٧ عقاب للأبد

اليوم الخامس عشر منذ الحادثة.

تُبعد الممرضة الستائر عن النافذة ليتسلل ضوء الشمس إلى الغرفة بينما يقف لوكاس أمام الطبيب يخبره بشعلة امل تشتعل في عينيه: «لقد حركت يدها منذ قليل، هل هذا يعني أنها سوف تستعيد وعيها قريبًا، أليس كذلك؟»

ربت الطبيب على كتف لوكاس وينظر إلى التقرير الطبي وسرعان ما يبتسم بعدما تفقد التقرير وقال ينظر له: «هذه أول أشارة، أيضًا أشارتها الحيوية أرتفعت، أنها تتحسن.»

زم الطبيب شفتيه لا يعلم كيف يفسر الأمر إلى لوكاس، فـ سولين بصحة جيدة لكنها في صدمة تجبرها على الهرب وعدم الاستيقاظ، أنها حالة يختارها المريض ليتجنب صدمته ورُبما تصل غيبوبته إلى أعوام وليس بضعة أيام: «لا تقلق سولين تحتاج بعض الوقت فقط لتتخطي ذلك.»

عقد الطبيب حاجبيه لاقل من ثانية يرتب كلماته قبل أن يخبر لوكاس الحقيقة، لقد أخبر والديها وشقيقها بالفعل ومُنذ ذلك الحين وهم متيقنين ان سولين لن تستيقظ عما قريب لتربت فوق قلوبهم المرهقة: «تعلم أحيانًا يرفض العقل الاستيقاظ، يظل في دوامة ذكرياته حتى يصل إلى مراده الذي سيجعله يستيقظ لأجله.. أنها حالة يصعب التعامل معها قليلًا، وما حدث إلى سولين ليس بهيّنٍ، هي فقط تحتاج لبعض الوقت كي تتخطى ذلك.»

حدثه الطبيب وكأنه يحاول أقناع طفل بأن كل شيء بخير، وأنها مسألة وقت وسوف يمر كل ذلك، لا الطبيب مقتنع بحديثه فهذه الحالة تكون من أصعب الحالات ان تقنع جسد أنه حي وهو يرفض تصديق ذلك متمسكًا بثباته، ولا لوكاس يستطيع تصديق شيء بعد الآن.

أبتسم له لوكاس بأمتنانِ رغم صخب مشاعره مما يجتاحه من افكارٍ سوداوية بحتة، اومئ له الطبيب وهو يذهب، ويوصي الممرضة على بعض الأشياء وهم يخرجون من الغرفة.

هبط فوق المقعد المجاور لفراشها مُجددًا، بانهاك ويأس: «ألا تُريدين رؤيتي، سولي؟»

تساءل يشعر بالاحباط، هي بخير قد اطمئن لذلك ملامحها تستعيد حيويتها شيئًا فشيء، لكنها لم تفتح عينيها بعد، لم يبصر نافذة روحها بعد، يعلم انه سيرى أبشع نظرة تحطم كيانه عندما تستيقظ، يعلم انه لن يستطيع تحمل النظر إلى عينيها كما هو معتاد، لكنه سيكون سعيد إذا استنشقت ذات الهواء دون اجهزها طبية تساعدها على ذلك.

: «سولين، أنتِ تسمعينني، صحيح؟»

: «يُمكنكِ سماعي والشعور بي، صحيح؟ ها أنا اجثو أمامك مُحطمًا اترجاكِ كي تربتِ فوق رأسي، لا أريد شيء سوى رؤية عينيك تنظران لي، أعدك سوف انتظرك أبد الدهر، لكن لا تتركيني وحيدًا اتخبط في ظلماتي هكذا، سولي.»

لم تفاض عينيه دمعًا، بل تحجرت يطالعها بصمتٍ بينما تعصف مشاعره الهوجاء بداخله، لم ينجو احدًا منهم، وكأنهم طلوا أحياء كعقابٍ لهم عن ذنبٍ أثيم اقترفه.

دخل ماركوس شقيق سولين الأصغر ممسكًا بخقيبة جيتاره فوق كتفه، طالع لوكاس بصمتٍ يتبادلان نظرات الحزن والانكسار، لكل فرد في مدينتهم الصغيرة قد فقد شخصًا عزيزًا عليه لم يكن أحد استثناء الفوارق بسيطة والجرح واحد.

: «كيف حالك؟»

بادر لوكاس بالسؤال، وابتسم ماركوس بجانبية ساخرة يتقدم للوقوف جوار شقيقته: «لقد بالي هذا السؤال، فـ ما الحال الا تدهور.»

اخفض لوكاس رأسه عالمًا بذلك، ويسترسل ماركوس ببرودٍ: «هل أخبرك الطبيب بحالها؟»

اومأ لوكاس بصمتٍ، وسرعان ما يرفع رأسه بصدمةٍ إلى ماركوس، الذي قال بيننا يقضب يديه بعنفٍ: «أتمنى أن ينتهى ذلك سريعًا حتى وان عنى ذلك موتها، لكن الأمل أصبح كموت بطيئ لنّا جميعًا.»

نظر ماركوس إلى سولين يمرر نظره عليها وكأنها النظرة الأخيرة: «مُجرد النظر لها هكذا يحطمنا، إذا كانت تعطينا أمل زائف فقط لتتوقف عن ذلك.»

: «ماركوس..»

تنهد لوكاس غير عالمًا بما يجب عليه قوله، هو يريد تحطيم رأسه في أقرب حائط، لكنه يرى الدموع المتكتلة في عينيه العشبية كخاصتها، يراه يعاني مثله، ويراه يأسًا كذلك، كلماته قاسية لكنه يرتجف خوفًا من صحة حديثه.

تجاهله ماركوس يكمل حديثه بنبرةٍ مبحوحة اثر غصته: «لطالما تطفلت علي لكي تسمع عزفي، ولم اسمعه لها قط.»

وضع حقيبة جيتاره جوار الفراش وتتساقط دموعه بصمتٍ: «لطالما تشاجرت معاها لأنها تدخل في حياتي، لطالما نفرتها وصرخت في وجهها، لطالما عاندت معاها، ولم افهم يومًا أنها كانت تحذرني من اخطأها، لم أدرك انها كانت تريد مصلحتي وتخاف علي.. لم أدرك هذا سوى الان.»

: «لوك، لا أريدها أن تموت، ما زالت لم أخبرها أنني أحبها واخاف عليها كذلك!»

..

ألقت چاسمن الكتاب الذي بيدها أرضًا بسخطٍ وهي تخاطب سولين بغضبٍ: «أكان يجب أن نتعارك أمام المديرة حقًا؟»

وضعت جينفر الكتاب فوق رفوف المكتبة بغضب هي الأخرى: «لا تذكريني بـ هذا حتى لا اغضب مجددًا. فهذه الأريكا أستفزتنا للغاية.»

قلبت چاسمن عينيها غير راضية عن كلماتهم، فهم سحبنّ شعر أريكا أصدقاءها أمام المديرة مجددًا بينما هي جلست بهدوء تشاهدهم: «هي بالفعل أثارت غضبي للغاية واردت تحطيم رأسها، لكن ألا ترون ماذا نفعل الأن؟»

صاحت چاسمين في نهاية حديثها بسخطٍ.

تذمرت سولين ومددت ساقيها وهي تجلس أرضًا وبجوارها صناديق كثيرة تخرج منها الكُتب: «الغبار، والكثير من الغبار يعم المكان بأكمله، أشعر أن جيوبي الأنفية سوف تنغلق واصاب بالربو عما قريب!»

وضعت روز صندوق اخر بجوار سولين ورمقت أريكا وصديقتها الذين يرتبون الكتب في الرفوف مكتبة المرحلة المتوسطة، وقالت بأستحقار واضح: «يوجد أشخاص يجتمع بهم الحقارة والغباء معًا، وهؤلاء الأشخاص يثيرون الغضب حقًا.»

وافقتها الثلاث فتيات، لكن سرعان ما فزعت روز فجأةً تختبيء خلف سولين عندما وجدت أريكا تُلقى الكُتب التي بيديها وتتقدم نحوها، صاحت أريكا بهن فجأة جعلت روز تجفل: «توقفن واللعنة، وأنتِ أيتها المحتالة إذا أستمعت إلى صوتكِ هذا مرة أخرى سوف أضعك أسفل قدمي، أتفهمين؟»

أستقامت سولين بغضبٍ ووقفت چاسمن بجوارها بحماية، بالنسبة لهم روز مثل الطفلة يجب حمايتها لذا من يتخطي حدوده مع روز وكأنه تخطي حدوده معهم ذاتًا. تنهدت جينفر بملل، وما زالت روز خلف سولين ترمق أريكا بتوترٍ.

قلبت سولين عينيها قائلة إلى أريكا بنفاذ صبر: «أستمعي أيتها الباربي..»

قاطعتها صديقة أريكا باستنكارٍ: «لكن باربي شعرها أشقر مثلك!"

رمشت سولين ببطيء تستوعب، بينما صاحت چاسمن بها بسخطٍ لتدميرها للحظة مهمة كتلك: «أماندا للجحيم.»

خطت أماندا خطوتين بأتجاه چاسمين واقفة أمامها تنقر جبهتها باصبع السبابة قائلة بنرجسية وذقن مرتفع: «عقلك الصغير لا يوجد به شيء، يفهم القذرات فقط لذلك تنحي جانبًا.»

ضحكت چاسمين بصخبٍ تمسك أصبعها تثنيه للخلف بقوة، وأماندا تصرخ ألمًا بينما تجيبها چاسمين بسخرية: «لذلك أفهمك، عزيزتي.»

أنتهزت سولين هذا الموقف وأمسكت شعر أريكا تسحبه بقوة وهي تصرخ في وجهها وأريكا تصرخ كذلك: «إلا أصدقائي، هل تفهمين ذلك أم عقلك مُعطل؟»

والأخرى تحاول دفعها وهي تصرخ بسخط واستطاعت أمساك شعر سولين التي صاحت بها بألمٍ: «أتركِ شعري أيتها الساقطة.»

وأريكا تصيح بها بذات التهجم والألم: «أتركِ شعري أنتِ أولًا حتى أتركه!»

سحبت سولين شعر أريكا بقوة أكثر مما جعل بعض الشعر يتقطع بين يديها لتشهق وهي تنظر إلى يدها التي بها الشعر ثم إلى أريكا التي امسكت رأسها بملامح متحعدة.

صرخت أريكا تفرك رأسها بقوة من لسعة سحب شعرها، وتهجم على سولين بينما تصرخ بها غيظًا: «أيتها اللعينة.. تبًا لكِ!»

دخلت مُعلمة عليهم فجأةً تتطالعهم بهدوءٍ وهي تنطق بعقابها التالي بكُ برود: «عقابكم أمتد مُجددًا، تنظيف الحديقة يوميًا لمدة أسبوع.»

دفعت چاسمن أماندا بسخط وتصيح بفقدان صبر: «هما من تعدوا علينا أولًا، هذا غير عادل!»

فتحت المُعلمة الباب مرة أخري وقالت بملل حاسم لجدالهم: «أسبوعين، حرف أخر وسوف يكون شهر.»

جلست جينفر ارضًا تندب حظها لطالما كانت في حالها لم تحدث أحد ولم يحدثها أحد في المُقابل، دفعت سولين أريكا ترمقها باستحقارٍ وتبادلها الأخرى ذات النظرة ليتبس الجميع فجأةً مِن صراخ جينفر الساخط: «أكرهكم جميعًا.»

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي