١٦ أهذه النهاية؟

عندما غادر لوكاس المدرسة وبعدما تأكد الرفاق وعمته والطبيبة أنه بخير وأنه لن يدع فكره يسيطر عليه مُجددًا وبعدما ابتسم وتأكدوا أنه بخير سمحوا له بترك المدرسة والذهب إلى المشفي للأطمئنان على سولين، لكن يا ليته لم يذهب فـ ما يراه سيجعله حتمًا يفقد وعيه.

ووجد الممرضون يركضون حيث غرفة سولين ووالدتها تقف بوجهٍ شاحب غير مُصدق، نفى هو الاخر غير مصدقًا وغير راغبًا فادراك سبب ركضهم لغرفتها بقلقٍ.

أندفع بينهم سريعًا ينظر لهم بعيون متسعة خائفة وإلى سولين التي يحاولون إنعاشها، يتساءل بقلبٍ يكاد ينفطر: «ما الذي يحدث؟ ما الأمر؟ ستكون بخير، صحيح؟»

توالت اسألته على أحد الممرضين الذي امتنع عن اجابته يحاول دفعه بعيدًا: «فقط ابتعد رجاءً."+»

حاول احد الممرضين أخراج لوكاس لكنه يأبي ذلك، صارخًا بهم: «ما الذي تفعلونه بها؟ لِمَ تَفعلون ذلك؟ هي بخير!»

مؤشراتها الحيوة أنخفضت فجأةً، ونبض قلبها على وشك التوقف الطاقم الطبي يسارع الوقت لأنقاذها ولوكاس ما هو إلا معرك ومشتت لهم.

أستطاعوا بالفعل أخراج لوكاس الذي ظل واقفًا في الخارج أمام النافذة الزجاجية يضع يده عليها وجسده بالكامل متشنج من الصدمة عيونه متحجره بالدموع وتنفسه أصبح اثقل حتى استطاع سماع نبضه يطرق في اذنيه بعنفٍ يذكره باللحظات المعدودة التي ستنتهي بخروج روحها.

طرق النافذة ولم يعد يدرك كم يمر من الوقت وكيف حذث ذلك، لا يعلم شيء سوى أن حبيبته رُبما ستتركه للأبد وهو غير مستعد لتلك الحقيقة.

عندما وجد لوكاس ابطائ معدل نبضات قلبها وركض الممرضين لها بفزع، لم يشعر وإلا هو يهاتف جاستن يخبره بزعر، وكأنه يشتكى له أن حديثه فارغ لم يكن حقيقة، وكأنه يتهمه أنه خدعه بتلك الأوهام.

يرى من خلف الزجاج هرولة الممرضين والطبيب الذي يصرخ بهم حتى يسرعوا، استدار يجلس أرضًا وهو يضع يده على اذنيه يمنع وصول أي صوت من أنتحاب والدتها وحديث الطاقم الطبي إلى أذنيه وهو ينفي برأسه رفضًا تام بحقيقة فقدها تلك الليلة.

هل بعد هذه المدة من الأمل سوف تسحبها وتذهب هكذا فقط بكُل سهولة؟

: «لوكاس!»

ركض جاستن تجاه لوكاس وخلفه مجموعة من الطلاب مقربين من سولين، وجوههم شاحبة ينتظرون لحظة سماع ما سيكسر قشتهم الأخيرة.

وفي الجهة الأخرى يقف ماركوس متصنمًا يحوذ على ملامحه الندم والرعب من تلك اللحظات الفاصلة، أما والدتها فـ هي تكاد تفقد عقلها بين أذرع زوجها وابنهم الأكبر يكاد الأمن طرده خارج المشفى بأكمله.

الفقد مؤلم ومُرعب، وقذ ذاقوه أضعاف مضاعفة، مرة أخرى ولن تزول غمامة الحزن عنهم، هي الناجية الوحيدة أبهذه البساطة ستتخلى عن معجزتها مستسلمة لقدرها؟

: «سول..»

نبس لوكاس غير مُصدقًا انتفاضة جسدها أثر الصاعق الكهربائي، نبس يسترسل له وفقط له: «هي بخير.»

يستمع لصوت الصاعق كلجام يصفع أذنيه، يستمع لنواحهم كعذابٍ سابق لأوانه يخبره بحقيقة ما يحدث، يؤكد له حقيقة ان الموت حتمي لا مفر منه حتى إذا تأخر.

: «براد، ابنتنا يا براد.»

صاحت والدة سولين بين اذرع زوجها الذي يربت عليها بصمتٍ مُستسلم لحقيقة الأمر رغم كونها مؤلمة كشق الصدر.

: «ماذا تعنى بتدهور الحالة فجأةً؟ ما الذي تعنيه؟ أين المدير؟ أين لعين هذا المكان؟»

ثار نواه شقيقها الأكبر يمسك أحد الممرضين المشروفين على حالة سولين، ويكاد ينقض عليه لولا تمسك رجال الأمن به.

حالة من الفوضى تمر عليهم كلحظاتٍ لا مثيل لها.

أحد الطلاب المتواجدين تناسي غلق ضوء كاميرا الخاصة بهاتفه ويلتقط صور لعائلة سولين من بين هذه المأساة التي يمرون بها، يوثق تِلك اللحظات بلا سابق إذن مخترقًا مساحتهم الشخصية فب أبشع لحظاتها.

ويخرج ماركوس عن صمته مقتربًا من الفتى بصمتٍ وعلى حين غرة يلتقطت الهاتف يلقيه بسخطٍ كما فعل لوكاس سابقًا، وينبس بلا خرج في وجه الفتى لمتفاجئ: «أستحب والدتك أن اصورها وهي عارية؟»

اتسعت أعين الشاب وشهقت الفتاة المجاورة لهم بتفاجؤ من جرائة ماركوس ونظراته المميتة تجاه صديقها.

: «كيف تجرؤ؟»

صاح الفتى في نيه الانقضاض عليه في شجارٍ ليس وقته المناسب حتمًا، ولا ماركوس سيستطيع المواجهة، وقبل ان يخطو الفتى خطوةً تجاه ماركوس وجد كلا من بيتر ونواه يقفون خلف ظهر ماركوس المستسلم كليًا.

ويهسهس نواه بتهديدٍ ساحبًا شقيقه الاصغر يقف هو متصدرًا: «تجرأ على لمس خصلةٍ منه.»

وتصيح والدتهم بقهرٍ وحسرة: «توقفوا.. فقط توقفوا.»

اشار نواه لجميع معارف سولين من المدرسة بتحذيرٍ مُبيّن: «حياتنا ليس مسلسل تلفازي لعين لكم، لا سولين ولا نحن في حاجة لتوثيقكم.. لِذا غادروا فقط.»

: «نحن هُنا لأجل سولين، لا لأجلك أو لأجل توثيق شيء!»

اجابته جورجيا الفتاة الصهباء ترمقه بعدم إعجاب ويتدخل مارك يحاول تهدئة نواه لكونه يعلم أن تلك اللحظات ما هي إلا ضغط مميت.

: «لم يقصدوا ذلك، انهم يحاولون نشر الأحداث لكي تعاد فتح القضية..»

لم يستطيع مارك اكمال حديثه عندما وجد أعين نواه تظلم أكثر وغضبه يتصاعد أكثر، لكن كُل هذا ذهب في مهب الرياح عندما تردد صدى توقف نبضها تمامًا.

الأعين الجاحظة والنبض الضعيف هو ما يسيطر عليهم جميعًا يستقبلون خبر فقدهم لشخصهم المفضل.

يحاولون تكذيب الأمر، يدعون لكي يتوقف الوقت لو يعاد بهم الزمن، حقيقة الموت مؤلمة وتكاد تفتك بالأحياءِ، لكنها ستظل الحقيقة الوحيدة في حياتنا.

يتبادلون النظر ويطالعون الغرفة من النافذة الزجاجية، يريدون رؤية طبيب وسماعه ينطق بالخبر المؤكد، لكن ما أكد لهم كانت صرخة والدتها المتحسرة على وداع ابنتها لها، صرخة نابعة من القلب وقد وصلت إلى عنان السماء تناجي الرب على قضاء ابنتها الوحيدة.

أما لوكاس فلقد فقد عقله وهو على وضعه ما زال واضعًا يديه فوق أذنيه بقوة يحاول منع وصول أصواتهم إلى سمعه يردد كلمات المواساة على نفسه لعل يصدق أنه ستكون بخير، لعل قلبه يتوقف عن الانفطار: «هي بخير، سولين بخير.»

نفى رافضًا رؤية ما يحدث حوله، نفى رافضًا نظرة الاستسلام التي زحفت على ملامح نواه، يسترسل بغصة: «لقد وعدتني انها سوف تعود إلي، يوجد حديث يجمعنا، ما زال حديثنا مستمر، كيف سوف تذهب الان.. كيف؟»

حادث نفسه بجنونٍ يحاول تعقيل الأمر لعله يجد العلة التي سوف تصلح الأمر: «لقد وعدتني، سول لا تخلف بوعودها أبدًا.. هي لا تخلف الوعود.»

تهدجت أنفاسه يتسرب إلى مسمعه صرخات والدتها تمتزج بذكرياته عندما استمع لصرخات سولين مطالبة النجدة والرحمة، تدخل كلا عالمه يصعبون عليه الأمر ليهمس بهونٍ: «توقفوا..»

لكن لم يستمع له أحد، الجميع في حالة يرثى له حتى وان كان غير مهتم واقع الموت ثقيل على النفس يجل الانسانة في حالة تأهب وتأدب أو رُبما الاهتياج الثوران غير قادرين على تصديق واقعهم.

صرخ بهم هو الاخر يفقد اعصابه، يفقد فتاته وروحه كما يلقبه وكما هو نطق أول جزء من اسمها 'سول الجميلة' وهي روح جميلة لجميه المقربين والذين دخلوا محيطها، صرخ بهم لعلهم يتوقفون عن افتراض شيء لن يحدث: «توقفوا.. توقفوا.»

لكن لا حياة لمن تنادي أصواتهم تزيد الوضع سوء، تشعره أن هذه النهاية.

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي