الفصل الثالث والعشرون شهدٌ مر

(٢٣)

"شهد مر"


خرجا الإثنان من المكتب، بينما جذب يزن معز من يده وقال له :
_ لقد اشتقت إليك كثيرا، لم اكن أعرف أنني أحبك إلى هذا الحد.

ابتسم معز بسخرية وقال :
_ تتعامل معي وكأنني حبيبتك الصحفية تلك .

تنحنح يزن بخجل وقال :
_ هل تعرف أننا تصالحنا، و ذهبت معي إلى بيت عمي و اعتذرت منه هو الآخر .

ثم ابتسم بهدوء وقال :
_ تعال معي إلى مكتبي سأقص عليك الكثير والكثير بهذا الشأن، بشؤون كثيرة أخرى .

توقف يزن وطالعه مطولا ثم قال له :
_ هل والدتك بخير يا معز ؟

أومأ معز برأسه مطولا وقال :
_ نعم إنها بخير، أشعر إنها الآن ولأول مرة قد تشعر بالراحة، لأنها تحررت من هذا الرجل .

نكس رأسه وقال بخزي :
_ لم يأتيها بيوم سوى بالإهانة والمذلة، لم يعرف معنى الحب النظيف و الحياة الشريفة .

ربت يزن على ذراعه وقال بإشفاق :
_ عامة هيا بنا نذهب إلى مكتبي لأريك ما توصلنا إليه في تلك القضية، ولننتظر تقرير وسام .

سأله معز بفضول :
_ وكيف ربطتم بين تلك القضية التي بطلها كلب وذلك "السيكوباتي" ؟

ثم رفع حاجبيه بتعجب وسأله مجددا :
_ هل تلك الورقة هي الإثبات الوحيد بأنه له علاقة ؟

اجابه يزن وهو يفتح باب غرفته :
_ لا، بل هناك أدلة كثيرة، تعال معي وأنا سأخبرك بكل شيء .

دلفا إلى داخل المكتب بينما جلس يزن على مكتبه وقال :
_ ماذا أطلب لك لتشرب ؟

أجابه معز و هو يرتمي بجسده على أقرب مقعد :
_ أنا لا أريد شيئا، شكرا لك .

وصل لهاتف يزن رسالة ففتحها وهو يقول :
_ لمن هذا الرقم الغير مرئي يا ترى ؟!

سأله معز بفضول :
_ هل أرسل لك شخص ما شيئا ؟

أومأ يزن برأسه وقال :
_ نعم هناك شخصا ما يراسلني على "الواتساب"، لنرى ماذا ينتظرنا .

فتح يزن المحادثة فوجد بها مقطع مصور، أداره فوجد كلمات تكتب على شاشة الهاتف ..

فقال يزن بسرعة :
_ معز اقترب، أعتقد أنه القاتل، لم يستطع ترك القرص المدمج فأرسل لي الفيديو المصور على هاتفي .

اسرع معز والتف حول مكتبه ووقف إلى جواره وقال :
_ ومن أين أتى برقمك ؟

فكر يزن قليلا، بينما قال معز :
_ لنرى ماذا ينتظرنا .

تطلعوا بشاشة الهاتف، وبدأ معز في قراءة ما يكتب أمامهما وقال :
_ "اعتقد أن الأمر يزداد صعوبة عليكم، لذا فلتعطوني تركيزكم أكثر ..

هل ما زلتم تعتقدون أنني مجرم ؟ هل ما زلتم تعتقدون أني قاتل ؟ لا أنني أطبق العدالة على الارض ..

تلك العدالة التي لا تستطيعون تنفيذها أو تطبيقها على هؤلاء الخارجون عن القانون " .

ابتسم معز وقال بتوعد :
_ عندما تقع في يدنا سترى ماذا سنفعل بك .

أشار له يزن بيده وقال :
_ لحظة يا معز لنرى ماذا يريد ؟

عاد معز وقرأ ما يكتب :
_ " لا تعتقدون أن اتهامي لعمك يا يزن أو لوالدك يا معز من فراغ، لا، فهم أيضا يستحقون ما هم فيه وأكثر ..

سيادة اللواء صاحب البر و التقوى، والذي لطالما تجبر على البشر مستندا على مهنته ..

و رجل الأعمال الفاشل صاحب العلاقات المتعددة، و العاشق للنساء جميعا ومن يريدها يخضعها ولو بموافقة زوجها " .

مرر معز يده على وجهه وقال بضيق :
_ الحقيقة تؤلم كثيرا .

شدد يزن على يده وقال :
_ فلتتابع كي نصل لما يريده .

عاد معز وركز بشاشة الهاتف وقرأ قائلا :
_ " ذلك الطبيب والذي ستنقلب الدنيا رأسا على عقب لوفاته، ما هو إلا جزار للبشر والتجارة بلحمهم ..

يشتري من الفقراء قطعا من أجسادهم، مستغلا حاجتهم وفقرهم و معيشتهم الصعبة ..

واستغلاله للحلات المتأخرة وقتلها كي يستحوذ على أعضائها ليبيعها ويزداد رصيده البنكي ..

لا يراعي أهل المرضى الذين يعيشون على أمل شفاء زويهم و عودتهم ليهم كي تقر عيونهم ..

وسأرسل قائمة بأغلب ضحاياه، لتتأكدوا من صحة ادعائي عليه، لذلك أنا مجرد إنسان قرر تنظيف هذا العالم من هؤلاء المرضى المتوحشين ..

ودور الكلب هنا سأترك لكم حق التخمين والغوص في عالم الأفكار ربما تستطيعون حل هذا اللغز " .

انتهى المقطع المصور، ليجد يزن رسالة أخرى بملف فيه أسماء كثيرة ..

ولاحظوا أن جهة الاتصال تلك قد حظرت رقم يزن، وانتهى الاتصال بينهما ..

تطلع يزن بمعز و قال :
_ إن صح حديثه، فأنا بدأت أتعاطف معه، كنا نتعامل مع "سيكوباتي" واحد، لنجد جميع من حولنا مثله وأكثر .

دخل خالد عليهما وقال :
_ يزن لقد توصلنا لمعلومات كثيرة تخص … .

رأى معز يقف خلفه فابتسم وقال بسعادة :
_ معز أنت عدت ! حمدا لله يا صديقي .

أسرع يزن قائلا بتلهف :
_ ما هي المعلومات التي تحصلت عليها ؟

انتبه خالد عليه فأجابه قائلا :
_ أتذكر أن هذا القاتل "السيكوباتي" قد دلنا على منظمة تجارة المخدرات والتي كان سعيد فردا منها .

وقف يزن وطالع معز وعاد إليه قائلا :
_ نعم أتذكر ما الجديد ؟

عدل خالد من ياقة قميصه وقال بزهو :
_ بعد تحرياتي لقد عرفت الكثير عنهم، وعن من يعاونهم من داخل البلد هنا .

ضرب يزن سطح طاولته وقال بانتصار :
_ هؤلاء هم أصدقائي، فعلناها يا رجال .

بينما قال معز بجدية :
_ خالد أعد ملفا حالا بكل تلك المعلومات، سواء كان ورقيا أو إلكترونيا، وقدمه لنا قبل اللواء .

أومأ خالد برأسه وقال :
_ أنا في طور إعداده بالفعل، ولولا مساعدة قطاع مكافحة المخدرات لما كنا هنا .

قال له يزن بتوجس :
_ الحمد لله أنك انتهيت من تلك القضية .

تصنع خالد البكاء وقال :
_ لا أحب تلك الجملة مطلقا، يزن أنا هنا منذ أسبوعين ولم أرى زوجتي سوا مكالمة بالفيديو كل يوم .

وارى معز ابتسامته، بينما قال يزن وهو يغمز له مداعبة :
_ اشتقت لعروستك يا عريس .

اجابه خالد بجرأة :
_ نعم اشتقت اليها، أمثالكم لن يفهم معنى أن تتذوق الشهد، وفجأة تحرم منه .

تعالت ضحكات معز الذي قال :
_ الشهد ! حسنا أيها المشتاق سنعطي لك اليوم وغدا أجازه لتستمتع بالشهد .

طالع يزن معز بضيق وقال :
_ ومن سيتحرى لنا عن أسماء هؤلاء المرضى إذا ؟

اسرع معز قائلا :
_ أنا من سيكلف بتلك المهمة حتى عودته .

تهدلا كتفي خالد الذي قال براحة :
_ معز أنت الأفضل على الاطلاق يا صديقي، سأغادر بعد أن أعطيكم الملف ولن استمع لحرفا واحدا منكم .

تركهما وخرج ليقول يزن بابتسامة ساخرة :
_ ها هو ذلك القاتل يثبت أنه صاحب هدف، أرى أن نتركه يطهر المكان من تلك القاذورات .

وخزه معز في ذراعه وقال :
_ أيها الضابط إنه قاتل، استيقظ من هذا التفكير قبل فوات الأوان .

دلف المجند قائلا :
_ سيدي الصحفية الصغيرة تريد رؤيتك .

كالعادة اقتحمت يارا الغرفة وهي تقول :
_ ماذا حدث معكم في قضية الطبيب ؟ هل هناك مؤشرات أولوية ؟

تنهد يزن وقال وهو يتعمق في عينيها وشفتيها :
_ له حق خالد، الأولوية دائما ستكون للشهد بلا شك .

تعالت ضحكات معز الذي قال بسخرية :
_ أنا سأبدأ في العمل على ما طلبته، سلام .

تركهما وخرج وهو يدفع المجند أمامه، بينما قال يزن :
_ ما رأيك أن نتناول الغداء سويا .

فكرت يارا قليلا وقالت :
_ بالمقابل تطلعني على المعلومات التي أريدها .

رفع يزن طرف شفته وقال :
_ انتهازية حقيرة، ولكن كما الشهد .

تنحنحت يارا بخجل وقالت :
_ ماذا تقصد ؟

حمل مفاتيح سيارته وقال :
_ سأخبرك بقصدي ونحن نأكل هيا بنا .


كان يزن يدفع كرسي عمه أمامه حتى دخل إلى سرادق العزاء الخاص بالطبيب حسان ..

اقترب من سالم وصافحه قائلا :
_ البقاء لله .

صافحه سالم وقال :
_ البقاء والدوام لله .

ثم انحنى سالم وقبل رأس تميم وقال له :
_ كيف حالك يا عمي ؟

تنهد تميم بأسى وقال :
_ كما أنا، نصفنا أصبح مقتول، ونصفنا الآخر متهم بالقتل .

رفع سالم رأسه وطالع يزن وقال له :
_ إلى متى ستستمر تلك المهزلة .

تطلع يزن حوله إلى تلك العيون التي تترقبهم وقال :
_ الوقت ليس مناسبا ولا المكان ايضا، ولكن أريد أن أخبرك بشيء واحد .

تنفس مطولا وقال :
_ نحن لا نعود إلى بيوتنا و نعمل طوال الوقت؛ كي نكشف هذا المختل .

تنهد تميم مطولا وقال :
_ وأنا كنت اجتمع مع رجال المنطقة هنا؛ كي نكثف كاميرات المراقبة، ورجال الأمن، كي لا تحدث جرائم أخرى .

قال يزن بضيق :
_ ولكنه هذه المرة خالف كل توقعاتنا، فهو لم يقتل بنفسه، بل استخدم الكلب وجعله أداة للقتل .

سأله سالم بفضول :
_ هل وصل تقرير الطب الشرعي ؟

اجابه يزن بتعقل :
_ لا نحن ننتظره، ولأول مره يتاخر تقرير، وكأنهم لا يريدون أن يعطوه لنا، إلا إذا كان وافيا .

سأله سالم مجددا :
_ وأين بيلي الآن .

صمت يزن لبرهة وقال :
_ بعد أن أخذت منه العينات، وضع في ملجأ معروف للكلاب يهتمون به حتى تظهر نتائج الفحص .

أومأ سالم برأسه وقال :
_ حسنا، ولكنني أريد أن أخبرك شيئا، حق والدي أنا لن أعتمد عليكم به، بل سأخذه أنا بنفسي .

لمعت عينيه وقال :
_ سأجد هذا القاتل ولو سيكون عمري كله ثمن لذلك، لن أدعه يفلت بعملته، وعندما أجده سواء عثرتم أنتم عليه أم عثرت أنا عليه سأقتله .

عاد بعينيه ليزن وقال :
_ ولن أتردد بذلك، ولن أقتله فقط بل سأعذبه وسأريك كيف تكون "السيكوباتية" .

اسرع يزن قائلا :
_ لا، طالت المدة أو قصرت سنعثر عليه، ولكن لن تضيع مستقبلك من أجل حشره مثل هذا .

أمن تميم على ما قاله يزن وقال :
_ أنا أتفق مع يزن، هذا المختل يستحق الإعدام، وأن يصبح مثال أمام العالم كله؛ كي لا يخرج إلينا أمثلة مريضة كحاله .

وضع سالم يده في جيبي بنطاله وقال :
_ قولوا ما شئتم، ولكن هذا الرجل أنا لن اتركه، وسآخذ حق أبي بيدي، أنتم تعلمون جيدا أنني من أصول صعيدية .

ثم رفع ذقنه بإيباء وقال :
_ والثأر عندنا كالشرف، وهذا السرادق والعزاء مجرد مسلسل هزلي لا أكثر .

اجابه يزن قائلا :
_ لا مجال لهذا الحديث الآن، أرجو منك بعد أن ينتهي العزاء أن تأتي إلى مكتبي لنتحدث سويا في أمور كثيرة .

ابتسم سالم بسخريه وقال :
_ وهل أنا من المشتبه بهم أيضا ؟

اجابه يزن مسرعا :
_ لا، إنها مجرد لحظات نقضيها في الحديث، ربما من خلال الحديث معك أجد خيطا يدلنا على القاتل .

أشار له سالم بالدخول إلى السرادق وقال :
_ حسنا غدا صباحا سأكون عندك لا تقلق، أنا لا أخشى شيء .

هز يزن رأسه بيأس وقال :
_ أنت لا تفهمني وتظن بي السوء، سنؤدي واجب العزاء اليوم ومن الغد سنعمل على كشف هذا الرجل .

دفع يزن كرسي عمه داخل السرادق وأوقفه وجلس إلى جواره وهو يقول بهمس :
_من يرى انفعال سالم لا يعرف أنه لم يأتي لزيارة والده منذ شهور .

شبك تميم أنامله في بعضهم وقال :
_ هذا شأن لا يخصنا، وبالنهاية أن يبقى على قيد الحياة ولا يزوره، أهون بكثير من قتله بتلك الطريقة البشعة .

مال يزن برأسه عليه وقال :
_ انه لا يستحق أي شيء، لقد كان شخصا حقيرا .

رفع تميم عينيه بملل وقال :
_ اخرس يا يزن واستمع إلى القرآن، لا يجوز أن نتحدث وهو يتلى .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي