٢٨ حُلم

طرقعة أصابع اعادتها للوعي، نظرت حولها بعيون متسعة، تستمع إلى ضحكات چاس بجوارها وتذمر روز الواقفة بين المقاعد.

تصنمت سولين في مكانها وعينيها على وسعهم، لا تصدق ما تراه، دفعتها چاس وهي تقول باستنكار: «ما بكِ؟»

ألتفت لها سولين تنظر بعيون غير مصدقة، عينيها تفحصتها بعيناية حتى نبثت بخفوت: «أنتِ... أنتِ بخير؟»

لم تستمع إلى أجابتها وألتفت حيث روز التي ترمقهم بعد فهم، استقامت سولين تقترب منها أكثر وتعانقها بقوة، عينيها أصبحت حمراء مثل وجنتيها تعيد ذات السؤال: «أنتِ بخير؟»

نظرت حولها إلى الجميع تهمس بعدم تصديق: «أنتم بخير يا رفاق؟»

سحبتها چاسمن لتجلس مرة أخرى بجوارها: «سولين، ماذا بكِ؟»

هزت سولين رأسها وهي تبتسم بغرابة مما يحدث: «أنا.. أنا بخير، لا يوجد شيء! أعني أنتم بخير حقًا؟»

تبادلت روز وچاسمن النظرات بريبة، بينما تنظر سولين أمامها بأعين متسعة تحاول استيعاب أن ما حدث كان مجرد حلم.

«مُجرد حُلم، مجرد كابوس كان يطرق رأسها بعنفٍ، مجرد حلم لا تعلم اذا كانت سوف تستطيع تخطيه حتى ام لا، الأمر لا يصدق.. وشبه مستحيل!»

«لكن رغم رؤيتهم احياء يبتسمون ويتسايرون.. رغم ذلك مشاعرها متضاربة ونضبات قلبها تكاد تؤدي بحياتها، خائفة أن يكون حلم وتستيقظ منه، او يكون ما حدث حلم قد يتحقق!»

«مثلما بدأ مثلما أنتهي، كطرقعة أصابع جوار أذنها بدأ كُل شيء يتحول تدريجيًا لكابوس وجحيم حي.»

«شعرت بالاصوات من حولها تتوقف، ومشاعرها تصرخ بداخلها، تخبرها بأن هذا ليس حقيقي، لكنها لا تأبي تصديق مشاعرها، تريد تصديق هذا تريد البقاء في تلك اللحظة وعدم الخروج منها أبدًا.. لكن ليس كل ما نتمناه ندركه.»

نفضت افكارها ومخاوفها بعيدًا تبتسم وتضحك معهم، بل استقامت تعانق كل من في الحافلة، وتخبرهم بأنها تحبهم.

: «يا رفاق أنا أحبكم جميعًا، احبكم بحق وهذا ليس مجرد كلمات.»

اعترفت لهم بكُل شفافية، وتضحك الفتيات يبادلونها العناق.

«وكأنها تودعهم هكذا، هي متيقنة ان هذه محطة الفراق، ان هذه النهاية لذا تَفعل ما يملي عليها قلبها، تفعل ما كانت ترغب به، تقدم كل الحب الذي في صدرها لهم بلا مقابل وبلا انتظار، تضع حصيلتها بلا حسبان حتى لا تندم يوم الفراق الأعظم.»

تنظر حولها بسعادة غامرة، حتى وصلت الحافلة إلى مدينتهم، حيث مدرستهم تحديدًا وهُنا ضحكت غير مصدقة: «إلهي، يا رفاق لقد عودنا معًا!»

أخذت الحقيبة من روز وما زالت تنظر لها بعدم تصديق، دفعتها چاس بضجر: «توقفِ عن التحديق بنا هكذا، وكأننا فضائيون!»

ضحكت سولين بصخب واندفعت نحوها تعانقها مجددًا تصيح بها: «اشتقت لحديثك.»

قطبت چاس حاجبيها بريبة ترمق روز التي رفعت كتفيها بعدم علم كذلك.

دفعتها چاس وهي تقول بسخرية: «لا بأس، عانقي روز ايضًا، هي تحب العناق مثلكِ، لكن أنا لا. أنهي هذه الدراما المفاجئة فهي تجلب لي الحساسية.»

شهقت سولين ببكاء تبتعد عن چاس، وتذهب لمعانقة روز التي استقبلتها برحابة صدر، وكادت تبكي هي الأخرى بدون سبب: «سول، لمَ تفعلي هذا؟ أنتِ بخير؟»

: «أنا بخير تمامًا، فقط داهمتني مشاعر حب قوية تجاههكم.»

ادمعت أعين روز متأثرة تبادلها العناق وتهمس لها: «حسنًا أنا أيضًا أحبك كثيرًا!»

شعرت سولين بأنها تُسحب من حقيبة ظهرها لـ ضحكت روز وهي تمسح عيونها من الدموع، بينما التفت سولين لترى لوكاس المنحني ليصبح وجهه أمام وجهها، بابتسامة واسعة بدون إظهار اسنانه: «مرحبًا، حلوتي!»

ضحكت سولين بسعادة، تقترب اكثر وتعانقة بقوة: «كدت أفقد صوابي. اشتقت لك، لوك.»

ولكنه فجأة وضع يديه على كتفيها يبعدها عنه بنفور واضح.

رمقت يديه المستقرة على كتفيها بريبة ثم إلى ملامح وجهه الغاضبة. شهقت سولين تتقهقر غير مصدقة كلماته المتهمة: «أنتِ السبب.»

أصبحت ملامح وجهه قاسية، وشعرت سولين بنبضات قلبها تصل لرأسها، ابتسمت بعدم تصديق وهي تنفي برأسها بعدم فهم تقترب منه بينما تحاول التبرير: «لوك.. ماذا تعني؟ السبب في ماذا يا لوك؟»

وضع يده أمامها يمنعها من الأقتراب أكثر، وهنا شعرت بأنه يوجد شيء خاطئ حتمًا.

«ليس منطقي ما يحدث أبدًا، ليس طبيعي حتى، لوكاس.. فتاها لن يعاملها بهذه الطريقة أبدًا.»

«كل شيء حولها أصبح سراب، ليتبدد المنظر من حولها وتجد أنها تجلس وحولها جثث اصدقائها، تضع يديها على رأس روز وچاس الذين يتخذون ساقيها مسند.»

نظرت ليديها بهلع وهي ترى الدماء تسيل منهما، رائحة الموت أخترقت انفها، وأصوات نواح وبكاء تجعلها تلتفت حولها بخوف وفزع.

«تشعر بالجزع يلتحف حولها مثل الدماء والقومة الجثث التي تنظر لها بهلعٍ، مخاوفها تداهمها حتى في نومها، أبشع كوابيسها تركض خلفها بكُل قسوة.»

وجدت لوكاس يقف من بعيد، يرمقها بحقدٍ وتأنيب. انزلقت دموعها بضعف على وجنتيها، تغمض عينيها تترجى بأن يتوقف كل هذا: «لا تَفعل هذا أرجوك، لا تفعل هذا بي!»

صدح صوت ضئيل ينادي بأسمها بين صوت الصراخ والحطام، لم تفتح عينيها خائفة مما سيقابلها.

«بين الظُلمة ستجد الضوء دومًا، وبين الضوء ستجد البؤرة السوداء تداهمك، لا يوجد شيء كامل، ولا يوجد شيء سيعوض فراق الأحابة كالضوء أو ما شبه، لكن الضوء وسط الظُلمة يمكنه تشتيتك عن ألم الفراق حتمًا.»

استمر الصوت لكنه مشوش على مسامعها، لا تستطيع تحديده، كلمات مبعثرة تتردد، لكن ما زالت مغلقة عينيها واذنيها تأبي التقدم.

ظلت تحدث نفسها أن هذا وهم، وستستيقظ قريبًا، لا تعلم بأن هذه مخاوفها في الحقيقة حتى أصبحت تتجسد في أحلامها: «استيقظي يا سولين، استيقظي أيتها الفتاة، استيقظي لا استطيع التحمل.. لا استطيع التحمل.. أرجوك فاليساعدني أحدهم!»

فتحت عينيها ببطءٍ ولم ترفعهم، ظلت تنظر إلى وجه روز وچاس الموضوعين على فخذيها: «يا رفاق!»

أرتعشت أطرافها، تضع يديها على جبهة روز تمسدها حتى عينيها وتغلقهم وهي تشهق ببكاءٍ: «أتركتموني حقًا؟»

أغمضت عينيها بقوة بينما تنزلق دموعها بحرية لترسم مجري على وجنتيها، أنحنت تُقبل جبهتهم، قبلة الوداع والنظرة الأخيرة نظرت لهم بأنكسار وحزن.

ببطء وضعت رأس روز وچاس على الأرضية الملطخة بالدماء، وأستقامت تنظر بقلب منقبض إلى الجثث الهامدة.

«الجثث التي كانت تعود يومًا لرفاقها، أصبحوا أجساد هامدة ليس بهم لا حول ولا قوة، لا نفس ولا روح فقط شيء مادي سوف يتلاشى مع الوقت ولن تستمع لأصواتهم مُجددًا.»

وضعت يدها على فمها تحاول منع شهقتها من الخروج.

«وكأن صوتها سوف ييقظ الوحش الذي سيفتك بلا رحمة.»

تنظر حولها بلهفة عندما استمعت مجددًا إلى الصوت المشوش لكن هذه المرة أستطاعت ألتقاط ما يقوله: «لا بأس، ستمضي قدمًا.»

عينيها أصبحت زائغة تحاول ألتقاط المُتحدث، حتى التقطت لوكاس الواقف على بعد خطواط عنها، ما زال واضعًا يديه بجيوب بنطاله، لكن الغير معتاد ملامحه القاسية، وعينيهُ يخبرونها أنها المذنبة.

«أن ينقلب القريب لبعيد أنه من ابشع التحولات التي ستجرح المشاعر بكُل تأكيد، ماذا عن جريح ما زال جراحه تنزف؟ لرُبما تطرق روحه معترضة لهذا العذاب.»

تقدمت نحوه بخطواط متخبطة، تدل على ضعفها وأنكسارها، حتى وقفت أمامه ترفع رأسها لتقابل عينيه المظلمة: «لوك يا روحي الجميلة.»

ابتسمت بمرار وهي تنفي برأسها، تبكي بحزن على اتهامه لها، أرادت بشدة أخباره الحقيقة لكن تشعر وكأن لسانها شُل. حاولت مرارًا وتكرارًا حتى استطاعت التحدث: «لستُ فاعلة. أنه.. مجرد حادث أخذ مني كل شيء ليبقيني بمفردي، لذا.. لستُ مجنونة لأصدقك بأنني السبب، أنت تَتهمني أنا يا لوكاس؟ لقد ظننتك معي في السراء والضراء.. أنا احتاجك كثيرًا يا لوك!»

تدافعت عينيها تنهمر لكنها شعرت فجأة بسلام داخلي لا تعلم من أين حصلت عليه، دفيء يُحيطها، وأصبحت أجفانها أثقل ورؤيتها مشوشة بالكامل وهمس دافء يصل إلى مسمعها: «سوف اظل معك دومًا، أنتِ بخير وسوف نكون أفضل، سوف نمضي قدمًا يا سولين.»

«وكأن حمل ابتعد عن كاهلها بعد قولها لهذه الكلمات البسيطة، لكن خرجت من نابع قلبها، فهي ليست مجرد كلمات بل حقيقة كانت تنفيها دومًا.»

«مجددًا ذات الصوت يناديها، أخذت أنفاسها تعطي الحرية لجسدها ليتهاوي أرضًا، لم تأبي بسقوطها فوق الأرض الصلبة وهي عظامها واهنة، لكن دفء ما غلفها يمنعها من السقوط.»

شهقت بقوة تفتح عينيها على وسعهم، ظهر سريعًا في مجال رؤيتها لوكاس، ظلت ترمقه بترقب بانفاس غير متتظمة، ما زالت لم تستوعب أنها عادت وأنه مُجرد حُلم: «لوك؟ أنت..»

«فقد ظنت ان هكذا الموت، وتم قبض روحها، لا تعلم انها قد واجهت مخاوفها بالرفض.»

عينيه قلقة، ملامحه مُسالمة، ليست قاسية كما رأته مسبقًا. تنهدت سولين تسترخي في جلستها أكثر، مسح لوكاس أثر دموعها بظهر كفه وهو يرمقها بحزن: «حلم اخر؟ أنه مجرد حُلم.. سولي.»

ابتسمت سولين له، وظهرت تتقطيبه بين حاجبيها تنم عن تفكيرها وهي تقول بمزاح: «أعتقد.. أنني عقدت عقد سلام جديد!»

ضحك لوكاس بعدم فهم: «ماذا؟»

رفعت سولين جزعها العلوي فجأة تأخذه في عناق: «ايًا كان ما يحدث لا تتركني بمفردي، صوتك بمفرده منقذي من الظُلمات يا لوك.»

شدّ على عناقهم وهو يؤكد لها: «لن أفعل أبدًا.»

استنشقت الهواء وهي تبتعد. نظرت له بتساؤل. «أين والداي؟»

: «بعد طردي بسبب هذه المخبولة.. لقد غفوتي وطردونا جميعًا من غرفتكِ بمَن فيهم والديكِ،»

توقف عن الحديث بتردد لانه ذكرها بما فعلته أريكا هكذا، اخفضت سولين عينيها وهي تقول بابتسامة: «لا بأس، على كل حال لقد تسرعتُ قليلًا..»

زمت شفتيها بارتباك، لا تعلم كيف تتصرف بعد، تتخطي موت أصدقاءها بسهولة، أم ستظل في هذا النفور من كل شيء، وبالكاد تُجاري والديها ولوكاس.

ظل لوكاس يطالعها بتفحص، حتى أدرك بأنها تحاول تتخطى هذا وتعلم بأنه سيكون صعب لكنها تحاول، أشعره بكم هي قوية بالفعل، ابتسم: «أنا فخورٌ بكِ، أنت تحاولين بكُل جهدك في حين آخرين يستسلمون ضاربين بكُل شيء عرض الحائط.. لا بأس إذا رغبتِ في فعل ذلك أيضًا لا أمانع صدقيني، لكنني سوف أمانع اذا اخلفتي وعدت وابعدتني عنكِ، أنتِ روحي يا سولين، وإذا فعلتِ ذلك يومًا سوف تنهار حصوني.»

ابتسمت لكلماته وكادت تدمع عينيها متأثرة ليقترب ينثر قبلاته فوق وجهها وبين القبلة والأخرى يشجعها: «فتاتي قوية، وتستحق الثناء، العالم محظوظ لأنه حصل على سولين باركر، وأنا أكثرهم حظًا لأنها لي وحدي، سولي فقط.»

قهقت سولين بخفة وهي تدفعه، وعندما لم يبتعد صاحت به بين ضحاكتها الخافتة: «لوك، توقف!»

ضحك هو الأخر بينما يشدّ على عناقهم: «ماذا؟ أخبرتيني الا ابتعد، ولن أفعل أبدًا.»

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي