١٥ شجار

: «سولين!»

شَهقت چاسمين تتمسك بالحبل سريعًا الذي يربطهم جميعًا عندما أنفلتت قدم سولين، وتتضحك الأخرى مهلهلة: «حدث العام، چاس قلقة علي يا رفاق!»

عبست چاسمين تكمل تسلقها بتحركاتٍ قوية تنم على غضبها من ضحكات الفتيات ومزاح سولين الساذج في نظرها.

متعلقين هم بحبال الأمان، طاقم التسلق حولهم وجميع المعدات المساعدة متواجدة، أنه تسلق ترفيهي وليس تسلق حقيقي مليئ بالمخاطر حتى أنهم يأخذون الصور بكُل استمتاعٍ.

«أهلًا، لوك!»

صاحت سولين بينما تعدل عصا التصوير، ويلوح لوكاس لها يظهر على شاشة هاتفها، ابتسم باتساع لها متساءلًا: «هل وصلتي إلى قمة افريست أم أمامك الكثير؟»

هزت سولين رأسها بيأسٍ: «لا تكن لئيم كونك لم تستطع القدوم، نحن أين وقمة افريست أين أيها الشاب الوسيم.»

: «بحقك، سول! ليس أمامنا أذاني سوف تتلوث.»

صاحت ستيلا بمزاحٍ وتوافقها أماندا تصطنع ملامح متقززة، تجاهلتهم سولين تمامًا تكمل تسلقها بينما يجيبها لوكاس بتفاخر: «إذا كنت معكِ لوصلنا إلى القمة أسرع.»

شخرت چاسمين ضاحكة بسخرية، تجيبه هي: «توقف عن تدليل تلك الفتاة، نرجسيتها ستقتلنا يومًا بسببك، لوك.»

ارتفع صوت لوكاس عبر الهاتف يجيب چاسمين بلا اهتمام: «وان يكن، العالم لأجلها.»

ضحكت ستيلا بعدم تصديق: «اها، أشعر وكأنني دخلت معاكم النقاش بطريقة خاطئة، اخرجوني من نقاشكم اللزج ذلك.»

هزت سولين رأسها تنظر إلى لوكاس عبر الهاتف: «دعك منهم، يغارون من..»

شهقت سولين عندما تزحلق قدمها ويصرخن الفتيات بها وكذلك لوكاس يستقيم واقفًا مناديًا عليها، وتضحك هي بينما تعاود تثبيت جسدها مُجددًا، تشير بأصبعين مقربين: «كان وشيكًا!»

: «سولين، نريد العودة معًا، لا تكوني حمقاء!»

صاحت چاسمين بها بسخطٍ، ويليها سباب الفتيات: «لقد أوقعتِ قلوبنا!»

ويأنبها لوكاس بعبوسٍ مُتضايق: «تمسكي جيدًا، سولي. لن اتحمل رؤيتكِ تتألمين.»

لوحت سولين له باستحياء لكي يتوقف عن قول تلك الكلمات بكل تبجح أمام رفاقها، أما هو لم يهتم ذلك ما زال مصرًا على كلماته: «أنا لا امزح، إذا كنتِ تمزحين اوقفي تسلقك وعودي إلى روز، سول.»

قلبت سولين عينيها بمللٍ تميل قليلًا لكي تظهر له روز الجالسة في الأسفل تتناول المقرمشات بينما تتابعهم يتسلقون، وتمزح سولين قائلة إلى لوكاس: «انظر لها، تبدو مثل الأرنب من هذا الارتفاع!»

عدلت هاتفها المثبت لكي تظهر الكاميرا روز، حاول لوكاس الا يبتسم حتى تتأكد سولين أنه غاضب من تساهلها بالأمر، والأمر لا يستحق تلك الجلبة حقًا هو فقط المهووس بها كما تظن.

استقامت روز تلاحظ تصوير سولين لها وتلوح لهم بطريقة مرحة ضحك عليها الفتيات وتتمتم سولين بيأسٍ: «مُختلة وقد زادها جاستين جنونًا.»

رفع لوكاس حاجبًا وتعدل سولين تثبت قدم وترفع أخرى تكمل تسلقها، ويجيبها هو بثقة: «لا دخل الفتى في شيء، روز مختلة دون مساعدة أحد.»

: «حسنٌ، هو لم يخطئ في هذا.»

اجابت چاسمين تدخل في المحادثة ويؤمي لوكاس رافعً حاجبيه بتساؤل إلى سولين: «رأيتِ! ارسلي هذا القلب إلى صديقتي المفضلة.»

صنع لهم قلبًا وتهز سولين رأسها بعدم اهتمام غير معجبة بحديثهم الذي في الأساس غايته مضايقتها ليس إلا.

عبست سولين في وجهه لوكاس تنبس على مضض: «حسنٌ أيها الشاب العادل، ألقاك لاحقًا.»

لوح لوكاس ينفى سريعًا: «لا، لا، أنا فقط أمزح، عزيزتي.»

عبست سولين في وجهه بغضبٍ رافضة مزاحه بينما تمد يده لتنهي المكالمة: «لنّا لقاء يجمعنا، لوكاس.»

: «سُحقًا..»

كان اخر شيء قبل أن تغلق سولين المكالمة حقًا وترمق چاسمين بجانبية فـ لا أحد يجادل سولين باركر في حقايق هي تقولها.

رفعت چاسمين رأسها للسماء تطالب بالرحمة من دلال سولين عليهم: «الهي أنت تعلم كيف حالي!»

..

صباح يوم الخامس والعشرون مُنذ الحادثة.

: «لقد أُغلقت القضية.»

تناقلت هذه الجملة بين جدران مدرسة بريكين هيلز، تخبر الجميع أن لا حق لازهاق أرواح رفاقهم، قد اودع الحق مكانه مع أرواحهم.

: «إذا كان السائق مخمورًا حينها فقد ألقى حتفه هو الاخر، وسوف يرقدون بسلام.»

تناقلت هذه الجملة يحاولون التهوين على أنفسهم حقيقة ضياع حقوق أفئدتهم المفقودة.

: «لن يستطيع أحد معرفة ذلك أبدًا جميع الجثث احترقت بالكامل لدرجة عدم معرفة أصحابها.»

همس اخر يصل إلى مسمعه يجعله يقبض يديه حتى ابيضت مفاصله يكبت صرخة وشيكة.

: «اعتقد بعضهم يستحق تِلك الميتة، لكن ما زال الأمر لا يصدق جميعهم؟ جميعهم في ذات الوقت لم يستطيع أحد النجاه؟»

: «نجاه سولين مثل المعجزة حقًا..»

: «أنها نقمة يا فتى! نقمة لقد بقت طوال الليل رفقة جثث رفاقها.. ادعو الا تستيقظ هي فقط سوف تُعذ..»

لم يكمل الشاب جملته وإذا يجد لكمة تلتحم بوجهه تخرسه، اندفع لوكاس عليه باللكمات ينفث قليلًا عما يعصف بداخله من سماع الحديث عن رفاقه بلا أي اهتمام.

اندفع يخرسه عن دعوةٍ تجعل العالم باكمله كاحلًا في نظره: «تدعو بماذا أيها الحقير؟»

صرخ لوكاس به يمسك مقدمة الشاب بينما يلكم وجهه بسخطٍ: «تدعو بماذا؟ أجبني أيها الجبان؟»

اندفع جاستن من بين المتجمهرين يحاول قمع لوكاس الذي أصبح مثل ثور هائج لا يتوقف عن لكم الفتى بينما يلكمه بلا رحمه، لا أحد يعلم كم احرقته تِلك الدعوة، كم أفاضت كأسه حديثه عن سولين، عن فتاته التي إذا عنى ان يحرق العالم لأجلها سيفعل.

اجتمع رفاقه يثبتونه ويحاولون سحب الشاب من أسفل يديه ليصرخ لوكاس به: «اللعنة عليك..»

دفعه بيتر ليبتعد عن تجمهور الطلاب الذين يصورونه بفضولٍ عن سبب الشجار وانفعاله على غير العادة منه مما زاده سخطٍ ليصرخ بحرقٍ بهم: «اللعنة على من يدعو بالموت لروحي، اللعنة عليكم جميعًا، اللعنة عليك ماذا تصور أنت؟»

اقترب من إحدى الفتيان يسحب هاتفه ويلقيه بسخطٍ ويندفع مُجددًا في محاولة سحب باقية الهواتف يصيح بهم بجنونٍ: «ماذا تصورون؟ أتظنون أنه عرض مسرحي لعين؟»

: «لوك، توقف يا رجُل.»

صاح جاستن به، ويحاول مارك أبعاد الطلاب حتى لا يثور لوكاس بهم أكثر فالغريب أنه لم يتدخل أحد الأساتذة حتى الآن، ولم يتفاجئ أحد من انفعال لوكاس الهائج وكأن الجميع كان ينتظر تِلك اللحظة وها هم يصورونها.

: «تبًا لكم، لعناء.»

تمتم لوكاس يمتثل لتدافع الرفاق له وحينما ألتفت وجد عمته تقف عاقدة ذراعيها بصرامةٍ، وتنبس بجملةٍ واحيدة: «إلى مكتبِ، لوكاس باتردينج.»

زفر الهواء يمسح وجهه بكفيه ويربت مارك وجاستن فوق ظهره بتشجيعٍ، وينبس مارك له: «سوف ننتظرك هُنا.»

تنهد لوكاس يخطو خلف عمته يشعر بثقل العالم فوق كتفيه، أقل شيء يهلكه ولا يستطيع التعامل معه، روحه ثقيلة والتحرك أصبح صعب، وبمجرد غلق باب المكتب خلفه شعر بالعالم يضيق حوله والتنفس أصبح معدوم، لا يعلم لِمَ هو صامد؟ لماذا يحارب ولأجل ماذا؟ جميعهم أموات، جميع مَن كان يسنده ويشجعه أموات.

: «ما الذي حدث؟ لوكاس، ما الذي دفعك لهذا؟»

تساءلت عمته تعقد ذراعيها وترمقه بعدم إعجاب، أما الاخر فقد مرر أصابعه الطويلة فوق جبهته يشعر بألم الرأس يداهمه بلا إنذار ويحاول الدفاع وتبرير موقفه: «قد استحق ذلك.. انهم يتحدثون عنهم وكأن حياتهم مسلسل تلفازي لعين.. انهم يتحدثون عن رفاقي.. اللعنة أنهم أموات يقولون انهم يستحقون ذلك، ماي!»

زفر الهواء بسخطٍ يحاول ألتقاط اخر يروى رئتيه، وصعوبة تنفسه زادته غضب وسخط ليس إلا: «رفاقي ألقو حتفهم ولم يكفيهم التحدث عنهم بالسوء بل يدعون على رفيقتي، يدعون على روحي بألا تستيقظ؟ يتمنون ألا... تستيقظ سولين يا ماي.»

صاح في نهاية حديثه يشتكي لها وكأنها ستذهب لتجريمهم على فعلتهم تِلك، لكنها فقط تنهدت تقترب منه تحاول تهدئته، لا تعلم أنه قد طفح كيله بالفعل تقهقر مبتعدًا عنها يلوح بيده بانفعالٍ: «واللعنة لقد ماتوا جميعًا.. يريدوني أفقد سولين؟ سُحقًا إذا.. إذا سولين.. يا ماي، هذا يؤلمني بحق.»

خارت قوته تدفعه عمته للجلوس فوق الكرسي بينما تربت فوق صدره بحنوٍ لعلها تقدر على تهدئة صراع نبضه الخائف والقلق: «ستكون بخير.. لا تدع أفكارك تسيطر عليك.»

: «أنهم أموات.. جميعًا، أراهم جميعًا أموات.. كيف لم يعلموا الفاعل؟ كيف تغلق قضياهم وقد تم حرق رفاقي الأحياء منهم والأموات.. كيف يفعلون هذا بهم؟»

تساءل بأعين جاحظة تغلفها غشاوة دموع تأبي الانهمار، ما زال ينكر تِلك الحقيقة، ما زال يأبي أن يصدق تِلك الكلمات التي تسابقت على طرف لسانه للنطق بها، العالم يدور من حوله، وأصبح النفس الذي يأخذه ثقيلًا كثقل روحه المنهكة.

: «لوكا..»

انقطعت كلماتها تقترب بقلقٍ من ابن اخيها الذي استندت ضد الكرسي يتخذ منه مسندًا، وضعت يديها فوق وجهه الشاحب: «أنت بخير؟ لوكاس، أجبني؟»

تسارعت أنفاسه كتصارع نبضه الصاخب، لا يعلم كيف يلتقط أنفاسه أو بالأحرى لم تدع افكاره تلك العملية بالاستمرار تضيق حصاره وخناقه.

: «لوكاس، اهدئ رجاءً!»

صاحت عمته تضرب وجنته بخفة لعله يستفيق من دوامة افكاره، ويتمتم هو ضائعٌ في عواضف خلده بتعثر وعسر كلماته: «إذا حدث.. حدث لها شيء.. إلهي.. يا ماي ألا سولين يا ماي»

ربتت فوق وجهه تجده لا يستطيع أخذ أنفاسه حتى، شهق يحاول اخذ انفاسه، ربتت فوق كتفه تحسه على اخذ أنفاسه: «تنفس يا فتى، تنفس ستكون بخير!»

: «لا استطيع.. هذا مُهلك.»

نبس بتقطع تشعر به يكاد يفقد الوعي لتندفع خارجًا تصيح برفاقه: «مارك، نادي الطبيبة.. أنه يمر بصدمة عصبية.»

ركض مارك دون الاستماع لبقية حديثها، أما جاستن وبيتر فقد اقتحموا المكتب يلتفون حول لوكاس، مَن يصفعه ومَن يلوح بدفتر أمام وجهه لعل يصل له الهواء، ومَن ينبس بكلماتٍ مُشجعة لكي يعاود السيطرة على نفسه ويلملم جائشته المبعثرة.

: «نحن معك يا صاح، انظر لنّا ها نحن حولك، لم تخسرنا بعد ولن تخسرنا، سولين بخير وستكون بخير، بعض الوقت يا صاح وستمر تلك الذائقة، سنكون جميعًا بخير تماسك لتلك النجاة حيث سيأتي الوقت لتعود بسمتنا مُجددًا.»

: «لوكاس يا عاهر، تماسك يا فتى ألا تستطيع اخذ انفاسك؟ ماذا عن سولين يا فتى أنها بطلة بحق.. لا تجعلها تحبط من رؤيتك هكذا.»

: «يا لوكاس أنهم أفضل مننا، أنظر انهم الأحياء ولسنا نحن، لقد موتنا منذ لحظة فراقهم لنّا، أحزن علينا نحن وليس هم.»

: «لوكاس، ألتقطت أنفاسك يا رجُل لا تكن مثل فتاة هجرها حب حياتها.»

اومأ لوكاس لهم وتدفعهم طبيبة مدرستهم تربت فوق وجهه لوكاس بخفة وتُتمتم سريعًا: «أتسمعني؟ يمكنك رؤيتي، صحيح؟»

اومأ لوكاس يشهق أثر الغصة الملتفة حول عنقه، وتسترسل الطبيبة بجدية: «ركز على يدي.. لوكاس ركز هنا قليلًا.»

صاحت به تتمسك بفكه تجبره ينظر إلى كف يدها الذي يتحرك في دائرة ثابتة: «ركز هُنا ولا تفكر في شيء.. فقط دقيقة واحدة!»

تحاول تشتيته عن ثقب افكاره المظلم، ما يحدث له صدمة ومحاولة تفادي الواقع، لكن عقله ليس أفضل من الواقع بشيء أنه مثل جحيم سيؤدي بحياته إذا استسلم له.

شهق لوكاس وتتوالي شهقاته يتابع تحرك يد الطبيبة التي ابتسمت براحة من رؤيته يستطيع اخذ انفاسه مُجددًا، وتضع عمته يديها فوق وجهها تزفر الهواء براحة فقد كادت تفقد هي الوعي.

ضحك مارك يدفع كتف لوكاس: «هذا الوغد أراد قتلنا حتمًا.»

ويشحذه جاستين في ضيقٍ: «لا تتحدث أنت أيها الوغد ما زالت لم اتخطى فعلتك.»

ارتفعت زوايا شفاة مارك بسخرية ويسبهم لوكاس أسفل انفاسه بسخطٍ يائس: «لعناء، ابتعدوا عني لا استطيع التنفس تسحبون الهواء من حولي.»

لم ينه ىجملته حتى وإذا ببيتر يدفع كلا من جاستين ومارك الذين اتسعت أعينهم غير مصدقين انقلاب بيتر عليهم لأجل لوكاس الاخير الذي ابتسم بامتنان وينظر لعمته بأسفٍ على حاله وما آلت إليه نفسه.

..
يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي