٢٣ محاولة تخطي

بعدما ذهب الطبيب المعالج لسولين قالت بهدوء إلى لوكاس: «أريد النوم قليلًا.»

نظر لها لوكاس ونفي برأسه قائلًا باصرار عالمًا مقصدها: «لن اذهب، أخلدي للنوم سوف أبقي هُنا الليلة.»

ثم ابتسم لها قائلًا بمكر يحاول إخراجها من حالتها باي طريقة: «سوف أظل أراقب ملاكي وهي نائمة.»

لم بتستم سولين كعادتها تِلك المرة بل استلقت على جانبها تعطيه ظهرها ويقابلها النافذة الزجاجية المطلة على المدينة ذات الأجواء الممطرة.

ابتسم لوكاس بتكلف ليجلس يناظر ظهرها بصمتٍ يعطي لها المساحة حتى لاحظ حركتها هبوط وارتفاع كتفها، وطريقة ضغط رأسها على الوسادة، ظل ساكنًا يطالعها بغصة عالقة بحلقه تخنقه.

«أنهم يتشاركنا ذات الألم، يتشاركن ذات الفاجعة والفارق بعيد، هي فقدت أصدقاء طفولتها، مَن كانت تقول عنهم أخوة منذ أول لحظة حتى النهاية، هي فقدت ذكريات لوكاس لا يعلم عنها شي ءولن يعلم أبدًا، هي رأتهم يموتون صوب عينيها، هي التي ظلت رفقة اجسادهم الباردة، هي أكثرهم ألمًا ولا أحد يسطتيع مواساتها على ذلك.»

«يشعر بكل شيء حوله محطم، حتى مَن كان يستمد منها الطاقة أصبحت محطمة أيضًا تنزف ببطءٍ ويخشي أن يفقدة دون حول ولا قوة، جميع أصدقاءه مُشتتون، وكأن غيامة حزن تقف فوق رؤوسهم.»

«لا هو يستطيع مد يد العون، ولا هو يستطيع مساعدة نفسه حتى، كُل شيء مظلم ومهلك حولهم، وهذا يزيد ضيق صدره.»

لم تتحمل سولين تماسكها هذا أكثر انكمشت تقرب ساقيها من صدرها كوضع الجنين وتتمسك بالوسادة بقوة وهي تشهق ودموعها تبلل الوسادة أسفل رأسها بصمتٍ.

«لقد كان هذا حالها، تظلم تماسكة طوال اليوم حتى يحل الليل الذي يشهد بكاءها الصامت كنحيطٍ خافت هي، لا ترغب بتعليق حملها على أحد أو ان يضهدوها تبكي متألمة من كُل شيء يحدث.»

أقترب منها لوكاس بترددٍ يمرر يده على رأسها ويمسح دموعها وهو يقول لها بنبرة حاول جعلها لينة لكنها ظهرت منكسرة ومتحشرجة بضعف يحاول تشجيعها وتهدئتها: «لا.. لا تبكي أرجوكِ، سول.
هم في مكانٍ أفضل، سنمضي معًا وسيكون كل شيء بخير، وأنتِ قوية أعلم ذلك.. وأري ذلك بوضوح، عزيزتي.»

بكت بصوت مرتفع وصوت شهقاتها تعلو غير متحكمة بنفسها بعد الآن، تنفي برأسها غير مصدقة حديثه وهي تقول بصوت متقطع: «ليس صحيح، لوكاس أنا أتالم حقًا ولا يمكنني تحمل ذلك..»

لم يستطيع لوكاس الفرح لأنها قالت اسمه أخيرًا أم يحزن على جملتها، لكنه ابتسم في وجهها يجيبها بينما يشاركها الدموع: «وماذا يعنى ذلك؟ الحُزن ليس ضعف، سولي. أبكي يا عزيزتي ولا تخجلي من ذلك لا بأس اقسم لكِ، البائس هو عندما تتركين نفسك للظلام دون الخروج منه..»

: «لِماذا تبكي الآن؟»

تساءلت سولين تمسح دموعها لتنفجر في البكاء مُجددًا ويضحك لوكاس بخفة ممسكًا يدها يمنعها من مسح دموعها المنهمرة بلا توقف: «لأنني حزين كذلك، سولي. رؤيتكِ تحاولين تزييف مشاعركِ أمامي تؤلمني، منذ متى نحن نزيف الحقيقة أمام بعضنا البعض؟»

مدت سولين يدها تضعها فوق وجنة لوكاس المبللة من دموعه وتهمس له باسفٍ: «يوجد لجام حول لساني يا لوكاس، لا استطيع النطق بما حدث.. واعلم أن الحديث سيريحني لطالما كنت ثرثارة، لكنني لم أعد استطيع.»

أمسك يدها الموضوع فوق خده يطبع قبلة فوق راحة يدها ويجيبها بخفوتٍ: «لا بأس، لا تتحدثي الان، لكن لا تكبتي هذا الشعور وتخفيه عني مُجددًا، أنا معكِ، وأنا أشاركك ذات الألم.. رُبما لم أشهده معكِ لكنني أشعر به في عظامي.»

: «جميعًا فقدنا، جميعًا هزمنا، لكن.. لكن ما حدث لا يمكن وصفه.»

شهقت بين حديثها وتزداد انهمار دموعها تتهدج أنفاسها أكثر وتزوغ عينيها بعنفٍ جعل لوكاس يعتدل ويساعدها على الاعتدال، لقد وجهته المنرضة قبلًا إذا لاحقت سولين تلك الحالة كيف يتصرف: «سولي، تنفسي حسنًا.. لا، لا، سولي انظري لي! ما حدث قد حذث، انتهي الأمر وأنتِ أمامي بخير الآن.»

تسارعت أنفاسه هو الاهر خائفًا أن تكون أحدي نوباتها، وتنفي هي بنواحٍ: «لكن هم ليسوا كذلك.. هم ليسوا بخير..»

: «هم أفضل من حالنا، أقسم لكِ! لا يوجد شقاء لهم، أنهم يتنعمون بالسلام والراحة الان، وسوف نلحقهم قريبًا!»

حاول تبسيط الأمر لها، يمسح هو دموعها تِلك المرة بينما تستنشق الهواء بصعوبة أثر الغصة العالقة في حلقها: «أبكي من هُنا للغد لا بأس بذلك يا سولي، لكن لا تدعي الأفكار السيئة تخنقك هكذا، ابتلعي رمقك وتنفسي جيدًا.»

اومأت بضعفٍ وما زالت شهقات النواح تنفلت من بين شفتيها لين الحين والآخر، وما زال لوكاس يمسح دموعها بابتسامةٍ منكسرة.

: «لا تبكي مُجددًا.. لقد عززت مشاعري!»

عاتبته فجأةً ترفع يدها مُجددًا لمسح مجرى دموعه فوق وجنتيه، ويضحك لوكاس سعيدًا بتفاعلها معه.

: «يا ليتني بكيتُ منذ البداية، لكنتِ ألتفتِ لي قليلًا كالآن.»

مازح ويقترب طابعًا قبلة فوق عينيها ويبتعد ببطءٍ هامسًا لها: «لا تؤلمين قلبي أكثر يا روح الروح.»

عانقها وما زال يمسد على رأسها بينما يهمس لها كلمات مهدئة ومشجعة بأبتسامة واسعة رغم دموعه التي تنزلق من عينيه.

وتشد سولين على عناقه مسندة رأسها فوق كتفه تبكي بصمتٍ وانهاك: «لا تتركني.. لا تذهب..»

: «لا يترك الجسد روحه يا سولي، لن أتركك أبدًا.»

..

«يذهب الطلاب للمدرسة لكي يتلقون العلم في حصصهم مثل المعتاد، لكن الغير معتاد مشاعرهم التي أصبحت خاوية، هالكة، تتألم بصمت ورغم ذلك تعدو في طريقها.»

توضع الأزهار فوق مقاعد زملاءهم المفقود، تثبت أنهم لن يتواجدون مُجددًا، تثبت حقيقة وجودهم أسفل التُراب.

«وبماذا تفيد الأزهار وأصحابها غير موجودين؟»

«الجميع فاقد شيئًا ما، و يتألم على الذي فقده، لكن هل يعني ذلك البقاء في ذات الرقعة ننتحب على ما فقدناهُ؟»

«الحياة لا تقف من أجل شخص، بل تكمل سيرها غير أَبهة بشيءٍ، الأيام والوقت يعدو بِلا توقف، فأما السكون في مكانك بلا غاية حتى تلحقك المنية أو الاستمرار والعدو لهدفك وغايتك التي وَلِدت لأجلها.»

ما زال الطلاب يقفون أمام اللوحة الكبيرة التي تضم صور المفقودين في الحادثة، يذهب بعضهم ويأتي أخرون ينظرون إلى اللوحة بتحسر وحزن، وما الحيلة التي سيقدموها سوى الدعاء لهم أن يرقدوا بسلامٍ حيث هم.

«الموت ما هو إلا مُفرق ولجامع في يومٍ ما، في يومٍ ما سيلحق الأحياء الأموات منهم يلتقون في حياة أخرى حيث لن يفرقهم الموت سوى المرةً الأولى»

«تِلك حقيقة الحياة، لن يخلد بها أحد، جميعنا جنائز مؤجلة لحين قدوم أجلنا الحتمي.»

..

ما زال فريق مدرسة بريكين هيلز مُشتت، لقد خسروا ثلاث لاعبين من فريقهم، ومنهم من فقد صديقه، حبيبته، شقيقه، جميعهم تم جرحهم بسبب هذه الرحلة المشؤمة، جميعهم يائسون ولا يستطيع الاستمرار مع عجلة الحياة.

فقد المدرب أعصابه من تشتتهم واستسلامهم، ووقفهم في ذات الرقعه بدون حراك وأكمال حياتهم، ما زالوا صغار لهذا اليائس لذا وقف يصرخ بهم: «فاليقف الجميع أمامي.. الان!»

أمسك بالكرة وبجواره المساعد يضع يده على سلة التي بها عدد كبير من الكرات، دفع المدرب الكرة إلى لوكاس الذي ألتقتها فورًا، و يملي عليه تعليماته دون مقدمات: «أحرز عشر أهداف بدون خطأ واحد، وإلا ستكلف فريقك بأكمله الركض حول الملعب ثلاث مرات، وعندما تنتهون سوف تُعاد الكرّة مرة أخرى.»

أبتلع لوكاس ما في جوفه بتوترٍ من وضع تلك المسئولية فوق عاتقيه يدفع الكرة ضد الأرضية، لتعود إلي يده مرة أخرى، فعلها أكثر من مره ينظر إلى سلة الكرة المعلقة على أرتفاع عنه يسخن عضلات جسده المتشنجة.

«إذا أخطأ سيتحمل الفريق بأكمله خطأه»

سدد الهدف الأول بنجاح، ثم الثاني فالثالث، و بدأ باقية الفريق يشرق وجهه عندما وصل للسابعة وسددها بنجاح، فسوف يعفون من العقاب بسبب نجاحه.

«لا يعلمون أن لا شيء يبقى على ما هو عليه، والخسارة دومًا متواجدة، الخسارة ليست لتهبط عزيمتك وانما لتجعلك تستيقظ من غفلتك وتبذل مجهودًا أكبر قبل أن تتكاسل.»

لكن سقطت ملامحهم عندما أخفق لوكاس في الثامنة، ألقى ذراعيه في الهواء بسخط و هو يرى الكرة تقفز على الأرضيةرأمامه مبتعدة بعدما لم يصيب الهدف.

أخرج بعض أعضاء الفريق صيحات متذمرة قاطعها تصفير المدرب على الفور الذي صرخ بهم بقسوة وغضب: «مجموعة فشلة. تعلمون؟ عندما تفيقون من وهمكم هذا سوف نتدرب، لكن هكذا لن يتفوق أيًا منكم على فريق مدرسة جزويلا.. أنت مارك..»

ستأنف حديثه يشير بأصبع السبابة على مارك الذي يقف يزم شفتيه بندم: «هل كان سيسعد شقيقك بهذا الفشل المريع؟ أتذكر جيدًا كيف كان أكثر المشجعين حماسة في مدرجات الملعب. أجبني لا يجب أن تعتلي ملامح الحزن هذه على محياك يا رجل، ثابر لأجله، ضع هدف لأجله أجعل روحه ترقد بسلام سعيدة بما يصنعه شقيقه من فوز ومجد لا مثيل له.»

أدار المدرب جسده حيث لوكاس يسترسل بانفعالٍ جعل أعضاء الفريق في حالة تزمد مستمعين بتأهب: «أنت أيها.. سحقًا، ألن تحزن سولين إذا لم تفز بهذه المبارة؟ ألا تريد يوم فوزك أن تركض في إتجاه لكي تجعلها تتمسك بالكأس هي وتجعلنا نتذمر من تصرفاتك هذه، هاه؟ أجبني؟ ألم تقف الثلاث فتيات أمامك في أول يوم تم قبولك في هذا الفريق ليشعون قميصك هذا فوق رأسك.. بهذه البساطة سوف تتخلى عن هذا؟»

أجاب نظره حولهم بنظراتٍ غير راضية: «مجموعة فشلة بحق، أوصلوا هذه الفكرة اللعينة إلى عقولكم الصدئة.. الحياة لا تقف لأحدهم، بل تدهس الذي يقف في ذات رقعته بدون الاستمرار، سوف تهلكون هكذا.»

سحب خصلات شعره يشعر بالجنون من تصرفاتهم لقد مر شهر، شهر بأكمله وما زالوا لم يتخطوا ذلك: «أمدركين أنني أرى مستقبلك من هذه الرقعة، أنظروا جاستن سوف يتعطى المخدرات قريبًا، لوكاس إذا لم تعطيه سول نظرة سوف يصبح ساكير، مارك شقيقته سوف تزجه في السجن حتمًا، جاسبر سوف يتاجر في الاسلحة، بيتر سوف يبيع روحه لعبدة الشياطين.. أتريدون أن أكمل كيف ستكون حياتكم إذا استسلمت؟»

صاح بهم في نهاية حديثه، ثم صرخ بانفعال: «سوف تكون جحيم، سوف تهلكم أيها الفشلة.»

ألقى الكرة التي كانت بين ذراعه وجانبه، نزع صفارة المدرب يضعها بيد جاستن الذي كان بجواره ويلقى اللوح الذي به كشف أعضاء الفريق وبعض التنبيهات، رمقهم بنظرات غير راضيه يغادر الملعب المغلق بينما يتمتم بسبابه.

تنهد الأعضاء بثقل، يرمقون بعضهم بنظرات مشتتة ينتظرون احد منهم أن ينسحب او يشجعهم ليحاولوا فعل مثله، زفر لوكاس بحنق يبعد قميصه الذي يرتديه فوق ثيابه يلقيه بجوار اللوح الذي به الكشف: «مَن كنت اتشجع لأجلهم لم يعد لهم وجود بالفعل.»

سخر يخطو خطواته يغادر الملعب هو الأخر واتبعه الكثير، تاركين جاستن في المنتصف يجاوره بيتر الجالس بصمت منذ البداية.

طالع جاستن صفارة المدرب يحني رأسه بانكسارٍ: «أهكذا النهاية؟»

: «سيعودون.»

تمتم بيتر يعتدل في جلسته ويرمقه جاستن بجانبية غير قادرَا على التحرك حتى ويكمل عنه: «سيعودون خوفًا من الهلاك، وأنّ لم يفعلوا.. سوف نجبرهم يا صاح، صحيح؟»

: «تَجبر مَن أيها الوغد؟»

صاح لوكاس به يقتحم الملعب مرةً أخرى، ويبتسم جاستن من رؤية عودة الفريق خلف لوكاس الذي انحني يلتقط قميصه بينما يسترسل بلا اهتمام: «تذكرت أنه يجمعني وعدًا، تَعلمون على الرجُل أن يفى بوعوده دومًا تحت أي ظرف.. وتحت أي ظرف سوف نفوز هذا العام.»

ألتفت خلفه ينظر لِلرفاق متساءلًا: «أليس كذلك يا رفاق؟»

صاح الجميع دفعة واحدة: «بكُل تأكيد، كابتن.»

ابتسم لوكاس بتفاخر يلتقط كرة ويدفع تجاه جاستين بعفوية ويلتقطها الاخر ببسمةٍ ممتنة لعودته السريعة.

«الاستمرار في الاستسلام لن يعطيك السلام وانما سيظل يسحب للقاع حتى تصحو لتجد أن الوقوف لم يعد له صلاحية في حياتك»

كان ذلك على مراء مدربهم الذي راقبهم من غرفته ذات النافذة الزجاجية الواسعة، ابتسم يسحب مقعدًا ليجلس يراقب عودتهم بكُل استمتاع.

: «لوكاس، فريقين يا صاح؟»

تساءل جاستين بينما يباشر في الاحماء، ويؤمي لوكاس له: «من عدد واحد العشرون فريق ومن سبعة واربعون لمئة فريق. هيا، هيا!»

صاح بأرقام قمصانهم يدفعهم للتحرك منقسمين إلى فريقين بالفعل.

: «مارك، ألتقطها جيدًا هذه المرة وألا أقسمت بحشرها في فمك.»

صاح بيتر في مارك الذي يكون في فريقه، وتشجع مارك يقف بتأهب لألتقاط الكرة من بيتر، ما ان التقط مارك الكرة صقف الرفاق بتجشيع ويصيح جاستن به: «جيد، هيا إلي السلة، اسرع، مارك، اسرع!»

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي