الفصل الخامس الحذر واجب

(٥)


الحذر واجب



صف يزن سيارته بجوار بوابة "الكومباوند" وترجل منها، تحدث مع موظفي الأمن الذين أكدوا له أنه لم يدخل أي شخص غريب أو يخرج أي شخص غريب من المكان..

طلب منهم أن يُصفوا له كاميرات الأيام السابقة؛ كي يتابعها هو بنفسه، ثم صعد سيارته مجددا ودخل بها إلى الداخل، وسار ناحية قصر عمه..

يتطلع حوله بترقب وكأن شخصا ما يراقبه، ويلاحق حتى أنفاسه، دلف إلى البيت فوجد عمه يجلس مع أصدقائه من الجيران، ويتحدثون في أمر هام ..

فاقترب منهم قائلا بابتسامة خافتة:
_ السلام عليكم جميعا.

ابتسم عمه تميم وقال :
_ وعليكم السلام، تعال يا يزن كنا نتحدث بأمور تخص المكان هنا .

صافح الجميع ثم جلس أمامهم وقال :
_ وما هو الأمر الهام الذي جمعكم هنا في تلك الساعة.

وقف جاره سعيد وقال :
_ نحن نتحدث بخصوص تلك الجرائم التي تحدث في المكان، لن نجلس مكتوفي الأيدي وكل منا يسقط منه شخص عزيز عليه.

رد عليه يزن بخزي :
_ وهل نحن قصرنا في شيء؟ نحن نفعل كل ما في وسعنا وفي القريب سيتم القبض على هذا القاتل.

ابتسم رجل آخر وقال بسخرية :
_ هذه ثالث عملية قتل تتم في المكان، وبنفس الطريقة ومن نفس الشخص وأنتم لم تتقدمون خطوة واحدة.

أسرع تميم وقال :
_ يا جماعة من فضلكم، أنا كنت فردا من أفراد الشرطة في يوم ما، قبل اصابتي واعرف جيدا مدى المجهود التي تبذله الشرطة.

ثم تنهد وتابع :
_ فرفقا بهم، وادعموهم.

وقفوا جميعا وقالوا :
_ حسنا سننتظر ونرى، سنترككم الآن تصبحون على خير .

حرك تميم كرسيه وهو يقول بود :
_ سأنتظركم في الغد؛ كي نتحدث في أمور التأمين، يجب أن نكون مستعدون لهذا الشخص بكل طاقتنا .

ابتسم يزن وهز رأسه بيأس، وبعد أن انصرفوا جميعا، عاد عمه إليه قائلا :
_ لا تغضب منهم يا يزن، إنهم خائفون على أنفسهم وعلى أهلهم .

أومأ يزن براسه متفهما وقال :
_ حسنا أنا أعرف ذلك، ولكن تعب اليوم كله قد أرهقني .

اقترب عمه منه وربت على ساقه وقال :
_ هيا اصعد إلى غرفتك واستحم ونام من فورك.

انحنى يزن وحمل كفه وقبله، ثم تطلع بعينيه وقال :
_ أدامك الله لي بحياتي يا غالي.

ابتسم تميم واجابه :
_ بل أدامك أنت في حياتي، لأنه لولا وجودك لا أعرف كيف كنت سأمضي في تلك الأيام الباردة.

بدا وكأن تميم قد تذكر شيئا فقال :
_ في الغد سأذهب برفقة السائق إلى الجمعية الخيرية في "العجوزة"، هناك أمور كثيرة تنتظرني.

وقف يزن وقال بجدية :
_ هل تحتاج إلى أي دعم مادي، أنا جاهز .

ضحك تميم ضحكة عالية وقال :
_ وهل يبدو أنني أحتاج إلى أي دعم مادي، شكرا لك يا حبيبي، أنا معي ما يكفيني .

ثم حمل هاتفه وأشيائه وتابع قائلا :
_ وهناك الكثير من رجال الأعمال يساعدونني، ادعوا لي أن أجمع أكبر قدر ممكن من التبرعات؛ كي نساعد هؤلاء الأطفال الذين يحتاجون زرع قرنية.

أومأ يزن برأسه وقال :
_ أعلم أنك ستستطيع جمع هذا المال؛ فهذه ليست أول مرة.

دنى منه وقبل جبهته ثم اعتدل في وقفته وقال :
_ أريد دعوة أو دعوتين من الذين تأخذهم من الناس التي تساعدها يا عمي .

ضحك تميم ضحكة عالية وقال :
_ وهل تحسدني على دعوة الناس لي يا يزن ؟!

دفعه يزن أمامه متمسكا بالكرسي وهو يقول بمداعبة :
_ بالطبع لا، هيا لقد سهرت كثيرا اليوم، والسهر غير صحي لك، سأساعدك في النوم وتبديل ملابسك .

لف تميم برأسه وسأله :
_ ألن تأكل شيئا قبل أن تنام ؟

اجابه يزن مسرعا :
_ لا، لا أريد أن آكل أي شيء، أريد فقط أن استحم كما قلت وأنام، هذا ما احتاجه .

تطلع تميم أمامه وقال :
_ حسنا كما تريد .

بحث يزن حوله فلم يجد الخادمة، فسأله بتعجب :
_ أين ذهبت عزيزة؟ أنا لا أراها !

أدار تميم مقبض الباب وأجابه مسرعا :
_ لقد ذهبت لزيارة ابنتها، أنا أسمح لها دائما أن تذهب لزيارتها، فهي ليس لديها أي شخص اخر غيرها .

ثم تحرك بكرسيه وأردف قائلا :
_ وتساعدها ماديا أيضا، أنت تعرف حال ابنتها جيدا، زوجها بسيطا ورزقه محدود .

دلف به يزن إلى داخل الغرفة وهو يقول :
_ لا تنسى أنها تتعب هنا في البيت بمفردها، ولا أعرف لماذا تصر على ألا يساعدها شخص آخر في تنظيف البيت ؟

جذب تميم جسده وهو يجلس على الفراش وقال ببديهية :
_ أنت تعرف أنني اخترتها بعناية؛ لأنها نظيفة ولم أثق بنظافة شخص غيرها ولن أثق.

باشر في خلع قميصه وهو يتابع قائلا :
_ وهي تستطيع تقسيم شغل البيت إلى أجزاء، ولا تقصر في شيء فلماذا سأحضر شخصا آخر يساعدها ؟

إرتدي سترة النوم وأردف قائلا :
_ بالنهاية نحن اثنان في هذا البيت الطويل، ولا يوجد شخص آخر معنا، وأنت أغلب الوقت بالخارج .

اقترب يزن منه وساعده في خلع سرواله وهو يقول :
_ حسنا كما تحب يا حبيبي، والآن أخلد إلى النوم مباشرة، ولا تترك لعقلك زمام التفكير أنا أعرفك جيدا .

ابتسم تميم وهو يقول :
_ لا، أنا منهك من محادثة الجيران ومن الاتفاق معهم على كيفية زيادة تأمين المنازل .

ابتسم يزن بشجن واجابه :
_ وكأنك تقول لي أنت أيضا أنني فاشل .

رفع تميم عينه ناحيته وقال :
_ وهل قالها لك شخص آخر اليوم ؟!

ابتسم يزن وهو يتذكر يارا ثم عاد إليه قائلا :
_ نعم، قالتها لي تلك الصحفية التي قد أخبرتك بأمرها.

تعالت ضحكات تميم وقال بمداعبة:
_ يبدو أنك معجب بها، وها هي تقسم قلبك نصفين .

رفع يزن عينيه بملل وقال وهو يتجه إلى الخارج :
_ عمي أنا متعب لا تزيدها علي من فضلك .

تمدد تميم في الفراش وسحب الغطاء عليه وقال :
_ ولكنك تحبها لا تنكر ذلك، تصبح على خير .

وقف يزن في الخارج وابتسم وقال :
_ نعم يبدو كذلك، وأنت من أهل الخير .

ثم أغلق الباب وصعد الدرج وهو يبتسم ويتذكر ملامحها البريئة، وشعراتها الناعمة، حتى وصل إلى غرفته وألقى بجسده على الفراش، وغط في نوم عميق دون حتى أن يبدل ملابسه .


توقف المصعد فخرجت منه يارا، وهي تقلب الصور بين يديها وقالت :
_ حسام تبدو وكأن كنت تصور وأنت تتحرك، هناك الكثير من الصور "المبكسلة"، وليست صحيحة.

تثاءب حسام وقال بكسل :
_ أنا الآن أريد أن أنام لقد ارهقتني بما فيه الكفاية، هل أنا عبد قد اشتريته في يوم ما ؟

وضعت يارا الصور في الحقيبة وقالت:
_ لا بل وراءنا شغل كثير يجب أن ننهيه، ويجب أن نكون في خلال اسبوع على الصفحة الأولى، هذه فرصتنا .

قابلت رئيس تحرير الجريدة يسري وهو يحمل حقيبته الجلدية ويغادر..

فاقتربت منه مسرعة وقالت :
_ أستاذ يسري، لحظة من فضلك .

توقف يسري وهو يطالعها بتعجب وقال :
_ يارا ! ماذا تفعلين هنا في تلك الساعة المتأخرة؟!

قالت له ببديهية :
_ أعمل بالطبع، أنا لن يهدأ لي بال إلا إذا أصبحنا "تريند" رقم واحد على جميع الصحف المصرية.

ابتسم يسري وقال لها :
_ ولكن هذا لا يمنع أن تذهبي إلي بيتك وتنامين قليلا .

هزت رأسها بالنفي وقالت :
_ أنا في وقت يجب ألا أنام فيه، يجب أن أعمل أكثر لأصبح الصحفية الكبيرة بأسرع وقت.

تطلع يسري في حسام وقال له بتعجب :
_ وما بك أنت أيضا، تبدو نائما منذ ساعتين !

استند حسام بكتفه على الحائط وقال بإنهاك :
_ أنا كذلك بالفعل، أريد أن أذهب إلى البيت كي أنام، وهي لا تسمح لي .

عاد يسري بعينيه إليها وسألها بتعجب :
_ لماذا تتحفظين على هذا المسكين ؟!

تطلعت ناحية حسام بضيق وهي تقول :
_ لقد أخطا في طباعة الصور الفوتوغرافية، ولن أتركه إلا إن طبعها مرة أخرى وبجودة عالية.

اعتدل حسام في وقفته وتطلع بيسري وهو يقول برجاء :
_ سيدي من فضلك اجبرها على أن تطلق سراحي، لقد تعبت ولا تقتنع أن الصور بإمكاني أن ارسلها لها على نظام "الواتساب".

امتعض وجهه وتطلع بيارا وهو يتابع قائلا:
_ ما زالت تعيش في زمن أن أصور الصور، واطبعها فوتوغرافيا واعطيها إليها .

سألها يسري بفضول :
_ معه حق، لماذا تصيرين على طباعة الصور بتلك الطريقة البدائية؟!

اسرعت يارا وقالت :
_ بالطبع هناك تفاصيل كثيرة تتضح بالطبع الفوتوغرافي، أنا أحتاج لأدق أدق التفاصيل .

سألها يسري بفضول أكبر:
_ ولماذا تحتاجين لأدق أدق التفاصيل ؟! نحن في كتابة أي مقال نحتاج إلى العناوين الرئيسية، والتفاصيل العامة.

ثم تطلع بساعة معصمه وهو يتابع قائلا:
_ لا نحتاج إلى دقة التفاصيل، تلك تحتاجها الشرطة فقط .

رفعت عينيها بملل وقالت :
_ لا أحد يفهمني، أنا أريد أن اكشف هذا الرجل، ليس فقط في أن أعمل على مجرد مقال .

لمعت عينيها وقالت بحماس :
_ بعد قليل من الوقت سينتهي دوري، وأريد أن يكون لي دور في منع الشر وكشف القاتل .

عاد حسام بظهره للخلف وهو ينصرف وقال :
_ حسنا فلتكتشفي أنت القاتل بمفردك، أنا تعبت ولن أقترب منه أكثر ليعرف من نحن، ويأتي لقتلنا، تصبحين على خير أيتها المجاهدة.

صاحت به قائلة بضيق:
_ حسام عد إلى هنا، حسام .

قال لها يسري وهو ينصرف أيضا :
_ يارا يكفيك عمل لليوم، وإن جلست هنا في الجريدة بمفردك بعد أن انصرف أغلب الصحفيين والعمال.

توقف والتفت اليها قائلا :
_ سيأتي هذا السفاح إلى هنا وستكونين أنت الضحية القادمة، وأنا شخصيا من سيكتب المقال عنك .

ابتلعت ريقها بتوتر وقالت :
_ هل انصرف الأغلبية من الزملاء؟

قال لها يسري وهو يضغط زر المصعد :
_ نعم، لا يوجد أحد هنا، لقد طلبت المصعد هل ستأتين معي ؟ أم ستنتظرين هنا ؟

تنحنحت بخجل وقالت :
_ لا، لقد تعبت اليوم، سأذهب إلي البيت أمي تنتظرني .

استقلت معه المصعد وبعد صمت دام لثواني قالت :
_ أستاذ يسري، هل تعتقد أنني صحفية جيدة؟

لم يتطلع ناحيتها ولكنه أجابها قائلا :
_ نعم أعتقد ذلك، كل ما تحتاجينه هو التريث والتعقل، ومعرفة حدود عملك .

امتعض وجهها وقالت :
_ أنا أعرف كل ذلك جيدا، لقد كنت الأولى على دفعتي في الجامعة، وأعرف كل شيء خاص بالصحافة.

التفت ناحيتها وقال بعملية:
_ ولكن الممارسة شيء آخر، ومواءمة الأمور خاصة في القضايا الشائكة التي ربما تؤذيكِ يجب أن تتعاملي معها بحرص .

انفتح باب المصعد فخرج منه قائلا :
_ أنت تضعين حياتك على المحك، لأنك مع كل مقال تكتبين اسمك، وهذا القاتل سيعثر عليك بمنتهى السهولة.

التفت ناحيتها وقال:
_ سأقولها لك للمرة الاخيرة، كوني حذره .

تركها وابتعد، خرجت يارا من المصعد ووقفت وقالت بشرود في البعيد :
_ لن أدع أحد يحبطني مما أفكر فيه وما أسعى إليه.

اتسعت عيناها وقالت بداخلها:
_ بيوم ما سأقف أمام الجميع، وهم يصفقون لي ويمدحونني، وأنا قد اكتشفت هذا القاتل، بل وكنت المتفردة في مقالتي عنه .

أغمضت عينيها وقالت بابتسامة خافتة :
_ أسمع تصفيق الجميع في أذني .

فتحت عيناها ورجل الأمن يصفق بكفيه أمام وجهها؛ كي تعود من شرودها وقال :
_ آنسة يارا، لماذا تقفين هكذا ؟!

عادت يارا من شرودها وقالت بارتباك :
_ لا شيء، سأذهب إلى البيت، تصبح على خير يا ياسين .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي