الفصل التاسع عشر صحوة ضمير

(١٩)


"صحوة ضمير"



أن يلتصق بك ما ليس فيك، لهو الأصعب على الإطلاق، دخل تميم منكس الرأس ويشعر بالخزي ..

بينما اقتربت منه عزيزة مهرولة وقالت :
_ حمدا لله على سلامتك يا سيدي .

أشار لها يزن بعينيه أن تبتعد، بينما دفع الكرسي ناحية غرفته ودلف به للداخل وأغلق الباب خلفهما ..

فاقتربت عزيزة من سعد وسألته بتعجب :
_ ماذا هناك ؟ لماذا لا يجيبني ؟!

تنهد سعد مطولا وقال :
_ منذ خروجه من قسم الشرطة وهو على هذا الحال، ذهبنا به إلى المشفى واطمئنينا عليه فأتينا به إلى هنا وهو ما زال على تلك الحالة .

تنهدت عزيزة هي الأخرى وقالت :
_ نعم ما مر به ليس بهين، أنت تعلم أنه قريب من الله ويهتم بالجميع، ولا أعرف كيف التصقت به تلك التهمة .

ابتعد سعد موليا ظهره لها وهو يقول :
_ عامة اهتمي به وخاصة في الأكل، فهو لم يأكل منذ خرج من البيت .

أجابته بنبرة ثابتة :
_ حسنا لا تقلق .

دخلت إلى البيت وأغلقت وراءها الباب، لتجد يزن يقترب منها وهو يشير لها بيده أن تقترب ..

اقتربت منه بينما دنا منها وهو ويقول بهمس :
_ عزيزة من فضلك اليوم اطبخي له كل ما يحبه من طعام؛ لأن نفسيته سيئة .

ثم صمت لبرهة وتابع :
_ وأنت تعلمين أنه عندما يدخل في تلك الحالة لا يخرج منها، والطبيب أكد علي بضرورة إطعامه .

أومأت رأسها بتفهم وقالت :
_ حسنا لا تقلق، هل ستبقى هنا أم ستعود إلى عملك ؟

أخرج يزن هاتفه وتطلع به ثم قال :
_ سأبقى بعض الوقت، سأجيب الهاتف وأعود إليك .

تفهمت عزيزة وابتعدت عنه، بينما خرج هو إلى الحديقة الخلفية وأجاب :
_ ماذا هناك يا خالد ؟

ثم تذكر ما طلبه منه فقال :
_ هل عثرت على شيء في أسماء الذين دخلوا و خرجوا من "الكومباوند" ؟

اجابه خالد قائلا :
_ نعم لقد عثرت على اسم مميز، وليس فقط لأنه مرتبط بشخص قريب منا، ولكن لأن له علاقة بالقتيلة .

سأله يزن بتلهف :
_ ومن هو ؟ تحدث على الفور .

صمت خالد لبرهة ثم قال :
_ معتز الشامي .

اتسعت عيني يزن وقال بصدمة :
_ من ؟ السيد معتز الشامي والد معز !

ضيق يزن عينيه وهو يتذكر ذلك المقطع المصور الذي كانت فيه ملك مع رجل غريب، وهو شك أنه يعرفه ..

فقال في نفسه :
_ " إنه عمي معتز وأنا لم أتعرف عليه، ولكن لماذا لم يصارحني معز بهذا الأمر " .

انتبه أن خالد ما زال معه على الهاتف فقال له :
_ خالد أغلق الهاتف أنا سآتي إليك على الفور، هل معز ما زال موجود ؟

أجابه خالد :
_ نعم وأنا لا أريد أن أتحدث معه في هذا الشأن، تعال أنت وتحدث معه، ربما لديه أسبابه في إخفاءه لهذا الأمر .

أومأ يزن برأسه وقال :
_ حسنا لن اتاخر .

تطلع بغرفة عمه المغلقة، ثم تنهد مطولا وقال :
_ لن أتاخر عليك .

خرج مسرعا من البيت واستقل سيارته و هو لا يعرف ماذا يفعل وكيف سيواجه صديق عمره بهذا الأمر ..

و كيف سيدين والده من الأساس، فالشبهات الآن كلها أصبحت تحوم حوله ..

بعد قليل وصل أمام مركز الشرطة، صف سيارته و ترجل منها و دخل إلى المكان منه إلى مكتب معز مباشرة ..

وحينما دخل وجده يقف في النافذة يتطلع إلى الطريق بشرود، أغلق يزن الباب و اقترب منه بهدوء ..

تنحنح يزن وقال :
_ السلام عليكم .

التفت معز ناحيته وقال :
_ وعليكم السلام، لماذا عدت ؟

جلس يزن على الأريكة وقال :
_ لأتحدث معك في أمر هام .

فهم معز مقصده؛ فسار ناحيته وجلس أمامه وقال :
_ وما هو هذا الأمر ؟

ساد الصمت بينهما، ثم خرج يزن عن صمته وقال :
_ لماذا لم تقل لي أن من كان في المقطع المصور هو والدك ؟

ضغط معز عينيه بقوة وقال :
_ وكيف لي أن أقول هذا ؟ كيف لي أن أخبرك بأن هذا الرجل الحقير هو والدي ؟ بأي عين سأوجهك ؟

اجابه يزن قائلا :
_ نحن هنا نعمل بجديه، وليس للعواطف مكان بيننا، ربما كان عمي سيدان إن لم ينصفه تقرير الطب الشرعي .

وقف يزن أمامه وقال بضيق :
_ فهل كنت ستصمت أيضا يا معز ؟

وقف معز أمامه محتدا وقال :
_ وهل هذا هو كل ما يهمك، عمك وفقط .

طالعه يزن بصدمة، فتابع معز قائلا :
_ من حقك أن تدافع عن عمك، وليس من حقي أن أدافع عن والدي .

جذبه يزن من ذراعه وأجلسه وهو يقول :
_ أنا لم أقل ذلك، أنا أقصد لماذا لم تقل لي أنا، وليس بشكل له علاقة بالتحقيق، ربما كنا استطعنا العمل سويا على ذلك .

اخفض معز رأسه وقال :
_ يزن سأصارحك بكل شيء، كل علامات التعذيب وكل شيء تعرضت له الضحية كان بفعل والدي .

ثم قبض على رأسه بيده وقال :
_ ولكن تلك الطلقة التي أخذتها في رأسها لم يكن هو السبب .

هز يزن رأسه بأسى وقال :
_ وإن صح كلامك، كيف سنثبت أنه هو لم يقتلها ؟

حرك معز كتفيه بتسليم وقال :
_ لا أعرف، كل ما أعرفه أنه سيدان من المؤكد، لأنه عذبها بطريقة وحشية كما ذكر في التقرير .

تمسك بذراعيه وقال :
_ ولكني متأكد أنه لم يقتلها، فأبي بعمره لم يلمس أي سلاح .

ضيق يزن عيناه وقال :
_ إذا هذا القاتل استغل خروج والدك بعد حفلة التعذيب تلك، ودخل إليها وقام بقتلها .

ابتسم بسخرية وتابع :
_ و وضع أدلته التي تشير بأنه القاتل، لينسب لنفسه تلك الجريمة .

تمسك معز بكفيه وقال بتلهف :
_ إذاً أنت مقتنع أن والدي ليس هذا القاتل "السيكوباتي" .

اجابه يزن بسرعة :
_ نعم أنا أعرف والدك جيدا، له في العلاقات والنزوات، ولكن هذا التدبير الدقيق لا يخرج من والدك أبدا .

ثم زفر بغضب وقال :
_ ومع ذلك لن نستطيع إثبات ذلك، وسيدان كما أدين عمي .

ابتلع معز ريقه وقال بتوتر :
_ وهل ستخبر المتحري بهذا الأمر ؟

وقف يزن وسار ناحية باب الغرفة، ثم التفت إليه وقال :
_ بل أنت من ستخبره، لو طاوعك قلبك في إخفاء ذلك الأمر اخفيه، و إن لم يطاوعك فأخبره أنت بنفسك .

عاد وسار ناحية الباب وقال :
_ سأتركك الآن تفكر وتأخذ القرار .

تركه يزن وخرج بينما قطع معز الغرفة ذهابا و إيابا وهو يجذب شعراته بيده ويقول :
_ ماذا سأفعل الآن ؟!

دار حول نفسه وهو يهدر بعصبية :
_ هل أرضي ضميري ؟ أم اخشى على سمعتي من الفضيحة ؟

رفع عيناه للسماء وقال :
_ يا رب ألهمني الصواب .

عاد لمطالعة الطريق من النافذة، وبعد دقيقتين وجد نفسه يخرج من الغرفة بخطوات ثابتة ..

وتوجه ناحية باب المتحري، الذي طرقه و دخل وقال له مباشرة :
_ أنا أعرف من الذي عذب الضحية ملك ؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي