٣ غيرة

:«أنت وغد، مُتعجرف، وزير نساء.»
صرخت بها سولين بغضبٍ، وهي تُلقى الوسادات عليهِ، ويحاول لوكاس تفاديها، وتوضيح سوء الفهم الذي وقع به.

: «أكرهك يا لوكاس.»

أمسك يديها يمنعها من إلقاء أي شيءٍ أخر تقع عينيها عليه قائلًا بهدوءٍ لعلها تهدء قليلًا: «استمعي أولًا، ولكِ حرية فعل ما تريدين، اتفقنا؟»

سحبت يديها بعنفٍ تعقدهم فوق صدرها بينما تشحذه بطرف عينيها شزرًا، دليلٌ علي رغبتها في الاستماعِ دون أن توضح رغبتها بذلك حتى لا ينجرح كبريائها.

أدرك لوكاس أنها فرصته للتحدث لينتهز هدوئها أخيرًا مُفسرًا سببه: «جروجي هذه من ألقت بجسدها علي عندما مررتُ بجوارها، أقسم لكِ هي من فعلت عمدًا، ثم ردّ فعل طبيعي أن أتمسك بها.. أعني.. لا تنظري هكذا، سولي!»

قاطعته بصراخ وهي تُلقى الكتاب تجاه وهو يحاول تفاديها شخصيًا حتى لا تُلقى شيء أثقل عليه يُنهى حياته: «تتمسك بمن؟ إعادها مرة أخرى هكذا، وسوف أنهي حياتك.»

ظلت ترمقه بغضب متأدج ويقابلها بنظراته المتأسفة حتى أشاحت بوجهها تعطيه إذن إكمال حديثه.

أزدراء رمقه وهو ينظر لها يحاول ألتماس تعاطفها، ولكنها صامدة أمامه ترمقه ببرود فأكمل بخنوعٍ مُستسلم: «بالطبع لن أتمسك بأحد غيركِ، ما أقصده بأنني ظننتها أنتِ، فأنتِ دائما تقعين وأسرع بالتقاطك.. إلهي!»

أتسعت عينيه برعب عندما أدرك ما قاله، فقد شبهها بها، هذه المرة لم تغضب وأنما نظرت له بدون تعابير للحظاتٍ، وما لبثت حتى دفعته تخرج من المنزل بأكمله وهو خلفها يستوقفها، لكنها لا تأبى ذلك حتى.

: «سولين بحقك استمعي ليّ، أقسم لكِ ان ما يتوسط صدري لأجلك يفوق كُل شيء!»

: «يا سولين، أنتِ سولي كيف لي أن انظر لغيرك!»

: «لا هي تعجبني ولا غيرها يلفتون عقلي، وحدك أنتِ فقط مَن تتربع على عرش توازني.»

اكمل سيره خلفها بكُل اصرارٍ ومثابرة يكمل حديثه لا يتركها بمفردها حتى تدرك الأمر بل يريد أن يصل بنفسه الأمر إلى عقلها: «تَعلمين ان فتاكِ أصبحنّ الفتيات يتقاتلون عليه.. لستُ نرجسي أو رُبما اعتذر، لكن أقسم لكِ لا يهمني ذلك، أنتِ وفقط.»

استشعر بطء خطواتها المندفعة ابتعادًا عنه، ليبتسم مقتربًا بخطواته أكثر قائلًا ببسمة جانبية: «احب غيرتك عليّ لا أنكر ذلك، عزيزتي.»

ويسترسل يميل برأسه لعلها ترضى عنه: «لكن لا تزيدي بُعدك عني، تعلمين مكانتك لدي بمثل جوهر روح، سولي.»

توقفت في منتصف الشارع المُظلم ليلًا عدا أسفل عمدان الأنارة، ألتفت له متأدّجة قائلة دفعة واحدة تقبض يديها بقوة كي تتمالك أعصابها: «ماذا تريد؟ فالتذهب لهذه الجورجينا أفضل، فهي على كل حال تشبهني لدرجة عدم التفرقة بيننا.. الشعر الأشقر ها؟ هذه حُجة تقولها في وجهي أيها الاخرق؟ اعلم انك لن تجرؤ على النظر لها، لكن فقط هذا احرجني!»

ضحكت ساخرة: «أمام جميع الطلاب وبينما اتمخطر بتفاخر بكَ لكن بدل من معانقتي أمامهم أجدك متمسك بفتاة غيري!»

أبتسم بتوتر وهو يحك مؤخرة عنقه وحاول التفلسف والتلاعب بالكلمات يتملقها حتى يذهب عنها الاحراج: «لم أقصد هذا المعنى بالتأكيد! ما أعنيه بأنني اعتدت على مساعدة من يقع حتى أستطيع ألحاق بكِ أسرع، ويكون لدي ردّ فعل سريع، لذا جسدي تفاعل تلقائيًا عندما تعثرت جواري، أقسم لكِ لم اقصد شيء آخر.»

وضعت يديها على خصرها، مُقطبة حاجبيها بغضب وشفتيها مقوسة بعبوس تحاول تصديقه، لكن رؤيتها له ينظر لجورجي والأخرى تبادله النظر وهي تعلم من صميم قلبها انها تريد لوكاس وهذا يجعلها تشعر بالغيرة تجاهها أكثر وأكثر.

لكنها تجاهلت هذا مُركزة على كلماته السابقة: «تعنى بأنني السبب ها؟ ماذا تعنى بأقع دائمًا؟ هل أنا طفلة حتى أقع دائمًا وأتعثر في خطواطي؟ أنت لئيم.»

تنهد لوكاس لخسارته للمرة المئة أمامها، ثم حدق بها بأبتسامة بلهاء وعيون لامعة مُبتسمة، قطبت سولين حاجبيها من هذه التعابير المُفاجئة، تنظر له بريبة: «ما الأمر؟ هذه النظرة مختلة!»

تقدم منها أكثر حتى أسرع يحاوط خصرها قبل أن تبتعد عن محيطه بنفورٍ لتصرخ متفاجئة: «لوكاس، توقف!»

أبعدت جزعها العلوى باستنكار تميل بوجهها قليلًا، جعدت ملامحها بضيق حتى يبتعد، ولم تكاد تقول شيءً حتى طبع قُبلة على وجنتها اليسرة بقوة تجعلها تتذمر، ويهمس لها أمام وجهها: «تعلمين بأنني لست جيد في الحديث المُرتب.»

هزت رأسه وترتفع زوايا شفتيها بسخرية: «لكنك مغازل جيد، ليس عليّ هذا الحديث يا فتى!»

طبع قُبلة أخري على وجنتها اليمنى، ويسترسل كلماته بنبرة خافتة يعلم تأثيرها عليها: «لكنكِ تعلمين بأنني أرتبك أمامكِ، اعذريني فجمال عينيك المختلطة تفتني.»

قلبت عينيها هذه المرة تخفي تأثرها بكلماته المعسولة، ولكنها قطبت حاجبيها تُمثل السخط عندما طبع قُبلة سطحية على شفتيها مُردفٍ: «وتعلمينني أكثر من ذاتي.»

تنهدت بتروي ليستشعر استسلامها وذهاب نوبة الغضب عنها ليسترسل باسفٍ: «أنا أسف، سولي."

أشاحت بنظرها، ولكن ملامحها لانت قليلًا، وتُعيد نظرها لهُ عندما شد على خصرها لتجده يبتسم بأتساع، وتظهر ابتسامته في عينيه المقوسة بزهوٍ لامع مما جعلها تتنهد، وتبتسم هي الأخرى تُبادله العناق: «تستطيع التلاعب بي جيدًا.»

قهقه لوكاس معترضًا: «لكنكِ تُحبين ذلك!»

تعلقت به واستقبل هو ذلك يتمسك بها جيدًا وتنبس له بعبوس غنج بينما هو يسير بها عائدين للمنزل: "كان يجب أن تتركها تسقط ولا تتصرف بهذه الشهامة مع هؤلاء الفتيات.. لأنهم سيئات وانت تعلم ذلك! وكان يجب أن تخبرني قبل أن أرى صوركم.. تعلم أن لم تقل الحقيقة غيرك سوف يقولها.»

زم لوكاس شفتيه يؤمي بتفهم: «أعدك، لن يتكرر هذا، سأكون حذر المرة المقبلة، سولي.»

رمقته سولين بعدم إعجاب متساءلة باستنكار: «المرة المُقبلة!»

..

دلفت تريشا والدة سولين الغرفة وتعلقت عينيها بجسد ابنتها المُمدة بولا حول ولا قوة، ولكنها لاحظت الجالس فوق الكرسي بجوارها يتمسك بيدها، ويسند رأسه على فراشها نائمٍ.

أبتسمت بانكسارٍ وهي تتقدم في نيه إيقاظه، لكنها وقفت تتأمله بحزنٍ، دمعته التي أنزلقت من عينيه المغلقة، وأهدابه مبتلة بالفعل، أنفه ووجنتيه محمرين أثر البكاء، وتيرة تنفسه التي تظهر غصته.

ملابسه خفيفة، والغرفة درجة حرارتها منخفضة بفعل مكيف الهواء، وضعيه نومه، كل هذا يوضح أنهزامه، أنكساره، وحزنه.. مما جعل والدتها تضع يدها على فمها تكتم شهقاتها الحزينة، مُدركة ما توصل له، انه لا يوجد امل، فقط بعض الوقت حتى تُهيء مُوعد رحيل ابنتها هي الأخرى.

أنسحبت على الفور، عائدة ادرجها، غير مُتقبلة هذه الفكرة، كل هذا يرهقها أكثر فأكثر، وهي ما زالت متشبثه بحبال الأمل البالية.

ما أن خرجت حتى أجهشت بالبكاء بقوة، صوت شهقاتها يزداد، ووتيرة تنفسها تتسارع مثل افكارها السامة التي تنهش عظامها تجعلها ضعيفة، وهشة: «يا ابنتي.. لا تفعلي بنّا هذا!»

إصابة سولين لم تصب شخص واحد فقط بال أصابت جميع من حولها أيضًا، لانهم بالفعل يعانون من الهشاشة ويجدونها الأمل الباقٍ.

تشعر بالحزن يفتك قلبك عندما ترى شخص مرح، بشوش، يحاول بقدر الإمكان مساعدة الجميع، شخص مسالم تشعر بأنه ينبض بالحياة، العفوية، والطاقة تنبعث منه، فجأة تسلبهُ الحياة، حينها تشعر أنه لا يوجد خير في العالم.

ان تسلبنا الحياة أفضل اشخاصها له شيء مَقيت، يُصعب تصديقهُ.

تقدم برادلي والد سولين من والدتها يسحبها إلى عناقه، ويُمرر يده فوق ظهرها بأسفٍ، عينيه من يراها يشعر بنظرات الندم تفتك به: «لا تَفعلي هكذا، ابنتنا قوية وستتخطى كُل هذا بسهولة.»

هو يشعر أنه السبب في ذلك. هذا شعور الأباء عندما يرون أبنائهم في وضع سيء لا ينكفون عن الشعور بالندم.

لكن تريشا كانت في عذاب أكبر، خوفها على ابنتها وحزنها على أصدقاء ابنتها، لقد كانوا جزءٌ من يومها: «كيف تخبرني هذا بكُل بساطة، براد؟ كيف تخبرني هذا والأطفال.. الأطفال يا براد.. لقد ذهبوا..»

نظرت إلى النافذة الزجاجية حيث يقبع لوكاس المتمسكًا بأمل بقاء سولين حية، تشير له بدموعٍ منهمرة: «انظر له، انظر لهم لم ينجوا.. لا، لقد ماتت قلوبهم قبل صعود روح رفاقهم، لن استطيع تحمل رؤيتهم هكذا.»

شدّ براد عناقه حول زوجته ينبس بكلماته المساندة دائمًا وأبدًا له قبل لها: «نحن جميعًا موتى، نحن جميهًا سنلقى حتفنا، لا تجعلي روحك تهلك قبل موعدها، سيتخطون.. وسنتخطى.»

نفت تريشا لا تستطيع التقبل الصدمة بعد: «نحن السبب.. لم يكن علينا السفر في هذا الوقت، لم يكن علينا السماح لها بالذهاب.. »

ابتلعت رمقها تستشعر زوجها الذي انخفضت حصونه وكأنه ينتظر هذا التأنيب، انهمرت دموعه بصمت وتشعر بها تريشا لتضمه مكتفية بالصمتِ حتى لا تزيد همه.

: «تريش، أرجوكِ توقفي عن هذا الحديث.»

منذ عِلمه بالحادثة، ورجوعهم من إجازتهم وهو يخبر نفسه أنه لم يكن عليه السفر، لم يكن عليه تركها تذهب هذه الرحلة، كان عليه إمدادها بالكثير من الحنان والعطف اكثر مما كان يعطيها، كان عليه فعل الكثير، تملكه شعور التقصير تجاها، والندم تراقص على ألحانه.

: «ستكون بخير، سول خاصتنا ستكون بخير يا تريشا.»

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي