتحهما وقال بأسى :
_ خسارة، كنت اعتقدت أنكِ فتاة مميزة، ولكنك ظهرتِ على حقيقتك، أرخص فتاة عرفتها .

ثم احتدت نظراته وتابع بغضب :
_ فتاة على استعداد أن تبيع نفسها مقابل أي شيء، لتصل إلى ما تريد .

صرخت بي يارا قائلة :
_ أنا لست كما تقول، لو كان هذا الخبر يتعلق بأي شخص آخر غير عمك لم تكن لتنفعل بهذا الشكل .

تحركت ناحيته وتابعت بضيق :
_ أو تأتي لتتحدث معي بتلك الشراسة، ولكنك تحركت لأنه شخص يخصك وفقط .

صمتت لبرهة ثم تابعت قائلة بتحقير :
_ أنت أيضا لست شخصا مثاليا يا يزن، فلا تدعي البراءة والاحترام .

صفق لها يزن بيده وقال :
_ احسنتِ، أخرجي كامل ما بداخلك؛ كي أراكِ على حقيقتك .

لم تستطع ان تتحدث أكثر، ولكن قلبها كان يؤلمها بشدة، ففضلت الصمت واستقبال سهامه في قلبها مباشرة ..

ربما يتوقف عن مناداته أو التوسل إليه كي يسامحه، وكأن يزن شعر بها؛ فاستدار من فوره خارجا وهو يغمض عينيه من شده الألم الذي أصاب صدره ..

وكأن تلك الخناجر التي كان يطلقها في قلبها، كانت تدخل في قلبه هو أولا، لتأتيه صورة والدتها وتصيب عقله أيضا بالجنون وهو يبحث عنها بداخله..


كان المكان يعج بالكثير من رجال الشرطة والفحص، فوقف وسام وتطلع حوله بضيق ..

سأله معز بترقب :
_ ماذا هناك ؟

ناوله وسام القرص المدمج وقال :
_ تلك العادة غريبة، كل مرة يترك لكم بجوار الجثة قرص مدمج يشرح لماذا اختار هذا الشخص تحديدا لقتله ؟

تطلع يزن للقرص بداخل الكيس البلاستيكي وقال :
_ نعم، إنه واضح كالماء، ومع ذلك لا نستطيع معرفة من هو وماذا يريد أن يثبت ؟!

_ إنه عادل كما يقول ويلقب نفسه .

تطلع وسام للجثة وقال :
_ إنه شخص شرس بكل معاني الكلمة، ويمتلك قوة غريبة .

سأله معز بتعجب :
_ ولماذا قلت ذلك ؟

قال له وسام وهو يشير على جسدها :
_ جميع المراحل التي مرت بها الجثة، تنم عن تعرضها لعنف شرس من كل الأنواع .

ثم انحنى وحرك رأسها وقال :
_ والأغرب أنها قد اصيبت بطلق ناري في رأسها، ولم نحصل على المظروف الخاص بالطلقة بعد .

تطلع معز حوله وقال :
_ سنبحث عنه في كل مكان لا تقلق .

قال له وسام برجاء :
_ أرجوك افعل ذلك؛ لأن تحديد نوع الطلقة سيخبرنا من أي مسدس انطلقت، و بإمكاننا معرفة القاتل بسهولة .

سأله معاذ بفضول :
_ وماذا هناك أيضا ؟

قال وسام بعملية :
_ قلت لك الكثير، ولكنني لن أقول شيء إلا عندما آخذها إلى المشفى وأُشرح جثتها واكتب لك التقرير والذي سيكون طويل للغاية .

ضيقه معز عينيه وقال :
_ لهذا الحد تعذبت ؟

أومأ وسام برأسه وقال :
_ نعم، وساعة الوفاة منذ خمس ساعات .

اتسعت عيني معز وقال بصدمة :
_ خمس ساعات ! هذا ليس مؤشر جيد .

قال له وسام بعدم فهم :
_ ماذا قلت ؟!

قال له معز بتوجس :
_ لا، لا لم أقل شيئا، انقل الجثة وإبدا في عمل التشريح؛ كي نحصل على التقرير باكرا .

خلع وسام قفازه وقال :
_ حسنا لا تقلق .

ثم التفت إلى جواره وابتسم قائلا :
_ ها قد جاء زميلك اللحوح .

تطلع يزن بجثة ملك الملقاة على الأرض وسألهما بفضول :
_ هل توصلتما إلى شيء ؟

حرك وسام نظارته الطبية وهو يقول :
_ نعم لقد أخبرت معز بكل شيء وهو سيخبرك، أنا أريد الخروج بها الآن كي أبدأ عملي باكرا .

أومأ يزن برأسه وقال له بامتنان :
_ شكرا جزيلا لك .

تم وضع ملك في الكيس الجلدي الطويل وأغلق عليها السحاب، وتم نقل جثتها إلى عربة الاسعاف ..

بينما جذب معز يزن من يده ووقف به إلى جانب البيت وقال له بهمس :
_ يزن الأمر ينذر بالأسوء .

مرر يزن أنامله على ذقنه وقال بتوجس :
_ لا يوجد أسوء مما أنا فيه، ومع ذلك اطربني .

_ لقد أعلن وسام أن ساعة الوفاة كانت منذ خمس ساعات، ونحن قبضنا على عمك منذ أربع ساعات ونصف .

صمت لبرهة وتابع قائلا :
_ وربما هذا قد يدينه للأسف، ولن نستطيع أن نساعده .

اغمض يزن عينيه لبرهة وقال :
_ لا تقولها، لقد سئمت من هذا الأمر برمته .

ربت معز على ذراعه وقال :
_ لا تقلق، لقد أخبرني وسام أن الضحية مورس معها جميع أنواع العنف .

تابع بابتسامة خافتة :
_ وأن الشخص الذي فعل معها ذلك يتمتع بقوة جسدية رهيبة، ولا أظن أن عمك بكرسيه المتحرك هذا يستطيع فعل ما قاله وسام .

طالعه يزن باهتمام فتابع قائلا :
_ وإلا على الأقل كنتم استمعتم إلى صراخها، رغم أنني قد استمعت للموسيقي ولاحظت توقفها وعمك معنا .

دب الأمل في قلب يزن مجددا وعاد إليه قائلا :
_ ولماذا تقلقني إذا كان الأمر كذلك ؟!

اجابه معز قائلا :
_ أنا اخبرك بكل شيء، المطلوب منا الآن أن نجد المظروف الخاص بالطلقة التي أصابت رأسها .

حاوط كتفيه بذراعه وتابع قائلا :
_ لأنه حينها سنعرف من أي مسدس خرجت، وربما بامكاننا تبرئة عمك، ومعرفة القاتل مرة واحدة .

أومأ يزن برأسه وهو يقول :
_ سنبحث عنه في كل مكان لا تقلق .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي