٢٧ فقد

«لم تتخيل أريكا الأمر هكذا قط، لم تتصور أن تكون الحادثة بتلك البشاعة والقوسة على سولين وهي التي شعرت بالحقد والبغض عليها لأنها الناجية الوحيدة ولم تنجو صديقتها مثلها.»

«شعرت بالفعل الآن أنها لئيمة حقًا، وسيئة لأنها ضربت وترًا حساس لدي سولين بلمس جرحها الغائر بكل برود وهو لم يلتئم بعد ليعود وينزف مجددًا بكُل قوته.»

«قمة البشاعة عندما تغرز كلمات فيما يجرح الذي أمامك، هل تتفاخر أنك لا تنزف مثله فتزيده ألمًا لأنه لم يحافظ على نفسه وتمت أصابته؟ أم ما التفكير الذي يصل بك لتزيد جرح شخص ما؟ ما المنطق والمببر لفعل ذلك حتى؟»

«تخيلت أريكا بأنها موضع سولين جميع أصدقائها ملقون بأجساد غادرت أروحها لتظل هي الروح الوحيدة التي تتألم بعجز وضعف، تخيل حجم المعاناة وكيف سيكون شعورها حينها لتشعر بالأرض تدور بها من قسوة التخيل.»

«هي جبانة في الأصل، تخشى ظلها حتى ولا يمكنها تصور ان تستيقظ وتجد جثة ترقد جوارها أن لم تلحقها المنية وهذا موعدها سوف تموت ناقصة عمر من كثرة الخوف الذي سوف يداهمها حينها.»

«ما حدث بشع، وعقلها لم يستطيع تصوير لهذا هذا الحد من الصعوبة.»

انهمرت دموعها متأسفة على حال سولين، تغوص في أفكارها وكم هي سيئة.

شهقت اريكا تعود لأرض الواقع عندما وضعت والدة سولين يدها على كتفها، رفعت عينيها المتلألأة بالدموع قائلة بصوت مرتعش: «سيدة باركر، لم أقصد، أقسن لكِ لم أقصد فعلها.. أنا سيئة بحق، لكنني لم أقصد أن أُذيها.»

قطبة كاثرين حاجبيها بأستنكار من حديث اريكا، هي لم تستمع لحديثهم لذا لا تعلم عما تتحدث عنه أريكا، لكنها أنحنت بجوارها تربت على كتفها وتمسد باليد الأخرى على شعرها بحنان قائلة بود: «لا بأس على كُل حال، ما الذي حدث يا ابنتي؟»

ابتلعت أريكا ما في جوفها بتوتر تجيب والدة سولين: «سيدة كاثرين، هل يمكنكِ جعل سولين لا تكرهني؟ سأشعر بكم أنني لئيمة وحقيرة إذا فعلت ولم تسامحني، لن استطيع التعايش مع كرههم لي، لقد فقدت الكثير ولا يمكنني الخسارة مُجددًا.»

أبتسمت والدة سولين بعدم تصديق تردف ببسمة لطيفة: «مَن؟ سولين؟ أنتِ مخطئة بالكامل، سولين لم تكن البغض لأحدهم يومًا، حتى أنتِ. أعلم ما يدور بينكم من عراك ومشادات لكن لم تكرهكِ أبنتي يومًا، لا هي ولا صديقاتها جاسمن وروز جينفر وستيلا وباني، أتذكر بأنهم أتفقوا حين عودتهم..»

توقفت عن الحديث تبتلع ريقها وتغزو عقلها فكرة انهم لم يتواجدون بعد الآن، لن تستمع لصراخهم وتذمراتهم وحتى ضحكاتهم عندما يجتمعون مع سولين، ابتسمت بانكسارٍ تسترسل: «أنهم سيصفون حساباتهم معكِ لتبدأوا صفحة جديدة، لقد أرادوا السلام وقد حصلوا عليه بطريقة أو بأخرى، أما أنتِ وسولين سوف تحصلون عليه قريبًا، فقط أتركي بعض الوقت لسولين وهي التي سوف تطرق بابك.»

أخذت والدتها نفس مرتعش وهي تبتسم بحزن، لمعة عينيها التي تعكس مدى حزنها جعلت أريكا تبكي أكثر، ربتت على رأسها بود: «لا بأس أن نكون سيئين، فأحياناً يحدث بدون قصد، لكن الخطأ عندما نكون مدركين لسوئنا ولا نتحرك لكي نتوقف عن هذا السوء، لقد اخطأتِ في حق أبنتي الوحيدة، وهي فعلت. لكنني قد علمتُ سولين على المسامحة لذا أريد أكمال ما خططوا له، هل ستساعديني في ذلك؟»

لم تريد كاثرين من سولين أن تبقي بمفردها، سولين من هذا النوع الأجتماعي الذي يحب مشاركة سعادته مع الجميع لعل هذا يخفف عنهم بعض من أحزانهم، أو يخفف عنها شعور الوحدة.

«هي من هذه الشخصيات النقية التي تقابلها مرة في العمر وتظل راسغة في العقل عندما تتذكرونهم تبتسمون من لطافتهم، روح حُرة تتنقل بسلاسة وهدوءها يعنى الكثير من الألم.»

مسحت أريكا دموعها تستقيم بمساعدة السيدة كاثرين بينما تجيبها وهي تستنشق سيلان أنفها: «بالطبع، سيسعدني هذا.. لكن، كيف؟»

تذكرت اريكا صديقتها اماندا التي تتذمر بعد كل عراك بينهم أنها لا تريد معاركتهم لأنهم اشخاص طيبين، لكن لا تريد ترك صديقتها بمفردها أيضًا، وكم جعل هذا أريكا تتألم أكثر.

«وما زاد ألمها عندما تركت أماندا وتذهب معهم في رحلة مشؤمة لتمت مع مَن رغبت في مصادقتهم يومًا.»

وهذا جعل أريكا تفتح بصيرتها على شيء مهم، شيء قد فقدته بالفعل.

«عندما نفقد شخص ما نشعر بقيمته، نتمني أن يعود وسنفعل أي شيء لكي يبقي سعيدًا.. فقط يعود لبعض الوقت.»

أجابتها والدة سولين ببساطة: «بالمودة والرحمة تعود العلاقات لأفضل مما كانت، باللين والمحبة سوف تكون من أقوى العلاقات. فقط بعض الوقت وسوف يعود كُل شيء لسابق عهده ورُبما أفضل!»

غادرت أريكا، بينما ظلت السيدة كاثرين تنظر إلى النافذة الزجاجية ترى سولين تبكي في سريرها بحرقة ووالدها يعانقها وملامحه تبدو حزينة أيضًا.

«ليس بمشهد جديد بل هو يحذث بصورة يومية، تستمع لبكاءها تارة وعدم معرفة اخذ أنفاسها تصارع لتبقى حية تارة أخرى، وصراخها الذي يخترق وجدانها يكون من أبشع الأشياء التي تجعلها تسقط جاثية.»

الممرضة تحاول تهدئتها حتى يعمل مفعول المهدئ، بينما ممرض أخر يغير المحلول الذي تعيش به هذه الفترة.

«فترة من أبشع وأصعب الفترات في حياتخا بأكملها، تصارع هي بين النجاة والمناجاة من نجاتها الوحيدة.»

استجمعت والدة سولين رابطة جائشها تدخل لتساند أبنتها، اقتربت أكثر من سريرها وشعرت بسولين تهدأ بفعل المهدئ، لكن ما زالت مشاعرها تجعلها تتشبث باهتياج وعدم الأنحياز للهدوء، بداخلها صخب لا تستطيع كتمانه.

جلست والدتها من الناحية الأخرى للسرير وأصبحت سولين بين والديها، نظر والدها إلى كاثرين بعجز، وحزن، بادلته أيها بأيماءة وهي تقول بتشجيع لها أكثر منهمَ: «سيكون كل شيء بخير.»

أخذت سولين نفس مرتعش وهي تنظر لسقف الغرفة ودموعها تسري على وجنتيها بدون هوادة، تحدثت بصوت متهدج: «كل شيء يذكرني بهم..»

امسك والدها يدها بينما والدتها تمسد على شعرها وتمسح دموعها المنهمرة قائلة بحنان لها: «ألا تظنين بأنهم في مكان أفضل الأن؟ عزيزتي لقد كُتبت عليهم الراحة، يجب أن تسعدِ لذلك، هم بخير لذا لا تحزني.»

وافقها زوجها مكملًا عنها: «سول، الموت حتمي لا مفر منه، ما نحن إلا جنائز مؤجلة. أصدقاءك.. هم في مكان أفضل الأن بكثير، لقد أخذوا الجائزة الكبرى وأنتهت كل مشقاتهم لتبداء حياتهم الجديدة بدون متاعب، هذه هي الحياة. عزيزتي، إذا حزنت على جميع من يرحل سوف تظلين حياتك بأكملها حزينة، وهذا ليس معقول. هل سوف تضيعين فرص حياتك لأجل أشخاص رحلوا؟»

: «لقد كانوا كُل شيء.. انهم اخوتي.»

همست سولين بضعفٍ وتهدئ بالكامل بفعل المهدئ.

أجابت كاثرين تساؤل زوجها بنبرة مشجعة: «بالطبع لا، وسولين سوف تتخطي هذا قريبًا وتعود بقوة أكبر، فهذه العثرات تقوى الأنسان، تجعله محصن من أي شيء، حتى يحدث شيء يجعله يتذكر ما حدث ويضحك ساخرًا قائلًا 'جديًا! لقد مررت بما أصعب من هذا'. لذا لا بأس.. لا بأس يا روح الروح ما حدث خارج عن ارادتك وأرادتنا جميعًا، أنه فقد قدرنا ولا يمكننا فعل شيء سوى تقبله بنفس راضية.»

«اصبحت رؤية سولين ضبابية وهي تستمع لاخر كلمات والدتها لتعاود لمنطقتها المسالمة والمريحة كما تظن بعيدًا عن صخب الناس، لكن تلك المرة لم تعد مساحتها أمنة كما تظن.»

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي