الفصل الثامن شرارات عشق

(٨)


"شرارات عشق"


بعد أن أنهت النيابة تحقيقاتها، انصرفت على الفور؛ فتنفس معز براحة وقال :
_ وأخيرا سنغادر هذا المكان .

مال يزن عليه وهمس بمداعبة :
_ كنت دائما تقول أريد أن أعيش في مكان مثل هذا، تفضل حقق أمنيتك .

رفع معز ذراعيه في الهواء وقال :
_ لا، لا أريد أي أمنية، تلك التي أحققها على حساب قطع رقبتي، شكرا لك .

ضحك يزن ضحكة عالية، بينما رن هاتف معز الذي اجابه وقال :
_ ماذا هناك ؟!

قال له الطرف الاخر شيئا؛ مما جعله يعبث قليلا وقال :
_ والدي أنا ! لكن كيف ؟!

ثم صمت لبرهة وتابع :
_ حسنا حسنا، أنا قادم على الفور .

أغلق الهاتف وشرد بالبعيد؛ فسأله يزن بفضول :
_ ما به والدك يا معز ؟! هل هو بخير؟

حرك معز كتفيه بعدم معرفة وقال :
_ لا أعرف، لقد اخبرني الأمن على البوابة هنا، أنه من ضمن الناس التي تريد الخروج .

ثم طالع يزن وتابع :
_ ونحن قد شددنا بعدم خروج أو دخول أي شخص غريب، إلا بعد اعلامنا بهويته .

وضع يزن كفيه في جيبي بنطاله وقال :
_ وماذا يفعل والدك هنا . هل لديكم أقارب أو معارف جاء لزيارتهم ربما ؟!

تحرك معز ناحية سيارته وقال :
_ سنرى، حسنا سأتركك هنا حتى تنهي كل الأعمال المتبقية، وأنا سأذهب لأرى ما يحدث .

أومأ يزن برأسه وقال :
_ لا تقلق، ولا تنسى أن تبلغه سلامي .

التفت ناحية جمع الصحفيين، وهو يطمئن على مجنونته الصغيرة، و التي تقف مستندة على أحد الأشجار وتتطلع حولها بشرود ..

فابتسم بخفوت وتنهد بشوق، حتى جاءه صوت أنثوي ساخن من خلفه يقول برقة :
_ كيف حالك أيها الضابط ؟

التفت يزن خلفه، فوجد جارته ملك تقف أمامه بملابس جريئة لا تلائم ضوء النهار، لأنه يشف أمورا جعلته يبتلع ريقه بتوتر ..

طالعها من رأسها حتى قدميها، ثم اجابها بهدوء :
_ أنا بخير حال الحمد لله، كيف حالك أنت ؟

تغنجت بكتفيها وقالت وهي تلتهمه بعينيها :
_ أنا بخير أيضا، طالما أنت بخير، ماذا يحدث هنا ؟

اجابها وهو يتطلع بأي شيء آخر ليخفي توتره :
_ إنها جريمة قتل، لقد قُتل الأستاذ سعيد .

اسرعت قائلة دون وعي منها :
_ نعم نعم أعرف، ومن سمه يا ترى ؟!

قطب يزن حاجبيه والتفت إليها وقال بتعجب :
_ سمه ! ومن أين عرفتي أنه مات مسموما يا ترى ؟!

قالت باتزان تحسد عليه :
_ لا شيء، الجميع هنا يتحدث بالأمر وفقط .

اقترب منها خطوة وهو يقول بتركيز :
_ من أخبرك تحديدا من الجميع ؟ أريد أن أعرف .

ابتسمت ابتسامة هادئة ولكنها مغرية تكاد تفقده صوابه وقالت بصوت عميق :
_ خادمتي، هي من اخبرتني بأنه مات مسموما .

استغلت يارا انشغال الأمن ورؤيتها ليزن يقف بعيدا عنها، حتى تسللت وسارت نحوه مبتسمه بنصر ..

إلى أن رأت ملك، فخفت ابتسامتها وقالت في نفسها بتعجب :
_ من هذه الراقصة ؟ ولماذا يقف معها بهذا الشكل ؟!

اكتسى وجهها بالغضب وهي تنفس بضيق وقالت :
_ من المؤكد جارته وبينهما قصص كثيرة، فهذه السيدة كتاب مفتوح بملابسها تلك .

كاد يزن أن يسأل ملك سؤالا جديدا، إلى أن وقفت يارا بجواره وهي تطالعها من أسفل إلى أعلى..

متعجبة من امكاناتها الجسدية وقالت له بشرود :
_ هل هناك أخبار جديدة عن القضية يا حضرة الضابط ؟

التفت يزن ناحيتها وهو يطالع نظراتها ناحية ملك تتفحصها بجرأة، حتى أنها دون أن تشعر حاولت أن تقف على أطراف أناملها، ربما زادها طولا؛ كي تنافس هذا الوحش الذي يقف أمامها ..

و لكن هناك فرق بكل شيء، أخفى يزن ابتسامته وقال :
_ سأخبرك بكل شيء في وقته، ولكن عودي وقفي كما كنت .

عقدت يارا ذراعيها أمام صدرها وطالعته بضيق وهي تقول :
_ يبدو أنك مشغول ولا تريدني هنا، أليس كذلك ؟

مالت ملك ناحيتها وقالت بهدوء :
_ تبدين ذكية يا صغيرة، والآن عودي إلى مكانك .

سخرت يارا من طريقتها وهي تقلدها وقالت :
_ أعود إلى مكاني، ومن أنت لتأمريني من الأساس ؟

تمسكت ملك بذراع يزن بيدها واخذت تمررها إلى الأسفل والأعلى بإغواء وهي تقول بنبرتها الرقيقة :

_ من فضلك يا يزن، أؤمرها أن تذهب بعيدا عنا .

دون أن تشعر يارا وجدت نفسها تجذب ذراع ملك لتبعده عن يزن وهي تقول :
_ احترمي نفسك وابعدي يدك عنه .

انتصب يزن في وقفته وقد اتسعت عينيه بصدمة من رد فعلها الطبيعي، والذي أخبره أنه ربما ليس الوحيد الذي يعشق هنا ..

بينما التفت على صوت ملك الذي تبدل من الرقة إلى الحدة و هي تقول :

_ ومن أنت كي تلمسيني من الأساس، ابتعدي حالا وإلا سأطلب لك رجال الأمن يلقوك بالخارج ككيس القمامة .

لم يكن يزن يحتاج أكثر من هذا ليتدخل قائلا بضيق :
_ لا يجرؤ أحد على لمسها، ومن فضلك عودي إلى بيتك .

شعرت ملك بالإحراج فالتفت إليه قائلة بمكر :
_ ولكنني جئت إليك لأنني أحتاج التحدث معك في أمر هام .

سألها مسرعا بتلهف :
_ يخص قضية سعيد أليس كذلك ؟

طالعت يارا بنصف عين ثم عادت إليه قائلة :
_ نعم يخص القضية كما قلت، ولكني لن أتحدث هنا، تعال معي إلى بيتي كي أتحدث على راحتي .

عضت يارا على شفتها السفلية وهي تكظم غيظها، بينما قال لها يزن :
_ حسنا عودي إلى البيت، وأنا سأتبعك .

ابتسمت بانتصار ودفعت يارا من كتفها وسارت ناحية بيتها وهي تسير بغنج، بينما التفتت يارا إليه تطالعه بشراسة ..

وهي تقول بعصبية شديدة أسعدته :
_ هل ستذهب إلى بيت هذه السيدة كما قلت منذ قليل ؟

اجابها يزن وهو يبتسم بخفوت :
_ اعتقد أنه ملائم لسير التحقيقات كما ترين .

رفعت سبابتها في وجهه وقالت بغضب :
_ ملائم للتحقيقات أم لشيء آخر ؟!

اقترب منها بوجهه وهمس برقة متعمقا في عينيها :
_ ولماذا تسألين وما سبب غضبك لهذا الحد ؟!

ابتلعت ريقها وقالت ببرود مصطنع :
_ عامة لقد سقطت من نظري للأسف .

تركته مبتعدة، بينما كان حسام يتابع الحوار بتعجب، وقفت إلى جواره وهي تطالع يزن بنظرات شرسة وتنفث من أنفها نارا من غيظها ..

فسالها حسام بتعجب مما يحدث :
_ ماذا هناك ؟! ولماذا تبدين غاضبة هكذا لا أفهمك ؟

قالت له دون أن تتطلع بوجهه :
_ هذا ليس من شانك، اتركني وحالي، هل تستطيع فعل ذلك ؟

ابتسمت عينيه وقال لها بترقب :
_ هل تغارين عليه يا يارا ؟

لانت ملامح وجهها المتصلب والتفتت لحسام وقالت :
_ أنا أغار! وعلى من ؟

أشار حسام ناحية يزن الذي كان ينصرف برأسه وقال :
_ علي حضرة الضابط يزن بالتأكيد .

أشاحت بيدها في وجهه وقالت بسخرية :
_ ماذا تقول ؟! أغار على من ؟ أنا لا اطيقه من الأساس ولا أريد رؤيته أمامي بأي مكان .

تنحنح حسام وقال وهو يواري ضحكته :
_ نعم أعرف، كما لا يطيقك هو، وبنفس الوقت لو مرت ذبابة من أمام وجهك، قادر على أن يقتلها .

هز رأسه بيأس وأردف قائلا :
_ أنتما الاثنان بدأتما تثيرا الشفقة وربي .

سألته وقد احتدت ملامحها وامتلأت بالغضب :
_ ماذا تقصد بحديثك التافه مثلك هذا ؟

عاد يتطلع إلى الصور الملتقطة داخل آلة التصوير وقال :
_ كما قلتِ، هذا ليس شأني ولن أتدخل، ومع ذلك انتظر الوقت الذي سيأتين وتقولين لي فيه حسام أنا أحبه.

ابتسمت بسخريه وهي تطالع يزن الذي يقترب من بيت السيدة وقالت بحنق :
_ أنا أحب هذا ! أنت تحلم يا صديقي .

ثم قالت في نفسها وهي تستشيط غضبا :
_ يا ترى ماذا سيحدث داخل هذا البيت؟ هذه السيدة ليست طبيعية، ربما يضعف أمامها وأمام امكانياتها المتفجرة تلك .

ثم انتبهت لما تقول في داخلها فقالت بصوت عالي :
_ وما شأني أنا من الأساس ؟

ابتسم حسام وقال بمزاح ساخر :
_ يبدو الامر معقدا للغاية هنا .


صف معز سيارته واقترب من والده الذي يقف بجوار سيارته وقال له :
_ أبي ! كيف جئت إلى هنا ؟ وماذا تفعل ؟!

اجابه مجدي بتوتر :
_ لقد كنت في الجوار، وتناثرت أخبار عن وقوع جريمة قتل جديدة لهذا الشخص؛ فجئت إلى هنا لأني أعرف انك هنا كي اطمئن عليك.

ضيق معز عينيه وقال له بشك :
_ تطمئن علي ! وهل أنا في المدرسة ؟! ابي هذا عملي .

اسرع والده قائلا :
_ نعم أعرف أنه عملك، ولكن هذا ما حدث وفقط .

تصنع معز الهدوء وسأله بتعجب :
_ ولكن أفراد الأمن أخبروني إنك كنت تخرج من المكان، وأنك لم تدخل للتو لتطمئن علي كما قلت .

ابتلع والده ريقه وقال بتلعثم :
_ نعم أعرف ذلك جيدا، قد دخلت المكان وشعرت أنني قد أتوه في هذا المكان الكبير؛ فقلت في نفسي أخرج من هنا وعندما تعود إلى البيت أسألك .

ابتسم معز بسخرية وهو يقول :
_ ولماذا لم تهاتفني وأنا كنت طمأنتك علي، ولم يكن بوقتها سبب لحضورك ؟!

تطلع مجدي حوله بنظرات زائغة وقال :
_ خفت أن أعطلك عن عملك .

صك معزه أسنانه ببعضهما وقال بخفوت :
_ أبي أشعر أن الكذب يملأ حديثك كله، من فضلك اخبرني عن سبب حضورك إلى هنا .

فتح والده باب السيارة وهو يقول :
_ لقد قلت لك ما حدث، تريد أن تصدق هذا شأنك، لا تريد لا يهم وأمر رجالك أن يفتحوا البوابة كي أغادر من هذا المكان القميء.

صعد السيارة واستقلها، بينما أشار معز لرجاله أن يفتحوا له البوابة ليمر ..

وبالفعل خرج مسرعا ومعز يطالع انطلاق السيارة بتعجب وقال :في نفسه :
_ ماذا يحدث ولماذا أتى هذا الرجل إلى هنا؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي