الفصل الثالث عشق من النظرة الأولى

بالرغم من ذهابها بدوني لتلك الحياة الرغدة إلا أني شعرت بالحزن الشديد خلال هذه الشهور القليلة المتخمة بالوحدة القاتلة، تلك الوحدة التي جعلتني أقسم أن لا استطيع العيش بدون حضن أمي الدافئ

كان ترك جانبها من أسوأ القرارات التي اتخذتها خلال حياتي، في البداية كنت أظنني أستطيع العيش بدونها، أحيا حياة طبيعية أتحمل فيها مسئولية نفسي ولكني كنت مخطئة لأني كل يوم كنت أشتاق إليها بشدة.

بسبب مشاغلها الدائمة التي لم تنتهي تجعلها لا تنتبه لدراستي وحياتي اليومية كمعظم الأمهات، ولكن كانت لديها عادة تفعلها دائما قبل خلودها إلى النوم وهي أن تدخل غرفتي وتبحث عني من أجل الاطمئنان.

كانت أول شيء تفعله فور دخولها المنزل هو فتح باب غرفتي حتى تملأ عينيها وتتأملني حتى يطمئن قلبها وتسألني عن كيفية مرور يومي.

فكانت تسألني فور رؤيتي:
- عزيزتي هل تناولتِ الطعام؟!

حدقت بها بإحباط وتنهدت يأساً:
- نعم يا والدتي الحبيبة.
كان سبب إحساس الإحباط هو قلقي الشديد لانشغالي بالمذاكرة:


تسمرت والدتي بجوار الباب تتأمل وجهي للحظات بقلق، كان يظهر على وجهها الحزن بسبب إرهاقي الدائم في الدراسة.

اقتربت والدتي تسألني:
- هل أصنع لعزيزتي كوب الكاكاو اللذيذ الذي تعشقه؟

حدقت بها مبتسمة تركه المذكرة حتى اسألها:
- هل سوف تجلسين حتى أنتهي من تناوله؟!

اتسع فمها بضحكة خفيفة أشعرتني بالسعادة الغامرة وقالت:
- بالطبع عزيزتي فأنا أشتاق إليكٍ بشدة.

أين هذه الأيام الهادئة الجميلة التي لم أشعر فيها بالحرمان رغم فقرنا الشديد حينها، ولكن الآن رغم توفير الأموال اللازمة.

لكنني أشعر بشيء أكبر بكثير من الفقر وهو الحرمان من والدتي الحبيبة غيابها أثر بقلبي كثيراً.

أشتاق إلى هذه الأيام الجميلة كثيراً لم أكن أعلم ن هذه الأشياء الصغيرة سوف تفرق كبيراً في حياتي.

أشتاق إلى جلوسنا معاً والاستماع إلى يومها أثناء العمل والمشاكل التي تمر بها ومديرها الغاضب الذي يؤنبها دائماً، ومدى سعادتها بتفوقي واجتهادي في الدراسة حتى لا أصير مثلها في هذه الحياة القاسية.

بعد انتهائي من الامتحانات جمعت كل أشيائي الهامة وأرسلتها إلى العنوان الذي تركته والدتي، واخذت حقيبتي المدرسية ووضعت بها الأشياء الهامة الصغيرة وودعت المنزل لآخر مرة ورحلت.

صعدت إلى القطار المتجه إلى محافظة القاهرة، وعند وصولي لم أهاتف والدتي حتى لا أرهقها في الحضور، لذا أخذت سيارة أجرة وذهبت إلى العنوان الذي تركته والدتي ذهبت إلى هناك.

عند وصولي إلى هذا العنوان صعقت من هذا المنظر الذي وجده أمام نظري، كانت فيلا كبير ملحقة بحديقة بداخلها حمام سباحة.

كنت أتأمل المكان بذهول أنظر إلى البوابة الكبيرة المفتوحة على مصراعيها بإعجاب لذا دخلت حتى وصلت إلى الباب.

أتساءل أمام هذا المنزل الضخم بذهول:
- هذا الرجل لم يكذب! هل هو حقا ثري؟ كم أنتِ محظوظة يا والدتي العزيزة.

تسمرت للحظات أتأمل المكان قبل الضغط على جرس الباب؛ ولكن عندما قررت الضغط على الجرس عند رفع يدي قبل أن أضغط فتح الباب لوحده من الداخل، فجأة وجدت شاب وسيم خرج أمامي وجهي.

للحظات لم استطع التوقف عن التأمل في وجه ذات ملامحه المشرقة، كانت أشعة الشمس الموجهة على عينيه تسببت في ذهولي للحظات.

اقسم أني حينها شعرت بقلبي يتراقص بدون سبب لأول مرة، أصبح وضعي غير مستقر بسبب تلك العيون العسلية التي كانت تلمع وتبرز تحت ضوء الشمس الحارقة.

هذا الشاب الذي أظنه لم يراني جيداً بسبب أشعة الشمس التي تحجب نظره عن وجهي ورغم ذلك رأيته بوضوح شديد.

كانت بشرته الفاتحة المشرقة التي تبرز تحت أشعة الشمس، وعينه اللامعة التي تتلألأ كالذهب الأصفر تحت ضوء الشمس.

بعد تسمري أمامه للحظات سألني بفضول:
- من أنتِ؟!

حدقت به بإعجاب وخجل وأخبرته:
- أنا ندى.

عندما سمع اسمي تغير وجهه المعجب إلى وجه متهجم وحدق في بغضب لذا ابتسمت بخفة وسألته:
- من أنت؟!

تنهد بغضب وحدق في وبسخرية أخبرني:
- أنا صاحب المنزل.

عندها علمت أن هذا الوسيم من أفراد الأسرة الجديدة، وتذكرت عندما أخبرني زوج والدتي أنه لديه ابناً شاباً في كلية الطب.

بعد صمت للحظات من التحديق في وجهه هذا الوسيم بإعجاب سألني:
- ماذا تفعلين هنا؟!

عندها تجاهلت سؤاله الغريب وضحكت برقة وسألته بإعجاب:
- أظن أنك أخي الجديد؟!

فجأة تحول الهدوء إلى عاصفة شعرت بها قلبي عندما تغيرت ملامح اللامبالية إلى غيظ وغضب عارم مخيف.

عندها تحولت نظرات الأعجاب والسعادة التي كانت تسكن وجهي إلى صدمة وقلق وسألته:
- أريد مقابلة والدتي؟

حدق باستياء واستصغار وتركني واقفة أمام باب المنزل بدون كلمة وذهب مبتعداً.

حينها تسمرت مكاني لمدة من الوقت لم أستطع التحرك من مكاني أو التفكير بشيء بسبب تصرفاته الصبيانية، حتى جاءت والدتي مسرعة إلى الباب.

وعند رؤيتي كانت تسألني بمائة سؤال في الثانية:
- ابنتي الغالية متى وصلتي إلى هنا! لماذا جئت بمفردك! ادخلي بسرعة؟

سحبتني والدتي من الخارج إلى داخل المنزل وهي في غاية سعيدة وتسأل:
- لمياء لم تتصلين تخبرني أنك سوف تصلِ اليوم؟!
- لم أريد أن أشغل بالك بالقلق.

كانت والدتي تسألني الكثير من الأسئلة ولكني لم أجب عليها لأن كان حينها تركيزي بأكملها منصوب في مكان آخر وهو ذلك الشاب الوسيم العنيد الغاضب وأتساءل:
- لماذا تصرف هذا الشاب الوسيم هكذا؟ هل هو رافض زواج والده من والدتي!

بعد انتهاء أسئلتها الكثيرة أخذتني إلى غرفتي الجديدة في الطابق العلوي وأخبرتني:
- عزيزتي هذه غرفتك من الآن.

تفحصت المكان من حولي ووجدت أمام غرفتي غرفة مغلقة لذا نظرت إلى والدتي و سألتها بفضول:
- هل هذه غرفتك؟

- لا هذه غرفة ابن زوجي ولكن حاولي عدم الاقتراب من هذه الغرفة وتجنب هذا الشاب.

تملكني الفضول عن هذا الشاب المغرور لذا سألتها بفضول:
- ما اسم هذا الشاب الوسيم؟

- ثائر.
- ثائر! هل هذا اسم أخي الجديد ثائر؟

كانت تعلم والدتي بمدى اشتياقي في أمتلك أخ كبير لذا تنهدت بحزن وأخبرتني:
- أتمنى بأن لا تناديه أخي.

حدقت بها غاضبة متسائلة:
- لماذا تخبرني بذلك! رغم علمك بأني اشتياق في وجود أخوه في حياتي منذ الطفولة؟

أجابتني بإحباط وتوتر غريب:
- أظن أنه يكره هذا اللقب.
- لماذا؟!

أمسكت يدي وسألتني بحزن وقلق:
- طفلتي العزيزة أتمنى تطيعى أوامري؟

التفت حدقت في هذا الباب المغلق بإحباط الذي أصبح مكان محرم الاقتراب منه.

عدت بنظري إلى والدتي التي لحظت القلق والتوتر يتملكها لذا أخبرتها:
- حسنا والدتي العزيزه لا تقلقي لم اقترب من هذا الأخ الوسيم، ولكن للأسف كنت أريد أن يكون لدي أخ بشدة.

أجابتني بتوتر وحزن:
- طفلتي الغالية لم أرد أن أحزنك ولكني طلبت منك ذلك لأن هذا الشاب عندما يغضب يصبح مثل الثور الهائج، ولم يستطع أحد أن يوقف غضبه بسهولة وأنا لا أريده أن يؤذيكي بتصرفاته الأنانية.

حدقت في والدتي بفضول من حديثها المخيف من هذا الشاب المجهول بالنسبة إلي، وعندما وجدتني محبطة وساورني الفضول من حديثها الغريب.

ضحكت والدتي ضحكة رقيقة هادئة وأخبرتني:
- طفلتي العزيزة لا تهتمي من حديثي وتصرفي كما أنتِ بطريقة طبيعة من الممكن أن هذا الغاضب مع الوقت يتعود على وجودنا في هذا المنزل.

التفت والدتي وفتحت غرفتي الجديدة، وفور دخولي شعرت بالذهول كانت الغرفة غاية في الجمال تلك الغرفة التي وجدت فيها كل شيء كنت أحلم به.

شعرت بانبهار من هذه الغرفة الجميلة وسألتها:
- والدتي العزيزة هل هذه حقا غرفتي؟!
- نعم لقد جهزتها مع زوجي من أجلك.

سألتها باندهاش:
- هل حقا هذه الغرفة حقيقية وليس خيال؟!
- نعم، لمياء أنا سعيدة جدا لأن الغرفة أعجبتك.

ضمتني والدتي بشوق وحب وسعادة وأخبرتني:
- خذي قسط من الراحة الآن حتى موعد الغداء.
- حسنا والدتي.

قبلتني وقالت:
- أحبك.
- وأنا أيضاً أحبك.

بعد ذلك تركتني أستريح ورحلت حتى تعد الطعام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي