الفصل العشرون غلبني الشوق

(٢٠)


"غلبني الشوق"




بعد مرور إسبوع وهدوء الأحوال نسبيا، كان يزن يجلس في مكتبه فوجد المجند يدخل عليه ويقول :
_ سيدي الصحفية يارا تريد مقابلتك .

رغم تلك الدقات التي أعلنت شوقه لها إلا إنه قال بحدة :
_ لا أريد رؤيتها أخبرها أنني مشغول .

ولكنها اندفعت من الباب وقالت له :
_ والآن أعرف أنك لست مشغول، أنا أريد من وقتك فقط خمس دقائق .

تطلع يزن بالملف الذي أمامه و قال :
_ لا وقت عندي، من فضلك غادري أنا قلت لك أنني لا أريد أن أراكِ مجددا .

سارت ناحية المكتب وقالت برجاء :
_ من فضلك يا يزن اعطيني بعض الوقت، أنا أريد أن أتحدث معك .

لم يجيبها فتابعت بإلحاح:
_ فلتسمعني وإن لم يروق لك حديثي سأغادر ولن تراني مجددا .

جذبها المجند من يدها وقال :
_ لا يصح يا آنسة الدخول بهذا الشكل .

وقف يزن مسرعا وأبعد يدها عن يده وقال بشراسة :
_ لا تمسها مجددا هل سمعت ما قلته ؟

اطمأنت يارا قليلا بأن مكانتها بقلبه ما زالت كما هي، بينما أدى المجند التحية العسكرية ..

عاد للخلف خطوتين وقال بخجل :
_ عذرا يا سيدي، اعتقدت أنها تتطفل عليك .

خرج من الغرفة بينما أغمض يزن عينيه بملل وقال في نفسه :
_ " ماذا تفعل أيها الغبي ؟ " .

بينما وارت يارا ابتسامتها وقالت :
_ كل ما أريده منك بعض دقائق، فهل ستسمح لي بها ؟

أشار لها يزن أن تجلس وقال :
_ فلتتفضلي ولتقولي ما شئتي، وبعد أن تنتهي غادري من هنا فورا .

جلست على الأريكة المقابلة لمكتبه وقالت :
_ أعلم أنني أخطأت، وأعلم أيضا أنني تسرعت، ولكني لم أكن أعرف أنه عمك .

ابتسم يزن بسخرية فتابعت :
_ و إن كنت أذيته كما قلت، فأنا أعتذر وأريد منك أن تأخذني إليه كي أعتذر له شخصيا .

ضيق يزن ما بين حاجبيه بتعجب، بينما أردفت هي :
_ وبعدها إن أردت مسامحتي لك هذا، و إن لم ترد كما قلت سأختفي من أمامك إلى الأبد .

تعال ضحكات يزن الساخرة وقال لها :
_ أذيتيه! هل تعتقدين أنك فقط أذيتيه ؟!

ثم سار ناحيتها وجذبها من ذراعها وقال :
_ فلتأتي معي لتري نتيجة فعلتك التي تصفيها فقط بالإيذاء .

كانت تركض وراءه جراء خطواته الواسعة، حتى توقف أمام سيارته و ضغط جهازها؛ فانفتح الباب ..

أشار لها أن تدخل وقال :
_ تفضلي .

جلست إلى جواره، بينما هو التف حول السيارة واستقلها خلف النقود وأدارها وانطلق بها ..

توقف بمكان راقي وأشار على مبنى كبير وقال :
_ تلك الجمعية الخيرية يملكها عمي الذي وصفتيه بالقاتل .

ثم تحرك بيده ناحية مبنى مجاور وقال :
_ و تلك الدار الخاصة بالأيتام .

تنهدت بأسى وقالت :
_ لا تقل أنها ملكه أيضا .

أومأ برأسه بتأكيد وقال :
_ نعم إنها ملكه، انه يرعى الأيتام والفقراء، هل تعتقدين الآن أنه هو السفاح ؟

اغمضت عينيها وأعادت شعراتها إلى الخلف وقالت :
_ أنا لم أكن أقصد، كنت أعتقد أنه هو من طريقة القبض عليه؛ لذلك جئت إليك كي أعتذر منه .

تطلعت به وقالت بصوت خافت :
_ فهل ستأخذني إليه يا يزن ؟

فكر يزن قليلا وقال :
_ أنا سأخذك، ليس فقط لتعتذري ولكن لكي تري الحالة النفسية التي أصبح عليها، لأنه يرفض أن يقابل أي شخص .

انطلق بالسيارة مجددا حتى وصل إلى الكومباوند الخاص بهم، و دخل من البوابة ومنه إلى قصرهم ..

ترجلا من السيارة سويا، وقفت يارا تطالع البيت بانبهار من فخامته، بينما دخل بها يزن من الحديقة ..

ولم يدخل عبر البيت، فوجد عمه يجلس شاردا يطالع الأشجار التي أمامه بشرود وحزن ..

أشار لها يزن وقال :
_ إنه على حالته تلك منذ ذلك اليوم، يخرج إلى الحديقة منها إلى غرفته ولا يتحدث مع أحد .

تنهد بأسى وقال :
_ حتى الطعام يأكله بقدر قليل، وعصبي طوال الوقت .

التفتت يارا ناحيته وقالت :
_ هل تسمح لي بأن اقترب منه ؟

أومأ يزن برأسه وقال :
_ تفضلي .

سارت ناحيته حتى وقفت أمامه، فطلعها تميم بتعجب ممزوج بالغضب ..

جثت يارا على ركبتها وقالت :
_ مرحبا، انا يارا .

تطلع تميم بالبعيد وقال :
_ لماذا جأتي ؟ لتحققي سبقا صحفيا آخر .

اسرعت وقالت :
_ لا بل جئتك أعتذر منك، ربما تسامحني كي أرتاح من عذاب ضميري .

ابتسم تميم بسخرية و قال :
_ وهل أمتالك لديهم ضمير ؟

ابتلعت ريم تلك الغصة في صمت وقالت له :
_ نعم لدي، ولكني متسرعة وببداية عمل الصحفي، وذلك أول خطا لي .

تطلعت ناحية يزن وقالت :
_ ودفعت ثمنه غاليا .

ثم عادت لتميم وقالت بطفولة :
_ وكل ما أرجوه منك أن تغفر لي .

تطلع تميم خلفه إلى يزن الواقف يطالعهما ثم عاد إليها وقال :
_ هل بإمكانك إعداد القهوة لي ؟

ابتسمت يارا و وقفت وقالت :
_ نعم بإمكاني، أمي تخبرني دائما أنني أعد القهوة بشكل رائع، بإمكاني اعدادها لك كما أعدها لها، أين المطبخ ؟

أشار لها تميم بيده لداخل البيت وقال :
_ من ذلك الباب، تدخلي ستجدين المطبخ في أمامك مباشرة، أخبري عزيزة أنني من أرسلتك .

أومأت يارا برأسها وقالت بسعادة :
_ حسنا، اعطيني فقط خمس دقائق وسأحضره لك .

ابتسم يزن وهو يطالع انصرافها السريع ثم وقف أمامه وقال :
_ لماذا سامحتها ؟

شبك تميم أنامله في بعضها وقال :
_ تلك النظرة التي كانت في عينيك ناحيتها، تجعلني أغفر لها كل شيء .

لأول مرة يبتسم بخفوت وقال :
_ أنا أحيا في هذه الدنيا كي أراك سعيدا يا يزن، وتلك البنت متسرعة ومتهورة لا أنكر .

شاركه يزن ابتسامته فتابع قائلا :
_ ولكنها جميلة أيضا، وبما أنها جاءت لتعتذر، فهي من أصل طيب، وأنا لا أطمع في أن تكون شريكتك سوى بتلك المواصفات .

وضع يزن كفيه في جيبي بنطاله وقال :
_ شريكتي مرة واحدة! أنا لا أفكر بهذا الأمر .

غمز له عمه تميم بعين وقال :
_ أنت تكذب يا ولد، فعينيك قد فضحت ما يدور بداخلك .

ابتسم يزن وقال بمداعبة :
_ لهذه الدرجة كل شيء قد ظهر علي .

أومأ تميم برأسه و قال :
_ نعم، إجلس إذا في مكان بعيد؛ كي أتحدث معها قليلا وأتعرف على شخصيتها أكثر .

فقال له يزن بضيق مفتعل :
_ لماذا ؟ هل ستتزوجها أنت ؟

ضحك تميم ضحكة عالية وقال :
_ ولم لا، إن اختارتني، أنا لا أمانع لأنها جميلة للغاية .

هز يزن رأسه بيأس وهو يبتسم وقال :
_ حسنا سأترككم بمفردكم وسأعود إلى عملي، لأن معز منذ ذلك اليوم الذي تم القبض فيه على والده لم يأتي إلى قسم الشرطة وترك القضية بأكملها فوق رأسي.

ثم تذكر يارا فقال :
_ سأطلب من سعد أن يوصلها إلى أينما تريد .

رن هاتف يزن فأجابه وقال بتوجس :
_ ماذا هناك يا خالد ؟

أسرع خالد قائلا :
_ هل أنت في البيت ؟

اجابه يزن :
_ نعم أنا هناك .

قال له :
_ غذا فلتأتي إلى بيت الطبيب حسان، والقابع في آخر "الكومباوند" الخاص بكم .

ابتلع يزن ريقه بقلق وقال :
_ ولم آتي ؟ هل حدث شيء :

_ لأنه قُتل هو الآخر، ذلك "السيكوباتي" عاد للعمل مرة أخرى .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي