٣١ النهاية

انتهت المباراة بخسارتهم بفارق هدف واحد فقط، لم يتوقعوا المزيد.. ورغم ذلك خرجوا سُعداء بهذه النتائج.

«فلقد انتقلوا للمرحلة التالية، في النهاية لم يستبعدوا وهذا المهم لهم، من حسن حظهم ضعف فريق المدرسة التي قابلتهم.»

«هذه الخسارة بها نجاحهم، لم تكن خسارة فادحة ضايقتهم، ولم يكن نجاح رغم انخذالهم طوال تلك الفترة، بل كانت نتيجة منصفة تمامًا.»

«وكالمعتاد وكأن لم يتغير شيء ذهب لوكاس إلى سولين يحملها ويلف بها الملعب، لكن هذه المرة ليس بكأس وانما بنجاتها وبقاءها حية.»

..

تجلس سولين بجوار والدتها التي تقود السيارة، مخبره أيها بمرح: «لدينا اليوم بأكمله، إلي أين تريدين الذهاب؟"

أبعدت سولين رأسها عن الزجاج تنظر إلى والدتها، ثم إلى أمامها قائلة بدون تفكير: «أريد رؤيتهم.»

ألتفت لها والدتها تحاول رؤية ملامحها، تريد أن تعلم وبشده ما يدور في عقلها الان، فهمت ما تقصده سولين وهذا جعل قلبها ينقبض من جملتها، ومن تماسكها بهم وبأخر ذكراهم، اومأت بهدوء تأخذ المنعطف: «أستكونين سعيدة؟»

اومأت سولين: «أشعر أنني سوف ارتاح هكذا.»

تفهمت والدتها ودون اعتراض ظهرت شواهد القبور أمام نظرها مما جعل غصه تتكون في حنجرتها تجعلها تخرج نشيج مختنق، أسندت رأسها بقوة ضد مسند المقعد، تزم شفتيها المرتعشة تمنع خروج شهقاتها.

وتهمس والدتها لها بضعفٍ: «إذا كان يؤلمك ذلك نعود يوم اخر، لا تجبري نفسك.»

توقفت السيارة خارجًا.

«وربتت والدتها على كتفها وملامحها يغمرها الحزن على ما آلت إليه الأمور، من سكون أجساد الغصون اليافعة أسفل التراب.»

مسحت سولين دموعها المنهمر على وجنتيها، تنظر إلى والدتها وهي تبتسم بخفه مُتحدثة بصوت مرتعش: «لا بأس، انا بخير.. فقط بعض دموع حمقاء!»

حُلت حزام الأمان، وتفتح باب السيارة، ترجلت والدتها سريعًا لتساعدها على الخروج.

تقدمت والدتها بها كونها تعلم أماكنهم، فضلو سُكان البلدة وضعهم جوار بعضهم قائلين 'لقد تعهدوا على السير معًا حتى النهاية.'.

«لم تظن سولين يومًا انها ستقف أمام قبرهم، انها ستفقدهم بهذه الطريقة، الطريقة التي لا عودة بها.»

ابتسمت بين دموعها المنهمرة تنظر إلى الشواهد التي تحمل اسماءهم: «مرحبًا مجددًا.»

عانقت والدتها الواقفه بجوارها كتفيها، بينما أكملت هي بصوت مختنق: «اشتقت لكم تعلمون.. ممتنة لزيارتكم أحلامي ليلًا.»

استنشقت الهواء بارتعاش، تركت العكاز من يديها لتعانق والدتها وما زالت تنظر إلى قبورهم بمشاعر تكاد تقتلها حزنًا.

: «لدي الكثير من الكلمات لكم، ولكن لساني خانني عن تلفظهم... اريد أخباركم أنني اسفة إذا احزنتكم من قبل، أنا... احبكم للغاية... وممتنة لكم.»

: «سوف تظلون في ذاكرتي، لن انساكم أبدًا ولن أفعل ما دومت حية، أنتم في القلب وفي عقلي أحياء واعلم انكم في مكانٍ أفضل تنتظروني وتنتظرونا جميعًا، لدي الكثير لأخبركم به، ولن اقطع صلاتنا أبدًا سوف أاتيكم مُجددًا وسوف أخبركم باسرارٍ.. لكن أمي معي اليوم لذا لا يمكنني قول شيء.»

ضحكت والدتها بين دموعها وخانتها سولين شهقاتها وهي تتحدث، ووالدتها تربت على كتفها تُشجعها، وتنهدت هي تجمع شتات نفسها.

ناولتها والدتها العكازين عندما وجدتها تحاول أخذهم من الأرض.

عندما حاولت والدتها مساعدته نفت بابتسامتها المعتادة، لكن هذه المرة وجهها مشرق أكثر وكأن حمل تلاشي من عليها عندما زارتهم.

«وكأنهم شعرت بوجودهم وأنهم لم يفارقوها للأبد.»

«مرت على الجميع، تقف أمام الشواهد بقلب ينبض بعنف داخل أضلعها ولكنها تُكمل، تخرج كل ما في قلبها، ما تتمني أن يستمعوا له، تعهدت في قراره نفسها انها ستخرج من هنا وهي خفيفه لا تحمل مثقال ذرةً من حديث خائر يخنقها. »

«أرادت إنهاء كل شيء هنا، لتبدأ حياة جديدة، مقتنعة أن الحياة لا تقف على أحد، وإذا لم تتمسك بهذا ستفقد كل شيء، وستظل بمفردها لذا شكرت ربها على من يساندوها، وعلي منح حياة جديدة لها.»

سحبت هاتفها تفتح مواقع التواصل الاجتماعي التي اغلقتها ما إن استلمت هاتفها حتى لا ترى الاخبار، فاتحة بث مباشر، ابتسمت بصدق وهي ترى عدد كبير يدخلونه مثلما كانت تفعل هي وأصدقاءها، وبعضهم يباركون لعودتها.

نظرت إلى والدتها تعانق ذراعها وتبتعد سريعًا حتى لا تشتت وهي تقود، أمسكت الهاتف جيدًا لتظهر بشكل أوضح وقالت بصوت واثق: «مرحبًا مُجددًا جميعًا.»

تنهدت تزم شفتيها في بسمةٍ متأسفة حتى استرسلت: «بالطبع الجميع يعلم بما حدث.. اريد قول لستُ بمفردي من تعرض لهذا، لستُ الأولى أو الأخيرة التي تتعرض لحادثة وتفقد أعز أصدقاءها، ومعه تفقد الكثير بحق لذا أنا اليوم قررت التوقف... التوقف عن انعزالي والتواري عن الجميع، التوقف عن كُل شيء يضعني في فئة الناجين من حادث مميت، لم أعد أريد أن أكون حية بروحٍ منهكة بل أريد أن أحيا فلقد هُديت بنعمةٍ وإذا لم افعل بها سوف أكون ناقمة.»

استنشقت الهواء تسترسل: «زرتُ أصدقائي اليوم، تمنيت لهم ان ترقد أرواحهم في سلام أمام قبورهم.. كان طريق طويل عانيتُ به من ألم نفسي وجسدي، تفكير بأنني مذنبة، الحاح مشاعري بالالتحاق بهم، تضارب عقلي وقلبي عندما أعود لوعي ويساندني أقرب الاشخاص إلىّ.. لم تكن الرحلة هينة، وليست كذلك الان أيضًا، لكنني أحاول وهذا يكفي.»

رطبت شفتيها، غير مهتمة بما تتفوه به لكي ترتب افكارها، كل ما تهتم به هو إخراج مشاعرها بصدق بدون تلفيق كما يخبرها طبيبها النفسي دومًا.

: «الفترة السابقة كذبتُ كثيرًا على الجميع، لكن مؤخرًا أدركت بأن إذا ظللتُ اُكذب مشاعري واتجاهلها لن اتخطاها بل ستظل ملتصقة بي مثل العلقة التي أسفل المقعد في الصف، ستؤثر عليّ بطريقة مرَضية.. لذا أعطيت لِـمشاعري فرصه، سمحت لمساعدة الجميع في الوصول إليّ بدون تذمر ونفور، وأجل ساعدتني للغاية، خرجت من قوقعة وهم لم أكن أدرك أنني بها حتى.»

ابتسمت تتذكر والديها، الممرضون في المشفي، ولوكاس الذي ظهر في التعليقات يخبرها بأنه يحبها وفخور بها، ابتسمت وتلألأت عينيها عندما مر كل شيء حدث من الرحلة حتى لحظتها.

«الخير والشر انهم وجهان لعملة واحدة، لقد حدث لها شر ولكنها وجدت الخير به، وجدت المقربون يحيطونها من كل جانب يدعموها ويساندوها دون مقابل فقط لأنهم يرغبون في رؤيتها سليمة معافي من كُل سوء وشر.»

أكملت حديثها وما زالت ابتسامتها مرتفعة تنظر إلى تعليقات لوكاس العفوية: «أخبرني طبيبي، أن لم اتمسك بالحاضر سأفقده هو والمستقبل، سأظل عالقة بدون حراك ولن يريحيني ذلك بل سيظل يأكلني حية ولن ارتاح أبدًا..»

أوقفت والدتها السيارة أمام حديقة يركض بها الأطفال بسعادة، وعائلتهم يجلسون يراقبونهم بابتسامة على ثغرهم دون ملل او كلل.

اقتحم لوكاس السيارة بصخب يجلس خلف مقعد سولين، يلقى التحية على والدتها ويقبل وجنتها ووجنه سولين، قائلًا حيث هاتف سولين: «استمدوا القوة من حبيبتي، فهي أقوى الأشخاص التي قابلتهم في حياتي.»

ازدادت التعليقات ودخول الأشخاص للبث، وسولين تقهقة وتحاول أبعاد لوكاس لتكمل البث: «الحياة لا تعطي دروسًا مجانًا لأحد، تعطيك بمقدار ما تأخذ منك، ورغم ذلك لا بأس أن نحزن، ان ننعزل قليلًا عن ضجة الحياة لكن نعود أقوى من ذي قبل لنرد لها الصاع صعين.. وتذكروا أن اليوم هو الغد الذي كنتم قلقون عليه بالأمس.»

انتشل لوكاس الهاتف من يدها يقربه من وجهيهما، قائلًا بينما يحشر نصف جسده بين المقعدين الأمامين: «يجب أن نستمتع جميعًا بالحياة قبل أن نيشخ، الخوف شيء غبي جدًا وكذلك الندم.. لذا استمتعوا بيومكم ودعوني استمتع مع هذه العائلة الجميلة."

لوحت سولين بينما تقول هي ولوكاس معًا: «وداعًا.»

نظر لوكاس لهم ثم قال بمزاحٍ وابتسامة واسعة: «سمعتُ انكم تبحثون عن السعادة فأتيتكم ركضًا.»

قهقهت والدة سولين بقوة تدفعه للخلف، وصاح لوكاس بعدم تصديق من أفعال والدتها.

اغمضت سولين عينيها بقوة وهي تنفي برأسها لكي لا يشغل باله بهذه التصرفات، التفت تنظر له وهي تخرج رأسها من بين المقعدين قائلة بخفوت: «هي تحبك هكذا.»

اعادتها والدتها بحجة: «ساقك ستضرر هكذا، اجلسِ جيدًا»

قلبت سولين عينيها قائلة بضحكة: «سوف تظل امي، هي امي رغم كل الظروف ستصرف كما هي.»

اومئ لوكاس بتأكيد: «لا أعلم مما صنعوا هؤلاء الأمهات حقًا.»

أرتدت والدتها نظارة سوداء تُعيد تشغيل السيارة قائلة بفخر: «انها قوة الأمهات السحرية.»

_بعد مرور سنوات_

: «سولين باركر.»

تم النداء على اسم سولين، لتنظر إلى والديها بعدم تصديق ثم إلى اللجنة الجالسه فوق المسرح في حفلة تخرجها من الجامعة.

استقامت بينما ابتسامتها تتسع أكثر، وكالعادة يقتحم لوكاس القاعة بصخب بينما يصفر بفمه، ثم يصيح بتشجيعٍ: «أجل هذه هي فتاتي.»

»ضحكت سولين مثلما فعل الحاضرين، اقترب لوكاس منها أكثر يُقبل يدها بنبلٍ ممازح وما أن ابتعد نظر إلى والديها بمكر يرفع ايديهم المتشابكة وبها خواتم خطبتهم.»

رمقه والدها ببرود بينما يقبض يديه، ووالدتها تضع يدها على قبضته بينما تضحك، لكزته سولين ليخرج أنين خافت ثم مد ذراعه قائلًا بنبل: «يُشرفني توصيل سفيرة النوايا الحسنة لتلقي شهادتها الجامعية.»

صفق الحضور ما إن وصلت سولين إلى المسرح، ولوكاس وقف في الأسفل يصفق بينما يراها تأخذ شهادتها من عميد الجامعة، وتُسلم على الأساتذة الذين درسوا لها.

أخذت سولين شهادتها وذهبت تعانق والديها بقوة، دمعت والدتها بينما تقول بعدم تصديق: «لقد مر الوقت سريعًا، وكبرت ابنتي الصغيرة.»

ربت زوجها على ظهرها ياخذها في نصف عناق، قائلًا بتأثر: «لا تبكي، يجب أن نكون فخورين.»

بكت والدتها أكثر قائلة بعتاب إلى زوجها: «ابكي لأنني أشعر بالفخر الشديد بها.. انظر كيف أصبحت قوية وناجحة.»

حمحم لوكاس، وهو يقترب ويشبك أصابعه بخاصه سولين قائلًا بابتسامته المرحة: «اسف للمقاطعة هذه اللحظة المؤثرة، لكن الرفاق ينتظرونا، لذا ايمكننا سرقة سولين منكم اليوم؟»

بدون أن يجيبوا سحب سولين يسيرون بينما هي تضحك، صاح والدها: «اعتني بها جيدًا والا قتلتك أيها الشاب.»

لوح وما زال يسير: «هي قرّة عيني، لا تقلق.»

دفع باب القاعة الضخمة ليقابلهم ضوء الشمس والساحة الضخمة التابعة للجامعة، خرج جميع الطلاب بالفعل، يقفون بجوار بعضهم بزي التخرج ويمسكون قباعتهم يستعدون لإلقاءها.

نظرت سولين إلى لوكاس وهي تعبس في وجهه: «لا تصبغ شعرك مجددًا.»

ضحك لوكاس يحرك شعره الذي أصبح اسود قاتم بكُل تبجحٍ: «لن أفعل ذلك مُجددًا.. فضي!  لقد كان مروع.»

صاحت أريكا تنهي نقاشهم بينما تلوح إلى سولين في حماسةٍ: «هيا اسرعِ، سول.»

ركضت سولين لتقف جوارها ويقف المصور وهو يُعد بصوت مرتفع ليستعدون ويأخذ صورة التخرج: «ثلاثة.. اثنان.. واحد..»

بعد العدد ثلاثة ألقى الجميع قبعات التخرج وهم يقهقهون وبعضهم يقفز من كثرة سعادة التخلص من ثقل الدراسة أخيرًا: «مرحى!»

كُل شيء يتغير بمرورِ الوقتَ.

مع الوقت يتلاشي الحزن ليحل محله السعادة، ومن الغباء البقاء مكتوف الأيدي وتتذمر كونك حزين، تحرك يا صاح فالحياة لن تنظرك لتتعامل مع حزنك أولًا، أركض خلفها ليخرج حزنك.

ان الأحزان كـ السعرات الحرارية تحتاج للحركة المُتعبة حتى تحرقها، هكذا هو الحزن كذلك كُلما بقيت تراكمت أحزانك ويوسوس عقلك بما هو يفسدك، لذا لا تقف مكانك مهما حدث فسوف تتراكم الأحزان.

لا تظن بأن الحزن سيقتلك يومًا بل أنت من سيقتله لذا تشجع واستمر في الركض.

وتذكر لولا ظُلمة السماء ما كانت النجوم تتلألأ بها، ولم نكن لنراها بهذا اللمعان، لذا لا بأس ببعض الظلمة حولنا فسوف نصبح حينها نجومًا ساطعة.

من كان يصدق ان سولين باركر الناجية الوحيدة التي فقدت كل شيء وتحولت حياتها لظُلمة حالكة ستصبح شخص ناجحًا في المستقبل، مَن كان ليصدق أنها ستصادق من كانت عدوتها في الماضي وتتشاجر معها دومًا؟ لا أحد لأن هذه الحياة تفاجئك بما لا تتوقعه.

وكما في الرياضيات نقول: النهايات تَحسب الإقتراب. وما النهاية إلا قصة جديدة.

_تمت_
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي