٢١ مبادرة

ظلت إبتسامته مرسمة على وجهه حتى دلف إلى الغرفة التي بها سولين، طرق الباب عدة مرات بنغمةٍ منتظمة يجذب انتباهها وابصارها وهو يسند جزعه العلوي على الجدار يبتسم لها بجانبية يمثل كأنه فتي سيء جدًا: «أهلًا، سولي.»

رفعت نظرها تنظر له وأبتسامة بسيطة مرتسمة على شفتيها وكأنها تُحيه هكذا تُتمتم بخفوتٍ: «مرحبًا!»

اطال نظره بها حتى لاحظ بأنها تجبر نفسها على الأبتسام بينما تقبض يديها بقوة حتى أبيضت مفاصلها، اختفت إبتسامته تدريجًا وهو ما زال ينظر لها لتشيح بصرها عنه تحاول تهدئة اضطراب خواطرها من رؤيته.

«الجميع يذكرها بهم، وهو خاصةٌ مثل الملح فوق الجرح لقد كان دومًا معهم، في كُل صغيرة وكبيرة، في كُل شجار وحديث كان هو الذكر الوحيد الذي سُمح له دخول نادي النساء السري.»

أقترب منها يجلس على حافة السرير بمسافة لا بأس بها، يعلم رهبتها الان من التلامس، يعلم مدى تأثرها وارتجافها من مجرد الاقتراب من محيطها، حرك يده بروية فوق الفراش وكأنه يرتبه أسفل نظراتها المتفحصة والمترقبة حتى لامس أصبعه يدها ويقول وهو ينظر ليديهم: «ألم نتفق من قبل، سولي؟»

ابتسم بمراعاة يقترب أكثر ليلمس يدها، ويسترسل: «ألم نتواعد اننا سنتخطى كُل شيء معًا، يدٌ بيدٍ، أنا ما زالتُ هُنا جواركِ وأمامكِ وخلفكِ.. سأكون حولك دومًا أن لم يكن بجسدي فقط سأكون بقلبي وعقلي منتظرين لحظة ألتفاتك لنّا.»

مرر يده فوق راحة يدها ويلحظة استسلامها لتِلك اللمسة، ويسترسل بعدم إعجاب: «لا تجبري نفسك على شيء لأجلي، أو لأجل أي شخص يقربك، فقط كوني كما ترغبيني وافعلي ما يُريحك، نحن نشجعك لأننا نُحبك ونريد الأفضل لكِ ليس لعدم محبتنا ما أنتِ عليه، لذا رجاءًا لا تزيفي ابتسامتك.»

زمت شفتيها وهي تشيح بعينيها وتؤمي برأسها بصمتٍ مطبق كما هو الحال مُنذ استيقاظها، تنهد لوكاس ويمثل الحزن يعبس في وجهها بمخاصمة عفوية: «إذن لا تريدين التحدث معي، هاه؟»

طالعته سولين وهذه المرة تشجعت أكثر تنظر إلى عينيه البُنية ذات التشعب العسلي بهما، تمسك بيده لا تنفره وتنبس بخفوتٍ ومحاولة الخروج عن صمتها أسفل هز رأسه لها بتشجيعٍ: ليس هكذا.. أنا فقط لا أستطيع الأن.»

ضحك لوكاس وهو كُل ما رغب بع سماع صوتها فقط، قرب يدها من فمه يُقبلها بحنوٍ ولطف قائلًا بتفهم: «لا بأس، سولي. لا بأس عزيزتي أنا أثق بكِ، وأعلم أنكِ قوية للغاية حتى تتخطي ما حدث والبدء.. بالطبع معي من جديد.»

أغمض عينيه بثقة وتفاخر في نهاية جملته.

أبتسمت سولين بخفه وهي تؤمي كتأكيد له وقبل أن يهمس لها بكلماته الغزالية دلفت الممرضة وهي تبتسم بأتساع وتقول بمرحٍ: «بطلتنا، كيف حالك اليوم؟»

اومئت لها سولين قائلة بهدوءٍ وهي تنظر إلي لوكاس بملامح هادئة مرتاحة: «أنا بخير.»

وقفت الممرضة أمامها تضع يديها فوق خصرها تقول بتأنيب مزيف: «تعلمين بأن يجب عليكِ التفاعل أكثر مع الطبيب النفسي صحيح؟»

اومئت لها سولين بمعرفة فأردفت الممرضة مرة أخرى وهي تُأنب لوكاس تبك المرة: «ألست حبيبها الذي حصل على قلبها التي حافظت عليه لمدة ثلاثة عشر عام؟»

ضحك لوكاس بأستمتاعٍ اتخصيصها له ويقول بتفاخر يقرب يد سولين منه أكثر بتأكيدٍ: «أجل أنه أنا.»

ابتسمت سولين تزفر الهواء اليائس منه مما جعل لوكاس ينظر لها بأبتسامة هادئة وسعيدة برؤيتها تبتسم، حمحمت الممرضة وهي تقول باستحقار تجاه لوكاس: «أيجب علي الخروج الأن وجلب لكم مشروب ما؟»

رمقها لوكاس ببردو حتى اشاح وجهه ينطق بتقزز وكأنها في مثل عمره: «قاطعة اللحظات.»

كرمشت الممرضة ملامحها بسخريةٍ منه في غاية اضحاك سولين التي همست: «لا أمل منه!»

انحنت الممرضة تهمس لها كذلك: «اعلم منذ أن كان طفل بكفولة.»

ثم نفضت سيابها تأخذ قناع الجدية وكأنها لم تلقى قنبلة على مسمع لوكاس و تقول إلى سولين: «يوجد فحص على يدكِ وساقكِ بعد أن تقابلي الطبيب خاصتك، ويجب أن تتفاعلي معه هذه المرة أنه لصالحك، سول. إذا كنتِ تَرغبين في الخروج مِن تِلك المشفى يجب أن نقدم تقرير أنك بخير تمامًا. حسنًا، سول؟»

صاح لوكاس فجأة يصحح ما قالته: «لقد نسيتِ سول خاصة لوكاس.»

رفع ذقنه بتباهي أكثر بينما تجاهلته الممرضة بتقصد ممازح.

تنهدت سولين بثقلٍ وهي تؤمي إلى الممرضة، وربت لوكاس فوق يدها يخبرها بنبرة حنونه للغاية وهو يرمق الممرضة بطرف عينيه في غاية اثارة غيظها: «لا تقلقِ يا عزيزتي سوف أظل جواركِ للأبد.»

: «لا تقل فقط للأبد سوف تخيف الفتاة هكذا!»

تذمرت الممرضة وهي تقول بسخرية وتضحك عليه: «من يراك الأن، لا يراك وأنت تبكي مثل الطفل بجوارها كل ليلة.»

اتسعت أعين لوكاس ينظر لها بتحذيرٍ، وأعتلت حمره خفيفه لوجنتيه من إفشاءها لِسره الصغير أمام سولين.

«فـ كما يقول دومًا من أهم سمات الرجُل الا يسقط أمام فتاته، في أعمق ظُلماته يجب أن يتماسك لأجلها.. وهو أول مَن سقط فوق ركبتيه يناجي الرب على ما اصابه من فاجعة.»

رفعت كتفيها وهي تخرج من الغرفة وقبل ان تخرج قالت بتقزز مستنكر: «ما ذنبي حتى أري هذا المنظر يوميًا؟ اطفال يظنون أنفسهم ناضجين!»

أسندت سولين ظهرها ضد لوح السرير وهي تبتسم بخفة إلى لوكاس، قد استمعت له أكثر مِن مرة يبكي بالفعل لكنها كانت تظنه وهم.

«تَتخبط هي بين الوعي واللا وعي، حتى أصبحت لا تستطيع التمييز بين الحقيقة مِن الخيال، أشباحهم تداهمها وتحاوطها من كُل جانب وهذا يزيدها تخبط.»

رمقها لوكاس بطرفِ عينيه قائلًا وهو يشير إتجاه الباب حيث خرجت الممرضة ويبرر: «بكُل تأكيد لم يحدث ما قالته للتو، تَعلمين أنا رجُل سيظل متماسك في أبشع لحظاته لأجل فتاته.»

رفعت حاجبيها بتساؤل ثم تغمض عينيها تهز رأسها بيائسٍ وابتسامة شبحية لاحت فوق ثغرها: «كاذب، أعلم أنك قد تفعل ذلك.»

رفع لوكاس حاجبيه بتفاجؤ من تفاعلها معه، ويستغل ذلك يرمقها بمكرٍ بينما يحرك أصابعه فوق راحة يده: «وتَعلمين عني ماذا أيضًا؟»

فتحت عينيها تنظر إلى وجهه القريب المبتسم لأجلها فقط، أبتسمت باستسلامٍ لشعورها بالذنب تدفعه إلى أبعد نقطة تضع يدها فوق وجنته وهي تقول بعيونٍ شاردة: «بأنك ستساعدني وسوف تظل جواري، لأنني في حاجتك.»

: «إلهي!»

همس لوكاس غير مصدقًا مبادرتها للمسه، وكلماتها الصريحة، وضع يده فوق خاصتها يغمض عينيه يتنعم بتلك اللحظة الحاسمة: «كم أرغب في معانقتك، وقول لكِ بكثير من الأشياء، لكن أقسم لكِ أشعر أن والدتك تراقبني وفي أي لحظة ستنقض علي الوحش الكاسح تكسر عظامي كما تُخبرني دومًا.»

فتحي عينيه ليطالع بسمتها الخافتة ويسترسل بجدية: «أتعلمين عندما كنتِ فاقدة وعيك قبلت يدكِ فقط لذا طردتني ومنعتني من زيارتكِ ليومين.. حتى عودتُ أبكي لها وقد سامحتني تدعني أبقي جوارك.»

لانت عينيها تنظر له بعاطفة جياشة، ويسترسل لها يشتكي عما حدث له في غيابها: «لا تعلمين كيف أشعر الان، لقد شعرتُ بأنني ميت وأنتِ مغمضة العينان، سولي. لقد كان جحيمي رؤيتك مستلقية لا حول بكِ ولا قوة، أكنتِ تشعرين بي حتى حينها؟»

حركت أصابعها فوق وجنته تحاول مواساته، تحاول اخباره، «أنه دومًا في بالها، أنه أول مَن لاح في عقلها تحمد ربها أنه لم يكن يتواجد معهم، تريد أخباره أنه خير رفيق وخير صديق، انه متشعب بها لشعورها به في احلك ظلماتها، أنه دومًا مصباحها يُضيء ظُلمتها.»

حمحم لوكاس يبعد الغصة التي التحفت حول عنقه، يسترسل بمزاحٍ: «إذا دخلت والدتك الآن ورأتني أمسك يدكِ فوق وجنتي سوف تطردني قائلة أنني اتحرش بكِ.»

هزت سولين رأسها غير مصدقة حديثه، وكونه لم يتغير أبدًا عما كان عليه.

..

يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي