٦ عراك فتيات

يتمشي لوكاس في ممر المشفي ذاهبًا إلى سولين، لكنه توقف عندما رأي أخر شخص كان يتوقع أن يزور سولين.

تقف فتاة ذات شعر أسود قصير تنظر إلى النافذة الزجاجية التابعة لغرفة سولين من الخارج، طأطأت رأسها وأمسكت بحقيبتها ذات الماركة العالمية بقوة زافرة هواء مرتعش، كل انش منها يصرخ بالاموال والأناقة، وقفتها تدل على كبرياء منيع وكأن قدومها اتي بعد عناء.

لاحظت شخص يقف، لذلك أعتدلت في وقفتها تنظر بأتجاه لوكاس بذقنٍ مرتفع بغطرسة تظهر عدم اهتمامها وكأنها غير مُهتمة به أو أن قدومها ذو سبب. ابتعدت عن الغرفة بخطوات متناسقة يتردد صداها في المرر المشفي الهادئ وعندما مرت بجوار لوكاس توقفت قائلة وهي ترفع ذقنها اكثر: «لم أأتي لزيارتها، لا تحلق بأفكارك.»

لم يعطي أي تعبير فقط ظل واقفًا لم يتحرك ينظر إلى نقطة وهمية يشرد بها، تعصف ذكرياته بقسوة تذكره بهم وبها تذكره أن لحظاتهم لن تتكر مرك أخرى.

دققت أريكا في ملامحه وأشاحت بوجهها تزم شفتيها بتفكيرٍ وترددٍ كبير حتى تنهدت بأرتعاشٍ ولم تمنع أظهار تعابيرها الحزينة المتأثرة: «الجميع بأنتظارها، وجودها للأسف سوف يُعيد البهجة ولو قليلًا لنا،»

ورغم محاولاته التهوين عليه أظهرت غطرستها مجددًا لا تتنازل عنها أبدًا: «لم أتوقع قول مثل هذه الأشياء يومًا، لكن أفتقد حقدها عليّ.»

ضحكت بعدم رغبة في نهاية حديثها، ليس كرهًا في سولين وانما سخريًا عل ما آلت إليها الظروف، وما كان قد يصيبها إذا ذهبت هذه الرحلة معهم.

لقد كانت رحلة مشؤمة عليهم جميعًا.

وضعت يدها فوق فمها عندما شعرت بالغصة ترتفع لحلقها، وترقرقت عينيها يكاد يفر الدمع منهما لكنها لوحت سريعًا بلا اهتمام تنطق بتبسم إلى لوكاس الصامت: «كُن قويًا.. لأجلها.»

اكتفت بكلماتها تِلك تسدير مُكملة سيرها مرةً أخرى، لكن هذه المرة تسرع في سيرها لتخفي تحطمها وتحطم كبريائها المنيع الذي سقط أمام تلك الفاجعة التي يمرون بها، فـ هي كذلك قد فقدت أعز اصدقاءها.

تنهد لوكاس يدلف إلى غرفة سولين بخطواتٍ متباطئة وكأنه يجر أحمال العالم فوق كتفيه، وما زاد حمله ما ان رأها ما زالت فاقدة الوعي غارقة في أحلامها رافضة الاستيقاظ ومحادثته، أبتسم بتكلف يتقدم ليجلس فوق المقعد المجوار لِسريرها كما هو مُعتادٌ مُنذ أسبوع كامل.

أمسك يدها الحُرة قائلًا بابتسامةٍ لم يُمحي الانكسار منها: «تعلمين من أتى لرؤيتكِ اليوم؟ لن تصدقي ذلك!»

قال بتشويقٍ كما هو معتادٌ لاخبارها حدث جديد في مدرستهم حين غيابها، ازداد عبوسه وارتجافة يديه عندما لم تجيب ليسترسل بخفوتٍ: «أنها أريكا.»

وضع يده الأخرى على يدها يضمهم ويطبع قبلاتٍ متناثرة فوق كفيها من بين كلماته: «لقد فجأني ذلك حقًا.. أعني لقد كنتم دومًا تتشاجرون!»

استنشق الهواء لكن لم تكن تِلك رائحة عزيزته، لم تَكن رائحتها مليئة بالمعقمات ورائحة.. الموت.

تنهد وأحمرت عينيه إنذارًا بتجمع الدموع بهم، زم شفتيه بقوة حتى لا يبكي كطفلٍ صغير، زفر الهواء بارتعاش مُردفًا بيأسٍ وحسرةً: «لقد قال الطبيب أن حالتكِ تحسنت وسوف  تستيقظين عما قريب، سولي.»

ربت فوق يدها وكأنه يشجعها مؤكدًا لها: «أنا في انتظاركِ، وسوف أظل حتى آخر رمق في عمري.. حبيبك المُخلص سينتظر أبد الدهر.»

نظر إلى ملامحها الذابلة رغم ان النظر له يجعله ينهار مُدركًا أنها لم تنجو يومًا بل كانت المفقودة الأولى بينهم: «الجميع في انتظارك يا روحنّا.»

..

ضجيج يعم قاعة الاستراحة، مجموعات من الطلاب منتشرة علي طاولات الطعام في فترة الاستراحة، ضجيج يجمع بين النميمة والنميمة والكثير منها كذلك.

هذه الفترة التي جميع الطلاب تتمنى لو تكون طوال اليوم الدراسي، ولكنها أكثر فترة تنتهى سريعًا.

رفعت سولين نظرها عن الطعام تلتفت حيث لوكاس الذي عانقها من الخلف ينضم لهم ويقول بأستنكار: «لا علم لي حقًا لمَ الفتيات يعشقنَّ العراك؟»

زمت سولين شفتيها قائلة بتفكيرٍ مُزيف على بداية حديثه التي اتحذته اشارة لمشاجرته بالفعل، لكنها اتخذت دور الفتاة الحكيمة معه اليوم: «لا اعلم كذلك، لكن لأصدقك القول انه مُمتع، خاصةً عندما تكون عاهرة تتخلى عن المباديء وحينها العراك يكون مُمتع أكثر مُتخذًا به كافة المستندات المطلوبة لقصفها عرض الحائط!»

يبدو أنها تحمست قليلًا في سرد الحقيقة أمامه، اومئ لها بتفهمٍ بينما يضحك غير مُصدقًا ليقول باستنتاج: «هكذا إذن!»

همهم يسترسل بعدم اهتمام وكأنه شيء عادي: «اهذا يوجد فتيات يتعاركون في المرحاض، يبدو بأنهم يستمتعون بوقتهم.»

جعدت سولين انفها بتقزز ترمقه بطرف عينيهت: «لم يجدوا مكان أخر؟»

ضحك لوكاس يجلس جوارها لتستغلها فرصة لتضع ساقها فوق فخذيه وقد قبل ذلك بصدرٍ رحب يدلك ساقها برفقٍ بينما نظرت سولين إلى چاسمن التي تضم ساقها اليسرى إلى صدرها، وتأرجح الأخرى باندماجٍ مع كتابها الجديد.

صاحت بها سولين فجأة بتدارك: «أين روز؟»

زفرت چاسمين الهواء بهدوءٍ تجيب بمللٍ: «ذهبت للمرحا..»

لم تكمل جملتها وأتسعت عينيها بتدارك مُتأخر قليلًا ترمق لوكاس بأعين زرقاء متسعة قائلة سريعًا: «هل ما قُلته منذ قليل صحيح؟»

اومئ لوكاس لها بريبة غير فاهمًا لتشتتهم وصياحهم المفاجئ.

تبادل كل من سولين وچاسمن النظرات يحاولن معرفة هل ما يفكرون به صحيح أم مُجرد صدفة لا دخل روز بها.

حاول لوكاس  أمساك سولين التي اندفعت سريعًا بدون تفكير حتى حيث المرحاض: «سول، ما الأمر..؟»

حاولت إبعاد الطلاب المتجمهرين والذي أغلبهم يصور الواقعة ومعها چاسمين التي تكاد تنتف شعر مَن يقابلها.

كما توقعوا الصدفة ملتصقة بـ روز كنزيف أنفها وشفتيها ووقوعها ارضًا بينما تقف أريكا أمامها بكُل عجرفة وتكبر: «أستتحدثين أم نكمل؟»

صفقت أريكا بطريقة درامية وهي تنظر إلى سولين وچاسمين وتتحدث وكأنها متفاجئة بوجودهم: «اوه، أنظروا من أتوا؟ أصدقاء العاهرة.»

أبتسمت بجانبية في نهاية حديثها تستشعر قوتها وسُلطتها في هذه اللحظة لتفاجئها سولين بضحكاتها الصاخبة ولكنها على حين غرك أسقطت قناع المزاح  تجيبها ببرود: «العاهرة أريكا بذاتها تتحدث؟»

أبتسمت بجانبية هي الأخرى، بينما چاسمين سارعت تساعد روز على النهوض. تقدمت أريكا من سولين بغضب ودون نقاش تسحب شعرها بينما تصرخ بها: «أنا التي ستلقنكم الأدب أيتها الساقطة!»

بدون تردد صفعتها سولين ودفعتها بعيد عنها بينما تصرخ بغضبٍ يتأدج: «مَن تظنين نفسك بحق الجحيم؟»

صاحت روز متفاجئة عندما رأتهم يتكاثرون على سولين، وتصرخ أريكا بها: «ابنة العمدة الذي سيحبس والدك!»

تأتأت چاسمين بعدم رضى تتبادل النظرات مع سولين بيأسٍ، لذا استقامت تشمر عن اكمامها: «لقد جعلتم صبري ينفذ حقًا.»

انهت حديثها بسحب خصلات شعر صديقة أريكا، وتنفعل روز كذلك تستقوى بهم لتدفع الصديقة الثانية التي صاحت بها: «أيتها السافلة! سوف أجعل أبي يقاضيكم جميعًا.»

تجمع الطلاب أمام باب المرخاض يتكاثرون لرؤية شجار الفتيات، بعضهم يصور والاخر يفترض إشاعة جديدة تخص شجارهم.

عندما وجدت چاسمين أن روز لا تقوى على ردع الفتاة بمفردها ساعدتها بسحب شعر الفتاة من الخلف والفتاة تصرخ بهن: «ساقطات.. اللعنة عليكم.»

وبين هذا الشجار والصخب خرجت فتاة بجدائل بنية ساقطة فوق كتفيها من كبينك المرحاض وهي تمسح يديها وتقول ببرود وتقطيبة متضايقة: «توقفن!»

صاحت سولين بها وهي تدفع أريكا بعيدًا عنها: «جينفر، أصمتي الأن.»

ولم تبدي جينفر أي انفعال تخطتهم ذاهبة إلى المغسلة كي تغسل يديها غير مهتمة بما يخدث حولها، وعندما زاد صوت صراخهم تنهدت بملل وهي تنفض يديها من الماء وتقترب منهن تدفع سولين جانبًا بخفة ليظن الجميع أنها تحاول انهاء الشجار، لكنها تفاجئهم بمسك رأس أريكا وتضربها بجبهتها.

حلّ صمت مفاجئ يحاولون استيعاب فعلة جينفر حتى سولين ورفاقها شهقوا بصدمة من قوة الضربة. تجمهر الطلاب أمام المرحاض ويحاول لوكاس، مارك، وجاستن الدخول لكن لا يستطيعون بسبب الفتيات الواقفون.

: «هل ماتت؟»

سألت روز بقلق تضع يدها فوق فمها عندما سقط أريكا تشعر بالدوار، وتنفي چاسمين لها تطمئنها: «على الأغلب أمثالها لا يموتون بسهولة.. رُبما حصلت على ارتجاج بسيط.»

وأخيرًا تدخل أحد المُعلمين بسرعةٍ وهو يقول بصوت مرتفع لكي يوقفهم: «توقفن! ما الذي يحدث هنا؟»

لعنت جينفر أسفل أنفاسها قائلة وهي تقلب عينيها بسخطٍ: «لقد كنت أشعر بالملل لا أكثر!»

مسحت سولين أنفها الذي نزف وهي تضحك على جينفر: «ضربة قوية!»

ابتسمت جينفر بفخرٍ تعيد جديلة شعرها لِلخلف بينما حاول المُعلم أبعاد روز وچاسمن عن صديقة أريكا التي يحاولون تثبيتها أرضًا: «تعلمتها من تدريب التايكوندو!»

وبعد محاولة فض تجمهر الطُلاب نجح المعلمون ليأخذ الفتيات إلى مكتب المديرة التي عدلت نظارتها الطبية ترمقهم بملل: «ماذا حدث هذه المرة، سولين؟ أنه الشجار الثالث في ذات الأسبوع.»

أبتسمت سولين لها باتساع متحمس رغم مظهرها المبعثر وخصلات شعرها المتناثرة مثل باقي الفتيات وتنبس بجدية لتظهر في دور الضحية المُضحية حتمًا: «لقد تعدت أريكا على روز أولًا، ولقبتنا بألفاظ لا استطيع النطق بها.. أنها تخدش حيائي!»

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي