الفصل16 ج2 صدام الأصدقاء

(١٦)


"صدام الأصدقاء"



كان معز يقف مصدوما وهو يري نظرات الكره له في عين صديق عمره، ولا يصدق ما يحدث أمامه ..

صرخ يزن قائلا بتأكيد صادم :
_ نعم أقصدك أنت، أنت أناني وقد ظهرت على حقيقتك، تريد المجد لك وحدك، ولا تريد أن يشاركك به أحد، كما فعلت بقضية عمي .

التف معز حول مكتبه ووقف أمامه وقال :
_ وإن كنتم بتلك الحقارة يا يزن، فهل أكون بها معك أنت ؟!

اقترب يزن منه مقربا وجه من وجهه وقال بتحدي :
_ من الجيد أنك تعرف أن ما فعلته هو الحقارة بحد ذاتها .

عض معز على شفته السفلى وقال متحكما في انفعاله :
_ يزن أخرج من مكتبي حالا .

ضحك يزن ضحكة عالية وقال :
_ ولماذا أخرج ؟ هل تتحكم في انفعالك الآن ؟ هل تريد ضربي مثلا ؟

اغمض معز عيناه وقال له بتريث :
_ يزن أخرج حالا من مكتبي، فانا في غضبي لا أعرف ماذا أفعل، ولا اريد أن أخسرك .

ثم فتح عينيه وتابع بهدوء :
_ حتى ولو قلت عني أكثر من ذلك، فلن أنجرف لخسارتك .

وخزه يزن بصدره وقال بنظرات استحقار :
_ افعل ما شئت، أرني قوتك أيها الضابط الأناني .

قبض معز قبضته ثم تطلع به وقال :
_ لا لن أطاوعك وسأخرج من المكتب انا، ولكن ستأتي إلي وتعتذر، ولن اسامحك .

ترك معز المكتب وخرج بينما وقف يزن يطالعه بنظرات غاضبة، خرج وسار حتى غرفة المكتب الخاصة به ..

وقف بجوار المجند وقال بصرامة :
_ أريد كوبا كامل من القهوة وليس فنجان، كوب أتسمعني ؟

اجابه المجند قائلا بحذر من هيئته :
_ حسنا يا سيدي دقائق وستجده أمامك .


لم يشعر بساقيه التي أخذته إلى مكانها، كان يسير في الرواق بأنفس لاهثة، وكأن وحشا ما بداخله يريد أن يخرج ..

وجد نفسه أمام باب غرفتها، لم يتمهل ككل مرة بل فتحها ودخل مباشره وقال :
_ ولاء أين أنت ؟ اشتقت إليك كثيرا .

كانت نائمة، فتحت عينيها وطالعته بنظره ثابتة، فاقترب منها وقال بتفهم :
_ ولاء أنا هنا وإلى جوارك أنت لا تتوهمين .

اتسعت عيناها ووقفت مسرعة أمامه، وأخذت تتلمس وجهه، بينما تمسك هو بكفيها وقال :
_ لا تقلقي أنا هنا، أنت لا تحلمين .

تمسكت بكفيه بكل قوتها وهي تطالعه بنظرات يملأها الشوق، فضم رأسها إلى صدره وقال :
_ أعلم جيدا أنك تحتاجيني إلى جوارك .

ثم ملس على شعراتها وقال :
_ ولكن اليوم أنا من أحتاجك وكثيرا .

ابتعدت عنه وتعمقت في عينيه الحزينتين، ثم جذبته من يده وأجلسته على الفراش، ثم صعدت إلى جواره وثنت ساقيها تحتها وانتظرت أن يتحدث ..

بالفعل نكس معز رأسه وقال :
_ لقد تشاجرت اليوم مع صديق عمري، واتهمني باتهامات لا تمت لي بصلة .

تنفس بعمق ثم قال :
_ أنا أحبه كثيراً، إنه أخي ليس لدي أي شخص في هذه الدنيا قريب مني سواه وسواكِ أنت .

ابتسمت بخفوت بينما لامس ووجهها وقال :
_ هذه الابتسامة زالت عني كل التعب، والذي كنت محملا به وأنا قادم إليك .

شدت على كفه بينما تطلع هو بباب الغرفة وقال بحزن :
_ لم اكن أتوقع أن يزن قد يظن بي هذا الظن، وأنه سيتهمني بأنني أخونه وأُفضل نفسي عليه .

تطلع ناحيتها وقال :
_ هل تعلمين شيئا يا ولاء ؟ لطالما وقف إلى جواري وساعدني أن أخرج من محنتي، ولطالما كان هو اليد الحنونة التي تربت علي وتجذبني من ضعفي إلى قوتي .

هز رأسه وهو يقول بأسى :
_ فكيف ظن أنني سأرد معروفه معي بأن أفضل نفسي عليه ؟!

مرر كفيه على وجهه وقال بحيرة :
_ لا أعرف كيف توصل إلى هذا التفكير ؟!

ثم تنهد مطولا وقال :
_ في الفترة الاخيرة يزن تغير كليا، ولا أعرف كيف أساعده، فقط أشاهده ينهار مثلي كالغريب .

ثم ابتسم بسخرية وقال :
_ وعندما حاولت مساعدته، فسر ذلك تفسير سيء للغاية .

ثم تطلع بوجهها بعض الوقت وقال :
_ أنا آسف لأني جئت إليك محملا بمشاكلي، من المفترض أن أزيح أنا عنك لا أن أحملك همومي .

أومأت برأسها وكأنها تقول له لا تقلق أنا إلى جوارك ..

ابتسم معز وقال براحة :
_ بعدما تحدثت معك أشعر أنني أفضل، ولكن لا أعرف هل سيطول خصامنا أنا ويزن .

ثم فكر قليلا وقال :
_ أم أذهب إليه وأحاول أن أتحدث معه برفق ولين، وأوضح له أنني لم أقصد ما جال برأسه ؟!

ثم رفع حاجبيه وقال :
_ لا عليكِ أنتِ، كيف حالك اليوم؟ هل أنت بخير ؟

حركت عينيها بنعم، فعاد وقال لها :
_ هل تناولت وجبه غدائك ؟

أومأت برأسها نافية فقال بحماس :
_ إذا سأخرج من هنا وأذهب وأحضر لنا وجبتين من الخارج، أنا لا أحب طعام المستشفى .

وقف وقال وهو يعدل من سترته :
_ ماذا تريدين ؟ أتريدين مشاوي، أم دجاج مقلية مقرمشة ؟

فكرت قليلا ورفعت أنمالها بالرقم اثنين؛ فابتسم معز وقال :
_ وأنا أيضا أعشقها، إعطيني فقط نصف ساعة سأذهب وأحضر الطعام وآتي على الفور، لن أتأخر عليك .

سار حتى الباب حتى تصمم مكانه عندما سمع :
_ معز .

ضيق عينيه والتفت اليها قائلا برجفة خفيفة :
_ هل ما سمعته صحيح ؟!

كانت صامتة هادئة؛ فشعر أنه ربما كان يحلم، ابتسم وقال لها :
_ أنا أعتذر، لقد سمعت إسمي فاعتقدت أنك ربما صحتي بي .

كاد أن يلتفت مجددا حتى قالت له :
_ معز .

سار ناحيتها مسرعا وهو يقول بسعادة :
_ لا هذه المرة أنا لا أحلم، لقد قلت اسمي منك، لقد تكلمتِ .

ابتسمت بخوف وعادت وقالتها للمرة الثالثة :
_ معز .

تمسك بكفيها وقال بتخبط :
_ أنا، أنا سأذهب للطبيب كي أخبره أنك تحدثي أخيرا، لا تتحرك من هنا اتفقنا ؟

تركها وخرج يركض من الغرفة وهو سعيد، حتى قال في نفسه :
_ أين أنت الآن يا يزن ؟ أنا احتاجك كثيرا .


بقيت في غرفتها طوال اليوم لم تغادرها، وملامح الحزن والحيرة تغزو وجهها الجميل ..

دخلت هالة عليها وهي تقول :
_ يارا لماذا تجلسين بمفردك ؟

لم تتطلع يارا نحوها، ولكنها أجابت بهدوء :
_ أمي من فضلك، أنا أريد البقاء بمفردي .

دخلت هالة واغلقت خلفها الباب وهي تقول :
_ منذ متى وأنت تحبين الوحدة ؟! ألا تتذكرين كيف كنتِ ؟

ابتسمت يارا بسخرية وقالت :
_ بلى أتذكر، ولكن خلال بضعة شهور تحولت إلى ما أنا عليه، كامرأة عجوز، فقدت شغفها في الحياة، وتريد الوحدة وبشدة .

جلست هالة على المقعد المقابل لها وقالت بقلق :
_ ما هذا اليأس يا يارا ؟ يجب أن تكون حالتك النفسية جيدة من أجل ابنك .

التفتت يارا ناحيته وقالت بحدة :
_ إبني ابني ابني ابني، ألا يفكر بي أي شخص هذا البيت ؟! الجميع يفكر في ابني و فقط .

ثم أشارت على نفسها وقالت :
_ وأنا ألا تشعرون بالشفقة علي، وعلى ما أحتمله في الفترة الأخيرة .

تمسكت هالة بكفيها وقالت بتعقل :
_ أنت ابنتي، وإن وصلك ولو لمرة واحده أنني أعاملك على غير ذلك؛ فانا لن أسامح نفسي .

تطلعت يارا بالبعيد فعادت قائلة :
_ وإن فكرت في ابنك، فأنا افكر به لأنه لو تضرر أنت من ستحزن، أنت من ستفقد الشغف كما قلتِ، أنت من ستميل إلى الوحدة وربما تصل للاكتئاب .

أدارت وجهها ناحيتها وقالت :
_ أنا أفكر بك أنت يا حبيبتي وفقط .

اغمضت يارا عيناها متحكمة في انفعالها، فعادت هالة وقالت :
_ يارا حبيبتي، لقد تحملت مسؤوليتك منذ كنت طفلة ذات الأربع أعوام، لم أقصر في حقك .

ملست على شعراتها وقالت :
_ بل تقربت إليك وكل ما حرمت منه من مشاعر مع ابني، اعطيته لك وبدافع الحب، لأني أحببتك وشعرت أنك ابنتي عن حق .

تطلعت يارا بها؛ فتابعت قائلة :
_ ربيتك على المُثل والأخلاق و التقرب إلى الله وأن تخشيه، حتى أنني مع الوقت نسيت أنك لست ابنتي .

تنهدت هالة بحزن وقالت :
_ وبعد وفاة والدك بقيت معك لأني كنت أخشى عليك من نفسك، بالرغم من أنك كنت كبيرة وراشدة، وتستطيعين تحمل المسؤولية والاعتماد على نفسك .

ثم عادت إليها وتابعت قائلة :
_ ولكن دفع الأم وحبي لك دفعوني لأن أبقى إلى جوارك، حتى بزواجك من ابني كنت أسعد إنسان على وجه الارض .

ثم ابتسمت وقالت :
_ لأنك ستبقين في حضني، بين يدي وأمام عيني .

أزاحت يارا كفها وقالت :
_ أمي أعرف أنه كان بيني وبين يزن شيئا ما قبل أن يعرفك، ولكنه لم يصرح لي برغبته في الزواج بي .

ابتلعت ريقها وسألتها بتوتر :
_ فهل كان زواجنا تحقيقا لرغبتك أنت ؟ أم هو من أراد ذلك ؟!

عقدت هالة حاجبها وقالت :
_ أنا لم أطلب منه شيئا، بل هو من أتى وقال لي أنا أريدكما أن تعيشا معي، فقلت له لا يصح أن تبقى يارا معك وهي غريبه عنك .

كانت يارا تسمعها بترقب :
_ فقال لي يارا حبيبتي، وإن طالت المدة أو كثرت كنت سأطلبها للزواج؛ فأنا لم أحب بحياتي شخصا كما أحببتها .

وقفت يارا وهي تقول بحدة :
_ وإن كان الوضع كما تقولين، وهو أحبني بهذا الشغف، لماذا من بعد زواجنا وبعد أن امتلكني تغير كليا ؟!

أعادت شعرها للخلف وهي تقول بحيرة :
_ لم يعد يتذكرني، لم يهتم بي سوى بلحظات نقضيها عند الطبيب يطمئن بها على ابنه .

وقفت هالة إلى جوارها وقالت :
_ هو يقول أنه مشغول، أنا لم أكن معه سابقا في عمله، ولكن عزيزة أكدت لي أنه كان كذلك أثناء عمله، ولم يكن يعود إلى البيت بالأيام .

سارت يارا خطوتين وهي تقول :
_ لابد أن يتغير، لابد أن يعرف أنه الآن متزوج، وزوجته تحمل في بطنها ابنه، وأمه معه .

التفتت إليها وقالت بضيق :
_ يجب أن يهتم بنا ويكون إلى جوارنا، يجب أن يعرف أنه لم يعد هذا الشخص الحر، وأصبح مكبلا بنا .

ربت هالة على ذراعها وقالت :
_ حسنا سأتحدث معه مجددا لا تقلقي، ولكن إهدائي أنت حبيبتي .

قالت لها يارا بتريث :
_ أنا لم أقصر معه في أي شيء، أشعر أن بحياته امرأة أخرى غيري يذهب إليها .

تنهدت بحزن وقالت بنبرة ذبيحة :
_ ربما هي من تريحه، لذلك يبقى عندها لوقت متأخر أغلب الأيام .

جذبتها هالة من ذراعها وأوقفتها أمامها وقالت :
_ أنت مجنونة ! ﻻ يزن لن يفعل ذلك بك، إنه يحبك وإن كنت لن تصدقي ذلك؛ فأنت المخطئة بحقه .

هزت هالة رأسها نافية وقالت :
_ لا أعتقد أن الأمر له علاقة بالنساء، إنه مخلص في عمله ويحب الكمال لذلك لن يسمح بأي خطأ، ويقضي أغلب وقته في هذا العمل .

رفعت يارا رأسها بإيباء وقالت بتحدي :
_ حسنا اثبتي لي هذا الكلام .

ضيقت هالة عيناها وقالت بتعجب :
_ ماذا ؟! وكيف سأفعل ذلك من الأساس ؟

قالت لها يارا بمكر :
_ سأقول لك ماذا سنفعل ؟ ولكن إن صح ما يدور برأسي، لن أبقى معه لحظة واحدة .

هزت هاله رأسها وقالت بخوف :
_ يارا بما تخططين ؟

ابتسمت يارا بسخرية وقالت بثبات واهي :
_ ابقي معي وسنرى، وأنا سأخبرك بكل شيء ولكن في الوقت المناسب .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي