الفصل الخامس عشر خسارة

(١٥)


"خسارة"


كل مرة يجلسون تلك الجلسة المملة أمام الحاسوب، ينتظرون ما سيعرضه عليهم ذلك المختل أو عن سبب اختياره وقتله لهذه الضحية تحديدا ..

لقد طال الأمر في البداية و هم ينتظرون، مل يزن من الانتظار فبدأ يسرع من طول المقطع المصور، خاصة بعد ظهور أشخاص تتحرك ..

ولكن بعد قليل بدأت الرؤية تتضح، لقد كانت ملك مع شخص ما في الفراش، وكانوا في وضع علاقة حميمية ساخنة، وكان التصوير يتضح شيئا فشيء ..

كانت الأصوات تصل إليهم، فأخفض يزن الصوت مسرعا، بعدما اكتسى وجهه بحمرة الخجل، وبدأوا يتابعوا المقطع ..

ليس لمشاهدة العلاقة بالطبع، ولكن لاستكشاف أي شيء يدل على هذا الرجل الذي معها ..

قال يزن وهو يدقق النظر :
_ هل تعرفه يا معز، لا أرى أي ملامح له إنه بظهره .

ابتسم معز بسخرية وقال :
_ لابد أن تعرفه أنت، من المؤكد شخص من عندكم .

تعالت ضحكات يزن، بينما قبض معز على ظهر الكرسي الذي يجلس عليه يزن وهو يقف خلفه وقال بصدمة :
_ ماذا ؟!

التفت يزن برأسه ناحيته وسأله بفضول :
_ ماذا وجد يا معز ؟ هل تعرفت على هذا الشخص ؟

لملم معز شتات صدمته وقال بثبات :
_ لا، ولكن هذا الرجل كبير في السن على علاقة مثل ذلك .

ضحك يزن ضحكة عالية وقال :
_ و ما علاقة السن والتقدم به بإقامة علاقة حميمية ؟ ده أنت مختل يا معز ؟

ثم عاد بعينيه للحاسوب وتابع :
_ والآن دعنا ندقق في ذلك الفيديو جيدا، المقصد من هذا الفيديو أن يقول أنها فتاه بائعة هوى رخيصة .

صمت للحظات وأردف بشك :
_ أم أن يلقي التهمة على ذلك الشخص الذي معها !

ابتلع معز ريقه وقال :
_ إن كان يريد أن يلقي التهمة عليه لأظهر وجهه، من المؤكد أن هناك مقاطع كثيرة أظهرت من هو .

عاد يزن للمقطع وشاهده أكثر من مرة، ولكن لا فائدة لم يعثروا على اي شيء يفيدهم ..

تنهد يزن وأغلق شاشة الحاسوب وقال :
_ الجميع يعرف أن ملك متعددة العلاقات، ولكن لماذا أصر أن يثبت عليها التهمة بفيديو مثل هذا ؟!

اجابه معز وهو يخرج محرمة ورقية من جيب سترته وبدأ يجفف حبات العرق التي تجمعت على وجهه وقال :

_ لا أعرف، ولا أريد أن أعرف، من الجيد أنها قتلت .

غمز له يزن بعينه وقال بمداعبة :
_ ألم تكن تريد ليلة واحدة معها كعشاء أيها الجائع ؟

أشاح بيده قائلا بضيق :
_ هذا كان مجرد مزاح ليس أكثر، وأنت تعرفني جيدا .

وقفا يزن بعدما لاحظ ارتباكه وقال له :
_ أنا أيضا أمزح معك، لماذا تبدو متوترا وخائفا لهذه الدرجة ؟!

ابتسم معز ابتسامة خافتة وقال :
_ لا شيء، الفيديو أثار شيئا ما بداخلي، أنت تعرف أن ترى علاقة أو أن تسمع تلك الأصوات وهذا الكلام .

حرك كتفيه وتابع قائلا :
_ من المؤكد أثارني، ألم يحرك بك شيء أنت أيضا ؟!

جلس يزن مجددا على مكتبه وقال له بجدية :
_ لابد أن نتزوج، تلك الحالة التي نحن بها ستضرنا أكثر ما ستنفعنا، ربما نقع في الخطيئة يوما ما .

ثم عقد ذراعيه وقال بحزم :
_ ولكن الآن يجب أن نجهز تقرير بكل ما حدث ونعطيه لسيادة اللواء .

ثم التفت إلى معز مجددا و قال له :
_ هل تعتقد أننا سنجد مظروف الطلقة ؟!

وضع معز يده على قلبه وقال بقلق :
_ سنرى، هل سنعثر عليه أم لا، لأنه من المؤكد هذا المظروف به دليل الإدانة .

ثم سار ناحية الباب وهو يقول بداخله :
_ أبي كيف فعلت ذلك !

عاد يزن وأدار المقطع المصور مرة أخرى وهو يدقق في ذلك الرجل ويقرب الصورة جيدا ..

ضيق عينيه ثم قال :
_ أشعر أنني أعرفه، ولكن لا أتذكر أين رأيته، لو تحركت الكاميرا إلى اليمين أو إلى اليسار، سأعرفه على الفور .

ثم فتح الظرف الذي به صور جثة ملك، أخذ يتطلع إليه ثم رسم دائرة حول مكان بجوار رأسها ..

سحب نفسا طويلا وقال :
_ سحب الدماء بهذا الشكل معناه أن الجثة تم سحبها وجرها؛ وذلك لإيهامنا بأن الطلقة أُخذت بهذا الاتجاه لهذا لم نجدها،.

مرر أنامله بشعراته وقال :
_ ولا أعتقد أنه قد استطاع أن يعثر عليها في ذلك الوقت القصير، إن عثرنا فقط على تلك الطلقة .

عاد لمطالعة الصورة وقال :
_ وإن كان استنتاجي صحيح، من المؤكد سنعرف من هو أخيرا .

لمعت عينيه بضحكة شيطانية وقال بانتشاء :
_ وحينها لن أرحمك أيها "السيكوباتي" .

رفع سماعة هاتفه وانتظر لحظات ثم قال :
_ من فضلك أريد كوبا من القهوة وليس فنجان .

ثم أغلق الهاتف وتذكر موقفه مع يارا؛ فتنهد مطولا وقال :
_ كفى يا قلبي كفى، إنها لا تليق بك .

ثم تذكر والدتها وابتسم بسخرية وقال :
_ ما هذا اليوم ؟! كل شخص أراه أعتقد أنني رأيته سابقا، سواء هذا المشتبه به الذي بالفيديو، أو تلك السيدة، ماذا يحدث معي ؟

ثم وقف مسرعا وحمل هاتفه النقال ومفاتيحه وخرج من المكتب وقال للمجند :
_ أرسل لي كوب القهوة على مكتب المتحري .

أومأ المجند برأسه و قال :
_ حسنا يا سيدي .

بينما سار يزن ناحية الغرفة وهو يقول :
_ لنرى ماذا حدث مع عمي، ولأعطي تلك المستجدات الجديدة إلى المتحري، ربما يقتنع أن عمي بريء .


عادت يارا إلى البيت تجر أذيال نجاحها المخزي، وعندما دخلت وجدت الشقة تسبح في الظلام ..

خشيت أن تكون والدتها تركت لها البيت وغادرت، ولكنها وجدت ضوء خفيض يخرج من أسفل باب غرفتها ..

ارتاحت قليلا وتركت مفتاحها على الطاولة وارتمت بجسدها على الأريكة، أخذت تفكر بما حدث معها، وتلك المواجهة التي حدثت بينها وبين يزن ..

و ما قاله لها، وتجريحه بها، حتى اعترافه بأنه كان يراها مميزة وأنه كان هناك شيئا ما بداخله ناحيتها، ولكنها أضاعت كل شيء بغبائها وتسرعها ..

ولم تستمع إلى نصيحة أي شخص، لأول مرة تعترف بينها وبين نفسها بانها مبتدئة ..

تنهدت بأسى وقالت :
_ لقد خسرت كل شيء، وأهم خسارتي كانت يزن، ولا أعرف هل سيتقبلني مرة أخرى، أم انتهى كل شيء بيننا ؟!

خلعت حقيبتها من حول كتفها وسارت ناحية غرفة والدتها، التي خرجت هي الأخرى من الجريدة غير راضية عن ما فعلته ..

طرقت الباب وقالت :
_ أمي، لقد عدت .

لم يأتيها أي صوت أو ردة فعل؛ فعادت وطرقت الباب مجددا وقالت :
_ أمي من فضلك افتحي الباب .

مجددا لم يأتيها صوت؛ ففتحت الباب ودخلت، وجدتها نائمة على فراشها متكورة كالأطفال في نفسها ..

وتلك الحالة حدثت لها مرة وهي صغيرة، فهرولت ناحيتها وتمسكت بكتفيها وقالت بذعر :
_ أمي هل أنتِ بخير ؟

لم تجيبها في البداية فصرخت فيها قائلة :
_ أمي من فضلك أجبينني .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي