١٨ نفور

بعد مرور خمس ساعات مُنذ آفاقة سولين.

تنفسها أصبح أسرع وتقبض بيدها على ملأة الفراش وهي تغمض عينيها بقوة وتنفي برأسها برفضٍ قاطع، منذ استيقظاها رفضت التحدث أو النظر إلى أحدهم، لا عائلتها أو حتى لوكاس أكثرهم تقربًا لها، فقط ملتزمة الصمت ولا شيء سوى ذلك.

الزيارة أصبحت مفتوحة لها، والدتها تجلس فوق المقعد لكونها اظهرت النفور من ملامستها، لوكاس يجلس أمامها بأعين متسعة لا تطرف يحاول جعلها تنظر له مستشعرة نظراته فوقها، لكنها لم ترضي غايته حتى، اشقاءها ووالدها يحاولون التحدث وخلق المواضيع لكن بلا فائدة، رفاقها يأتون ويذهبون وينتشر خبر استيقاظها اسرع من انتشار خبر الحادثة.

في النهاية انسحب لوكاس يقف رفقة اصدقاءهم في الخارج، عينيه تذهب دومًا لها بمشاعر مضطربة غير مصدقًا عودتها، ومتألمًا لحالها، هو يعلم انها ستمر بحالة ستصعب عليهم حياتهم جميعًا، لكنه أناني لفرحته بعودتها حتى وان كانت بتلك الحالة.

استقامت والدتها تستشعر عدم راحتها، ويضطرب الجميع قلقًا أن تزورها نوبة عصبية، الجميع يتأهب لتلك الحالة التي ستقسم ظهورهم من رؤيتهم في ذلك الانهزام، نفت سولين تحدثت بخفوت ونبرة مرتعشة: «لا أريدُ.. لا أريدُ رؤية هذا..»

: «أنهم..»

نبست تبتلع كلماتها تنظر إلى والدتها التي تمسك كتفيها بتشجيعٍ ومساندها تهمس لها بكلماتٍ مواسية: «أنهم بخير، عزيزتي. أنهم بخير أقسم لكِ.»

شعرت سولين بلمسة والدتها كأنه نيران تحرقها، حاولت أن تدفعها بعيدًا لكنها لا تستطيع الصراخ عما تشعر به من عاصفة مميتة حتى: «لا، لا.. هذا غير صحيح!»

نبست بجنونٍ تنفي بدموعٍ منهمرة بلا توقف، حاولت والدتها تهدئتها تمرر يدها فوق رأسها ترتب لها خصلات شعرها بحنوٍ ويزداد انفعال سولين أكثر: «أنتِ تَكذبين.. لا، لا أريدُ رؤية ذلك!»

صاحت بانفعالٍ رغم ضعفها صوتها، وشعورها بالألمِ.

اندفع لوكاس إلى الغرفة بعد مناوشة مع الممرضين لكي يستطيع الدخول، لكنه في النهاية استطاع الدخول يمسك يدها وهو يبتسم يحاول بث الطمئنينة لها، وعينيه مُحمرة أثر كتم البكاء، قائلًا لها بصوت ظاهرًا به الغصة العاقلة بحلقه: هاي، هاي أنتِ بخير، انا معكِ وسينتهي هذا قريبًا حسنًا؟ سول، ارجوكِ اهدائي.»

الصدمة ألجمت جسدها والدتها من رؤية ابنتها ترفضها وترفض أكثر الأشخاص تقربًا لها، عائلتها تقف عاجزة أمام ثورانها الواهن: «كيف؟ أين هم؟ چاس..»

اتسعت عينيها مع صدد النطق باسم صديقتها، زاغت عينيها في الفراغ بينما تنطق بجنونٍ: «روز؟ الرفاق يا إلهي!»

حاولت رفع جزعها العلوي ونجحت بذلك بمساعدة لوكاس الذي لم تنتبه له سولين حتى، دفعته بوهن وهي تحاول الإبتعاد عن السرير وتحاول الممرضة تثبيتها بخوفٍ وهي تقول: «انتظرِ، ما زال جسدكِ لم يتعافى بعد.»

لم تستمع لها وهي تقول ببكاءٍ هيستيري: «اصدقائي بمفردهم.. لقد تركتهم!»

نظر لها لوكاس بتشتت لا يعلم ما المفترض به فعله، يرفع ذراعه بمستوها لكي يلحق بها إذا وقفت في اي لحظة، نواه يقف حاجزًا كذلك، وماركوس سوف يفقد عقله حتمًا.

: «سولين.. نظري لي!»

نبس لوكاس بيأسٍ يترجاها وهي فثط اغمضت عينيها يرتفع صدرها وينخفض باضطراب وتغرق وجنتيها دموع الحسرة: «هم بمفردهم.»

دخل والدها الغرفة كذلك ويحاول المنرضون السيطرة على الأوضاع يجعلون عائلتها تخرج من الغرفة، لكن لا حياة لمن تنادي، ارتفعت عينيها لهم تنظر لهم بأعين زائغة لا تثبت حتى أبصرت جاستن وبيتر الواقفون في الخارة، ظلت ترمقهم وعينيها تزداد بها الدموع، تتذكر جميع لحظاتهم تبكي على رفاقها الموتى مرة وعلى الأحياء منهم مرتين، فقط الحسرة تحرق صدرها، هي لم تفقد عقلها لةنها لا تستطيع السيطرة على ألم صدرها.

سحبت أنبوبة المحلول المتصلة بيدها بعنفٍ واهن وما زالت تبكي بحسرةٍ لتحاول الوقف وفي هذه اللحظة صاحت الممرضة بهم: «چيف، اخرجهم جميعًا!»

حاولت جعل سولين تعاود إلى الستلقاء برفقٍ بينما تنبس بهدوءٍ: "ستصاب ساقكِ أكثر، توقفِ رجاءًا.»

نفت بعنفٍ وإذا حركت رأسها أكثر ستصاب حتمًا بدوارٍ حاد ان لم تكن أُصيب به بالفعل.

: «ثلث واثنان، چيف.»

نبست الممرضة للمرافق لها دون النطق باسم المخدر حتى لا يزداد انفعال سولين.

استقامت سولين فجأة ويلحقها لوكاس سريعًا، لكن ثقلها وتعثره جعلهم يجثوا أرضًا معًا، ظلت على وضعها ويستشعر لوكاس نبضها الصاخب وارتعاش جسدها ليلف ذراعيه حولها بأعين جاحظة قلقة وخائفة: «سول، اهدئي أرجوكِ.»

تنظر إلى الأرضية بأعين مغلفة بالدموع تمنعهم من الرؤية تبكي بحرقة وتشد على تمسكها بلوكاس أكثر غير واعية بذلك حتى تهمس بأسفٍ لحالها: «لقد ذهبوا جميعًا.. تركوني وحيدة، أنا خائفة.. خائفة بشدة.»

جثت والدتها جوارها تُربت على ظهرها وهي تقول بنبرة حنونة لعلها تهدئ اضطراب خواطرها المشتعلة: «ابنتي نحن معكِ، اهدئ أرجوكِ حتى لا تتأذين أكثر.»

ازدادت المقتطافات تغزو عقلها بلا هوادة وتشعر بتقلص معدتها ألمًا وبقلبها يكاد يفتك بها في أي لحظة، بكت بصوت مرتفع تعبر قليلًا عما تشعر به.

سحبتها والدتها لعناقها تضع رأسها على صدرها تغلفها بحنانها ودفءها لعلها تحميها مما تشعر به، لعلها تستطيع اخذ ما يهلك روحها النقية، تشبثت بها سولين تبكي بصوت مرتفع يدل على حرقتها وحسرتها على ما فقدته، ربتت والدتها على ظهرها واليد الأخرى تمسح على رأسها وهي تنبث بكلمات مشجعة ومهدئة، أشارت للمرضة التي أمامها بأن تتقدم، امتثل لاشارتها وتقترب الممرضة تغرز المصل المهدئ بكتف سولين دون أن تراهم، لكنها بالفعل قد استسلمت لألمها تأخذه بصدرٍ رحب.

استرخي لوكاس على الأرضية وهو يحدق بسولين تهدئ شيئًا فشيئًا بين ذراعين والدتها، شعر بأن كل شيء مُبعثر حوله، بأن لا شيء على ما يرام كما أخبرها، حروف السعادة التي ظلت تحاوطهم تَتبعثر أمامه وهو عاجز عن الحفاظ على هذه الأحرف.

: «لا تنظر هكذا!»

نبست والدتها إلى لوكاس بعتابٍ، تعانق سولين أكثر تستشعر هدوءها وغياب عقلها، تسترسل بينما تمسح دموع ابنتها: «هذا طبيعي يا فتى، هذا أكثر مِن طبيعي. هي لم تيأس.. مَن نحن لنيأس من اهتجاجها؟»

أعادوا سولين تفترش فوق فراشها وترفرف عينيها ذاهبة إلى عالم اخر أكثر هدوءًا من صخبِ عقلها، لمنطقة فارغة تحافظ على سلامتها، حيث لن تمسها افكارها بطريقة سيئة.

استرسلت والدة سولين ترتب خصلات شعر ابنتها الذهبي: «أنا واثقة بها، لا أرغب برؤية تلك النظرة الحقيرة مُجددًا على وجوهكم!»

رمقت ابناءها ولوكاس بغضبٍ معاتب تشير لهم بتحذير، ويدخل الطبيب قاطعًا تحذيرها: «رجاءًا، فقط مرافق واحد لهذه الليلة.»

نبس الطبيب بجدية، وبلا تفكير سحب نواه لوكاس الواقع أرضًا يجعله يستقيم، ويربت فوق صدره بخشونة بينما يقول وهو يدفعه للخارج: «أخذتها بين ذراعيك هاه؟ إذا كان الوضع مخالف لهشمت وجهك.»

لم يسع لوكاس الإجابة هو بالفعل يحاول استيعاب أنه عانقها وأنها تشبثت به بالفعل، لكن لم يكن هذا وقته حتمًا للتحدث بشأنه!

لكن لوكاس قد سايره بالفعل: «شقيقتك مَن تقع دومًا بين ذراعاي ليس ذنبي!»

مسح نواه فوق وجهه يحاوط كتف لوكاس بينما يخبره بمشاكسة يحاولون الخروج من الصدمة التي تسببت سولين بها لهم: «إذن فالتبحث مَن سيزوجك أياها.»

رفع لوكاس حاجبيه: «مَن تظن نفسك؟ العم براد موافق بالفعل، لكنه فقط يتحجج بالعمر..»

تنهد لوكاس يخفض وجهه، لا يعلم إذا كانا سيتطيعون الوصول لتلك المرحلة حتى ام سيتم استنزافهم قبلًا.

طرق نواه رأس لوكاس بعتابٍ: «لا تحني هذه الرأس مُجددًا، أسمعت؟ أختي بخير وستظل بخير وسوف نشهد شجاركم وأقسم إذا ضايقتها يومًا تلك الرأس سوف تهشم بين يداي.»

ابتسم لوكاس ليدفعه نواه بخشونة ممازحة.

هو لديه الأمل لم يمت بعد، أنها سولين في النهاية، روحه الجميلة، لأخر رمق سيظل ينتظرها.

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي