٢٩ ذكريات

«تعلمون هذا الشعور عندما يكون الحزن يغمركم، لكن يوجد أشخاص جيدون حولكم؟ تشعرون بأن ليس من حقكم أظهار حزنكم لهم، تشعرون أنه من اللؤم جعلهم يشعروا بالضيق بسببكم.»

«تبادل المشاعر يأتي بثماره أكثر من تبادل الكلمات، ان يوجد شخص تستطيع الاتكاء عليه دون قول شيء، فقط بصمتك يشعرك بك ويخبرك أنه لا بأس سوف يمر كُل شيء، ان يربت فوق بدنك دون قول شيء يثير ضيقك أكثر، احتواء المشاعر من المقربين أنه علاج نفسي مجاني.»

«الأصدقاء، الأخوة، العائلة.. أنها مصدر السلام والأمان النفسي. حتى وان كانت العائلة سيئة سيظل بهم صلة رحم مشاعر مترابطة ومتأصلة لا يمكنك تفسيرها ببضع كلماتٍ، ستجدهم دومًا في ظهرك حتى وان كنت المخطئ، ستجدهم دومًا كتف بكتف يساندونك حين سقوطك.»

«لا الكلم يفي بحقهم، ولا الحديث سوف يقف عنهم، المقربون بامكانهم تهوين أصعب الشدائد علينا، لذا لا تكن بمفردك مبتعدًا عن الجميع تنزوي على نفسك غير مهتم بأي شيء وكُل شيء سوى نفسك، لا تكن أناني حتى لا تفني فوق رقعتك وحيدًا.»

: «سولين، انظري!»

اندفع ماركوس تجاه سولين يريها هاتفه: «لقد نشرت مقطع مصور عن الاغنية التي كتبتها لكِ..انظري كيف ارتفعت بقوة؟»

ابتسمت سولين ترى التعليقات لأول مرة منذ الحادثة، ترى كلماتهم التي تشجع ماركوس وتدعو لها: «أنت تَستحق، كلماتك رائعة يا ماركوس.»

دعمته،وابتسم ماركوس ببعض الحياء يعاود الجلوس ويجيبها: «لم تتوقع أن تنجح حين نشرتها أمس! يطالبون بنشرها كاملة.. يجب أن يشاركني لوكاس بها.»

: «سوف تصنعون فرقة رائعة.»

نبس نواه بتشجيع كذلك، ويتساءل ماركوس بحماسة: «أتظن سوف ننجح؟ أو لوكاس سوف يوافق؟»

رفع نواه حاجبًا على التساؤل الأخير ينظر إلى سولين التي اخرجت نفس مختنق ممازح: «ما داخلي؟ لا تنظر لي هكذا!»

رفع نواه كتفيه ينظر لها بشك: «أنه أسفل الملاحظة، إذا ضايقك ماركو أو حاول التفكير في مضايقتك لن يكون حولك بأقل تقدير خمسة عشر متر!»

: «هذا وحشي!»

همس ماركوس غير معجب بخشونة نواه، وتهز سولين رأسها يائسة من تهديداته دومًا.

: «دعك منه، لوكاس سوف يوافق بكُل تأكيد، وإذا لم يفعل فقط أخبرني.»

همست سولين إلى ماركوس الذي اومأ لها يتابع التعليقات ويضيق نواه عينيه تجاههم بشكٍ ليهمس ماركوس لها: «سوف يجن جنونه ليعلم بما نتحدث.»

: «لا تخبره أذن.»

همست في المقابل تضحك بخفة.

دلفت جيجي تلقي عليهم التحية: كيف الحال؟»

ابتسمت سولين لها: «بخير.»

صفقت جيجي تبث الحماسة والنشاط: «إذن يوم جيد للسير قليلًا في الحديقة، صحيح؟»

اومأت سولين واستقام ماركوس ونواه الذي اقترب من مقبع سولين يساعدها على الوقوف: «إلهي! لقد فقدتي الكثير من الوزن، سول. لم أكن استطيع حملك حتى!»

اغمضت سولين عينيها بيأسٍ من مزاح نواه الثقيل دومًا، وتزفر جيجي الهواء متضايقة: «ما بهم الذكور يتدخلون فيما لا يعنيهم.»

أشار نواه لها بتحذير: «جيجي، دعكِ من أمور الأخوة. هذا يسم ىمزاح!»

ارتفعت زوايا شفاة جيجي رافضة حديثه: «هذا يسمى تنمر!»

: «سوف افقد وعي!»

همست سولين تشعر بالدوار من حديثهم وجدالهم، الجميع تجادله جيجي بكل طاقتها وقوتها وهذا يجعل سولين تستنكر ان هذه المرأة الحديدية ومتخفية بزي ممرضة.

ساعدها نواه على التحرك، لتتمسك بذراعه وتسند على عصاها، وتشجعها جيجي: «بدأتي تعتادي عليه، ولحسن الحظ أنك لن تحتاجيه خلال أسبوعين.»

: «أخيرًا!»

همست سولين تشعر بروحها ترد لها، فالجبيرة تكاد تخنقها، وهي فتاة رياضية ليست معتادة على عدم الحركة.

ابتسامة رقيقة ارتسمت فوق شفتيها، تتمشى أسفل ضوء الشمس وتستنشق الهواء النقي بعيدًا عن رائحة المعقمات والأدوات الطبية ذات الرائحة النفاذة: «الحياة لا تعطي كُل شيء، لكنها جميلة حقًا.»

همهم نواه لها بتأكيدٍ: «لكنها ليست ظالمة في النهاية، تعطي لكل منا حقه كامل، رُبما ينقصك شيء يتواجد عند غيرك، لكن العكس يحدث لكِ، لكل منا حاجياته، وهكذا نكمل بعضنا البعض، صحيح؟»

اومأت سولين وتشير له على المقاعد المثبتة في حديقة المشفي ليحملها نواه وتضحك هي: «ألم أكن ثقيلة ولا تستطيع حملي؟»

جلس نواه جوارها ينطق بتفكير مزيف: «كان هذا منذ زمن، ها أنا أصبح لدي عضلات استطيع حمل ثلاثة مثلك.»

هزت سولين رأسها وما زالت ابتسامة ترتسم فوق شفتيها تتابع تحركات المرضى والزائرين، زمت شفتيها ولم تمنع تسرب كلماتها: «اشتقت لهم.»

ربت نواه فوق ظهرها بحنوٍ، وتردف هي بتحسر: «من المفترض أن يكونون معي الآن يزورون مرضي ويتسببون بالفوضى.»

ضحكت في نهاية حديثها، وابتسم نواه يكمل عنها: «أنهم أحياء في مكانٍ ما يا سول، ينظرون لكِ وينظرون لكِ.»

هزت سولين رأسها بتفهمٍ: «لكن فراقهم صعب.. كثيرًا عليّ.»

استنشقت الهواء بارتعاش وتزفره مُجددًا براحةٍ تبتسم باسفٍ: «سوف اظل اشتاق لهم، للأبد سيظلون قلبي ينطق بأسمائهم ولا أظن أنني أرغب التعافي من ذلك، أنهم مخلدون في ذاكرتي وقلبي وهذا يريحني.»

..

دفع لوكاس باب غرفة سولين في المشفى ببطء، يدخل رأسه فقط ينظر في أرجاء الغرفة بتمعن وكأنه لص ما.

تركت سولين الكتاب من يديها تنظر له بريبه من تصرفاته، لكنها استدركت ذلك: «لا بأس، أمي ليست هنا.»

ابتسمت تهز رأسها بيأس من عودته السريعة.

«قبل أن يذهب أخبرته السيدة كاثرين بعدم القدوم إلى سولين ولا يوجد أحد يرافقهم لأنها لا تثق به.»

أقتحم الغرفة يظهر يديه بجواره واحدة تحمل عُلبة بيتزا كبيرة فوقها مشروبات غازية، والأخرى باقة أزهار حمراء، رفعت سولين حاجبيها: «أهذا لي؟ كيف دخلت بهم؟»

رفع ذقنه يقترب منها وهو يسير بأتزان مثل عارض الأزياء مما جعلها تضحك هذه المرة، وضع عُلبة البيتزا على الطاولة، وأعطاها باقة الورد وهو ينحني قليلًا بنبل، ويمسك يدها يُقبلها:» هذا لأجل فك جبيرة يدكِ، مُبارك يا سولي.»

هزت ذقنها برفع له وابتسامة تساير فعلته تضع يديها بجوارها وكأنها ترفع رداءها مثل الأميرات: «شكرًا لك، أيها الأمير النبيل."

طالعها بنظرات مبستمة، رفعت سولين حاجبيها تتسأل سبب نظراته. نفي برأسه قائلًا وهو يسحب علبة البيتزا: «هذه الجيجي سوف أقتلها في مرة أقسم."

ضحكت سولين بعدم تصديق: «ماذا فعلت؟»

جلس بجوراها على سرير المشفي، ويضع علبه البيتزا على ساقه ويسرد لها معانانه: «كالعادة، تتذمر وتتذمر وفي الاخير أخبرها اريد رؤيتك تظل تُملي على جريدة كاملة بأنه لا أستطيع، ومن ثم تضحك وتعطيني إذن الدخول، اتسائل كيف أصبحت طبيبة؟»

سحبت سولين البيتزا ترمقها بعيون تلمع مُشتاقة، أخذت قطعة التي يتصاعد منها البخار، استنشقت الرائحة بتلذذ وهي تغمض عينيها باستمتاع، قضمت منها وتصدر همهمات مستمتعة مُتجاهلة لوكاس الضجر بجوارها: «إلهي!»

تنهد لوكاس بسخط، وسرعًا ما نمت ابتسامة على ثغره ويقول بمزاح: «هل البيتزا أهم مني الأن؟»

دفعته بمرفقها وهي ترمقة بنظرات حادة: «لا تقاطع سعادتي الان.»

ابتسم بمكر يقترب منها وقبل أن تقضم من قطعة البيتزا سحب يدها ليأكلها هو، سقطت ملامح سولين تنظر إلى قطعة البيتزا الصغيرة في يدها، ثم إلى وجهه لوكاس المنتفخ إثر قضمه قطعة كبيرة: «ملامح وجهك يا سول أفضل شي ء رأيته اليوم!»

حاول استمالة قلبها لكنه فشل ليضحك على ملامحها حتى توقف الطعام في حلقه، سعل بقوه لتعطيه سولين كوب الماء وهي تبتسم باستحسان: «تستحق ذلك.»

ابتلع كوب الماء بصعوبة ثم يضرب صدره لعل الطعام ينزلق من حلقه، رمقها بطرف عينيه قائلًا بعبوس طفيف: «قاسية يا عزيزتي كثيرًا عليّ.»

ظلت ترمقه هي الأخرى ببرود حتى سقطت ملامحهم معًا، بينما اقتربت سولين طابعة قُبلة صغيرة على خد لوكاس، وتقول بلطف: «لا بأس تشاركها معي.»

رمش ببطء ثم اتسعت ابتسامته، و حمحمت سولين تبتعد لكي تولي اهتمامها إلى البيتزا، قلب لوكاس عينيه من تهربها: «أخبرتني كارولين أن يكمنني حضور المباراة.»

سعل لوكاس فجأة، رمقته سولين بعقدة بين حاجبيها وتربت على ظهره، ابتسم لوكاس بأرتباك: «أعتقد بأن لن نشارك بها هذا العام.»

قضمت من البيتزا وهي تستمع له، كلماته جعلتها تتوقف عن المضغ، كادت تتسأل لكن الإجابة أحاطتها على الفور.

«نفسيًا لا أحد متسعد بعد. لا أحد مستعد ان يفوز او يخسر ويود مشاركة ذلك مع رفاقه ليكتشف أنهم ليسوا متواجدين.»

«حتى سولين تضحك، وتبتسم، تتفاعل وتتحدث معهم، لكن ما زال جرحها لم يلتئم بعد، ما زال كل شيء حولها يذكرها بهم يجعلها تتألم لكنها فضلت الصمت وكبح هذا التألم حتى يندثر، لذا أعطت كامل الثقة إلى طبيبها النفسي ليساعدها، مستعينه بقرب لوكاس، وحب ودعم عائلتها لها.»

«استغلت ما حولها، تشبثت بأقرب الأشخاص لها، لكي تنجو من حرب الدمار النفسية داخلها، لان الألم النفسي أشد قتلًا للنفس أكثر من الألم الجسدي.»

رفعت نظرها إلى لوكاس، وابتلعت ما في جوفها، حتى تشجعت لتقول: «كيف حال مارك؟»

رأت توسع مقلتيه من تفاجئه، شعر أن الكلمات تبخرت من عقله.

«قلق من أخبارها شيء يحزنها أو يجعلها تتوقف عن التقدم، مرت لحظات صمت يحاول بها إيجاد الكلمات الصحيح.»

ضغطت على يده تخبره بأنه لا بأس من أخبارها مثلما يفعل معها، سحب يده ليضعها فوق خاصتها بابتسامة حزينة: «ليس في أفضل حال، تعلمين؟ لقد تشاجر مع شقيقه قبل..»

حاول لوكاس تجنب الحديث عن الحادثة، لكن كل شيء حولهم ينتهي بها. أكملت سولين عنه: «قبل ذهابه إلى الرحلة.»

ابتلعت ما في جوفها، تبتلع الألم والمرار لتردف: «ماذا عن البقية؟»

ربت على يدها التي بين كفيه، مُتحدثًا بأبتسامة لطيفة: «بخير، ليسوا بأفضل حال أيضًا، لكن يحاولن أن يكملون حياتهم... فقد شخص عزيز صعب، لكن ما باليد حيلة، هكذا هي الحياة. لا مفر من حقيقتها.»

اومئت سولين تؤيده، ثم نبثت بهدوء: «لوكاس..»

همهم لها كأجابة، قطبت حاجبيها بتفكير تنظر له، بينما ترك لوكاس قطعة البيتزا منتظرًا كلماتها.

: «هل ستبقي معي؟»

«صنعت تواصل بصري بينهم، تريد رؤية الحقيقة في عينيه كما تظهر دومًا، تشعر بأنها حمل عليه، هو أيضًا يتألم وحزين لكن يبتسم ويضحك لأجلها، لأجل أن يريها بأنه لا بأس هو متواجد لأجلها.»

«لكن حزنها وأفكارها السودوية التي تستحوذ عليها تجعلها مشتتة، تظن بأن الجميع سيبتعد عنها، يشفقون عليها، لا يريدونها، تزعزعت ثقتها في نفسها حتى أنهدمت جدران الحماية من حولها. »

ابتسم لوكاس يعيد على مسمعها اجابته دومًا: «كيف للجسد أن يترك روحه؟»

عبست معتادة من تلك الاجابة، ليضحك ويممر يده فوق خاصتها ينبس ببسمةٍ تزين ملامحه: «ما الحب إلا للحبيب الأول، وما أنا إلا بعاشقٍ يريد روحه أن تتواجد جواره. أخبرتكِ من قبل يا روحي الجميلة، لن أقبل بذهابكِ بعيدًا عني ولن افعل ذلك يومًا.»

«هو متعلق بها لأقسي درجة، سولين تعلم ذلك، لكن نفورها من كل شيء يجعلها لا تثق في معرفتها حتى.»

«نظراته فقط لها تؤكد كلماته، انبثق ذكريات لهم في عقلها الذي يصرخ بأنه صادق، مساندته لها في هذا الشهرين اكدت لها صدقه، كل شيء حدث تذكرته وكأنها ترى مشهد سينمائي أمامها يعرض لها كُل التفاصيل، وكم شعرت بالخزي من عدم ثقتها بنفسها وبهم.»

عانقته، تشدّ على عناقهم بقوة، وقهقه لوكاس يتمسك بها حتى لا يقعون: «على رسلكِ، أعلم بأنني لا أقاوم.»

ضحكت سولين بخفوت، حتى نبثت بهدوء تجعله يتصنم: «تَعلم أنني أحبك، صحيح؟»

رمش لوكاس ببطء يستعوب كلماتها، هز رأسه يضحك بعدم تصديق: «يا إلهي! لا تفاجئيني هكذا مجددًا، أتفقنا؟»

اومأت سولين وما زالت تعانقه وهي تبتسم.

ويمرر يده فوق خصلات شعرها يهمس لها: «تعلمين بأنني احفظ عدد المرات التي اعترفتِ بها؟»

شعر بابتسامتها فأردف مُكملًا: «تسعة، الأن تم تقفيلهم عشرة قبل موتي، حمدًا لله.»

لكمت ذراعه بضجر وهي تبعده وتوجد ابتسامة صادقة مرتسمة على وجهها، أمسك وجهها بين يديه قائلًا بخفوت مؤكد: «أيًا كان ما حدث، وما يحدث... سيمر بابتسامتكِ الخاطفة للأنفاس هذه. السعادة ما هي إلا لحظات ستمر وتصبح ذكريات و كذلك الحزن والألم. انا معكِ وسنمضي معًا حتى يتلاشي كل شيء، سولي!»

«اقترب أكثر يعانقها ويُحي ذكرياتهم معًا، يُذكرها بصدق مشاعره اتجاهها وعدم تركها بمفردها.»

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي