١٧ حادث

يجلسون في الحافلة يغنون بأصواتٍ مرتفعة صاخبة وهم يضحكون بمرحٍ وسخرية على اصواتهم النشاذ على المسمعِ: «أي، بي، سي، دي.. تبًا لك!»

صاحت الفتيات فجأة يجعلون المشرفون والفتيان معاهم في الحافلة ينظرون لهم بريبة لتزداد ضحكاتهم أكثر غير مهتمين بلبعض الآخر النائم، وأخرون يتذمرون من أصواتهم المزعجة بالفعل: «توقفن، لا استطيع النوم!»

ورغم ذلك لم يهتموا مكملين غناءهم المتحامل على الذكور بصورة سيئة: «أنت وأمك وسيارتك الفارهة!»

: «وما بها أمي يا أماندا؟»

تساءل الفتى التي ارتبطت أماندا به مؤخرًا ويضحكن الفتيات على ارتباك أماندا وتحاول التبرير له: «أنها مُجرد أغنية.. لم تعجبني على اي حال!»

تراجعت سريعًا تترك سولين والفتيات عائدة للجلوس جواره بينما تبتسم له باستاع وهو فقط ضحك يهز رأسه غير مصدقًا فعلتها.

ويغلق سائق الحافلة الأضواء مشعلًا موسيقا هادئة بينما يخبرهم المشرف ببسمةٍ هادئة مستمتعة بنسيم هواء الليل المنعش تعززه الاضواء المريحة للعين: «انظروا على يساركم واستمتعوا بالمنظر الليلي.»

الليل المظلم يعم الطريق بأكمله دجي هو يرافق الوحدة، ومنظر المدينة من أسفل التل الذي تسير الحافلة علي احدي طرقه مهيب وكأنه قطعة جمر بين دسامة ظُلمة الصحراء، هذه الأضواء الصغيرة مختلفة الألوان تُعطي منظر رائع في النهاية ممتزجًا بالهدوء والموسيقا الهادئة.

: «تَعلمين لِماذا سُمي سبونج بوب بهذا الاسم؟»

تساءل چاسمين تهمس بسؤالها إلى سولين الجالسة جوارها، وتطرف سولين بعدم معرفة تجيب دون تفكير حتى: «لا اعلم، لِمَ؟»

ابتسمت چاسمين بثقة تجيبها: «لأنه اسبونج بالفعل بوب مثل حلوى لولي بوب.»

ضَحكت سولين على مُزحة چاسمن غير المرتبة وتحمد ربها أنه ليس سؤال فلسفي وانما معلومة في غاية الأهمية، وعندها تذمرت روز بسخطٍ لكونهم يكسرون حاحز الهدو ءوهي تريد تصوير المنظر مع الموسيقا: «لقد افسدت المقطع المصور خاصتي!»

دفعتها سولين بمزاح وهي تضحك باستمتاع هي وجاسمين لاستطاعتهم تعكير صفو روز بينما الأخرى تعثرت تقع بين صفين المقاعد وهي تصيح بها والابتسامة لم تفارق وجهها رغم ذلك: «سولين للجحيم.»

ضحكت سولين وچاسمن بصخب، وتجيبها: «لا تقلقي لن اذهب بمفردي.»

بينما الفتيات خلفهم ضحكوا وأحداهم قالت لهن بمزاحٍ: «انتم لئيمات.»

ساعدت جينفر روز على الوقوف.

قهقهت سولين تأتيها نوبة ضحك دون سبب هي وچاسمين وتحاول كتم قهقهتها بينما تجيب لوكاس الذي يهاتفها: «مرحبًا!»

وأتاها صوت لوكاس المبتهج عبر الهاتف: «ستعود حُلوتي خلال نصف ساعة، أنتظركِ.»

عبست روز وهي تنظر إلى چاسمن بلؤم، وسولين تضحك وهي تهاتف لوكاس بسبب كلماته الغزلية المعتادة، لكنها صرخت فجأةً بهلعٍ وهي تتعثر مرة أخرى، لكن هذه المرة بسبب أنعطاف الحافلة فجأة.

لم تجيب سولين لوكاس حينها، تحول ناظريها إلى روز تزامنًا مع صراخها بقلقٍ تمد يدها لها سريعًا تمنعها من السقوط، ولكن فجأةً وفي لحظةٍ مصيرية بحتة شعرت بأن كل شيء يسير ببطيء غير معهود..

صرخة الاستاذة من مقدمة الحافلة في السائق الذي فقد السيطرة على الحافلة: «احترس!»

إلى صرخة روز وهي تتعثر، وعيون چاسمن المتسعة وهي تنظر من نافذة الحافلة تطالع سقوطهم من المنحدر والصخور المبعثرة لن ترحم سقوطهم.

صوت ضحكات الطلاب التي تختفي تدريجيًا وتتبدل بـ أصوات صراخهم المفزوع والمروع من صدمةٍ حتمًا ستودي بحياتهم، وفجأةً هي لم تشعر بشيء وكأنها طرقعة أصبعان وانتهى في لمح البصر وكأن لا شيء.

ظهر غزال فجأةً في منتصف الطريق يجعل السائق ينعطف بقوة حتى اصتدم بصخرةٍ تسببت في تصدع الاندفاع مما جعل الحافلة تنقلب مع سرعة محركها لم يكن الأمر بهيّن أو بسيط.

انقلبت الحافلة اكثر من مرة وفي كل مرة تتحطم اكثر فأكثر حتى قضت على جميع من بها.

لا يُسمع صراخ أحدهم كل ما يُسمع هو صوت إنقلاب الحافلة وسقوطها من المنحدر بكُل قسوة وأصوات تهشيمها يمكنه اخبارك بحجم الضرر الصادر من مجرد انعطاف لانقاذ روح الغزال الصغير، وصراخهم الخائف، والمنصدم تم كتمه أثر صدمتهم بما يحدث لهم. بعضهم أودع حياته في اللحظة الأولى وبعضهم جرحه كان سيظل علامة تجعله يكره نفسه طيلة حياته.

استقرت الحافلة في الأسفل مع إستعادة سولين وعيها بما يحدث حولها، بأنفاسٍ متقطعة ومتهدجة حركت مقلتيها حولها لتبصر فقط الدماء، استعادة وعيها بالكامل ولكنها تَمنت أنها لم تستعيده من هول المنظر.

وكأنه تم صفعها وظلت تبكي لمدة يومين بلا توقف، الانهاك ما ينبض به جسدها تشعر بروحها تكاد تغادر جسدها اثر الصدمة التي تلقاتها للتو على حين غره: «آه.. روز؟»

همست بانهاكٍ تمد يدها جوارها لعلها تجد رفيقتها التي كانت تتمسك بها منذ لحظاتٍ.

لم تستشعر وجودها حتى وفقط ما تلمسه هو بركة من الدماء الدافئة واللزجة، أدارت رأسها للجهة الأخرى بصعوبةٍ تنادي على صديقتها الأخرى: «چاس.. يا چاسمين..»

ابتلعت رمقها بصعوبةٍ تبلل رمقها الذي جف اثر رؤية صديقتها التي تجلس بجوارها زجاج النافذة يخترق جسدها بأماكن متفرقة والدماء تسيل منها بغزارة.

صرخت سولين بجزعٍ غير مصدقة رؤية چاسمين تحاول الوصول لها حتى صرخت بألمٍ بسبب المقعد الواقع فوقها يعيق حركتها وتنفسها، تصرخ بالكلماتٍ حاولت التحدث وهي ترتعش ألمًا وخوفًا: «چاس، چاس أجيبيني.. يا إلهي!»

بَكّت بصوتٍ مرتفع وهي تري رأس چاسمن بأكمله يملئه السائل القاني وجسدها يحمل من الثلج برودته، ظلت تدفع المقعد بحركاتٍ عشوائية ومُرهقة لعلها تستطيع إنقاذ صديقتها غير راغبة في تصديق حقيقة موتها: «چاس.. ستكونين بخير.. تماسكِ.»

حاولت تحريك رأسها للجهة الأخرى لعلها ترى أحد يساعدها لكنها فقط ابصرت روز، وما أن فعلت شهقت ببكاءٍ وتصرخ بهيستريةٍ تكاد تصاب بالجنونِ: «لا، أرجوكم لا تفعلوا هذا بي.. لا تمزحوا معي.. روز!»

صرخت وهي تنادي اسمها لعلها تجيب، لعلها تخبرها أنه كذبة ابربل أو ما شبه، لكن لا حياة لمَن تنادي حتمًا.

ساق المقعد الحديدية مغروزة بمعدتها تبصره سولين كقرص الشمس صوب عينيها، ورأسها التي على أرضية الحافلة تلوثت بدماء رأسها ومعدتها صانعة بركة أسفلها تجعل سولين تنتحب أكثر وأكثر حتى تساءلت بجنونٍ: «كيف؟ كيف؟ چاس.. روز.. يا رفاق أتتركوني بمفردي؟»

أشاحت بوجهها تصرخ بكامل قوتها قبل أن تخور وتحاول دفع المقعد الذي انثني حديده حتى أصبح واقعًا فوقها: «اخرجوني من هنا..ساعدوني! ساعدونا!»

صوت الأنين كل ما يصل لمسامعها، أصواتهم خافتة للغاية تناجي الحياة في اخر لحظاتهم، تستمع لأخر شهقاتهم.. شهقة الوداع وصعود الروح لتنشتر البرودة حولها ودموعوها تسري على وجنتيها دون توقف تهمس لهم بخفوتٍ منهك: «يا رفاق.. لا تذهبوا بدوني، لا تتركوني بمفردي أخاف الوحدة..»

المقعد واقع فوقها يمنعها من التحرك، وساقها علقت بين المقعدين الذي أمامها، تخور قواها رويدًا، وتفقد الأمل أكثر، ويتيقن لها بأنه لا يوجد مفر، سيأتي دورها وستصعد روحها كذلك وتِلك الحقيقة جعلت دموعها تنهمر أكثر وتلتحف الغصة حولها: «لا أريدُ الموت.. أنا خائفة.»

لم يمر الكثير ولم تستمع إلى صوت أحد، فقط صوت طقطقة معدن الحافلة أثر الحُطام هو ما يصدر في هذا الوقت المُهيب، صمتٍ بشع يعم المكان يزيده وحشة وحلكة.

أغمضت عينيها وهي تكرمش ملامحها بألمٍ وتأن بخفوتٍ تحاول كمكمة فمها وكأن وحشًا ما سينقض عليها اذا خرج صوتها، أرتعاش جسدها وشفتيها وهي تدعو بأن ينتهى هذا سريعًا، أن يكون حلم وتستيقظ منه.

صرخت بألمٍ وهي تحرك المقعد الذي ضغط على صردها أكثر يمنعها من أخذ انفاسها، لكنها عندما ترفعه يضغط على ساقها لذا تركته فجأة ووقع عليها مره أخرى جعلها تأن وهي تشعر بالعجز والحسرة.

نظرت حولها وهي تبكي بصمتٍ، خوف، جزع وحزن يفتك قلبها، مشاعر متضاربة لا تستطيع تحدديها، لا تستطيع التفكير حتى فما يحدث لها مُفجع.

تنقل نظرها حولها بعيونٍ زائغة مترقرقة بالدموع وهي لا ترى أحد على قيد الحياة، روز، چاسمن، جينفر، ستيلا.. جميع أصدقائها المقربون لا يجيبنّ، لا أحد معها هي وفقط في الظلام.

صمت مُرعِب يعم المكان، مُظلم عدا من ضوء القمر الذي يتسلل يريها بأنها الوحيدة من تبقت على قيد الحياة.

مر الوقت وما زالت تتألم نفسيًا وجسديًا، وعندما كادت تفقد الأمل وتستسلم كليًا استمعت إلى صوت رنين هاتفها يكسر حاجز الصمت ينير العتمة ويشعرها ببريق الأمل.

فتحت سولين عينيها بضعفٍ، تأخذ أنفاسها بصعوبة، كرمشت ملامحها بألم تحاول إبعاد المقعد ولو قليلًا، نظرت إلى أرضية الحافلة حيث مصدر الصوت لترى الهاتف يضيء بالفعل.

إنتهى الرنين، ولكنه عاد مرة أخرى وعندما أضاءت الشاشة وجدته بجوار ساقها يبعد بضع انشات فقط.

صرخت بألم غاضب وهي ترفع المقعد قليلًا وتحاول لمس الهاتف بيدها الأخرى، ظلت هكذا تنتهي النغمة وتُعاد مرة أخرى بدون توقف، حتى أخيرًا أستطاعت الوصل لزر الموافقة على الاتصال فقط.

استرخت عضلاتها بضعف وتقول بصوت خافت وعينيها تنغلق: «المساعدة.. أنا في حاجة للمساعدة.»

ازدادت البرودة وازداد ألم جروح جسدها لتصرخ وهي تحاول با توقف ابعاد المقعد لكن بلا حيلة ولا قوة استطاعت لم يتحرك المقعد من دفعاتها الواهنة وانم جسد صديقتها الساكن يدب الرعب بأوصالها لا غير.

صاح لوكاس يحاول تدارك سبب صراخها وتألمها: «سولين، ما الذي يحدث؟»

ظل يردد اسألته لكن لا يوجد رد سوى صراخها الذي ينقط تارةً متألم، وتارة خائف، تارة ساخط ومتذمر مشاعرها هوجاء لا تستطيع السيطرة عليها والصدمة؟ أنها تحوذ على بدنها بلا رحمة.

حتى خارت قواها ولم تشعر بشيء حولها سوى غيامة سوداء تُعمي عينيها وصوت لوكاس المضطرب هو ما يتردد داخل الحافلة.

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي