١٤ شطائر الجُبن

"تنبيه!
مشاهد الماضي ما هي إلا ذكرياتٍ من وجه نظر سولين.

..

: «عودت حقًا؟»

تساءلت الممرضة بتفاجؤ من عودة لوكاس في الثانية فجرًا كما أخبرها، هز رأسه بإيجاب بينما يرفع سلة الطعام يريها لها: «لقد خبزت عمتي بعض فطائر الجُبن، سولي تحبها كثيرًا.»

همهمت الممرضة له بتفهمٍ مدركة أنهم يتشاركون كُل شيء سويًا، أنه لن يستطيع فعل شيء دون تذكرها لا الان أو بعد حين، استندت فوق كونتر طاولة استقبال المشفى تساوم لوكاس على إذن الدخول: «تعلم أن الزيارة ممنوعة، ولا يجب وجود مرافقين معها..»

قاطعها لوكاس غير مرحبًا: «ماذا إذا استيقظت فجأةً وهي تتذكر كُل شيء، حتمًا ستحتاجني جوارها.»

تجاهلته ببساطة تكمل مساومتها: «إذا كنت تريد حقًا لنتقاسم الفطائر.»

زبزبت حاجبيها بتلاعبٍ ويعبس هو ساحبًا شطيرتين وتجلب هي منديلٌ ورقي ليضع الشطيرتين بينما يرمقها بعد اعجاب لترفع كتفيها وكأنه لا شيء: «لا تنظر لي هكذا، عمتك عندما تخبزها تعطيني واحدة فقط وتَعلم أنها لا تخبزهم في العادة!»

اومأ لوكاس بمعرفة لكونها صديقة عمته المقربة، ولطالما كانت سبب ذعره في الصغر حيث يهدد دومًا بأدواتها الطبية.

: «إذن أيمكنني مرافقتها الان؟»

تساءل لوكاس بأدبٍ ولُطف لعلها تصنع له معروفًا، والأخرى غير مهتمة به تمامًا تلتهم الشطيرة بكُ تلذذ وتهمهم بنهمٍ: «أنها شهية حقًا.»

: «هي كذلك.»

نبس لوكاس يسايرها ويطرق بقدمه الأرض بخفة في انتظار العفو عنه والسماح له بالعبور كاستثناء لا يصنع لأحد.

بادلته النظر تبتسم وتطالعه من أسفل نظارتها الطبية حتى ضحكت تنفض يديها وتنظر إلى الممر بترقبٍ وشكٍ، وعندما تأكدت أنه لا يوجد رقابة صارمة سحبت بطاقتها التعريفية تقترب لتحاوط أكتاف لوكاس وتمازحه: «أصبحت أكتافك عريضة يا فتى لا عجب أن سول مجنونة بك، لكن هل أخبرتها عن كونك تخشاني وأنت صغير؟»

تنهد لوكاس يهز رأسه بيأسٍ يعترف باستسلام: «لا حرج بيني وبينها، لكن لم يتسنى لي أخبارها شيء مثل هذا.»

ربتت فوق ظهره بتشجيعٍ خشن متقصدة أياه: «لا بأس سوف أخبرها بنفي عندما تستيقظ.»

فتحت الممرضة باب غرفة سولين تضيء بعض الأنوار الخافتة، وتتأكدت من مؤاشراتها الحيوية وككُل مرة يتصنم لوكاس قابلة باب الغُرفة بينما يطالع جسد سولين الساكن بأعين خاوية ذات طبقة رقيقة لامعة تحاوط عينيه التي لطالما كانت مبتسمة لها هي وفقط.

زمت شفتيها تطالع لوكاس بحزنٍ لِما آلت إليه احاوله، لطالما رأته مبتسمًا مرحًا يمزح هنا وهناك ولم تراها هكذا يومًا وكأنه يحمل هموم العالم فوق كتفيه، رؤية عينيه متحجرة فوق جسد سولين الساكن جعلتها تزفر الهواء مقتربة منه تدفعه بتشجيعٍ ليجلس فوق مقعده وينصاع لوكاس لاجبارها لها عنوة.

جلس فوق المقعد وتقف هي خلفه واضعة يديها فوق كتفيه بينما يطالعون سولين: «أنظر إلى وجهها، أنها تسترد عافيتها، الخدوش وجراحها تتلاشى مع الوقت، هي تتعافى حقًا وسوف تستيقظ قريبًا.»

اومأ لوكاس يستنشق الهواء ويطرف ببطءٍ: «اعلم، اعلم، فتاتي قوية بحق.»

ربتت فوق كتفيه مُجددًا وتسحب سلة الشطائر من يديه: «تماسك يا فتى. أمامك نصف ساعة فقط ولا يمكن دخول الطعام، تَعلم.»

اومأ لوكاس بتفهم وينبس بخفوتٍ: «شكرًا لكِ.»

: «على الرحب.»

ابتسم لوكاس يلتفت إلى سولين، يقترب بالكرسي أكثر ليستند بمرفقيه فوق فراشها ممسكًا يدها بينما يتساءل: «كيف حالك؟ اصلي لكي تكوني بخير.»

طبع قبلته المعتادة فوق راحة يدها، ويسترسل غير مهتم بحقيقة كونها لا تجيبه لكن متقين انها ستسمع وستجيبه يومًا: «هل وجدتيني بين الذكريات، سولي؟ أاصبتك بالحنينِ وقتها أم لم تدركِ الفُراق حتى الآن؟»

مرر أصابعه فوق وجنتها يستشعر أخيرًا دفئهم، ولكنه كذلك يلحظ كم فقدت من الوزن: «لقد مرّ ثلاثة وعشرون يوم، سولي. ألم تشتاقي بعد؟»

تنهد لوكاس يشعر بالاحباط يغزو جسده، الاحباط والعجز مندمجين معًا يرى الجميع يعود إلى حياته وهو ما زال قابعًا جوار فراشها في انتظار عودتها، عودة روحه الجميلة: «سولي، أتعلمين كيف حالي؟ أتتساءلين عني أم لستُ في الخاطر؟»

استنشق سيلان أنفه، يبتسم بادراك ويخبرها بحماسة: «لقد صنعت عمتي بعض شطائر الجُبن.. تعلمين لا استطيع تناولهم بدونك لكن يوجد شخصٌ ما يحاول مضايقتي مُنذ انتقالي إلى البلدة، حينما تستيقظين أول شيء سنفعله هو تناول شطائر الجُبن مع عصير الفراولة أو رُبما التوت!»

في كُل مرة يتحدث عن المستقبل لها تنهمر دموعه بلا مقدرة على كبحها، مهما أخبر نفسه أنها ستُشفي، وسوف تستيقظ تجيبه نفسه أنها لن تتخطى أبدًا أنها ستفضل الموت عن الاستيقاظ ومواجهة ما رأته قبلًا، هو خائف من لحظة استيقاظها أكثر من لحظة موتها.

مع الوقت بدأ يدرك أن الموت رحمة، ومواجهة صعاب الحياة بجرحٍ دامي هو الهلاك بحد ذاته.

مسح دمع عينيه بظهر يده يشجع نفسه ويحاول نفض أفكاره السوداوية: «نواه عاد من الجيش، سولي. وكاد يقلب المشفى فوق رؤوس العاملين لكونهم يمنعونه من الزيارة، أنه في حالة هوجاء قليلًا.. في الواقع عائلتك بأكملها تكاد تفقد عقلها.. لذا ألا تُريدين تغيير بعض الأجواء، جميعًا نفقد الأمل ببطءٍ، سولي. جميعًا في انتظارك، عزيزتي.»

حمحمت بجدية: «لن تصدقي ذلك،والداي سيعودون للعيش هُنا، أنهم فقط يسيرون في إجراءات النقل، تَعلمين نقل لورين واقناعها يحتاج دهر، وعمل والدي، لم أكن اتخيل ان يومًا مثل هذا سوف يمر علي.»

ابتسم بأسفٍ: «رُبما بين الظلام سنجد بعض النور يدفئنا ونستضيء به، وسنجد في الشر دومًا الخير، اليان يانغ حقيقة يا سولي، حقيقة اتلمسها يوميًا مُنذ رحيلهم ومنذ سكونك.»

هز رأسه غير مصدقًا يسرد لها ما يحدث حولهم: «لديكِ مارك أكبر مثال، لطالما كان يتشاحر مع شقيقه ومع كُل مَن يقابله أما الآن.. الهي يبدو كراهب، يعامل شقيقته بكُل لُطف ومراعاه وكأنه يعوض كُل لحظة ضايق بها شقيقه أو رُبما لا يود ان يندم مرة أخرى. وانظري إلى بيتر الغاضب دومًا أصبح مثل الكتكوت الصغير لا حول به ولا قوة متخذًا جانبًا وإذا استفزه أحد لا يجيبه حتى.»

ابتسم،لأن الصدمة والفاجعة لا تأتي بلا هدف، بل لتجعل الشاهد يتأدب، يراجع نفسه وافعاله: «ومشاكل عائلتي التي لا تنتهي أخيرًا قد حُلت بلا أي تدخل.. أعني»

توقف عن الحديث لا يعلم كيف يصيغ الأمر حتى نبس بضحكةٍ خافتة: «أمي فقط ساومت أبي على الطلاق، لا ألومها فـ ما حدث جعل الجميع خائف، أما أبي فً هو خائف علي من الانحراف عن الطريق الصحيح، ما فعلته سابقًا كان سببًا في نقلي والابتعاد عن العائلة وإذا كنت مكانه لنقلتني إلى مدرسة تأهيل بالفعل.»

تأوه بادراك يربت فوق يديها: «آه صحيح، لربما نسيتِ ذلك، سبب انتقالي والذي كان هدية من الرب لي لكي اقابلكِ، لأنني تشاحرت مع زميل الصف، وانتهي الشجار بفتح رأسه.. عن طريق الخطأ الفتى وقع أرضًا فجأةً بينما أدفعه، لكنهم أخبروا أبي أنني متقصد، بعيدًا عن المشاجرات التي قبلها حتى طفح كيل والدي مني وأراد ادخالي مدرسة إعادة تأهيل، لكن عمتي اقنعته أنها ستتولى أمري كونها ارملة ولا تملك اطفال ستهتم بي بشكل رائع. تَعلمي، إذا كنت اعلم أنني سأقابلك بتلك الطريقة لكنت تشاجرت منذ زمن.»

: «سولي، هل اثرثر كثيرًا؟»

تساءل بينما يرتب خصلات شعرها، ويجيب بخفوتٍ حرج: «لكن ليس لي سواكِ لكي أحدثه، حتى وإن كان حولي الكثير ستظلين الوحيدة التي اركض نحوها لأخبرها بما يجول في خاطري.»

نظر إلى ساعة يده بخوفٍ ان يمر الوقت سريعًا ويتم طرده ليتذمر لها: «يمنعوني حتى من مقابلتك، وحتى والدتك تخبرني ألا اقترب منكِ، أيرضيكِ هذا، سولي؟»

تنهد يستقيم مقبلًا جبهتها: «لا بأس سوف أعود مُجددًا، وسوف اصلي لكي أراكِ هذه المرة تنتظرين قدومي.. حينها لربما أفقد وعي أنا من كثرة السعادة التي ستغمرني.»

طبع قبلة أخرى قبل أن ينسحب: «حتى ألقاكِ، سولي.»

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي