الفصل الخامس والعشرون القضية الأصعب

(٢٥)


"القضية الأصعب"



جلس وسام وهو يقول :
_ أعتذر عن الوقت الذي أخذته في تلك القضية، ولكن الوضع لم يكن سهلا .

ابتسم معز بسخرية وقال :
_ وسام، تعتبر هذه أسهل قضية وصلت إليك منا بهذه السلسلة من الجرائم المعقدة .

هز وسام رأسه وقال بجدية :
_ لا إنها الأصعب، هل تعرف لماذا ؟

سأله معز بفضول :
_ نعم أريد أن أعرف بالطبع .

حرك وسام نظارته الطبية للخلف وقال :
_ لأننا هنا نتعامل مع حيوان قَتل، ولا نعرف هل هو قد حقن بمادة اصابته بالهياج ؟ أم أنه قد تدرب على ذلك لفتره طويلة .

وأكد على حديثه قائلا :
_ حتى أنه مارس ما تدرب عليه مع صاحبه، ولم يتردد للحظة أو يشعر بأنه يخطئ.

أومأ معز برأسه وقال :
_ حسنا وبماذا توصلت ؟

_ " الفحص المبدئي أشار بأنه هناك وجود آثار للدم على الفم وعلى منطقة الذقن كثيرة ..

وهذا معناه أنه تعرض لشريان نافذ كشريان العنق، وهذا الشريان عندما ضخ الدم بعد المهاجمة، أصاب الكلب بكل تلك الكمية " .

قال له معز ليتابع :
_ فعلا معك حق، وماذا بعد ؟

قال له وسام بتركيز :
_ بعد ذلك طلبنا عينات من الفم والبلعوم والأنسجة لنعرف هل بعدما قضم تلك القطعة من الرقبة، هل بلعها أم مجرد هاجمه وألقى بما في فمه .

انتظر معزه أن يكمل حديثه إلا أنه توقف؛ فقال له بضيق :
_ هل نحن في حصة تشويقية، فلتتابع التقرير كاملا، لماذا تقول قطعة وتصمت .

ابتسم وسام وقال :
_ هذا لأني أشعر أن يزن غير موجود معنا من الأساس .

اطالع معز يزن وشروده وقال :
_ يزن بما أنت شارد ؟

انتبه يزن على حديثهما و قال :
_ ماذا تقولا ؟

استند وسام على ظهر المقعد وقال :
_ أنا لن أعيد شيئا مما قلته، فلتخبره أنت يا معز .

استند يزن على مكتبه بذراعيه وقال :
_ أنا معكما، أكمل يا وسام ما تقوله .

تطلع معز في وسام وقال على مضض :
_ قد بطلت حجتك، ها هو يزن قد ركز معك، اخبرنا ببقية ما توصلت إليه .

أخرج وسام من حقيبته الجلدية ملفا ووضعه أمام يزن على الطاولة وال :
_ "بعد الفحص اثبتنا أن الكلب لم يأخذ أي مواد منشطة أو محفزة ربما هي ما أصابته بالهياج ..

ولكن حزنه الشديد واكتئابه وانزوائه ورفضه للأكل، أخبرنا أنه قد فعل ذلك بداعي اللهو واللعب ..

وكأنه كان يلعب معه، لا أعرف ما الذي ظنه الكلب بأن ذلك لعبا، ولكن ما توصلت إليه فلسفيا أن هناك شخص ما دربه على ذلك ..

ومن المؤكد أنه كان يدربه على أجساد بشرية حية .

تطلع معز بيزن ثم عاد إليه وقال بصدمة :
_ أجساد بشرية ! تقصد أن القاتل قد درب الكلب على قتل بشر أحياء .

أومأ وسام برأسه وقال بتأكيد :
_ نعم هذا الواضح أمامي، مهاجمة الكلب لصاحبه بتلك السهولة بعد تلك الجملة التي سمعها من الهاتف، تؤكد أنه فعل ذلك كثيرا .

تطلع يزن ناحية معز وقال بعملية :
_ أريد معرفة كل الحوادث التي وصلت إلينا عن مهاجمة كلاب ﻷشخاص وتبدو تلك الحوادث غامضة .

أومأ معز برأسه وقال :
_ لا تقلق سأحصيها بنفسي .

ثم عاد وسام وقال :
_ " لقد قتل الكلب صاحبه بالانقضاض على رقبته، وأدى ذلك إلى وفاته بعد نقله إلى المستشفى مباشرة ..

سبب الوفاة كان نزيف كبير بما يعرف بـ صدمة نقص حجم الدم، نتيجة النزف لأكثر من 20% من دمه؛ لذلك توفى " .

انتبه يزن على وصول رسالة على هاتفه، ففتح الهاتف وطالعه وجدها رساله من رقم مجهول ..

فقال بهدوء :
_ يبدو أننا سنجد إجابه على أحد أسئلتنا .

سأله معز فضول :
_ ولما تقول ذلك ؟

رفع يزن الهاتف أمام عينيه وقال :
_ رسالة من رقم مجهول، هيا بنا لنرى ماذا ينتظرنا ؟!

فتح الرسالة فوجد مقطع مصور، ضغط عليه وانتظر حتى بدأ يعمل، لقد كان المقطع مصور للكلب بيلي ..

وهو ينقض على أشخاص، كان المقطع يبدأ من مهاجمة الكلب، ولم يبدأ مما قيل له كي يهجم بهذا الشكل العنيف ..

تفاوتت الأماكن ما بين صحراء وأراضي خضراء، وكأنه بكل مرة كان يدربه في مكان مختلف ..

ولكن الهدف واحد، انسان قد قيد وتم تغطية عينيه، كي لا يرى ما سيحدث معه .

سعل وسام بشدة وقال بلهاث :
_ ما هذا الهراء ؟ للأسف نظريتي صحيحة، وكنت أتمنى أن لا تكون كذلك .

شاهد يزن المقطع أكثر من مرة ثم قال لمعز :
_ سأرسل لك المقطع أيضا، ويجب أن تخبر خالد أن يقطع أجازته ويعود على الفور الأمر أخطر مما نتصور .

ثم تطلع به وقال :
_ ولكي يساعدك في معرفة تلك الأماكن و التعرف على هؤلاء القتلى .

أومأ معز براسه وقال :
_ حسنا سأخبره لا تقلق .

دون وسام شيئا ما في مفكرته، فساله يزن بفضول :
_ ماذا تكتب ؟

رفعه وسام وجهه ناحيته وقال :
_ الكلب كان يهاجم بنفس الطريقة، عض الرقبة، ولم يخطئ ولا مرة، عليكم أن تعرفوه كيف كان يخرج هذا الكلب ويترك صاحبه كل تلك الفترة ولا يلاحظ .

اجابه يزن قائلا :
_ هذا الكلب الجميع في المنطقة عندنا يحبه، وكان بإمكانه المكوث في أي بيت والتنزه مع أي شخص .

ثم ضيق عينيه وقال :
_ وكان الطبيب حسان أغلب الوقت يتركه في البيت بمفرده، ويعتمد أن الجميع يهتم به، لذلك بإمكانه الخروج مع كل سكان "الكومباوند" .

حرك وسام كتفه وقال :
_ إذا قد صعبت المهمة عليك .

وقف وسام وهو يغلق حقيبته وقال :
_ أتمنى أن تكون تلك هي القضية الاخيرة التي أرى بها وجوهكم، لقد سئمت حقا لقد سئمت .

تحكم معز على ضحكته وقال :
_ لا تقلق أشعر أننا قد شارفنا على نهاية هذه القضية .

سأله يزن بتلهف :
_ هل توصلت إلى شيء ؟

هز معز رأسه نافيا وقال :
_ لا ولكنه كما قلت مجرد شعور .

رفع وسام عينيه للأعلى وقال :
_ يا رب أثبت صحة شعوري هذا كي أرتاح وكي نرتاح جميعا، لقد تعبت وأنت الوحيد الذي تعلم أنني تعبت .

بينما التفت معز ناحية يزن وقال له :
_ يزن بماذا تفكر ؟

خرج يزن من شروده وقال له :
_ لا شيء، أفكر في القضية .

وقف وسام وقال :
_ سأترككم الآن، وإن احتجت أي شيء، أو لو توصلت أنا لشيء سأخبركم به، إلى اللقاء .

تركهم وانصرف فجلس معز أمام يزن على الكرسي وقال :
_ ماذا هناك يا يزن ؟ هل الأمر حقا له علاقة بالقضية؟ أم هناك أمرا آخر يشغلك ؟

تنهد يزن وقال له :
_ معز من فضلك اتركني بعض الوقت، أنا أريد أن أبقى بمفردي .

وقف معز وقال :
_ حسنا، سأذهب لأبدأ تحرياتي عن عمليات القتل التي تمت عن طريق كلب، فقط ساعتين وسأعود إليك لتخبرني بما بك .

ابتسم يزن وقال :
_ حسنا، شكرا جزيلا لك .

خرج معز وتركه تتخبطه الأفكار والآلام والصدمات، أمه ما زالت على قيد الحياة، وحبيبته اكتشف أنها أخته من أمه، وعمه أخفى عنه تلك الحقيقة كل هذه السنوات ..

إذا بمن يثق مجددا ؟ ولم قد يثق من الأساس ؟


دخلت يارا إلى البيت وهي تشعر بالغرابة، لم تعرف ماذا فعلت كي يتركها ويغادر بهذا الشكل ..

لم يحدث بينهما شيء يدفعه للهروب هكذا، حتى وجبة الإفطار التي دعاها عليها لم يأكلها ..

تركت مفاتيحها على الطاولة فاقتربت منها هالة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها وقالت :
_ أين كنت يا يارا ؟

خرجت يارا من شرودها وقالت لها :
_ كنت بالخارج .

ابتسمت هالة بسخرية وقالت :
_ أنا أعرف إنك كنت بالخارج، ولكن أين كنت ومع من ؟

تلعثمت يارا بالحديث وقالت :
_ لقد كنت أقابل حسام، كنا نتفق على عمل، وعندما انتهيت عدت إلى البيت .

حركت هالة رأسها وقالت ك
_ كنت تقابلين حسام ! وتركته وعاد إلى بيته يا ترى ؟

أومأت يارا برأسها وقالت :
_ لا أعرف أين ذهب، ولكنه بالتأكيد عاد إلى بيته ز

أشارت لها ناحية غرفة استقبال الضيوف وقالت بضيق :
_ وهل بيته هنا ؟ حسام بالداخل و ينتظرك وقال إنه لا يعرف عنك شيئا منذ الأمس .

عضت يارا على شفتها السفلى وقالت بخجل :
_ هل حسام بالداخل ؟!

أجابتها هالة بنبرة ساخرة :
_ نعم حسام بالداخل، إذا مع من كنت ؟!

تأففت يارا وقالت بضيق :
_ أمي لقد كنت بمفردي، و لو قلت لك ذلك لما صدقتني؛ لذلك سأدخل كي اخرى ماذا يريد مني وبعد ذلك افتحي معي تحقيق كما شأتي .

تركتها يارا و سارت ناحية غرفة الضيوف، وما أن دخلت حتى قال لها حسام :
_ أين كنت ؟ لقد انتظرتك طويلا .

تطلعت يارا خلفها ثم عادت إليه وهي تقول بهمس :
_ لقد وضعتني في مأزق، أنا خرجت لمقابلة يزن، وقلت لأمي أنني كنت معك .

تعالى ضحكات حسام وقال :
_ الكذب ليس له أرجل، المهم لقد جئت إليك من أجل أمر هام .

جلست يارا أمامه وقالت بتلهف :
_ وما هو هذا الأمر الهام ؟

تطلع حسام حوله بحذر ثم قال لها بهمس :
_ الأمر يتعلق بهذا السفاح "السيكوباتي" .

فعلت يارا مثل ما فعل وهي تتطلع حولها وعادت إليه قائلة بصوت خفيض :
_ ما الأمر ؟ هل تواصل معك ؟ أم قرر أن تكون أنت الضحية القادمة له بإذن الله .

عاد حسام بظهره إلى الخلف مصدوما وقال :
_ لا، بالتأكيد لو أراد قتل أحد منا، سيقتلك أنت، أنا لا علاقة لي بهذا الأمر برمته .

رفعت يارا عينيها بملل وقالت :
_ حسام قل ما عندك، أنا أمر بفترة معقدة ولا تنقصني سماجتك .

عاد واقترب منها بجسده وهو يقول بهمس :
_ لقد هاتفني الضابط معز، واتفق معي على توقيت معين لا أعرف ما هو، بهذا التوقيت سيهاتفنا ويجب ان نحضر في نفس الوقت في مدينة يزن .

ضيقت يارا عينيها وقالت بتعجب :
_ ولم يا ترى ؟ هل سيضعوننا كبش فداء لهذا الرجل أو طعما له ؟!

فكر حسام قليلا وقال :
_ لا أعرف، هذا ما قاله لي، أعتقد أن الأمر أكبر من ذلك، فهو أكد على حضوري أنا أكثر من حضورك أنت .

فكرت يارا للحظات ثم قالت له :
_ وما الفائدة من حضورك أنت ؟

حرك كتفيه بعدم معرفة وقال :
_ لا أعرف، لننتظر ونرى، وطلب مني شيئا آخر .

سألته يارا بفضول :
_ وما هو هذا الشيء الأخر ؟

اجابها بعد صمت قصير :
_ طلب مني ألا أخبر يزن بهذا الأمر، وبالطبع طلب منك نفس الطلب .

وقفت يارا وقطعت الغرفة ذهابا وايابا ثم عادت إليه وقالت :
_ لماذا يريد أن يخبئ عن يزن هذا الأمر؟ هما شريكان ولا ينفصلان عن بعضهما أبدأ !
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي