الفصل الثاني والعشرون العودة للعمل

(١٨)



"العودة للعمل"



لقد انطلق السؤال الصعب، بل الأصعب على الإطلاق، والاثنان تتعمقان في عيني بعضهما بترقب ..

أومأت يارا برأسها وقالت :
_ نعم اعرف يزن، إنه الضابط المسؤول عن قضايا القتل التي أغطيها، وهو أيضا يعيش في نفس المنطقة التي تتم بها الحوادث .

جلست هالة بوهن، بينما تابعت يارا :
_ و من خلال عملي الصحفي اصبحت قريبه منه نوعا ما، وأعرفه ويعرفني جيدا .

ضيقت هالة عيناها وسألتها بتعجب :
_ قريبة منه ! وما معنى ذلك ؟

اسرعت يارا وقالت لها :
_ لا شيء، مجرد أصدقاء فقط أصدقاء .

ابتلعت هالة ريقها بتوتر وقالت بصوت خفيض :
_ وهل هو يستحق صداقتك تلك يا يارا ؟

جلست يارا على طرف فراشها وقالت :
_ إنه يستحق كل شيء جميل، أمي إنه ضابط شرطة، ولكنه ذو قلب كبير، حنون عطوف لا يسمح لاحد بأن يقترب مني .

ثم ابتسمت بخجل وأردفت :
_ نظراته نحوى وكلامه معي، يقول بأن لي مكانة في قلبه وليست هينة ز

اغمضت هالة عينيها وقالت بنبرة قاطعة :
_ ابتعدي عنه يا يارا .

وقفت يارا بحده وقالت :
_ ابتعد عنه ! لماذا إنه لم يسيء لي ؟

وقفت هالة هي الأخرى أمامها وقالت :
_ أنا أمك ويجب أن تستمعي لكل حرف أقوله، ابتعدي عنه وعن عمه وعن كل شيء يخصه .

حركت يارا كتفيها وقالت بنفي :
_ لا لن ابتعد عنه؛ لأنني أيضا أكن له معزه من نوع خاص .

صرخت بها هالة وقالت بغضب :
_ أنت ماذا تقولين ؟ يجب أن تبتعدي عنه وعن أي شيء يخصه وعن ذلك القاتل وعن الصحافة بأكملها .

رفعت يارا عينيها بملل وقالت لها بهدوء :
_ أمي لن ابتعد عن الصحافة، إنها مهنتي التي أحبها وبدوري لن ابتعد عن يزن، إلا إذا طلب مني أن أبتعد عنه .

جذبتها والدتها من ذراعها وعنفتها قائلة :
_ هل تعصي أوامري ؟ لم يعد لرأيي أي مكان في حياتك يا يارا ؟ أصبحت على الهامش .

هدأت قليلا و امسكت ذراعيها وقالت :
_ أنت سبب سعادتي وأماني وبدونك أنا لا شيء سوى شبح، أمي من فضلك يجب أن تدعميني .

اقتربت منها أكثر وقالت :
_ لقد اخترت مهنتي وتعبت في دراستها سنوات طويلة، ويزن أنا لا أعرف ماذا يخبئ لنا المستقبل

ثم ابتسمت ابتسامة حالمة وتابعت :
_ و لكن حتى الآن أنا أشعر أنني أريد أن أبقى إلى جواره للأبد .

ابعدت هالة ذراعيها عنها وقالت :
_ لا لن تريه مجددا، ويجب أن نحزم حقائبنا ونغادر من البلد بأكملها، وأن نذهب إلى مكان آخر .

ابتعدت يارا عنها خطوتين إلى الخلف وقالت :
_ أنا اصبحت الآن في عمر يسمح لي بفعل كل ما أريد، وأنا لا أقسى عليك .

ثم استجمعت قواها وقالت :
_ ولكن افعلي أنت ما شئت، و أنا سأفعل ما أشاء .

ثم تركت غرفتها وخرجت، هرولت هالة ورائها وقالت :
_ لهذا الحد ليس لي أي دور في حياتك، هذا بالطبع لأنني لست أمك .

التفتت يارا ناحيتها وقالت بضيق :
_ بل أنتِ أمي، نعم أنت لست والدتي، ولكنك أمي ولا أسمح لك بقول ذلك مجددا .

ابتسمت هالة بسخرية وقالت :
_ لا يبدو الأمر كذلك من حديثك، الآن وفقط أعلنتِ أنني مجرد مربية وزوجة لأبيك .

ثم كففت دمعة انسابت على خدها وقالت بحزن :
_ ومعك حق، افعلي ما شئت يا يارا، لن أتدخل بحياتك مرة آخرى .

دخلت هالة إلى الغرفة واغلقت الباب خلفها، بينما جلست يارا وهي تقول بلوم :
_ ماذا فعلت ؟! أنا غبية .

رن هاتف يارا فوجدته الأستاذ يسري رئيس التحرير؛ فأجابته بخزي :
_ السلام عليكم .

اجابها يسري :
_ وعليكم السلام، أين أنت يا يارا ؟ ولماذا طالت أجازتك لهذا الحد ؟

تنهدت باسى وجلست على الأريكة وقالت :
_ هذا لأني أشعر بالخزي منك، بعدما وضعت الجريدة في موقف صعب .

صمت يسري للحظة ثم قال :
_ من المؤكد إنك وضعتها بموقف صعب، فهذه أول مره لجريدتنا التي نقدم فيها اعتذار على خبر تم نشره .

أعادت شعرها للخلف بيدها وقالت :
_ أنا أعلم ذلك، لهذا بقيت في البيت .

تأفف يسري و قال مسرعا :
_ وإلى متى ستبقين في البيت ؟ يجب أن تعودي للعمل، أنا أعلم قدراتك جيدا، وهذه لن تكون آخر غلطة في حياتك .

اجابته يارا قائلة :
_ معك حق، ولكني لم أخرج نفسيا مما حدث .

قال لها يسري بمكر :
_ و لكن هذا "السيكوباتي" خرج نفسيا، وقتل ضحيه جديدة، فلن تغطي الخبر كما تفعلِ ؟

لمعت عيني يارا وسألته بفضول :
_ الجريمة في منطقة يزن مجددا .

قال لها يسري بتعجب :
_ من هو يزن هذا ؟

أجابته يارا بتوتر وقالت :
_ إنه الضابط المسؤول عن القضايا، وهو يسكن في تلك المنطقة التي تحدث بها الجرائم .

قال لها يسري بتفهم :
_ حسنا، والآن هل أعطي أمنية هذا التحقيق ؟ أم ستذهبين أنت ؟

وقفت مسرعة قالت بحماس :
_ لا سأذهب أنا، لا تعطيها شيء، أنا سأهاتف حسام فورا واذهب إلى هناك .

ابتسم يسري قائلا :
_ حسنا وأنا أثق بك، هذه المرة كوني دقيقة و تحري الخبر قبل أن تكتبيه، اتفقنا ؟

أومأت برأسها و قالت بحماس :
_ اتفقنا .

اغلقت الهاتف فوجدت هالة تخرج من غرفتها مجددا وقالت :
_ بإمكانك الآن أن تفعلين ما شئتِ، ولكن أنت تلقين بنفسك في الهاوية .

اسرعت يارا واقتربت منها واحتضنتها وهي تقول :
_ أمي من فضلك، هذا عملي ولن اتركه، فقط امنحيني الفرصة لأثبت نفسي .

أسرعت هالة قائلة وهي تدفعها بعيدا عنها :
_ إثبات نفسك ! هناك عمليات قتل تحدث وأنت تتحدثين عن القاتل دائما .

صرخت بذعر قائلة :
_ لن يتركك يا يارا تذكري تلك الكلمات عندما تقعين تحت يديه؛ لأن الأمر لن يطول .

ثم تركتها وعادت مرة أخرى إلى الغرفة، بينما تنهدت يارا بضيق وأخرجت هاتفها مجددا وهاتفت حسام ..

الذي أجابها قائلا :
_ يا أهلا، الأستاذ يسري أخبرني بأمر عودتك، هل أسبقك إلى هناك ؟

قالت له بهدوء :
_ نعم، أنا سأخرج حالا من البيت، أراك هناك .

أغلقت الهاتف و تطلعت بباب غرفة أمها وسارت ناحيته ثم وقفت خلفه وقالت :
_ أعلم إنك تسمعيني، ولكنني أعدك أنني سأكون بخير .

وصلها صوت بكائها فتابعت قائلة :
_ ليس فقط من أجلي، ولكن من أجلك أنت يا أمي .

ثم تطلعت بصورة والدها وهالة وقالت :
_ وستبقين أمي ما حييت، ولن أقبل منك مرة أخرى أن تقولي أنك لست أمي، ولن اعترف بذلك .

ثم سارت وحملت حقيبتها وحاجياتها وخرجت من البيت مسرعة .


دخل كلا من يزن وخالد إلى مركز الشرطة، تطلع يزن بخالد وقال :
_ سأذهب إلى سيادة اللواء لأخبره بتلك المستجدات الجديدة .

اجابه خالد بعملية :
_ وأنا سأذهب إلى مكتبي لأرى نتيجة التحريات ولأستجوب الشهود بنفسي .

تركه يزن وأكمل طريقه إلى مكتب اللواء، دلف عليه وقدم التحية العسكرية وقال :
_ السلام عليكم .

ثم تطلع إلى جواره فوجد معز يجلس على الأريكة فقال له يزن بابتسامة خافتة :
_ معز، وأخيرا عدت .

اجابه اللواء وقال :
_ نعم عاد، ولكنني أحاول أن اثنيه ألا يمدد أجازته مرة أخرى، وأن يتابع العمل معك .

اقترب يزن منه وجلس إلى جواره وقال :
_ أنت لست الوحيد الذي أُتهم شخص من أسرته، فها أنا عمي متهم بالقتل ومدان أكثر، لأنه هو من احضر الكعكة .

أومأ معز برأسه وقال :
_ نعم أعرف ولكنني لا استطيع تخطي هذا الامر .

تطلع بالأرضية وقال :
_ عملي يحتاج إلى ذهن صافي للتفكير، وأنا لا أملكه الآن للأسف .

تطلع يزن باللواء وقال :
_ حسنا، سيادة اللواء لقد عاد معز إلى العمل .

التفت معز إليه وقال بصدمة :
_ ماذا ؟ أنا لم أعد لقد اتيت اليوم لأجدد إجازتي .

لم يعره يزن أي اهتمام وقال :
_ إن الضحية اليوم رجل في العقد السادس من عمره، قُتل عن طريق مهاجمة كلبه له .

عقد اللواء كفيه ببعضيهما وهو يطالعه بتركيز، ومعز أيضا دون أن يشعر انتبه لحديثه ..

بينما تابع يزن قائلا :
_ بالرغم من أن هذا الكلب يحبه بجنون، ومع ذلك ما جعلنا نربط بين تلك القضية السهلة وهذا القاتل "السيكوباتي" .

انتظرا الاثنان تكملته ليقول :
_ هو وجود تلك الورقة التي يتركها مع كل ضحية و تلك الجملة المشهورة بها .

سأله معز مسرعا :
_ وهل وجدت القرص المدمج ؟

ضرب يزن مقدمة رأسه وقال بضيق :
_ لا لم اتذكره، وأنت السبب يا معز .

التف معز ناحيه بكامل جسده وقال :
_ أنا السبب ! لماذا ؟

اجابه يزن قائلا ببديهية :
_ أنت كنت ملم دائما بكل تلك الأمور، وأنا كنت اعتمد عليك وأهتم بالجانب الجنائي فقط .

تمسك يزن بكفه وقال برجاء :
_ معز، من فضلك عد إلى العمل .

قاطعهما اللواء قائلا بحزم قاطع :
_ أنا آمره الآن بالعودة، ولا أتشاور معه .

ثم تطلع بمعز وقال :
_ معز عد إلى عملك حالا ولن أقبل أي جدال .

أومأ معز برأسه وقال بانصياع :
_ حسنا سأعود، تحت أمر سيادتك .

أشار لهم اللواء بيده وقال :
_ والآن عودا إلى مكاتبكما، وأمامكم حتى الصباح كي تأتوا لي بتقرير وافي عن حالة القتل تلك .

ثم زفر بغضب وقال :
_ وأرجو من الله أن نجد أي خيط يدلنا على هذا القاتل .

وقف معز ويزن وأدو التحية العسكرية وقالوا :
_ لن نتهاون يا سيدي .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي