الفصل الثاني عشر الدليل قطة

(١٢)



"الدليل قطة"




كانت تقطع الحديقة ذهابا وإيابا دون توقف، حتى أكل القلق عقلها؛ فهاتفت سعد السواق ..

والذي أجابها بضيق :
_ هذه المرة المائة التي تهاتفيني بها، من فضلك توقفي، عندما أعرف أي معلومات سأخبرك اياها .

جلست عزيزة على أقرب مقعد وقالت بوهن :
_ الفضول يقتلني، وقلقي على سيادة اللواء يزداد .

ثم سحبت نفسا طويلا وقالت :
_ أنت تعرف أنه بحالة صحية لا تسمح له بمعاناة التحقيقات، ولا أعرف كيف سمح يزن بهذا ؟!

أجابها سعد بضيق :
_ أنا أشعر بكِ، لذلك أنا هنا ولا أستطيع أن أغادر قبل أن أطمئن عليه .

مسح وجهه بكفه وتابع قائلا :
_ أو أن أخذه إلى البيت أو إلى الجمعية الخيرية، كما أفعل دائما .

تنهدت عزيزة بأسى وقالت :
_ كيف يشكون به لمجرد أنه أخذ الكعكة إلى هذا الرجل، أنا من استلمتها وأنا من اعطيتها له وهي في علبتها .

رفعت ذراعها بحركة تأكيد وأردفت بصياح :
_ وأخذها مني وتحرك إلى البيت؛ فكيف دخل السم إليها ؟! ومن له مصلحة في الزاق التهمة به ؟

أسرع سعد وقال بجدية :
_ لا تخبري أحد بهذا الكلام، و إلا ستكونين محط شك للشرطة يا ذكية .

صفعت عزيزة صدرها بيدها وقالت بفزع :
_ ربما يعتقدون أنني هذا السفاح، وأنني من قتلت كل ضحاياه !

هزت رأسها بالنفي وتابعت بخوف :
_ لا لن أخبر أحد، وأنت أيضا يا سعد لا تخبر أحد، أنا لا شأن لي بكل هذه الامور .

اجابها سعد بتأكيد :
_ حسنا، ولا تهاتفيني مرة أخرى، وأنا عندما أعرف شيء سأهاتفك من فوري، اتفقنا .

أومأت برأسها وقالت بانصياع :
_ اتفقنا، وأنا أثق برحمة الله ولطفه بنا .

أغلقت الهاتف واتجهت ناحية البيت وهي تطأطأ رأسها، انتبهت على صوت خرفشة يأتي من نافذة بيت ملك ..

فوجدت القطة خاصتها قد اندفعت برأسها من فتحة صغيرة بالشباك، وحُجز جسدها بالخلف، وهي تحاول أن تجذب نفسها للداخل أو تخرج إلى الخارج ..

ولكن لم تستطيع وبقيت على حالتها من الصراخ، جذبت عزيزة الكرسي وتقدمت ناحية الحائط، وقفت فوقه ودفعت النافذة قليلا، فتحررت القطة وقفزت إلى الحديقة ..

ووقفت مكانها وأخذت تلعق نفسها، فصرخت عزيزة وقالت :
_ يا الهي، أنت مصابة، ربما من احتكاكك بزجاج النافذة .

ثم حملتها وبحثت مكان تلك الدماء التي غطتها، ولكنها لم تجد بها أي جرح ..

فقالت بتعجب كبير :
_ إن لم تكوني مجروحة، فمن أي مكان علق بك هذا الدم ؟! إنه ساخن !

ثم تطلعت بالبيت وقالت بعد تفكير :
_ ربما هناك جريحا في البيت واتسخت من دمه .

ثم شهقت بصوت عالي وقالت :
_ وربما قتيل، يا الهي ماذا أفعل الآن ؟!

اخرجت هاتفها بكفين مرتعشتين من جيب عباءتها، وهاتفت يزن الذي اجابها وهو يصيح بغضب :
_ عزيزة .

أسرعت وقالت بخوف :
_ اهدأ أنا أريد أن أخبرك بأمر … .

قاطعها يزن قائلا بضيق :
_ قد اخبرتك أنني لن أجيب عليك مرة أخرى، لماذا تهاتفيني الآن ؟

قالت له بنبرة مرتعشة و هي تتطلع حولها بخوف :
_ لقد ساعدت قطة جارتنا ملك في الخروج من النافذة، بعدما وجدتها تحاول الخروج ولم تستطع .

شعر يزن بنبرتها المرتعدة فوقف ببطء، بينما تابعت هي :
_ وعندما خرجت كانت ملطخة بالدماء، بحثتُ عن جرح بها كي أداويه .

ثم توقفت لثانيتين وقالت :
_ ولكنني لم أجد بها أي جرح، واستنتجت أنها ربما قد تلطخت بهذا الدم من شخص آخر، ولا أعرف من هو .

وقف يزن بعينين واسعتين وقال :
_ اذهبي إلى باب ملك حالا واطرقيه .

_ حسنا، سأذهب على الفور .

اسرعت عزيزة و تقدمت ناحية البيت وصعدت الدرجات الرخامية لبيتها، وأخذت تطرق على الباب، ولكن دون اجابة ..

التفتت ناحية باب المطبخ من الجهة الخلفية، وطرقت عليه فوجدته مفتوحا، عادت خطوتين للوراء..

ابتلعت ريقها وقالت ليزن :
_ إن باب المطبخ مفتوح، وأنا أخشى أن أدخل بمفردي، ربما هذا القاتل بالداخل فيقتلني .

قال لها يزن وهو يغادر غرفة التحقيق :
_ لا تتحركي من مكانك، أنا سأرسل إليك معز وقوى كاملة حالا؛ كي تتحقق من البيت .

أجابته وهي تتقدم ناحية البيت :
_ حسنا، سأنتظر وسأغلق كل النوافذ والأبواب؛ كي لا يتسلل هذا القاتل إلى بيتنا .

أغلقت الهاتف ودخلت مهرولة إلى البيت وهي تغلق جميع النوافذ والمداخل ..

وكانت تذكر الله بداخلها؛ كي يحفظها مما يحدث في هذا المكان والذي أصبح مرعب للغاية ..

تطلعت يارا إلى الصور التي أعطاها لها حسام وقالت بانتشاء :
_ هذا أول طريق النجاح، هيا بنا لنذهب إلى الأستاذ يسري؛ كي نعطيه المقالة النهائية .

قال لها حسام وهو يسير بجوارها :
_ حسنا، ولكني أشعر أننا نتسرع، فهذا الشخص ربما ليس هو القاتل كما قلتِ .

رفعت يارا عينيها بملل واجابته قائلة :
_ من فضلك، أنا من كتبت المقال وليس أنت، وأنا من ستتحمل المسؤولية، وأنت فقط مجرد مصور.

تابعت سيرها بعزم وهي تقول :
_ لذا لا أجد سببا لالتهاب ضميرك هذا يا حسام .

طرقت على باب مكتب يسري الذي قال :
_ تفضل .

دخلت وهي تسير بسعادة وزهو، وضعت المقال أمامه على المكتب وقالت :

_ تفضل يا أستاذ يسري هذه أهم مقالة لي في سلسلة مقالات هذا القاتل "السيكوباتي" .

خلع يسري نظارته و وضعها أمامه على المكتب وطالعها قائلا بتعجب :
_ ولماذا هي الأهم ؟!

جلست أمامه وقالت بهدوء :
_ هذا لأنني معي صور القاتل، لقد تم القبض على هذا المختل أخيرا .

اتسعت عيني يسري وفتح الملف مباشرة وأخذ يتطلع إلى الصور ويقول :
_ وكيف عرفت أنه هو ذلك المتهم الخطير يا شارلوك هولمز عصرك ؟

اجابته يارا قائلة :
_ لقد كان معه كم هائل من قوى الشرطة عند دخوله للقسم، وكان يتم التعامل معه بحرص .

نثرت شعراتها للخلف وتابعت قائلة :
_ وأنا رأيته أثناء التحقيقات في مسرح جريمة الضحية سعيد، لقد كان في البيت حينها، وحينما قتل أيضا .

تطلع يسري إلى ما كتبته لمدة ثلاثة دقائق، ثم عاد إليها قائلا :

_ ولكن هذه مسؤولية كبيرة، ربما هو مجرد شاهد سيدلي بشهادته ويغادر .

وضعت كلتا يديها على المكتب، وهي تعتدل في جلستها أمامه مباشرة وقالت :

_ أستاذ يسري، هذا المقال على ضمانتي الشخصية، إنه القاتل أنا أعرف ذلك جيدا .

هز حسام رأسه بيأس على عنادها، بينما قالت هي :
_ إن كان شاهدا عاديا، لماذا سيرسلون تلك القوة الكبيرة كي تأتي به إلى مركز الشرطة ؟

وضع يسري الأوراق في الملف واغلقه وقال :
_ ولكن كيف لشخص مثل هذا، قعيد على كرسي ومريض ومتقدم في السن أن يقتل كل هؤلاء الضحايا ؟

لاحظ حيرتها فتابع قائلا :
_ و هناك من تم حمله ونقله من المكان إلى خارجه أيضا، فكري بعقلك لبعض الوقت .

تهدل وجهها بحزن وقالت :
_ إذا، ألن تسمح لي بنشر المقال؟ لقد قلت لك هذا المقال على مسؤوليتي .

هز رأسه بيأس وقال :
_ لقد نصحتك كثيرا ألا تتسرعي يا يارا، وأن تتوخي الحذر، وها أنتِ تندفعين للمرة المليون .

هدأ من حدة نبرته وتابع برفق :
_ يارا، اعطي لنفسك بعض الوقت؛ كي تفكري، وإن اصريتِ على النشر، سآمر بنشره على مسؤوليتك كما قلت .

وقفت وهي تقول بإصرار :
_ إذا سأذهب به إلى أدمن ومسئول الصفحة الاليكترونية حالا، لأني لن اتنازل عن رأيي .

أغلق يسري الملف وهو يقول :
_ إن كانت هناك أي مسائلة قانونية، ستتعرضين أنتِ إليها، وأرجو أن يكتب في أول المقال أن كل شيء على مسؤوليتك أنت .

أومأت يارا برأسها وحملت الملف وهي تقول :
_ حسنا، لا تقلق سأفعل كل ذلك، شكرا جزيلا لك ولدعمك لي، هيا يا حسام .

تبعها حسام وخرج من مكتب يسري، ثم اعترض تقدمها بجسده وقال :

_ يارا، فلتهدئي قليلا الأستاذ يسري معه حق، وأنا نصحتك، هذه المرة ربما تقعين في مشاكل أنت أكبر منها .

طالعته بقوة وقالت بتأكيد :
_ كما قلت أنا من ستقع بالمشاكل، وليس أنت، لذلك دعني أفعل ما يحلو لي .

تركته وابتعدت، بينما حك حسام فروة رأسه بأنامله وقال :
_ هذه المجنونة ستخسر كل شيء بسبب اندفاعها .


كان الضغط عليه يشتد من كل مكان، وكلما كانت الأسئلة تزيد، كان الصداع في رأسه يزيد ويزيد ..

وكأنه هناك مطارق تضرب داخل عقله، لم يستطع المقاومة أكثر فصرخ قائلا :
_ هذا يكفي .

ساد الصمت لدقائق، بينما قال تميم بوهن :
_ لقد قلت كل ما أعرفه، ألقوني بالحجز أرحم لي من هذا الضغط، إن رأسي يكاد ينفجر .

وقف يزن إلى جوار عمه وقال إلى المتحري :
_ من فضلك يا سيدي، يكفي هذا القدر إنه مريض، وكما ترى لا يستطيع الحركة، فكيف قام بكل تلك الجرائم ؟!

وقف المحرر ولف حول مكتبه وجلس في الكرسي المقابل لتميم وقال :
_ يا سياده اللواء من فضلك اهدأ .

حمل تميم كوب الماء وارتشف البعض منه، بينما تابع المتحري :
_ أنت تعرف طبيعة عملنا، وتعرف أن ما أفعله معك مجرد أسئلة روتينية كلنا تدربنا عليها .

ثم تطلع ناحية يزن وقال :
_ ويزن رفض تلك المهمة، وتركها لي وأنا هنا لا أعطي اعتبارا لأي قرابة أو مكانة بيننا .

ثم عاد إليه بعينه وتابع قائلا :
_ لذلك أرجو منك أن تجيب على كل الأسئلة؛ كي أستطيع مساعدتك .

سأله يزن مسرعا :
_ إذا أنت تعرف أنه بريء .

اجابه المتحري وقال بتعقل :
_ أنا هنا لا أعرف شيئا، كل الدلائل تشير إلى عمك، على الأقل في قضية مقتل سعيد .

ثم أشار على الملف الممتلئ وقال :
_ والتي ترتبط بدورها بهذا "السيكوباتي"، لذلك الشكوك كلها تحوم حوله .

أسرع المحامي قائلا :
_ يا سيدي أعرف أنه يجب عليا ألا أتدخل، خاصة بهذا الوقت من التحقيقات .

تطلع به المتحري فتابع :
_ ولكن تدخلي هذا باسم روح القانون، يكفي هذا القدر الآن، على الأقل أعطه بعض الوقت ليرتاح .

وقف المتحري وعاد إلى كرسيه مرة أخرى وجلس خلفه وصمت لنصف دقيقة يفكر ..

ثم قال بهدوء :
_ حسنا سأترككم في المكتب هنا بعض الوقت، وعندما أعود سنتابع التحقيقات .

ابتسم يزن بود وقال له بامتنان :
_ شكرا جزيلا لك .

أشار المتحري إلى الكاتب أن يتوقف، وخرج هو والكاتب من المكتب ..

فجلس يزن أمام عمه وتمسك بكفيه وقال :
_ لا تقلق من شيء، أنت تعرف جيدا إنها أسئلة معتادة، لذلك كل شيء تتذكره عن أي موقف أو أي حادثة .

صمت لثواني وتابع قائلا :
_ فلتتحدث عنه؛ كي نستطيع إخراجك من هنا بأسرع وقت .

أومأ تميم برأسه وقال بهدوء :
_ حسنا، ولكن ليعطيني أحد سيجاره، رأسي سينفجر من شدة الصداع .

ناوله المحامي سيجارة وأشعلها له، بينما سحب تميم منها نفسا عميقا ثم نفثه في الهواء ..

تطلع بيزن وقال :
_ أنا ما يريحني في هذا الوضع المخزي الذي أنا فيه، أنك تصدقني، غير ذلك لا يهمني .

طأطأ رأسه وقال بحزن :
_ حتى ولو أمروا بسجني، لن أشعر بأي ضغط أو أذى، الأذى الوحيد أن تصدق أنت يا يزن أنني هو القاتل .

قبل يزن كفه ثم رفع رأسه وتطلع به وقال :
_ لا تقلق، أنا أعرف جيدا أنك أنظف وأنقى من هذا، فمن قضى تلك السنوات الكثيرة المنصرفة في مساعدة الفقراء واليتامى والمساكين، لن يستطيع أن يمس نملة وليس أشخاصا .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي